مطعم الكراعين …يقع على مسافة أمتار قبالة المعبد اليهودي وسط مدينة البصرة . هذا المطعم العتيق يقدم لزبائنه( أكرع) الغنم مع الثريد ولا أكلة سواها . إلا انه أزيل من الوجود مطلع الثمانينات مع المحال المجاورة حين قررت دائرة البلدية شق شارع جديد إلى جانب القديم بغية الحصول على ممرين لذهاب وإياب السيارات. الحدادون,أصحاب الزوارق الصغيرة التي تندفع بواسطة المجاديف اليدوية , عمال القطعة في الموانيء , العتالون ,عمال البناء و الشغيلة ممن يمارسون ألأعمال الشاقة … هؤلاء رواد دائمون للمطعم ,الأمر الذي جعله يكتسب طابعا طبقيا . تفسير الإقبال الكبير من جانب هذه الفئات يعود لتدني سعر الأكلة قياسا إلى بقية الأكلات ولأنها تبقيهم في حالة إشباع لساعات طويلة وأيضا لاعتقادهم أنها تديم طاقاتهم المبذولة في أعمالهم الصعبة . كثيرة هي الأشياء التي تلفت الانتباه داخل المطعم . النادل الذي يقدم الطعام يرتدي (دشداشة) تحتها سروال طويل يصل إلى قدميه واضعا الطرف الأسفل من الدشداشة داخل الحزام العريض الذي يطوّق خصره . حال جلوسك ما عليك إلا أن تحدد للنادل كمية الخبز اللازم للثريد.. رغيف واحد أو أكثر كل حسب رغبته وبعدها يأتيك صحن عميق يحوي على زوج من ألاكرع يتربعان على عرش الثريد على شكل خطين متوازيين و من اجل أن يحفظوا للأكلة هيبتها سيكون من النادر أن يأتيك كراع مطروح الى الشمال فيما زميله الآخر ينسدح جهة اليمين. . ذروة اشتغال المطعم عند الفجر… حينها ليس من السهل أن يجد الزبون مكانا إلا بعد انتظار قليل .
وفيما تحلو الأكلة بالنسبة للبعض في الأجواء الممطرة ينخفض الإقبال على المطعم في هذه الأجواء إلى أدنى مستوى بسبب توقف الكثير من الأعمال عند هطول الأمطار الأمر الذي يجبر غالبية الرواد البقاء في منازلهم وعدم التوجه إلى أماكن عملهم . لا سبيل إلى تجريف الكراع إلا باستخدام اليدين إلا أن هذا لا يعد قاعدة ثابتة فمن الجائز أن ترى في المطعم أشخاصا ينفذون عمليات تجريف واسعة النطاق بأسنانهم كما هو الحال بالنسبة لعرانيس الذرة الصفراء المسلوقة بالماء. الملفت الأهم أن صاحب المطعم لا ينادي على أي شخص يغادر المكان
دون أن يسدد الحساب ولا يشير إلى اسمه في سجل الديون إذ لا سجل للديون أبدا… صاحب المطعم يجزم بثقة عالية أن الشخص هذا لا يملك المال حتما وفي حال امتلاكه سيعود يوما ليشطب ما في ذمته من مال ولا بد أن يعود . كانت هذه أخلاق الناس في ذلك الزمن وهي جزء من منظومة القيم المحترمة التي آمنوا بها وتربوا عليها ,أما شغيلة اليوم تشكل القاعدة الواسعة العريضة للميليشيات على مختلف مسمياتهم و ألوانهم الغريبة