23 ديسمبر، 2024 12:55 ص

مصمم الديكور رياض جمال نوري و دمعة على “شارع ٤٠”

مصمم الديكور رياض جمال نوري و دمعة على “شارع ٤٠”

ليس للأبداع وقت او موسم معين، فهو ينبت ويفرض نفسه عليك حتى في أكثر الأماكن غرابة، فقد يكون في المدرسة أو الجامعة او حتى في زاوية الشارع الملاصقة لذلك المحل الذي كنا نلعب امامه في طفولتنا. تلك الحكايات والمشاهد تتكرر وتعيد انتاج نفسها مع فنان رائع وقدير، فرض عليه عمله ان يكون في (الظل) الا ان ضياء عمله كان ينير كل زوايا المكان. لقد اختار (اكاديمية الفنون) في زمن لم يكن للفنان قدر مهم في المجتمع. أما لقبه بعد التخرج فلم يتعدَ أكثر من (معلم مادة الرسم أو الفنية) لكنه أصر ومضى بعيدا في مشواره، وأصبح اسمه من بين القلائل الذي يذكر بحجم ونوع الأبداع الذي تركه، لابل إن بصمته جعلته من أبرز من خاض غمار هذا الأختصاص .

******

ولد الفنان التشكيلي ومهندس الديكور التلفزيوني “رياض جمال نوري” عام ١٩٤٤ في العاصمة بغداد بمدينة الأعظمية، وتحديدا في محلة (النصّة) أو كما يسميها ابناؤها للطرفة “النزيزة”. متزوج من السيدة ميسـون الحمطاني، وهي فنانة تشكيلية وتخرجت من أكاديمية الفنون، ولهما إثنان من البنين، وحفيدان للآن.

أكمل دراسته في مدارس الأعظمية مابين “المدرسة المنذرية الأبتدائية” ثم “متوسطة النعمان” وبعدها الى “إعدادية الأعظمية” حيث تخرج فيها وتقدم بالدراسة الى (اكاديمية الفنون الجميلة) وتخرج عام ١٩٧٠.

ولم يكتب لفرحته أن تتم بالحصول على احدى الوظائف، إذ كان البلد يمر بمرحلة التقشف، وكان هناك تجميد لمعظم التعيينات، فقصد المملكة العربية السعودية مدرسا لمادة الرسم في (متوسطة حطين ـ في العاصمة الرياض) ولمدة عامين، عاد بعدها الى بغداد عام ١٩٧٢، وتعرض في ذات السنة الى حادثة كادت ان تنهي كل احلامه في العمل والفن والرسم، حيث تعرضت الأوتار في (يده اليمنى) الى القطع، مما استدعى الجراحة والراحة والتمارين حتى تستعيد اليد عافيتها، وقدّم اوراقه للتعين في مؤسسة الأذاعة والتلفزيون كرسام، وحدث أن استدعي للفحص قبل ان تتعافى يده اليمنى من الأصابة، فأضطر الى تأدية امتحان الرسم باليد اليسرى! وكانت النتائج باهرة، وهنا كانت المفاجأة، إذ لم يرق لذلك الأستاذ قضية استعاضة اليد اليسرى بديلا عن اليد اليمنى، فأعاد الأمتحان مرة ثانية وثالثة وفي كل مرة كان الرسم اجمل وأفضل ، حتى اقتنع الأستاذ ومنحه سمة الدخول والقبول في الوظيفة عام ١٩٧٣.

