في عراق اليوم ,و كما يبدو و كما بيّنته السنوات العشر الاخيرة ,تدار مؤسسات الدولة و كأنّها تابعة الى احزاب بعينها .كأنّها ليست تابعة للدولة او من ضمن الدوائر التي يستند عليها كيان الدولة .كل مؤسسة كأنّها محمية لهذا الحزب او ذاك .بعض هذه المؤسسات و منها الوزارات ساعد في تغذية الارهاب , و بعضها مدّ الفساد بما يريده لأدامة الحياة فيه و المساعدة على نموّه و نضجه حتى اصبح كالسرطان ينخر مفاصل الدولة كلّها , و يهدّ ما يريد الخيرون القليلون بناءه. هذه المؤسسات اصبحت مربكة لتطور الدولة و بالتالي تطور المجتمع , فهي تربك الدولة و تزجّها في معارك مع المواطن و الذي هو اللبنة الاساسية في بناء المجتمع و بالتالي بناء الدولة .هذا ما قاد المواطن الى ان يشكك في ايّ عمل تقوم به الدولة او مؤسساتها الفاسدة هذه .
المفوضية العليا للانتخابات هي احدى هذه المؤسسات . و بما انّها تابعة للدولة فأن الشك في فسادها يأتي كنتيجة حتمية لتبعيتها هذه . المؤسسة هذه هي من اهم المؤسسات الموجودة في الدولة (الديمقراطية). فهي الواجهة الاولى لوجه الدولة الديمقراطية .هي المؤسسة المعنية اكثر بترسيخ الديمقراطية و ترسيخ جذورها في الدولة .و كما نعلم بأن العراق دولة فتية و غضّة في مجال الديمقراطية و الممارسات الديمقراطية,لذلك يتعين الحذر الشديد بفصل هذه المؤسسة من تبعية اي كيان او حزب او قائمة و كذلك حمايتها من تأثير النافذين مالا او قوة .ان النظام السياسي و ان العملية السياسية في العراق كلّها تعتمد على شفافية و نزاهة هذه المؤسسة المهمة جدا .عندما تفقد هذه المؤسسة شرعيتها عن طريق السماح للفساد بأنواعه في الدخول اليها من الباب تارة او من الشباك تارة اخرى , تفقد العملية السياسية برمتها محتواها و تبقى فارغة من اهم اساسيات العمل الديمقراطي و المتمثلة بايصال صوت الناخب(المواطن ) بصورة صحيحة عادلة و الالتزام برأيه في ادارة الدولة عن طريق تشكيل الحكومة ,محلية كانت ام اتحادية . اذا فأن هذه المؤسسة يجب ان تكون الراعي الحقيقي للديمقراطية و بالتالي فهي الراعي الاكثر اهمية للعملية السياسية كلّها في العراق الآن.لذلك فأن تشكيك المواطن بعمل هذه المؤسسة ينعكس سلبيا و بشكل واضح على العملية السياسية برمتها و لا يقتصر تأثيره على هذه المؤسسة فقط . و ما الحضور الفاتر للناخب في الانتخابات الاخيرة الاّ دليل واضح الى ان هناك بعض الغيوم تحوم حول مدى شفافية هذه المؤسسة . لا اقول ان عزوف الناخب عن الانتخابات الاخيرة جاء بسبب عمل المفوضية فقط , و انما كان عملها المرتبك احد الاسباب و ليس السبب الوحيد , و لا اريد ان ازج المقال هذا في الاسباب الاخرى , فهذه سأتناولها في مقالات اخرى انشاءالله .انعدام ثقة المواطن بالدولة و عمل مؤسساتها جاء بسبب ما آلت اليه هذه المؤسسات في كونها ترفد منابع الفساد بكل انواعه و تعطيه الشرعية .ما يتردد في الاروقة هذه الايام و ما يخصّ عمل المفوضية بالذات , هو ان الفائزون في انتخابات المحافظات قد حدّدوا قبل الانتخابات , و ان المقاعد قد حددّت مسبقا .