18 ديسمبر، 2024 7:56 م

في صباح يوم خريفي جميل، وتحت رذاذ مطر خفيف امسكت بمظلتي وخرجت أشكو همٌ بلدي لغابة مجاورة. تتساقط الاوراق والزهور امامي بهدوء بعدما اكملت دورتها في الحياة . مددت يدي الى زهرة مازالت تتشبث بغصنها. شيء بغيض ان افرق بين زهرة وغصنها وابغض منه ان اقطع الزهرة واكسر الغصن واشد بغضاً ان اسحقهما باقدامي لان جمالهما يفضح قبحي وانانيتي!
توالت زخات مطر متقطعة لم تفلح في قطع خواطري ، انه عام ١٩٨٠ في مسجد الرسول ص في مدينة الثورة وبمناسبة مولد الرسول ص على ما اتذكر وكان التجمع يحمل طابع التحدي للدولة اذ اقتحم الجيش الشعبي علينا المسجد بزخات من الرصاص في الهواء لارعابنا ولم يصب أحد..اكتفوا بارعابنا ! اما في زمن الديمقراطية فحين يصرخ الجائع ويهتف العاطل عن العمل ويخرج المسحوق ليسترد كرامته يأتي الجواب أربعة آلاف بين قتيل وجريح!
غريب امر هؤلاء!
إن من لا يعتبر بغيره فهو احمق. من منهم يملك جبروت وطغيان وسطوة وكاريزما صدام؟!
صدام الذي كان يعد له الطعام في عشرات القصور في آن واحد تحول الى جليس جرذان في حفرة قذرة بمجرد ان تخلى شعبه عنه واسلمه الى قدره، أما اصحابنا هؤلاء فمنسوب شعبيتهم يلامس الصفر واما قوة الكاريزما لديهم فلاتتعدى حدود ثيابهم التي يسرقونها من قوت شعبهم، واغلب الظن انهم اذا حانت ساعتهم لن يكونوا جلساء للجرذان في تلك الحفر بل يكونوا هم انفسهم جرذانا.
حين جاء هؤلاء الجاهلون الذين تعرض اكثرهم لاضطهاد صدام تفاءل الناس بقدومهم خيرا فان من تعرض للظلم لابد ان يشعر بمظلومية الاخرين، ولكن تبين انهم فاسدون بالفطرة ومفسدون لكل من حولهم ، حتى اصابوا مفاصل البلد بالشلل التام وصدق قول الفيلسوف البرازيلي فريري : إن المضطهدين (بفتح الهاء) اذا امسكوا بالسلطة فانهم سيضطهدون الناس اكثر من مضطهديهم ( بكسر الهاء).
حاولت الاحتماء بمظلتي اكثر وهممت ان اصرخ باعلى صوتي :أما فيكم رجل شريف ..مالكم كلما جاءت امة تبين انها العن من اختها.. ان العراق يستحق خيرا من هذه الحثالات التي جاءت في غفلة من الزمن !
هممت ان اصرخ واصرخ وانفس عن غيضي لولا خشيتي ان اتهم في عقلي فتماسكت وكتمت صرختي على ان اطلقها في الجموع الزاحفة نحو ميدان التحرير بين اهلي وشعبي مع الذين يرفضون الضيم والخنوع وحياة العبيد وليس للقدر الا ان يستجيب لهم..ومازلت احلق في هذا الخيال الجميل حتى افقت على كسر مظلتي إثر ريح عاتية وعلى رشقات مطر تحمل الكثير مما احمل من غضب.