طالب أكثر من 100 شخصية ثقافية وأكاديمية من تيارات مختلفة بـ«حل الكيانات المسلحة» في العراق، في إطار مبادرة لإصلاح المسارات السياسية والقضائية من دون «دوافع انتخابية»، في إشارة إلى الاقتراع العام المقرر في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025وتحدّث بيان صادر عن مؤتمر مبادرة «عراقيون» الذي عُقد في بغداد السبت، عما وصفه بـ«اللحظة الحاسمة من تاريخ البلاد، وما آلت إليه أوضاعه نتيجة للسياسات العشوائية والمواقف الارتجالية والمصالح الفئوية لجميع القوى السياسية ,, وتطرّق أصحاب المبادرة إلى «الظروف الراهنة التي تتعرّض لها المنطقة، والخشية من تأثير تداعياتها في العراق»، مشيرين إلى «الأخطار الناجمة وتعاظم الظواهر السلبية التي قد تقرّب البلاد من حافة الهاوية,, ويعتقد هؤلاء أن أحد مظاهر تلك الأخطار ناجم عن سيطرة قوى مسلحة على مفاصل الدولة، وتفشّي الفساد بشكل غير مسبوق، وتراجع مستوى الحريات، وتهميش الإرادة الشعبية على مدى أكثر من عقدَيْن
وقال أصحاب المبادرة الذين ينحدرون من خلفيات قومية وإثنية متعددة: «نعلن تمسّكنا بالعراق، واستلهام هويتنا العراقية الحضارية الجامعة لقيم التسامح والمحبة والإخاء بين أفراد ومكونات العراق، ونؤكد رفضنا التام للعبث بمصير وطن أثخنته الحروب والفساد والخيبات، مؤكدين: «الوقوف بحزم أمام أي محاولات داخلية أو خارجية لربط مصيره بمصائر بلدان أخرى، أو التفريط بمصالحه، أو التهاون في امتهان كرامة شعبه ,, وحمّلت المبادرة المدنية جميع القوى السياسية مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، ونبّهت إلى أن «عدم مراجعة المسيرة الماضية، والتهرّب من نقدها وإصلاحها، سيعجّل بانهيار البلد، ولا حل للإنقاذ إلا بتصحيح المسار تصحيحاً جذرياً، مهما كان مؤلماً، والبدء بالخطوات الآتية بصفتها بادرة للإصلاح— وشددت المبادرة على محاسبة جميع المتورطين في قتل المتظاهرين (حراك تشرين 2019)، ونهب المال العام، مهما كانت مواقعهم أو انتماءاتهم، وتفعيل مؤسسات الرقابة والقضاء المستقل، بما يضمن محاسبة المقصرين والفاسدين بعيداً عن أي تأثير سياسي. وفي إحدى النقاط التسع، طالبوا بـ«إشراف المجتمع الدولي والمحلي الضامن على تنقية العملية الانتخابية من عمليات التزوير والخروقات الأخرى المحتملة في الانتخابات المقبلة
وشددوا على أهمية الحريات العامة التي كفلها الدستور، وفي «مقدمتها حرية التعبير والصحافة والتنظيم دون قيد أو شرط، والالتزام الكامل بمبادئ التداول السلمي للسلطة، ورفض الاحتكام إلى العنف والاستقواء بالخارج في فرض الإرادات , كما طالبوا بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال اعتماد سياسة اقتصادية عادلة وفاعلة، والسعي إلى تقليص الطابع الاستهلاكي الذي يُهيمن على الاقتصاد العراقي , وفي إحدى النقاط الجريئة، طالب المبادرون بـحل الجماعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة كافّة، التي تتحصّن خلف شعارات طائفية وآيديولوجية، والعمل على نزع السلاح من أي فرد أو مجموعة لا تنتظم في صفوف القوات المسلحة الرسمية ,, منع التفرد السياسي , ومنع اثارة النعرات الطائفية
النخب المشاركة في المبادرة تجد أن من واجبها الأخلاقي والأساسي التقدم بأي خطوة من شأنها معالجة الاختلالات العميقة التي تواجهها البلاد, العراقيونيشعرون ان بلدهم لا يسير في الطريق الصحيح, علاقة النخب المثقفة مع السلطة السياسية الحاكمة , وسطوة الاحزاب الحاكمة , أن عمل المثقف لدى الدولة لا يعني بالضرورة أنه مؤيد للسلطة. فلا نستطيع أن نحكم على المثقفين الموظفين سلفاً، وإن كان الإغراء أحياناًَ قوياً، والضغط أقوى، والانزلاق كثير الاحتمالات. ما نستطيع أن نحكم به هو أن المثقف لم يعد في ربع القرن الأخير يجد لدى الدولة التسلطية الأمان الاقتصادي، ولا الأمان السياسي والثقافي، الذي يحتاجه كمثقف مستقل أو نقدي، سواء كان يعمل لديها في أحد المجالات الثقافية أو يمارس نشاطاً ثقافياً بالارتباط مع عمله الوظيفي أو إلى جانب العمل الوظيفي بالاستقلال عنه
