كنا قد نشرنا، في هذا الموقع، في 6/4 مقالاً تحت عنوان (الدكتاتور.. ثلاثة أسباب وثلاثة نتائج) تناولنا فيه طبيعة الدكتاتور، أي دكتاتور، ومسيرته وانتهاءً بمصيره، وعرفنا أن ثلاثة أسباب تكمن وراء ما يفعله من أجل أن يبقى في السلطة، وهي باختصار: أولاً، إنه محبُّ لنفسه حدّ التأليه ولا يرى نفسه إلا محقاً في كل شيء؛ وثانياً وتبعاً لذلك، هو يبيح لنفسه أن يفعل أي شيء مسموح وغير مسموح؛ وثالثاً، وفي النتيجة يرتكب ما لا بد أن يضعه ومَن معه أمام المساءلة الثورية أو الشعبية، أو القانونية أو الدولية، في حال أن ترك الحكم.
وعرفنا، في النتيجة، أن الدكتاتور ومن ارتبط به مصحلةً ومصيراً في الدفاع عن بقائه، ليكون مصيره في النهاية أحد ثلاثة احتمالات: الأول، التوصل إلى اتفاق سياسي وربما بمظلة دولية من أجل تنحّيه بضمان عدم تقديمه للقضاء، كما حدث لعلي عبدالله صالح، أو تهيئة بلد ملجأ له، كما حدث لزين الدين بن عابدين. الثاني، مقتله حين يستميت في الدفاع عن عرشه، وغالباً وسط فوضى وثورة شعبية، كما حدث للقذافي. الثالث: نجاح القوى الثائرة أو الحكم الشرعي الديمقراطي البديل في القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، كما حدث لحسني مبارك، ومن قبله صدام حسين.
والآن، مهما حاول من حاول أن يُقنع أي دكتاتور بهذا كله، فإن هذا الدكتاتور، ونتيجة للأسباب التي ذكرناها، لن يقتنع وسيسير في ما هو عليه إلى إحدى السيناريوهات أو النهايات الثلاث السابقة، وهي التي تنتظر بالتأكيد بشار الأسد، ونوري المالكي. وإذا ما كان بشار قد رسم (مستقبله) تقريباً، فكيف نرى (مستقبل) المالكي؟. في ضوء خصائص الدكتاتور والنتائج التي تقوده إلى إحداها، نرى أن نهايته ستكون وفق أحد السيناريوهات الآتية:
أولاً: أن تسير الانتخابات إلى النهاية، بالرغم كل محاولاته لتأجيلها أو توجيهها باتجاه غير مشروع، لتصل إلى النتيجة المحتملة الأقوى وهي خسارته، وتسليمه السلطة بشكل سلمي حضاري. وهذا برأينا سيناريو احتمال تحققهِ ضعيف جداً، لما يتصف به الدكتاتور، أي دكتاتور، ولخطورة وضعه قانونياً بعد ترك السلطة، ولما نراه واضحاً في شخصية المالكي نفسه من فقدان للحنكة السياسية وذاتيه وعدم الاقتناع بأي رأي آخر.
ثانياً: أن لا تكتمل مسيرة الانتخبات، بأنْ يحول المالكي دون تحقُّقِها أصلاً، كما يسعى الآن مثلاً من خلال محاولته تشريع قانون (اللاسلامة الوطنية)، أو يقطعها بمثل آلية هذا القانون، قبل أن تكتمل وتحديداً مع ظهور أولى مؤشرات خسارته، أو يعترض عليها بعد اكتمالها، الأمر الذي سيدخل العراق في مرحلة دموية توصل العراق إلى حكم دكتاتوري غير مسبوق، وهذا برأينها احتمال ضعيف، على الأقل في نهايته، كون الغالبية العظمى من العراقيين والمجموعات السياسية والمرجعيات الدينية المختلفة، عوضاً عن المجتمع الدولي، ما عادت تقبل أي الدكتاتورية والحكم الشمولي ومصادرة الديمقراطية والحرية.
ثالثاً: المواجهة الشاملة ما بين المالكي وحاشيته وأعوانه والمرتبطين به من القوات المسلحة والأمنية من جهة، والشرعية من جهة أخرى، وهو برأينا السيناريو الأقوى احتمالاً، ولكن كيف تنتهي هذه المواجهة؟ نعتقد أنه ستنتهي بأحد الاحتمالات الثلاثة السابقة التي تعني في كل الأحوال نهاية المالكي، ولكن بثمن شعبي ووطني غالٍ جداً، وهي تحديداً: مقتله في المواجهة أو على أيدي بعض أعوانه وهذا احتمال ضعيف، أو هربه إلى دولة ملجأ ستكون إيران بالطبع وهذا احتمال قوي، أو الإمساك به وتقديمه وحاشيته وأعوانه إلى المحاكمة وهذا احتمال ضعيف هو الآخر، لكنه وارد. ولأنّ أيّاً من هذه الاحتمالات سيكون مؤذياً جداً للعراق، ولأنه برأينا قضاء حتمي ندعو الله فنقول:
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللّطف فيه.