23 ديسمبر، 2024 12:39 م

مصر العربية : من حادثة المنشية إلى مسجد الفتح !

مصر العربية : من حادثة المنشية إلى مسجد الفتح !

قُتلتِ المُقاتلة، وأسرت النساء والأطفال، وأستبيح الدم المصري، والنصر الأكيد في ذلك لعتاة الأمريكان. وها نحن من جديد أمام مؤامرة أخرى يراد بها إقصاء فصيل سياسي عريق، متنمرعن المشهد المصري الجديد. ولكي نفهم حقيقة ما يجري الآن، وما سيكون، لا بد لنا من النظر سريعاً إلى التاريخ، ومن شيم هذا أنه لم ينصف الشرفاء قط. ففي السادس والعشرين من أيلول، قبل تسع وخمسين سنة، يقف واحد من الأخوان المسلمين على بعد ثلاثمائة متر من عبد الناصر حينما كان يخطب من شرفة منشية البكري في الإسكندرية، ويطلق عليه ثمانية طلقات من مسدسه، لم تصب أي منها الهدف، ومن حينها بدأ التنكيل والتجريح بالأخوان المسلمين، وامتلأت بهم سجون مصر. والنتيجة أن أقصي الأخوان من كل السياسة، وظل عبد الناصر زعيماً أوحداً على مصر، يحكم باسم العسكر، حتى وصل العسكر إلى الهزيمة الأولى بعد سنتين، ثم الهزيمة الثانية المدوية حينما رفعت الأعلام الإسرائيلية على كل مكان عربي في غضون خمسة أيام. والتيجة أن غاب الدستور الذي يكتبه الشعب، ولم ير المصريون شيئاً اسمه صناديق الإقتراع. لكن تصوروا جيداً أن الرامي هنا يقف على هذا البعد من الهدف، فأية مسرحية هي!
واليوم يعيد التاريخ علينا صفحته السوداء، ولسنا من الأخوان على أية حال، فيستعيد العسكر دورهم التقليدي القديم في صياغة المؤامرة على الشعب، ويزج بالشرطة المصرية طعماً سهلاً. وبينما كانت مؤامرة المنشية محاكة بدقة ما في حينها، وكان الإعلام الرسمي يصول ويجول، لا نرى اليوم في الفضائيات المصرية من يناقش شؤون المذبحة المعاصرة غير ممثلي السينما وممثلاتها، وكأن مصر قد خلت من السياسيين والمتنورين. ولم نر من إرهاب الأخوان شيئاً على الشاشة غير المتحدثين بالنيابة عنهم، مثال ذلك أنهم عثروا في مسجد رابعة على مقبرة جماعية تضم أجساداً محترقة، ولا توجد صورة واحدة للخبر. ومثاله أن من يحرق الكنائس هم الأخوان، ولم نر أحداً منهم يقول إني أحرقت، كما لم نر أخوانياً واحداً يحمل السلاح، وكل ما رأينا نساءً وأطفالاً ورجالاً ملتحين وغير ملتحين، والكل يتصايح بكلام غير مسموع أمام عشرات الجثث المنتظمة، جثة بعد جثة، والبعض منها بادي العورة.
والآن، ماذا ستفعل مصر بأبنائها من الأخوان بعد إزاحة الستار عن هذه التمثيلية التي يندى لها جبين كل العرب؟ هل ستبقى حالة الطواريء نافذة إلى ما شاء الله وشاء العسكر؟ كيف يكتب أبناء مصر العزيزة دستورهم، وكيف يبنون مؤسساتهم المدنية وأولها البرلمان؟ هل من الواجب رمي الأخوان في البحر، وكيف؟
إن ما يجري الآن في مصر ليس نزاعاً بين الأخوان وباقي الفصائل الشعبية، بل هو نزاع تاريخي محموم بين قطبي الإمبريالية العالمية، الجمهوريين والأحرار الأمريكان، والذين سرعان ما سيضعون الشأن المصري كله في التدويل، ويصبح الدستور لو بدأ أمراً خاضعاً للتدويل، وتصبح الإنتخابات المصرية لو أجريت أمراً خاضعاً للتدويل، والنتيجة أن مصر كلها شأن تدويلي تكون سنواته أحلك من الإحتلال، ويزداد الأخوة المصريون فقراً على فقر.