يدخل العراق في تقاطع انفاق استراتيجية يصعب العثور على خارطة واضحة للخروج منه ، خصوصا في ظل الحلول النصفية المطروحة ، والازمات المركبة التي تعصف به ، من النواحي السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والمجتمعية ، ويعد نتاج منطقي للنظام السياسي الحالي ، الذي أرسته الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وايران، ودعمه المجتمع الدولي والاقليم العربيمنذ 2003 ولحد الان ، وبني على تقطيع الشعب العراقي الى مكونات وطوائف واعراق ، واعتماد نهج الطوئفة السياسية لتمثلها الأحزاب الدينية ، فضلا عن تناسل وانشطار الجماعات الفاعلة غير الحكومية ( المليشيات الولائية) ، وقد تعدى العراق وصفه ياللبننه ، وبات يوصف في التداول السياسي بالعرقنة .
وبعد تشكيل حكومة الكاظمي بتفاهمات امريكية إيرانية ، دخل العراق مرحلة حرجة بين الاستحقاقات المطلوب تنفيذها من قبل الشارع العراق ، ونفوذ ايران من خلال سطوة الكيان الموازي ( المليشيات الولائية) ، وقد تناسلت مؤخرا الى مسميات جديدة ، لغرض التشويش والتضليل على العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية
ودعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في السابع من نيسان/أبريل 2020 إلى “حوار استراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق ، للبحث في مستقبل العلاقة بين البلدين، ويرمي الحوار، الذي سيكون عبارة عن سلسلة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الأمريكيين والعراقيين، إلى وضع كافة جوانب العلاقة الأمريكية-العراقية على طاولة الحوار.
وأكد السفير الأمريكي في بغداد “ماثيو تودلر“ في خطاب متلفز ، أن الحوار المرتقب بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق في منتصف حزيران/ يونيو الحالي، يهدف إلى التغلب على التحديات التي تواجهها علاقات البلدين، وتفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين الموقعة في العام 2008.
مؤشرات ذات دلالة
1. تفاهمات أمريكية إيرانية تمخض عنها :
• تمرير الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي
• السماح لإيران بتصدير النفط خارج اطار العقوبات الى فنزويلا
• إيقاف هجمات المليشيات الصاروخية على القواعد والسفارة الامريكية
• تبادل السجناء بين الطرفين
• تهدئة حرب التصريحات بين الطرفين
• حضور وفد ايران عالي المستوى الى بغداد دون معارضة أمريكية .
• استلام 400 مليون دولار من العراق
2. زيارة وفد إيراني رسمي رفيع المستوى إلى العاصمة بغداد يوم الخميس الماضي ، بحضورقائد فيلق القدس “إسماعيل قآاني“ ، ومن المرجح ان يطرح الوفد عدد من المحددات الإيرانية المفترض مراعاتها في الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي
3. ذكر مصدر مطلع على طبيعة الزيارة، أن «مرافقة قآاني للوفد الإيراني الزائر، كان من أجل مناقشة مسائل الحوار الاستراتيجي، الذي من المقرر أن ينطلق منتصف الشهر المقبل، بين الولايات المتحدة وبغداد، والخطوط الحمراء التي تؤشرها طهران، وضرورة التزام المفاوض العراقي بها، ومحاولة التأثير على سير المفاوضات
4. نقلت وسائل إعلام محلية، عن قيادي في تحالف ‹الفتح›، قوله، إن «هدف زيارة قآاني هو توحيد مواقف القوى السياسية والمسلحة الموالية لطهران تجاه الحوار الاستراتيجي المرتقب بين بغداد وواشنطن، ومحاولة جعل بعض الشخصيات المقربة من هذه القوى، ضمن وفد العراق المفاوض، لغرض المتابعة الدقيقة لتفاصيل ومجريات الحوار، الذي سيستمر لعدة أيام.
5. تصريح الكاظمي إن “العراق يحرص على إقامة أفضل العلاقات مع جيرانه”، مشيرا إلى أن برنامج الحكومة الأساسي يتضمن السعي إلى “تطوير نطاق التعاون الخارجي وزيادة تبادل الخبرات
6. أكد الرئيس برهم صالح “ضرورة التنسيق المشترك وتوسيع آفاق التعاون بين العراق وإيران لاسيما في قطاعي الكهرباء والمياه بما يحقق التطور والرفاهية للشعبين الجارين”.
7. استقبل الكاظمي وزير الطاقة الإيراني، والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء بحث آخر المستجدات وفرص التعاون في مجال الطاقة، وبالأخص الكهرباء وتنمية العلاقات والتعاون بين العراق وإيران
8. أعلن وزير الطاقة الإيراني “رضا أردكانيان“ أن بلاده حصلت على نصف مستحقات الكهرباء المصدرة إلى العراق، بما يعادل 400 مليون دولار، بما لا يتسق وسياق العقوبات الامريكية المفروضة على ايران .
