23 ديسمبر، 2024 6:26 ص

مصنع الطغاة في بلاد الرافدين

مصنع الطغاة في بلاد الرافدين

سُئل أرسطو يوماً: من يصنع الطغاة؟، فرد على الفور قائلا: ضعف المظلومين. ان ديمومة الظلم على الشعوب يكون في الغالب بسب صمتها وسكوتها على ما تعانيه من مظالم وحرمان للحريات التعبيرية والفردية ونقض للعدالة والمساواة، فتجعل من السلطان قوة قمعية جبارة فيما تضحى هي فرائس سهلة المراد من قبل أصحاب السلطة الحاكمة الذين يسخرون القانون فقط لرغباتهم فيتحولون الى وحوش مفترسة. مما لا شك فيه هو ان الثقافة التقليدية للمواطن العراقي كانت اللاعب الرئيسي في ترسيخ حكم الطغاة واستعبادهم للشعوب، وكان للتحالف بين الانظمة السياسية القمعية مع المؤسسة الدينية الفاسدة خلال تاريخ العراق دور اساسي في سيطرة الحكام والسياسيين الفاسدين على البلاد. اذ كانت اي حركة تحرر او تمرد او تعقل يقوم بها شخص او مجموعة يتم الصاق بها تهمة الخروج عن الدين وعن الملة ووصفها بالزناديق والمرتدين ……الخ، فقد تم استثمار المؤسسة الدينية عبر تاريخ العراق لخدمة الحكام، حتى اصبح لديهم وعاظ ورجال فتوى يفتون لهم بما يعزز حكمهم وسلطانهم وطغيانهم، هذا ما ترسخ وتعمد عبر سنوات الظلم والطغيان التي عاشتها الشعوب العربية. ان سلاح الدين والجهل والفقر هي من اشد الأسلحة المستعملة من قبل الحكام المستبدين في اخضاع شعوبهم واذلالها، ان استخدام أساليب التخويف والخوين والتكفير والتلقين هي من اكثر الأساليب المستعملة من قبل الطغاة لقمع أي حركة مستنيرة تدوا الى التحرر من الظلم والاستعباد، فكانت كل الحركات والمحاولات التي بدأت تظهر وتتمرد على هذا الواقع المؤلم حركات فاشلة يتم القضاء عليها بسهولة بسلاح الدين، والخيانة، والجهل، والفقر. الشعب العراقي نجح إلى حد كبير في صناعة العبيد فحولوا انفسهم وحرائر أبنائهم إلى مجرد خدم يخدمون هذا الحاكم أو المرجعية الدينية، ولعل اغرب ما في عبيد هذا الزمان أنهم يظنون أنهم في غاية الحرية، فغالبية الشعب العراقي اختاروا ان يكونوا عبيد لسلطة المرجعية في النجف او قم، وما اغرب أن يكون الإنسان عبدا صغيرا تابعا يمارس عبودية من نوع خطير، ولكنه لا يعلم انه مجرد عبد وانه أكثر عبودية من ذلك العبد القن، الذي يكون مستعبدا في جسده، فيؤدي عملا مقابل هذه العبودية، غير أن عبيد العصر هم مستعبدون في أفكارهم، وبالتالي يتحولون إلى قتلة ويمارسون شتى أنواع الظلم على غيرهم من الناس وهم يتوهمون أنهم يفعلون خيرا، وذلك لأنهم تم استعباد أفكارهم، فتحولوا إلى أدوات فحسب بيد السلطة الدينية الفاسدة، وتلك أبشع أنواع العبودية. ان فئة معينة من أبناء الشعب العراقي تربى على الطاعة العمياء للمرجعية الدينية فأصبحت هي اللات والعزى لغالبيتهم، وان المشكلة تكمن في ان هذه الفئة هي التي صنعت ومجدت هذه الاصنام (المرجعية) ليعبدوها لتقربهم زلفى الى الله. فأصبحوا لا يقررون قراراً الا بمباركة اللات والعزى ولا ينصبون حاكما الا بموافقتها فالسياسيون من امثال المالكي والحكيم والجعفري وعبد المهدي والكاظمي…. الخ هم بمثابة ابو جهل وابو الحكم وابو لهب تم تنصيبهم كلهم بمباركة المرجعية الدينية في النجف وقم، فهم اليوم يحكمون ويذبحون ويهجرون باسم المرجعية حتى ميليشياتهم تم انشاؤها بفتوى من المرجعية الضلال. اذا امعنا النظر اليوم الى حال بلاد الرافدين نرى انتشار الفساد والإرهاب، وانعدام الخدمات حتى اصبح العراق رقماً لا يعتد به بين الدول، تيقن في قرارة النفس، أننا من أجنيننا على أنفسنا، ونحن من قبلنا بالإهانة والذل وجلبنا العار لأنفسنا ولبلدنا، السنا نحن من جعل السراق قادة؟ اليس نحن من جعل الأقزام عمالقة؟ اليس نحن من جعل الجهلة حكاماً؟ اليس نحن من جعل اللصوص على كراسي الحكم؟ اوليس نحن من صنع ونصب المرجعية السيستانية الفارسية او صدرية تقرر مصيرنا؟ او ليس هؤلاء هم سبب ذلنا وقهرنا وفقرنا وخراب بلدنا؟ أذن نحن من يتحمل نتائج خياراتنا، فالظلم واحد لا يختلف عليه أثنين، والطغاة يعدون البلاد ميراثهم الذي ورثوه عن أجدادهم، ومن حقهم أن يتصرفوا به وبخيراته ما يريدون، والمضحك أن قادتنا ومراجعنا الدينية الذين وليناهم علينا، يأمروننا بعكس ما يفعلون، فهم يجيزون لأنفسهم كل الطيبات والملذات، والخيرات والسيارات الفاخرة والقصور الفارهة، والسياحة في باريس ولندن ويحرمونها على شعوبهم، يأمروننا بالتقشف، وربط أحزمة الجوع ونجدهم يصرفون ملايين الدولارات على توافه الأمور ويتقاسمونها فيما بينهم. بالتالي نحن من يتحمل نتائج صناعتنا في معامل صناعة الطغاة سيئت الصيت وذات النوعية الرديئة، التي أجدنا فيها وأننا مسؤولون عن افعالهم والتي نرفضها بعد ان وليناهم على مصائرنا وبعد ان حلت الكوارث علينا من فساد مالي وانعدام الخدمات وتفشي الرشوة والإرهاب، والجريمة المنظمة، ونرمي المسؤولية على الصنم الذي صنعناه بأيدينا، وننسى اننا كنا شركاء في الصناعة. لن يتحرر العراق الا اذا تحرر الشعب من الخرافات والثقافات البالية التي تمجد المرجعية وولاتها وتصفق لهم، ونسال كل يوم من يصنع الطغاة؟؟ الطغاة تصنعهم الشعوب الجاهلة والشعوب التي لا تفكر، والشعوب التي جمدت عقولها ومنعتها من التفكير، الشعوب التي تتشبث بالخرافات والاوهام، والشعوب التي تعيش التخلف وتتغنى به، والشعوب التي تمجد العبودية ليل نهار، الشعوب التي تمجد الطائفة والمذهب، والشعوب التي تتغنى بالماضي وتعيش على احلام، والشعوب التي تصف المرأة بانها انسان ناقص، الشعوب التي تقتل النساء بحجة شرف العائلة، والشعوب التي تميز بينها بناء على العرق واللون والجنس والدين، هؤلاء هم من يصنعون الطغاة.