20 مايو، 2024 11:23 ص
Search
Close this search box.

مطلوب رجال إطفاء لتأسيس مرجعية عربية واعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ الوهلة الأولى قد يعتقد القارئ الكريم أنني أتكلم بصفة دينية لأمر يتعلق بالدين وعلاقته بحياتنا ، ولكني هنا أؤكد بأن كلمة المرجعية هي مصطلح فضفاض يختص برأس كل علم أو عمل أو تفكير ، ولكن لأننا نعيش في بلدان يكون الدين هو الثوب الأساس بحياة شعوب المنطقة وتأريخها وتقاليدها ، فلابد أن يكون الدين محترماً بأدائه كما هي أصوله وجذوره ، وحينما يحدث العيب بمكان ما باسم الدين فأن الخلل بالتأكيد ليس بتعليمات الدين ووصاياه لأنه أمر الله وكلامه ، وهذا متفق عليه ، ولكن بالتأكيد أن الخلل بالتطبيق والتصرف وتوجيه التعاليم .

ولا يستطيع أي أحد أن ينكر أن الموروث الاجتماعي والتقاليد التي يتربي عليها الإنسان في مجتمعه وبيئته هي من تصنع شخصيته وتوجهاته ، وحينما يصبح هذا الإنسان زعيماً أو مرجعاً دينياً في حقبة ما ، فأنه ومهما حاول أن ينتصر بداخله على موروثاته الشخصية التربوية فأنه لن يتمكن ، والدين والفقه والاجتهاد ، قد يصنعون شيئاً مختلفاً مضافاً إلى زيادة في تربيته وصقل شخصيته ، ولكن تظل النوازع المتأصلة توجه مستقبله .

كيف ذلك حينما يصبح هذا الإنسان مرجعاً وزعيماً روحياً ، وهو قد ورث أموراً من مجتمع قد عاش وتربى طفولته وصباه في بيئة مختلفة وبعيدة بتقاليدها ومفاهيمها عن بيئة أخرى احتضنته لاستكمال علمه الديني لا أكثر ، هنا تقع الإشكالية ، وأني حينما أوضح ذلك ، معتمداً على تجارب عملية عديدة ، وجدت على أرض العراق منذ حقب كثيرة ولا تزال .

أن ما جرى بالعراق من تناقضات دينية صنعت وشجعت قيام تكتلات بشرية سميت طوائف وملل ، هي ولدت من رحم الدين الإسلامي الحنيف ، ولكنها تنصلت عن أهم مقومات الدين وهي ( وحدة الدين ) التي تعد مخالفة واضحة لكل من يعمل ويروج تحت عنوان الدين ولكن بثوب طائفي أو مذهبي ، معتقداً أن طائفته هي الأحق والأولى بالقيادة والأتباع ، والآخرون مخطئون ولابد من محاسبتهم والتصدي لهم .

وأننا نعتقد أن أصل الأشكال هو الإنسان نفسه ، ولكن ارتكاب الإنسان الأخطاء والخطايا ، نتيجة فكرة الاجتهاد التي في أساسها هي فكرة نبيلة قائمة على مواكبة التطور بالحياة ومعالجة المستجدات والمنقلبات من أجل حماية الإنسان نفسه ، ولكن كيف إذا أستخدم هذا الإنسان موروثة وتأريخه الذي تربى عليه في مكان وزمان مختلف عن الواقع الجديد الذي عاش فيه ، وهذا الأمر ينطبق تماماً على المرجعيات الغير عربية التي تصدت للزعامة الدينية بالعراق مثلاً وهي تتصرف وفق تربيتها السابقة وخزينها التي ورثته ببلدانها الأم .

تلك المرجعيات وبالتجربة العراقية العملية لم تنجح يوماً في محاكاة الهم الوطني بأي شكل من الأشكال ، ولم ينفعها بشيء أولئك الرجال العراقيين المحيطين بها واللذين يسمون أنفسهم ( ممثل أو ناطق رسمي ) باسم المرجع الفلاني أو غيره ، وهذا الأمر ينطبق على الطائفتين الإسلاميتين بالعراق ، وحتى على طوائف الديانة المسيحية ، ولكن مشاكل وتناقضات وتقاطعات الطوائف المسيحية بالعراق غير واضحة أو ملموسة للعيان ، وذلك بسبب العدد المحدود لأبناء الديانة المسيحية من العراقيين مقارنة بالعدد الأكثر لأبناء الشعب من المسلمين .