المهم أن ما يجمع الاعلاميون والباحثون والاعلاميون هو افتقاد النقد الموجه للسلطة السياسية تحديداً، وهذا يعني أن المثقف يفتقد المصداقية والاستقلالية في الرأي، إلا أنه يلزم التدارك هنا، حيث إن من يشتغل في مناصب وبصورة أكثر تحديداً في وظائف الدولة ولا يمارس دوراً تبريرياً لما تقوم به السلطة يعتبر خارج عن هذا التصنيف، فيلزم التفريق بين من يعمل في أجهزة وإدارات الدولة مبرراً ومسهماً في ممارسات الدولة القمعية أو غير الديموقراطية أو المتفردة بأي شكل من الأشكال، أو من يلتحق بالسلطة السياسية من أجل التسويغ والترويج بصحة ما تقوم به الأنظمة الحاكمة في ظل الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وبين من يشتغلون في الإدارات الحكومية من أجل كسب لقمة عيش وفي الوقت ذاته يعارضون توجهات نظام الحكم لهذه الأوضاع محاولين التغيير وإن كانت المحاولة في حدود ضيقة منتقدين ما فيها من تسلط وفساد أو في حدود أكثر ضيقاً كعدم الرضا عما تمارسه السلطات الحاكمة، >بخصوص المثقفين نلاحظ أن بلقزيز يساوي بين المثقفين العاملين لدى الدولة التسلطية، وبين المثقفين السلطويين الذين يشاركون في السيطرة على الدولة والمجتمع.
ففي الواقع العربي من الصعوبة خروج المثقف عن سيطرة السلطة السياسية الحاكمة التي استحوذت على المجتمع بعد أن استحوذت على الدولة التي بدورها تغولت في المجتمع وأضعفت أي مؤسسات اجتماعية فيه، بمعنى أن المساحات التي يستطيع المثقف الاستقلال داخلها من دون أن يكون هناك تأثير للسلطة السياسية على هذه المساحات قليلة جداً، فمثلاً هناك قلة من المطبوعات والمؤسسات غير الرسمية التي لا تستطيع منافسة المطبوعات والمؤسسات الحكومية، كذلك تستطيع السلطة بسهولة مضايقة مؤسسات المجتمع المدني – إن وجدت – التي قد يمارس المثقف من خلالها بعض نشاطاته وأدواره، كما تستطيع الدولة مضايقة المثقف في حياته اليومية بسهولة وتجد مبررات سهلة لقيامها بمثل هذه الممارسات أسهلها العمالة للخارج أو المروق عن الدين، ومن هنا فواقع المثقف في المجتمعات العربية لا زال يعاني من صغر المساحة التي يستطيع المثقف ممارسة دور من خلالها باستقلالية، ولعل هناك من يقول: إن القنوات الفضائية أتاحت للمثقف فرصة الظهور والحديث أمام الرأي العام لتوعيته ونقد ممارسات السلطات، وواقعاًَ استطاع المثقف الاستفادة من ذلك، ولكن في الوقت ذاته فإن هذه القنوات الفضائية أتاحت لغيره الاستفادة من ذلك، فحتى من يعملون في أجهزة استخبارات الدولة الذين ليس هدفهم حفظ الدولة بمكوناتها بل همهم حفظ أمن النظام الحاكم يظهرون في هذه القنوات ويقومون بالتشكيك بما يقوله المثقف وغير المثقف اللذان لا يتفقان مع السلطة السياسية الحاكمة وترسيخ ما تراه هذه، بل استطاع الحاكم نفسه أو الرئيس الظهور بنفسه وتوجيه ما يريد قوله وفعله عبر هذه القنوات.
يذهب عبد الرحمن منيف بعيداً في علاقة المثقف بالسياسي، فهو يرى أن السياسي قد لا يعاقب فقط المثقف بل يعاقب الثقافة “قد لا تظهر الشروخ واضحة أو حادة في فترات معينة، خاصة في أزمنة الرخاء والصعود، ما دام السياسي قادراً على تسخير الثقافة لخدمة عمله اليومي، وما دام المثقف متقبلاً القيام بمهمة الإفتاء والتبرير والتسويغ، إضافة إلى بروزه أيضاً من خلال المنظمة السياسية.
أما إذا مارس المثقف حقه الديموقراطي بالنقد والاختلاف، أو لم يقم بالدور الموكل إليه، فعندئذ لا بد أن يقع الخلاف بين الطرفين، وغالباً ما يلجأ السياسي ليس إلى معاقبة المثقف وحده بل ومعاقبة الثقافة أيضاً، معتبراً إياها ترفاً أو خيالاً، لأنها تعيق العمل السياسي وتخلق له الصعوبات، ويركز بالمقابل على ما يعتبره عملياً، أي الإعلام، مُبعِداَ الثقافة أو مهمشاً دورها