يتذكر الأستاذ “رياض” تلك الأيام ويقول : حينما قصدنا التلفزيون نحن مجموعة الشباب ، وكنّا قد تخرجنا للتو ويملأ عقولنا كل ما هو جديد من

الأفكار وبأحلام تفوق التخيلات. في ذاك الزمن كان التلفزيون يحمل صفتين، الأولى انه كان في مراحله الأولى من ناحية استخدام التقنيات، وكان البث مباشرا، حتى ان الأستديو فيه كان يسمى (ستوديو البنكلة) ، ومن جهة ثانية فنحن اتينا لنكمل مشوار اناس كانوا (وما زالوا) في نظرنا عمالقة في الأخراج والتصميم والديكور، وكانوا قد كنزوا الكثير من معارفهم عبر الدراسة في الخارج. وعشية دخولنا المؤسسة، ادخلونا بدورة (للتصميم والأخراج والتصوير) وكانت الأولى من نوعها في التلفزيون ، وأنهيناها بسرعة فائقة وقد كان من بين اساتذتنا في الدورة فنانون وتشكيليون من ألمانيا . صارت مهنتي الرئيسية هي (الديكور) فعملت بها في المؤسسة منذ العام ١٩٧٣ وحتى العام ٢٠٠٣. لكن الكارثة وقعت بعد أن تعرضت المؤسسة للقصف الصاروخي، حيث هجمت العصابات والجهلة على بناية التلفزيون وعبثوا بمواده وآرشيفه ما بين السرقة والتخريب والحرق (للأسف) ، وقد أثبتوا بانهم يجهلون أهمية الحفاظ على هذا الأرث الذي هو ملك ألوطن والمواطن، وليس للحاكم او السلطة المعنية. بعد التغيير ساهمت في شبكة الأعلام العراقي من خلال مشروع تبنته منظمة (اليونسيف) ، وعملت بعدها بفترة مصمم ديكور في (قناة الحرة عراق). مضت عدة سنين، فتتعرض العائلة الى حادث مؤسف، آثرت بعده مغادرة البلاد عام ٢٠٠٧ وتوجهت الى سوريا، عملت هناك لبعض الوقت ومع العديد من المخرجين العراقيين، ولم ألمس أيَّ مستقبل لي ولعائلتي هناك، فأضطررت للهجرة الى دولة (كندا) التي وصلتها عام ٢٠١١ ومنذ تلك الفترة وأنا مقيم في مقاطعة اونتاريو، وأولادي يعملون، فيما اقضي معظم أوقاتي بين القرأة او متابعة التلفزيون والزيارات الصداقية والعائلية، اضافة الى الأهتمام بالصحة بعد هذه المسيرة الطويلة واستحقاقات العمر.

رحلة الرسم معي

يقول الأستاذ “رياض” عن رحلته مع الرسم، بأنه نشأ في جو عائلي محافظ نوعا ما، ولم يكن قريبا من الفن والفنون، لكنه يستدرك الكلام قائلا: بأن إثنين من أخواله كانا كذلك. المرحوم إبراهيم رمزي، وهذا كان آمراً لفرقة موسيقى الجيش، والمرحوم يوسف رمزي الذي كان رساماً. اعتقد بأن جذورهما كانت حاضرة فيّ. اما حكاية المدرسة فتلك كانت قصة لذيذة كلما مرّت في خاطري: ففي مدرسة المنذرية الأبتدائية، حظيت بواحد من أروع معلمي الرسم (الأستاذ حميد المحل) والذي كان يعمل في التمثيل ايضا، وتشاء الصدف وتجمعني معه الحياة في أكاديمية الفنون إذ درسني مادة (رسم ألوان)، فقد كنت أرسم مثل باقي التلاميذ، وصادف أن كان على أحد الجدران في صفنا، صورة تعود لدرس (أشياء وصحة) عن غسل اليدين ، وتفريش الأسنان وما الى ذلك، فقمت بإعادة رسمها على شكل مربعات، وأعطيتها للمعلم (استاذي حميد) فتعجب بها وبأسلوبي، ومنحتُ عنها أول جائزة في حياتي والتي كانت عبارة عن : ( بنطلون خام أسود ـ شورت ،

