23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

مصرف الرشيد، وسِلَف المتقاعدين ..

مصرف الرشيد، وسِلَف المتقاعدين ..

القروض المصرفية والسّلَف والتسهيلات – إن كانت ثمة تسهيلات ، والزيادات – إن كانت ثمة زيادات ، ومكافأة نهاية الخدمة – إن فكّروا بإطلاقها ، هي شغلنا الشاغل نحن معشر المتقاعدين ، نلاحق سراب الإشاعات لأي مكسب لمدخولاتنا المتواضعة والتي تتلاشى عادة ، ويندر أن تخلو جلساتنا من هذه الأخبار ، نتصيّد سلفة من هنا ، أو قرض من هناك ، أخيرا سمعت بإطلاق سِلَف المتقاعدين من مصرفي الرافدين والرشيد ، البالغة ثلاثة ملايين دينار كحد أعلى للمتقاعد ، صحيح أنها لا تكفي لشراء سيارة مهما تهالكت ، ولا لترميم مجرد سياج متداعِ ، لكنا قد تغلق ثغرة من الف ! ، قد أستعين بها على عاديات الزمن التي ملأت حياتنا .

وبدأ بحثي بواسطة السيد (غوغل) ، فوجدت هذا الخبر صحيحا وفي كلا المصرفَين ، واستبشرت خيرا ، رغم إن الأمر لا يُعَدّ منّة ، فالمصارف لا تخطو خطوة دون إستثمار ولو برؤوس المتقاعدين ، ورغم ذلك فقد أوجست خيفة ، لكوني ملم بتوجهات الحكومة لأنها آخر من يفكر بشريحة المتقاعدين فضلا عن المواطن العادي ، عدا السياسات المالية الكارثية ، والبيروقراطيات المقيتة التي لا يدفع ثمنها جهدا ووقتا وربما كرامةً إلا الفقراء .

وتوكّلتُ على الحي الذي لا يموت ، لكنه مات في ضمائر سياسيينا كما قال السيد غالب الشابندر ، وتوجهت إلى مصرف الرشيد فرع حي سومر في بغداد الجديدة ، لأنه من أصدر بطاقتي ال…. ذكية ! ، فأستقبلتي الموظفة بإبتسامة ، وبعد السلام سألتها عن إمكانية إطلاق سلفة للمتقاعدين ، فقالت ، نعم ، فقط أعطني هوية المتقاعدين ، فناولتها إياها وأنا ألتفت يمينا وشمالا كمن أضاع شيئا !، ما هذه الحفاوة والأخبار الطيبة ؟ شيء لانألفه في دوائر الدولة ، هل أنا في برلين أو باريس ؟ !.

وما لبثت هذه الصورة المتفائلة أن تلاشت ، وعدت إلى أجواء وادي الرافدين ، عندما وضعت الموظفة قائمة من العراقيل والشروط التعجيزية المفتقرة للمنطق ، وكأننا لا نزال في العصر الحجري حيث لا نظام مكننة أو معلوماتية بين المصارف ، لقد ذكرتْ لي أن أسمي غير مُدرج في المصرف ، فذكرتُ لها أني أملك بطاقة (كي كارد) مصرف الرشيد ، وأنا أستلم راتبي التقاعدي منها ما يزيد عن 7 سنوات ، فطالبتني بذكر إسم المصرف الذي استلمت منه أول راتب ، فقلت لها لا أتذكر يا إبنتي ، لقد استلمت راتبي الأول منذ 10 سنوات ، لكني أعتقد إنه أحد فروع مصرف الرافدين ، فطلبتْ مني الذهاب إلى المديرة ، وأعدت نفس الأسطوانة فأجابتني :حسنا ، مصرف الرافدين لن يتعاون معك لأن بطاقتك ال… ذكية تقرأ مصرف الرشيد ، ولن أستطيع فعل شيء لك من مصرف الرشيد لأنك استلمت أول راتب من مصرف الرافدين ! ، فقلت : ثم ماذا ؟ ، أجابت إنتظر الضوابط الجديدة ، وأحيطك علما أن مصرف الرشيد لا يزال يعمل بمبدأ الكفيل وليس كمصرف الرافدين ، على أن يكون موظفا مستمرا بالخدمة ، وعليه جلب تأييد من دائرته ! .

ثلاثة ملايين دينار لا تساوي سعر حذاء عالية نصيّف ، أو ربما ربطة عنق أو بدلة أو حجاب أو قنينة عطر لأحد المتأنقين أو المتأنقات الذين نشاهدهم في التلفاز ، أو ربما لا تساوي وجبة في مطعم تُبرم به الصفقات ، مبلغ لا يساوي شيئا في نظر هؤلاء ، لكنه يعني لنا الكثير ، ورغم ذلك فقد شحّوا به علينا ! ، فخرجت من المصرف صفر اليدين ، بعد أن شكرتُ المديرة (ولكن على ماذا) ؟! ، وعدت إلى أرض الواقع ، حيث لا يفيد فيه ذكاء الإنسان فضلا عن ذكاء بطاقة ! ، بعد أن عشت دقيقتين ، خارج الوطن ! .