23 ديسمبر، 2024 8:16 م

مصيبة العراق في حكامه!!

مصيبة العراق في حكامه!!

ينظر المتابع بعين القلق و قلة الحيلة الى ما يجري في العراق منذ أكثر من شهر، عمليات عسكرية بسقوف وأهداف مفتوحة على كل شيء باستثناء الخوف على استقرار العراق و أخوة شعبه، ما يكشف عن انهيار لمنظومة المعرفة النفسية وقياسات الرأي العام، وكأن السياسيين في العراق لم يخرجوا من عنق زجاجة اللا قرار العقلاني، يدورون في فلك بلا نهايات و يتعكزون على حلول لا يقتنعون بها لذلك يستهلكونها قبل جفاف حبرها.
منذ أكثر من سنة و الحكومة تصم الأذان لكل مبادات الحل السلمي في الانبار، لأن مزاج رئيس الوزراء و مقربيه يمر عكس ذلك، دماء زكية سالت على أرض الانبار بلا ذنب، اختلط فيها دم الجندي مع المواطن و الطفل و المرأة، وكأن رحاها تدور في وديان أفريقيا، نواب يبحثون في كل المميزات و يديرون الظهر للانبار و كأن سكانها ليس لهم من الحقوق شيئا و أمامهم قائمة طويلة جدا من الاتهامات الحكومية.
مشكلة العراق ليست في شكل الحكم بل في نوعية السياسيين، الذين لم يطهروا العقول و النفوس من السلوك الطائفي و يحشرون الشعب فية بالقوة ، لذلك يرفضون الخروج الى فضاءات نقية فيها من ديمقراطية التوجهات و التعفف عن الكرسي ما هو كثير جدا، فيما يحدث على الأرض نقيض ذلك ” اصرار على المنصب و تشبث بالامتيازات المغمسة بدماء الأبرياء و دموع المحرومين”، لذلك تهتز بعض ركائز المشروع الوطني لكنها لا تنكسر بوصفها قارب النجاة من مشاريع سياسية تتداخل فيها كل الأهواء الا مصلحة العراق و أهله.
 اليوم يخرج رئيس الوزراء من دائرة الصمت و يؤكد تنفيذ مطالب أهل الانبار التي تقع ضمن صلاحيات الحكومة، متجاهلا صيحات الخيرين منذ أكثر من سنة، وبعد شهر و نصف من العمليات العسكرية التي حرقت الأخضر و اليابس و أحدثت شرخا في العلاقة بين الجيش و المواطن، و مع ذلك يغض النواب الطرف عن الحقيقة، فيما تستغلها قوى سياسية لتحقيق الكثير من المكاسب، التي لن يكون السكوت الكردي شاهدها الوحيد.
لو ان المالكي و مساعديه التقوا عند رغبة الحل و تفادي حمام الدم لاوقفوا زحف الدبابات مبكرا و عجلوا في تنفيذ المطالب ولو بالتقسيط، و أفرجوا عن المعتقلات العراقيات، بغض النظر عن التهم الموجهة أو الأعترافات المفبركة فالقضية تخص شرف عوائل و تجانس مجتمع ، ما زالت قضية الشرف و ” الغيرة” تمثل مرتكزا اجتماعيا لا يجوز الاقتراب منه، خاصة وأن الأواصر الاجتماعية مازالت محترمة بين عشائر البلاد، بعيدا عن ” سفسطة” بعض السياسيين و خروقات أمثالهم من عسكريين.
وبغض النظر عن التفسيرات و المبررات فان زيارة المالكي لم تأت بجديد اللهم الا ف تجميل اضافي لمساعديه في الانبار، متناسيا عن طيب خاطر ان ما تردد على مسامعه من تبريرات لا علاقة لها بالخوف على وحدة المواطنين و طهارة الدم العراقي، بقدر تعلق الموضوع بالمحافظة على مكاسب على حساب جماجم وأشلاء الأبرياء، الذين لم يرتكبوا غير جرم التمسك بالحقوق و رفض مشاريع الفتنة و التقسيم، لأن الحقيقة لم تعد من وحي أوهام السياسيين بل هي ولادة طبيعية من رحم سليم لذلك لم يقع آهلنا في الانبار بسوء التقدير فامسكوا على الجرح برجولة الولاء للعراق فافشلوا مخطط التقسيم، لأنهم في أشد الصفحات ايلاما لم يطرحوا خيار الفيدراليات أو الأقاليم وهو كسب اضافي يزيد من فشل المراهنين على أحلام العصافير لنيل رضا الحاكم و الفوز بملذات الفتنة دون غيرها ، وكم هو شاسع الفرق بين الحالم بعراق موحد و ولايات متناحرة!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]