قميص أبيض و علبة ألوان خشبية). من هنا أستطيع أن أقول بأنه كان هناك مكان للرسم في حياتي. بعد أن انهيت الثانوية كان حلمي أن أدخل الأكاديمية، رغم أن الجو العام لم يكن يشجع هذا التوجه قياسا بمهنة التدريس أو كلية الطب أوالهندسة، لكني لم أتمكن من رؤية أي حقل وقتها غير اكاديمة الفنون، وللطرفة فأني مازلت أتذكر ردة فعل جدي ـ رحمة الله عليه ـ حينما سمع ذلك فقال : ( تقدم للأكاديمية ؟؟) بينما كان موقف خالي : ( عفية بالسبع!)، اما المساند الأكبر والفضل فيعود لجدي الآخر (والد والدتي) فقد حسم الأمر آنذاك بالموافقة على دخولي الأكاديمية.

رسام أم مصمم ديكور؟

عالم الفن واسع وجميل وبلا نهايات ، يقول الأستاذ “رياض”، فهو مليء بالفنطازيا والأحلام والواقع ايضا، و في الحقيقية حينما تقدمت للعمل في المؤسسة العامة للتلفزيون كان بإفتراض أن اكون “رساما” وفعلا جرى قبولي على هذا الأساس، لكن بعد مرور فترة وجيزة طلبوني في دورة للديكور، وأحرزت المركز الأول، وكانت تلك هي البداية التي ستطبع حياتي للعقود القادمة.

لقد كنّا مجموعة من الشباب حينما دخلنا التلفزيون وكلنا طموح، وننظر بعين الأحترام والتقدير لجيل الرواد الذي سبقنا ومنهم : الاستاذة الرائعة شميم رسام (اطال الله بعمرها) وألأستاذ رافع جاسم والمرحوم سامي البازي ـ أحد أفضل مصممي الديكور في التلفزيون ـ وقد أُلقيت علينا محاضرات قدمتها الست شميم والأستاذ المصري الرائع (إبراهيم عبد الجليل)، وبعد ذلك جرى توزيعنا، انت مع …..، وأنت مع ….، ومن حسن حظي ان أُكون مع الست شميم، مسؤولة الديكور آنذاك، فهي التي احتضنتني .

العمل مع العمالقة

لقد اتيحت لي الفرصة ان اعمل وأتتلمذ وأتعامل مع خيرة المخرجين والممثلين وكل من كان له صلة بالأنتاج في التلفزيون، وتحضرني بعض أبرز الأسماء لذاك الجيل الرائع ومنهم:

١ـ الأستاذ إبراهيم عبد الجليل ـ مصري الجنسية ـ إذ شاركته في أكثر من ٩٠٪ من أعماله، وقد تعاملت معه في الكثير من الأعمال ومنها، المسلسل الشعبي (ناس من طرفنا)، ومسلسل عن حياة المتنبي وتراثيات وتأريخيات أخرى، وأستطيع أن أقول بأنه مختص في العمل التلفزيوني، ولعلي أتذكر جيدا حرصه الشديد على العمل وأنعكاساته عليه بحالة لم يتمكن أن يخفيها عنّا نحن العاملين معه، وهي حالة (التوتر) ، وكان يبررها بالقول بأنه يشعر : (وكأنني أشتغل لأول مرة في التلفزيون!) . وهناك حدثا مازال طريا في البال، فقد كنت شابا حينما بدأت العمل مع هذا العملاق، ولم اسمع منه اية ملاحظة سلبية مباشرة، بل كان يملك اسلوبا فذا في ايصال الملاحظة : ( هذا عظيم ….بس لو كذا وكذا….) وكان

يحصل على ما يريد بكل رحابة صدر. وبالحقيقة أن (مصر) تعرف كيف تحتفي بطاقاتها، فمدرسته في الأخراج مشهورة وهي مخلدة بإسمه.