هل نلوم المواطن بتصديقه هذه المقولة ؟ الجواب يأتي من , كيف عملت المفوضية اثناء الانتخابات و كيف تعاملت مع عمليات العدّ و الفرز و اعلان النتائج .ان تبنّي كلمة الشفافية في عمل المفوضية لا يعني قدر حبّة , الاّ اذا كان مرتبط بعمل واقعي شفاف و معلن على الملأ .كان من الاحرى بالمفوضية نشر ارقام ما حصلت عليه القوائم و الكيانات مصحوبا بالارقام التي حصل عليها كل مرشح و في كل مركز انتخابي و على حدة , حتى و ان كانت هذه الارقام غير دقيقة مئة بالمئة لأنها ارقام اولية , لأن هذا يمنع الشكّ و التشكيك بعملها و بالتالي يمنع او يقلل التأويل . هناك احساس ينتاب المواطن من ان المفوضية تراوغ او تتلكأ في نشر الارقام الحاصل عليها المرشحون . المفوضية لديها عدد الاصوات التي فازت بها القوائم او الكتل ,و هذا يعني انها لديها عدد الاصوات التي حصل عليها كل مرشح . فمجموع الاصوات الحاصل عليها المرشحون داخل القائمة المعينة , يمثلّ الارقام التي حصلت عليها القائمة . بدون معرفة الاصوات التي حصل عليها المرشح , لا تستطيع المفوضية معرفة الاصوات التي حصلت عليها كل قائمة . السؤال هو لماذا اذا لا تعلن المفوضية عدد الاصوات التي حصل عليها كل مرشح , بعد اعلانها عدد الاصوات التي حصلت عليها كل قائمة؟
ان شفافية ايّ مؤسسة تعمل داخل اطار الدولة العراقية و خاصة هذه الايام , يعتمد بشكل كبير على منع المواطن من التشكيك بهذا العمل , او على الاقل عدم اعطائه الفرصة المناسبة للتشكيك بعملها . ما قامت به المفوضية العليا للانتخابات في الانتخابات الاخيرة يفتح ابوابا للشكوك و التخمينات , و يضع مصداقيتها و مصداقية النظام السياسي كلّه على المحك .
في الانتخابات الاخيرة , و لتغيّر النظام الانتخابي ,اصبح التنافس بين المرشحين ليس بينهم و بين المرشحين في القوائم الاخرى و حسب , و انّما بينهم و بين المرشحين داخل كتلهم و قوائمهم نفسها .ان نظام القائمة المفتوحة يعزّز هذا المنحى و هو الطريق الاصح عندما نقارنه بنظام القائمة المغلقة .لذلك فأن التزوير الأهم هذه المرّة هو التزوير او التلاعب بالاصوات الذي قد يحدث داخل القائمة نفسها , و ربما سيكون اكثر اهمية من التلاعب الحاصل بين القوائم .لذلك و لعدم اعطاء المتنفذين داخل هذه القوائم منفذ للدخول منه و التأثير على عمل المفوضية , وجب على المفوضية نشر كافة الارقام الخاصة بأعداد الاصوات التي حصل عليها كل مرشح و بأسرع وقت ممكن .و الاّ فأن عمل مؤسسات الدولة كلّها و منها هذه المؤسسة يشوبه الغموض و الذي يأخذ المواطن بالتشكيك فيها و التشكيك بالنتائج الانتخابية .
بودّي و بودّ الكثيرين ان لا نسمع لاحقا من هنا او هناك ان طبخة ,تمّت بعلم و دراية المفوضية و رعايتها و داخل مطبخها ,لحساب هذا المرشح او ذاك . الكرة في ملعب المفوضية و هي الوحيدة القادرة على تبرئة ساحتها ,و البدء بأعادة ثقة المواطن بالدولة و مؤسساتها و نظامها السياسي الديمقراطي الجديد.