18 ديسمبر، 2024 7:52 م

مطاردة (الإرهاب الناعم)

مطاردة (الإرهاب الناعم)

«أصبح أبناؤنا مستهدفين في الحياة الافتراضية إلى ما لم نعد نعلمه من جنود الإرهاب الناعم والمتخفّي، وإلى حبائله التي تتجدد وتغيّر خصائصها كالڤيروسات التي لا تجدي معها المضادات.
حربنا ضد الإرهاب لا يبدو أنها قصيرة للأسف، فكلما ازددنا ضراوة في مكافحته ازداد تلوّناً وتخفياً وتجمّلاً لضحاياه. لكن لا خيار لنا سوى الاستمرار في المقاومة حتى يتقلص وجوده ونفوذه، إن تعذّر القضاء عليه نهائياً».
بهذا المقطع ختمت مقالتي، الأربعاء الماضي، عن (الإرهاب الناعم)، بوعد أن أعرض لمبادرتين خليجيتين ضمن مساع إقليمية ودولية لتحجيم هذا النوع الخفي من الإرهاب!
(حملة السكينة) هي حملة إلكترونية سعودية تحت إشراف حكومي، انطلقت عام 1423هـ (2003 م).
تقوم فكرة الحملة، وفق ما هو مدوّن في موقعها الالكتروني، على التخصص في عالم الإنترنت والانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الانترنت، وذلك عبر فريق حِواري مختلف التخصصات، يركّز على المضمون الشرعي بالإضافة إلى الأدب في الحوار ومراعاة التفاوت في ثقافة المخاطبين.
كيف يقيس القائمون على (حملة السكينة) نتائج عملهم؟ تُجيب الحملة في موقعها:
* وصلتنا رسائل إيميل (موثّقة) يقرّ أصحابها بالتراجع، ويطلبون الحوار في مسائل أخرى.
* أجرى باحثون دراسات – بحوث ميدانية – لعدد من التائبين من طريق الحملة للإفادة من تجربتهم، وقد تبين منها أن:
• نسبة الذين تراجعوا 25 في المئة من أصل 3.250 تمت محاورتهم ومناقشتهم عبر المنتديات والمواقع وبرامج المحادثة المباشرة (تم توثيق جميع الحوارات عبر وثائقي السكينة).
• 50 في المئة منهم في منطقة الخليج، 30 في المئة من الدول العربية المجاورة، و20 في المئة من أوروبا وأميركا.
• 40 في المئة من المتراجعين تراجعوا تراجعاً تاماً عن كل أو أغلب الأفكار المنحرفة، و60 في المئة تراجعوا عن أخطر الأفكار الإرهابية وأكثرها ضرراً.
وتتمثل المبادرة الخليجية الأخرى لمكافحة الإرهاب (الناعم) في المؤتمر الدولي المهم الذي عُقد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي في المدة بين ١٥و١٦ أيار (مايو) الجاري، تحت عنوان: (تجريم الإرهاب الالكتروني).
حيث أثرى المشاركون النقاش (العلمي لا الجماهيري) حول طرق تغلغل الإرهابيين إلى الفضاء الالكتروني، وتمرير أجندتهم التخريبية وتسويغها في أذهان الناشئة، المنغمسين بطبعهم العُمري في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد خلص المؤتمرون من نقاشاتهم التشريحية لمواطن الوباء، إلى: (إعلان أبو ظبي حول تجريم الإرهاب الالكتروني)، الذي استند من مستخلصاته إلى دعواتٍ ثلاث:
* اعتماد اتفاقية دولية ملزمة تحظر الإرهاب الالكتروني بكافة أشكاله، سواء بالتجنيد أو بالتمويل أو التحريض أو الدعوة إلى العنف والكراهية والتمييز العرقي والديني أو الإساءة إلى الآخرين أو إلى الأديان.
* دعوة الدول إلى تبني مقتضيات هذا الاتفاق الملزم، ووضع قانون خاص يتعلق بالجرائم الالكترونية.
* إنشاء هيئات وطنية للمعلوماتية والحريات والأمن الالكتروني تتولى وضع سياسات واستراتيجيات لرصد ومجابهة المحتوى الرقمي الذي ينطوي على أخطار إرهابية.
مؤتمر أبو ظبي هو بداية ومحطة أولى لمسار طويل ذي محطات متعددة سعياً للوصول إلى توافق دولي وتكاتف عالمي ضد توظيف الفضاء «السيبرني» لخدمة التطرّف والعنف والإرهاب.
يبقى أن نفطن إلى أن واحدة من أهم وسائل مكافحة الإرهاب هي معرفة المستفيد منه، وقد قيل دوماً: (فتّش عن المستفيد!).
هل الإرهابيون وحدهم هم المستفيدون من الإرهاب؟!
لا شك في أن (حملة السكينة) و(مؤتمر أبو ظبي) يستحضران هذا السؤال/المُشكِل في مساعيهما الحوارية والبحثية والتشريعية لمطاردة الإرهاب وأهله.