٢ـ مع الأستاذ كارلو هاريتون، وأبرز ما يتميز به أنه (تربية سينمائية) في كل حركاته وتعاملاته ، لابل حتى في طريقة تحريكه للكاميرا، وربما تكون دراسته قد خلقت منه هذه الشخصية الحلوة. وأشتركت معه في الكثير من الأعمال ومنها مسلسل (أيام ضائعة) وفلم سينمائي، وآخر مسلسل عملته في بغداد (شارع ٤٠) .

٣ـ الأستاذ عمانؤيل رسام ( ع . ن . ر .) ، هذا الأنسان الرائع يتميز بهدوء قلما تجده عند انسان بمستوى مسؤلياته في العمل، وكأن قانون التوتر لا ينطبق عليه، وحينما تعمل معه فأن كل ما تتمنى أن تحصل عليه هو ابتسامة لطيفة وكلمة (جيد)، فأذا قالها، فمعنى ذلك أنك في قمّة السيطرة على العمل والأبداع.

٤ـ الأستاذ والمخرج السينمائي محمد شكري جميل، فبالرغم من أني لم اعمل معه كثيرا، لكني أتذكر جيدا بأن العمل معه لم يكن سهلا، وله أسلوب خاص في العمل، وتمكنا سوية من تقديم اعمال لقيت استحسان المختصين والجمهور.

ومن الجدير بالذكر أن اشير الى واحد من أشهر مصممي الديكور للأعمال المسرحية وهو الأستاذ (نجم حيدر) ، شقيق استاذنا في الأكاديمية (كاظم حيدر) إذ كنت انظر لأعماله بشئ من الأنبهار والتعجب.

لو لم أصف عملي بالأخلاص، فأن النتائج هي التي ستقولها ، ويكمل الأستاذ “رياض” : كانت هناك ايام ادير فيها ٤ ـ ٦ أعمال في آن واحد، متنقلا بين ستوديو ٦٠٠ و ستوديو ٨٠٠ و ستوديو بلاتو ، ستوديو٢٠٠ وستوديو ٥٠٠. لقد كانت عندنا خمسة ستوديوهات للدراما، ومع كل هذا فلم أكن اشعر بالوقت او التعب. لقد كان عملنا (راحة للبدن) كما يقول مثلنا الشعبي.

ثلاثة عقود من التميّز

لابد وأن يخطر على بال اي متابع أن يسأل عن سـّر التميز في اعمال الأستاذ “رياض” فيجيب على التساؤلات: لامفر هنا إلا بالعودة الى أيامي الأولى في ألأكاديمية وإعادة تجسيدها من جديد . فقد كانت ملاحظات اساتذتي عن رسومي : (انك ترسم بشكل معماري)، وأستاذي الكبير محمد غني حكمت كان يريدني ان اصبح نحاتا، وفعلا حققت درجة ٨٧٪ في درس النحت و ٩٤٪ في الرسم/ ظل الألوان، ومجمل تجربتي قادتني للتأثر وتبني (المدرسة الأنطباعية) في الرسم، والأمر الآخر الذي ساعدني كان امتلاكي ( مخيلة وذاكرة مصورة) هذان الأمران بالأضافة للقراءة والمتابعة المستمرة ساعداني على التفرد في عملي وأحترام كل المرؤوسين لي. وكان لابد للأستاذ “رياض” من أن يسوق مثلا، فيقول : خضعت اعمال التلفزيون ل (التقشف) مثل باقي المؤسسات، وكنتُ مضطراً للعمل بالحد الأدنى، ورغم هذا فأني بدأت بداية طيبة (ماشيا بدرب الأساتذة الرواد الذين سبقوني) فكنت

استخدم مواد جديدة لصناعة الديكور في استوديوهاتنا، وبأمكان اي من المشاهدين ان يلمس (الواقعية) في تصاميمي، وكان المسؤلون (غير بخلاء) معي ، إذ دائما ما كانوا يلبون طلباتي، حتى أفي لهم بعملي، ورغم كل الظروف فأني كنت أتأقلم مع الميزانية وأقدم أفضل ما يمكن تقديمه إن كانت الميزانية ألف، أو عشرة آلاف أو مئة ألف! وكل ما سمعته من المسؤلين : عاشت ايدك، بس دير بالك على الميزانية!