العراق خاصة والمنطقة العربية بشكل عام ، بحاجة ماسة لتأسيس مرجعية عربية خالصة من رجال الدين العرب ، وما أكثرهم ، وما أشرف العديد منهم ، على أن تتجاوز تلك المرجعية فاصلة الطوائف والملل ، ويكون لها منبراً ومقراً رئيسياً ، ولا بأس من وجود مقرات أضافية أخرى كفروع رئيسية في مناطق الدراسات الدينية المعروفة مثل القاهرة ، والنجف الأشرف ، ومكة المكرمة .

المطلوب هي البداية ، بأن تبادر إحدى المرجعيات العربية في الدعوة لتوحيد الخطاب الديني والتصدي بقوة ، من خلال فتوى التحريم لأي فتوى أو دعوة للتفرقة أو الإشارة لطائفة دون أخرى حتى نوقف المد الطائفي الذي أكل وقضم حياتنا ومستقبل أجيالنا ، والذي ألهانا عن مصيرنا وما يهدده من تحديات ، بسبب الإهمال المقصود في أشغال الأمة بصراعات مذهبية ، أصبحت على حساب وحدة الدين ووحدة الأمة .

ولا باس أن تحضى تلك المرجعية المشتركة بالدعم الشعبي والحكومي من أجل تقويتها .

أننا نعلم صعوبة تحقيق هذا الأمر بسبب وجود عوامل سياسية تتصرف باسم الدين قد تم تأسيسها برعاية استعمارية في حقب سابقة ، أمثال الأخوان المسلمين ، والحركة الوهابية ، والحركة السلفية ، هذه الفروع الثلاثة ، قد وجدت بالأساس من أجل التصدي إلى أي فكرة للوحدة الإسلامية وإعادة أحياء الأمة ، وللأسف الشديد أن تلك الفروع الثلاثة تمكنت من توظيف الطاقات المادية والثروات الموجودة في أهم بقاع الأرض في جزيرة العرب إلى خدمة المشروع الاستعماري الذي يلبس ثياب الدين ، ولم يتم إيجاد تلك الحركات أصلاً إلا من أجل الوصول إلى ما وصلنا أليه بالوقت الحاضر ، ومن يتتبع فتاوى الحركات السلفية والوهابية يجدها تنحصر بشكل خاص على القتل والتكفير وإلغاء الآخر ، ومن يطلع (على قسٌم الولاء ) الذي لابد وأن يقسمه من سيكون عضوا بحزب وتجمع الأخوان المسلمين الذي أصبح تنظيماً عالمياً ترعاه بالأساس دولاً لا علاقة لها بالإسلام وأن ديانتها الرسمية التي تقوم عليها في بلدانها هي ديانات مختلفة في مقدمتها الديانة المسيحية ، يتأكد أن تلك الحركة تلتقي بنهاية المطاف مع الجهة التي أسست ورعت الحركتين الأخريين .

ولكن من يرجع لملاحظة تأريخ التكوين الديني بصفاته التدريسية الأكاديمية الوسطية المتسامحة فأنه يستدل عليه من خلال مشيخة الأزهر الشريف بمصر التي حاولت العديد من الجهات اختراقها وشرائها من أجل تغيير منهجها المتسامح وقد حصلت فعلاً حالات عبر التأريخ من أجل التأثير على أسلوب عملها وبعثرة مناهجها ، ولكن سرعان ما تفشل ، إضافة إلى مدارس النجف الدينية التي نجت من العبث الأعجمي رغم كثرة المحاولات لسلب تلك المدارس من جذورها العربية الإسلامية الأصيلة .

بقي الركن الأساس هو مكة المكرمة كونها منبع النور والتوحيد ، فأنها تعتبر بعلم الدين وركائزه الربانية المعروفة ، هي محتلة حالياً من فكر ليس له صلة بالإسلام سوى الاسم .

وهنا هي دعوتنا لتشجيع الفطرة المتوارثة في القاهرة أو النجف أن يبادر من يبادر كي تسجل له عند الله ولدى الأجيال القادمة في التأسيس للخطوة الأولى ، والتصدي لمحاولات التفرقة وخراب الدين كما خُربت الأوطان واحترقت.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب