وصلَ الحال بالإنسان ان ينسى نفسه وما يفعل من قبيح العمل، فتغادر انسانيته من قلبه وروحه وذاته ليصبح هائما في برك الرذيلة بأنواعها وأولها بُركة الكذب، فيتلذذ بالكذب المبرمج حسب اوهامه وحبه للوصول والتمّيز بأي ثمن، فيختلق انواعا غريبة وعجيبة من الاقاويل التي تهدم العلاقات الانسانية بين اثنين او بين الجماعة وهو يكشّر عن ابتسامة لانتصاراته.
بدئ الاسلام بمسيلمة الكذاب وشيخ الكذابين معاوية بن ابي سفيان والتاريخ يذكر الكثير من مواهبهم (الكذبية) المنمّقة بحيث يقع الجاهل بها بسرعة البرق وتحيّر لب العاقل وتشككه حتى في ثقته بنفسه. غير كذبهم ، التاريخ شهد انهرا من الدماء، وإشاعة الظلم بحرفية لا يقوى عليها أي انسان . ولكن الله يمهل ولا يهمل..
العالم الحالي اصبح مصنعا للكذب وإنتاج الكذابين ذووي المهارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والادبية والصحافية والمهنية حتى فاض هذا العالم بالمهرة من الكذابين الذين يصنعون الاوهام، والمشكلة هناك من يصدّقهم ويؤمن بهم ويروّج لهم ويسندهم ويمشي على خطاهم.
الكذاب الحالي لا تستطيع ان تميّزه بسهولة لحلاوة لسانه وقوة بيانه وسرعة ادائه وقدرته على رسم الحدث بصورة الشيطان نفسه يشك بنفسهِ.. الوانا من الاقنعة يمتلك ويصر على انه صح والجميع على خطأ.. وحين يفضح امره ويكون بمحك على ان يشتهر ككذاب، يختلق امرا لا يخطر على البال ويسرّحك من حيث لا تدري.
هذا النموذج السيئ يتواجد في كل مكان لان ثقافتنا تتجه نحو مسلسلات هندية وتركية وغيرها تساعد الجيل على امتهان هذه الثقافة وتفعيلها بشكل عملي في البيت والدائرة والشارع والتعامل بين الاشخاص..جميعهم يقسمون بالله صادقين وهم في طليعة الكذابين. فلم تعد وراثة ثقافة الكذب التي بدأها مسيلمة نافعة بل تطورت جيناتها لتكون مدارس عالمية في صناعة الكذب والكذابين.
اليوم نحن مع موجة حرب جديدة مع الكم الهائل من الكذابين لا نعرف من نصدّق ومع من نسير ..الكل صادقون البقال حين يغشك بمظهر بضاعته، المصانع التي تنتج السموم بعلب مزينة، المطابع التي تطبع كتبا بعناوين مثيرة، المواقع والصفحات التي تبدع بنشر الاخبار المثيرة التي سرعان ما تنتشر لقوة سرد تفاصيل ممتلئة بالسموم.. المشكلة نعرفهم ونسير خلفهم ونؤيد بصمت افعالهم ليس تقية من خوف، بل اصبحنا توفيقيين ما بين الصادقين والكذابين عسى الله يحدث امرا يوم تبيّض وجوه وتسوّد وجوه .
يقول الله تعالى بسورة الانعام (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ). نستدل من الآية الكريمة : لكل عامل في طاعة الله أو معصيته، منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها, ويثيبه بها, إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا، كل ذلك من عملهم، يا محمد، بعلم من ربِّك، يحصيها ويثبتها لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه .
ويقول سيد البلغاء والصادقين الإمام علي (عليه السلام): يكتسب الصادق بصدقه ثلاثا ” حسن الثقة به، والمحبة له، والمهابة عنه”.