حصاد

يقف اليوم الأستاذ “رياض” عابرا ببصره القارات والبحور ليصل الى منطقة الصالحية وبالذات مبنى الأذاعة والتلفزيون، تلك المؤسسة التي اصبحت توأما لحياته وذكرياته وأبداعاته. فهناك أودع منذ سنين دموعا ساخنة لتراث تعرض للعبث والتخريب، وأصبحت الذاكرة هي كل ما تبقى له حتى يتذكر اعماله ، ورغم ذلك، فهي تفرض وجودها بكل فخر ويقول:

في جعبتي ما لايقل عن (١٠٠) مسلسل قمت بتصميم ديكوراتها، وعشرات الأغاني والبرامج، وبحدود (أربعة أفلام) ، اما بالنسبة للمسرح فقد كان يجري ذلك بالتنسيق مع الوزارة، على أن العديد من الأساتذة (معظمهم أصدقاؤنا) كانوا يأتون ويراقبون عملي ، وكنت أجيب على اسئلتهم ايضا ، خاصة في ظروف الأزمات المالية، وانحسار الصرفيات.

أما ابرز الأعمال التي مازلت أتذكرها:

١ـ مسلسل “أشهى الموائد في مدينة القواعد” مؤلف من ١٥٠ حلقة ،وهو بالمناسبة آخر أعمالي الدرامية.

٢ـ مسلسل ” قيس ولبنى”

٣ـ مسلسل “شارع ٤٠” مع الأستاذ كارلو هاريتون

٤ـ المدير الفني لفلم “الحدود الملتهبة”

ذكريات

كانت من المفارقات الطريفة بأن يكون د.علاء يحى فائق ( تخرج من اكاديمية الفنون عام ٧٣، لكنه عمل في التلفزيون بين ٧٠ ـ ١٩٧٥) هو دليلي للوصول الى الفنان التشكيلي “رياض” ، ولم تكن تلك المناسبة لتمر قبل أن يسرد لي “د.علاء” بعضا من حكاياته وذكرياته فيقول:

تعرفت على المبدع “رياض ” في بداية مشواري بالتلفزيون، وأتذكر بأني أخرجت إحدى حلقات (كَهوة عزاوي) ومعلوم لكل متابع بأن هذا العمل يحتاج الى مناخ وجو شعبي ، فأقترحت عليه وضع أجواء ـ محلة بغدادية ـ ضمن المشهد، وقد فاجأني الأستاذ “رياض” بما قام به بعد ذلك، إذ خلق وأوجد محلة بغدادية بكل تفاصيلها داخل الأستوديو، مستخدما كل الأمكانيات المتاحة مع (الحيل ـ الأبداع) والضوء والظل، وكانت حقاً رائعة بكل المقاييس. تجربتي تلك معه جعلتني اتحين الفرصة من جديد وطلبه للعمل معي في تمثيلية (الجبل المهزوم) التي قام بإعدادها الأستاذ بدري حسون فريد عن قصة للكاتب الروسي مكسيم غوركي، وكانت قد

كتبت عام عام ١٩٦٩ وأجيزت للعمل، لكن لم يتقدم لها أيّ من المخرجين خوفا من عدم امكانية وصعوبة خلق الأجواء المتعلقة بالعمل وخاصة ( مشهد الحفر في جبل) ، لكن قناعتي بقدرات المصمم المبدع “رياض” منحتني الجرأة للخوض فيها، وفعلا قدم شيئا مرموقا ، وأثبت قدرة ابداعية نادرة. لا أخفي بأن بعض مشاهد التمثيلية كانت صعبة ومعقدة، وأمكانيات التلفزيون آنذاك كانت بسيطة ايضا، لكن ابداعات “رياض” تجلت في استخدام كل الممكنات في خلق الأجواء وبنجاح فائق، فمثلا: كان المشهد يتطلب خلق (شلال من الماء) والأستفادة من خرير الماء، فقد نفذها ببساطة ونجاح، وذات الشئ مع مشهد (الحفر في الجبل) وهكذا حتى مع تطويع الأضاءة وأستخدامها كجزء من الديكور حينما استوجب المشهد السير نحو الشمس. ان ابداعه في هذه الأستخدامات ميزّه على اقرانه. وبالحقيقة إن كل ما كنت أريد في الديكور وجدته عنده ! اني اتألم كثيرا لتبديد كل تلك الطاقات وعدم الأفادة منها أو وضعها في المكان الصحيح، وأعني تعيينهم كأساتذة في الأكاديمية حتى نتمكن من تخريج عشرات المبدعين مستفيدين من تجربتهم.

يمكن لي ان اختصر عمل الأستاذ “رياض” بجملة واحدة : فهو متميز بخلق الجو العام في المشهد الدرامي، ويستخدم الظل والضوء بشكل ذكي، ولهذا فإن كل مخرجي الدراما كانوا يرغبونه! كان التزامي ب (الجبل المهزوم) قد أتى في الوقت الذي كنت أتهيأ للسفر الى الولايات المتحدة بغية إكمال دراستي لنيل شهادة الدكتوراه، ومن الطريف أن أقول بأنني قد تأخرت شهرين عن الموعد بسبب هذا الألتزام في العام ١٩٧٥.

اخلاص في العمل

من اهم الملاحظات، يقول الفنان “رياض” التي رافقت عملنا هي طريقة التعاقد مع الفنان، وتقييم عمله الفني. فكوننا كنّا موظفين في المؤسسة، وهذا جعل (الكل) تحت خيمة سلم الرواتب، ولم يجر وضع اسس للتعاقد مع الفنانين، مع ضمان وظيفتهم، كما يجري في الكثير من الدول او شركات الأنتاج. فهي تمنح الفنان الحد الأدنى وبعد ذلك تزيدها على شكل (عقود) وحسب حجم العمل أو المسلسل أو الفلم، ناهيك عن قضية الأيفادات أو الدورات التي تصقل وتزيد من خبرة الفنان. وللحق أقول، فأن أول دورة لنا كانت حينما أختارونا لقسم الديكور والتصميم في أول عهدنا مع المؤسسة، ثم دورة (إطلاع) ولفترة وجيزة للعاصمة الروسية موسكو، وإيفاد لفترة قصيرة الى الكويت حيث اشتركت في مسلسل (افتح يا سمسم) ، وصادف أن عرض عليّ أحد المصممين الأمريكان الذهاب معه الى امريكا ، بعد ان اعجب بعملي، ووعدني بكل التسهيلات ، وبراتب جيد جدا، وذلك لحاجتهم الى مصمم ديكور بذائقة شرقية، فرفضت هذا العرض، وذات الشئ عملت مع عرض آخر وصلني من (دولة قطر)، لقناعتي بأن المؤسسة لها فضل علي وهي أحوج من الآخرين لنتاجاتي!

الخاتمة

سأعود الى أوليات دراستي الأكاديمية يقول الأستاذ “رياض”: بأن الحياة لو بخلت علينا بالأمل، فتصبح حينذاك مهمة الفنان بخلقها وتقريبها للناس، إن كان بالرسم أو الديكور أو الأضاءة أو الغناء أوالأيقاع أو الموسيقى ، لابل وكل ما يتعلق بالمسرح.

إني أحلم وأتمنى لوطني الغالي وناسه، الفرح والأمن والأمان، وأن يمتلكوا ناصية العلم والثقافة، فتلك هي مفاتيح اي تقدم . وآمل ان يحافظوا على اعمال وتراث الذين سبقوهم ويكونوا امناء في ايصالها للجيل القادم، من أجل ان تستمر الحياة متواصلة وجميلة مثل جريان النهر.