22 نوفمبر، 2024 7:06 م
Search
Close this search box.

مصرف الرافدين في عمّان…بين واقعه الأليم والطموح المشروع…!

مصرف الرافدين في عمّان…بين واقعه الأليم والطموح المشروع…!

إن من أولى مسلّمات عمل أي مصرف تجاري في العالم هو كسب ثقة ورضا عملائه الكبار منهم والصغار على حدٍّ سواء، وتقديم الخدمات المصرفية والحرص على حماية أموالهم المودّعة في خزائن المصرف وتشغيلها وجني أرباحها وتسليمهم إياها عند الطلب ليشعر عندها العميل بالرقي في تعاملهم والاحترافية في عملهم ويبقى ولاؤه لهم باستمرار.
وفي عمّان، العاصمة النابضة بالحياة والحركة التجارية النشطة تنتصب بين شوارعها بنايتان جميلتان مملوكتان لوزارة المالية العراقية، ترفعان الشعار العريق لمصرف الرافدين، يشغل مكاتبها أكثر من خمسة وعشرون موظفًا جلّهم من الأشقاء الأردنيين المحترفين مصرفيًا، يتقاضون رواتب تليق بهم وبكفاءتهم؛ فهم حريصون كل الحرص على خدمة عملائه بأبها صورة ومحبّة وجلّهم من العراقيين المتقاعدين الذين خدموا بلدهم العراق بكل إخلاص وتفاني لسنوات طوال.

مصرف الرافدين الذي تأسس وباشر أعماله في العراق عام 1941، كان يومًا القِدحُ المُعلّى بين مصارف الشرق الأوسط وذا سمعة مرموقة، لكن فرعيْهِ في عمّان ومنذ أكثر من سنتين يعاني من خمودًا ملحوظًا في نشاطه التجاري وترهّلًا في خدماته المصرفية، توازي الرجل المريض المحتضر… فحينما يراجع أي عميل لأيًّ منهما يستقبله المعنيون بكل ابتسامة وترحاب واستعداد لتقديم خدماتهم المصرفية التقليدية لهم، أو هكذا هو المفروض على أقل تقدير…! ولكن السؤال المطروح والبديهي: لمَ هذه الابتسامات ومقابل أي خدمات يقدّمها المصرف لـ (عملائه الكرام) …؟
هل منحَ المتقاعدين استحقاقاتهم الشهرية بسهولة ويسر مقابلة عمولة بنكّيّة متواضعة مثلما كان الحال قبل أكثر من سنتين…؟
وهل توكّل عن المتقاعدين قانونًا في إصدار بطاقاتهم الائتمانية ومتابعة كل ما يتعلّق بها في العراق مقابل أتعاب رمزية، كرد جميل لمن نضحت أجبنتهم عرقًا من أجل العراق…؟
وهل مُنحَ عملاء المصرف اعتمادات وكفالات وائتمانات مصرفية كما هو حال أبسط مصرف العالم…؟
وهل قدّم للعائلة العراقية قروضًا ميسّرة لفتح مشاريع تجارية صغيرة أو شراء شقق سكنية أو سيارات شخصية أو مبلغًا مقطوعًا تُشعرهم بالطمأنينة والسرور…؟
وهل استقطب إيداعات المواطنين المقيمين في الأردن مقابل فوائد شهرية أو سنوية مغرية وفق القوانين تَدعم معيشتهم اليومية، بدلا من إيداعها في بنوك محلّية أو أجنبية…؟
وهل فتحَ المصرف قنوات رسمية للتعامل المالي مع كبار التجار والمستثمرين العراقيين في الأردن كي يكونوا يدهم في العراق مع الجهات ذات العلاقة واعتمادهم كوسطاء موثوقين في المصارف الأجنبية، بدلًا من ذهابهم وتعاملهم مع بنوك محلية أو مكاتب صيرفة حامت على بعضٍ منها شُبهات وفساد…؟
وهل سهّل -وهي الفقرة الأهم- عمليات سحب رواتب المتقاعدين الشهرية من خلال أجهزة الصرّاف الآلي (ATM) الوطنية كما هو الحال في العالم المتحضّر، ونشر تلك الأجهزة في مناطق منتخبة في العاصمة بدلاً من بقائها في مخازن المصرف منذ سنوات يتقادم عليها الزمن لتصبح (حديد خردة) …!
الجواب على هذه الأسئلة بالتأكيد هو النفي… ثمَّ النفي… ثمَّ النفي… ولا جواب غير ذلك…!
هذان المصرفان زادَ حالهما سوءًا منذ أن دخلت شركات Mastercardماستر كارد الائتمانية الأمريكية وأخواتها عنوةً أو أُدخلت بفعل فاعل، على لقمة عيش المتقاعد العراقي، وخاصةً في الخارج، وبدأت تنهش من صحن المتقاعد أكثر من المتقاعد نفسه، رغم تخمة هذه الشركات وبدانتها المعروفة عالميًا. وبدلًا من أن تقوم الحكومة العراقية بزيادة رواتب المتقاعدين كي يواجهوا ارتفاع تكاليف المعيشة المتصاعد، وبدلًا من أن تخفّف من عنائه وهو في خريف العمر، وتزرع البسمة على شفتيه وهو يقبض شهريًا ثمن أتعاب سني عمله الطويل، صارت هذه الشركات ومعها جهات أخرى تجتز من راتبه الشهري ما يوازي ثلاثين دولارًا متقلّبة عن كل مبلغ مسحوب من هذا الجهاز اللعين لتذهب عمولات قاصمة ومريبة، مُبالغٌ فيها إلى هذا وذاك، لتخرج من تلك العملية رائحة فساد واضحة، أو هكذا تلوح لنا، وهذا هو حال كل المتقاعدين العراقيين في الخارج…!
وبدلًا من أن يحرص المصرف على تقديم كل هذه الخدمات التي فيها مصلحة اقتصادية له ويطوّر من حاله مع تقدّم العمل المصرفي في أنحاء المعمورة، صار فرع المصرف في عمّان صندوقًا لاستقبال شكاوى المواطنين وتذمّرهم، وتحول مكتب المديرة الإقليمية للمصرف إلى غرفة عمليات تجري فيه اتصالاتها مع هذه الجهة أو تلك في بغداد لحل معضلةٍ ما أو مشكلة ما، تاركة واجبها الأصلي الدقيق وعنوانها الوظيفي الكبير من أجل خدمة المتقاعد المظلوم والمنهك، وصار المتقاعد يخشى من انقطاع راتبه أو سرقة بطاقته بين ليلة وضحاها كما حدث قبل أيام في إحدى الدوائر العامة في بغداد. فيما أصاب الموظفين الأسى والملل والإحباط لما وصل إليه حال المصرف.

 

 

 

 

 

لقد سعت المديرة الحالية والمديرة التي سبقتها وهما امرأتان طموحتان في عملهما، بالارتقاء بالمصرف إلى ما هو أفضل من ناحية التعاملات والخدمات البنكية بما يوازي التقدم التقني والإداري للمصارف في العالم، وخير مثال بسيط وقريب على ذلك هي البنوك الأردنية. والحق يقال في هذه السطور، لقد بذلت هاتان المرأتان المخلصتان وعلى مدى سنوات عملهما جهودًا مضنية وحثيثة مع الإدارة العامة لمصرف الرافدين في بغداد من خلال مناشدات مستمرّة معهم في تجاوز كل ما يُعرقل تلك الأهداف المشروعة، لكنهما دائمًا ما تصطدمان بالبيروقراطية المُملة والتسويف المتعمّد للقرارات الإدارية بنوايا غير صادقة، يقابلهُ جهل في الإدارة المصرفية وعدم وجود تعاون جاد بين الأطراف خاصة من قبل هؤلاء الطامحين والطامعين والفاسدين الذين يحلو تسمية أنفسهن بالمصرفيين ومحسوبين على نظامها.
لذلك نقول ومن باب الحرص على سمعة مصرف الرافدين، إنه آن الأوان للحكومة العراقية الجديدة ممثّلةً بوزيرة المالية وهي أيضًا امرأة محترفة في مهنتها ومتمرّسة في هذه الوزارة منذ عام 2003 وحريصة في عملها-أو هكذا يتوارد عنها-أن توعز لموظفين “إكفّاء ونزيهين” بتحريك عجلة هذا المصرف إلى الأمام بدعم مباشر من تلك الحكومة والنهوض به من واقعه المُزري والمُخجل وطريقة إدارته الرتيبة واتخاذ قرارات فورية تدخل في صالح المصرف وصالح خدمة عملائه القدامى وزبائنه الجُدد بأفضل حال وأهمّهما شريحة (المتقاعدون) خُدّام الوطن، الذي ناهز عددهم العشرة ألاف متقاعد، حفاظًا على أموالهم وصونًا لكرامتهم، ومواكبة السياسات المتقدمة للمصارف المنطقة كي يبقى مصرف الرافدين بيتنا الثاني الذي نأوي إليه ونلتقي فيه، وواجهة مصرفية تُليق بسمعته وتاريخه، وأن نُواجه ابتسامة موظفيه بابتسامة أجمل وأعرض.

وصدق الشاعر حين قال:
والنفس إن صلحت زكت، وإذا خلت

من فطنةٍ لعبت بها الأهواء

أحدث المقالات