9. أشار وزير الطاقة الإيراني “رضا أردكانيان“ خلال تصريحات صحفية، إلى أن «جميع الاتفاقيات التي وقعت سابقا مع الجانب العراقي لتصدير الكهرباء، لا تتجاوز عاما واحدا، ولكن في هذه الزيارة تم التوقيع على اتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية لمدة عامين 2020 و2021
10. اعلان السفير الأمريكي في العراق عن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الموقعة في العام 2008، من دون رد فعل إيراني مما يشير الى قبول ايران المعادلة اللاصفرية في العراق
المصالح العراقية
يمر العراق بأزمات مركبة ومعقدة كنتاج طبيعي ، لسياسات احزاب الإسلام السياسي الحاكمة ، ومنهجيتها الولائية المستندة على استراتيجية الامة الطائفية او العرقية وليس الوطن الأم ، وبعد انقلاب 2014 على اثر دخول داعش للموصل ، واندثار مقومات القوة الناشئة للدولة ، واستبدالها بالكيان الموازي ( الحشد الشعبي) الذي خضع لسيطرة المليشيات الولائية المرتبطة بإيران ، واصبح العراق بذلك يرزح تحت سطوة المليشيات على المستوى العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي ، واسهم ذلك بصعود شريحة من الجهلة وانصاف المتعلمين وفاقدي المؤهلات المهنية والوظيفية الى سدة القرار اكثر من ذي قبل ؛ مما ادخل العراق في حزمة أزمات مركبة، ومن المؤكد ايضا اندثار الصفحة العسكرية النظامية التي تعمل على تحقيق مبدا الدفاع الذي يولد الامن بشكل انسيابي.
وقد اتخذ رئيس الوزراء الكاظمي حزمة قرارات منذ استلامه الحكومة رافقتها سلوكيات مؤسسية ، تنم عن وعي حقيقي لحجم الازمات ، وقد أكد عبر حسابه على تويتر ” إن العراق مرّ بمراحل صعبة، وهناك تحديات مستمرة على كلّ المستويات، وشهدنا للأسف في الجانب الأمني، حالات اغتيال واختفاء لمواطنين، على يد أطراف مسلحة، لكننا بحاجة الى صبر وتحقيق دقيق ومهني لضمان العدالة“
ولعل التصريح الأخير يشير الى حجم الضغوطات والتحديات والصعوبات ، نظرا للضغوطات الإقليمية والدولية ، فضلا عن محدودية الوقت، وضعف الأدوات ، وعدم تيسر القوانين الحاكمة لردع المليشيات الخارجة عن القانون ، ولذلك لابد ان نبحث عن مصالح العراق اولا قبل ان البحث عن مطالب ايران والولايات المتحدة ، ولعل ابرزها :
1. اخراج العراق من معادلة 2011 التي منحت ايران سطوة وسلطة على الواقع العراقي سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا بعد الانسحاب الأمريكي ، ومنح أوباما ايران الوكالة الإقليمية ، وقد كتبت في حينها مقال معنون (ايران والدور فوق الإقليمي)
2. تحديد نوع العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وسياق العمل وفق اتفاقيات حديثة ، تضمن للعراق سيادته ، وتعزيز مسارات التنمية المستدامة، بعيدا عن صراعات الاجنحة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وجماعات الضغط التي تنظر للعراق كسوق تجاري فقط .
3. تحديد العلاقة مع ايران وفق الأطر الرسمية والقنوات الدبلوماسية ، وإيقاف النهج العسكري المتمثل بخطوط الربط اللوجستية مع سوريا ولبنان عبر المسرح العراقي.
4. حماية الثروات الاستراتيجية العراقية وتنمية القدرات الزراعية والصناعية وتعزيز الصناعات النفطية وإعادة تأهيل البنى التحتية في كافة المجلات ومن خلال اشراك العنصر الوطني (سياسة التوطين)
5. إيقاف الهدر المالي وتفعيل مخرجات الحوكمة لاسيما الشفافية والمسائلة والعدالة وإيقاف سوق العملة ، وإعادة رسم السياسات المالية ضمن سياق السيادة الوطنية .
6. إعادة هيكلة الخطط الأمنية وتعزيز مبدا الامن الانسيابي وتحقيق معادلة (غاس)
7. اعادة النظر بالسياسات والخطط الدفاعية ، والسياسات التسليحية ، ووضع الضوابط الحاكمة ، ومحاربة الفساد ، والتوجه نحو استراتيجيات تهياة الدولة للدفاع ، وتتضمن إعادة النظر بالتشكيلات العسكرية ، وموائمتها مع التهديدات الحربية ، فضلا عن احكام الحدود السياسية ، وتحديد الصلاحيات والمهام للقيادات والتشكيلات العسكرية .
8. إعادة النظر بسياقات القيادة والسيطرة والترهل العسكري، وحل التشكيلات غير الضرورية ، والقيادات المتعددة المزدوجة المهام ، والعمل بسياق التمركزات الفاعلة الثابتة والسيارة، مع ضمان مرونة عمل التشكيلات ضمن سياق الحرب الحديثة المركبة .
9. إعادة النظر باليات العمل السياسي وإرساء البيئة الأمنية المستدامة ، وتفكيك المشاكل والأزمات ، لاسيما إعادة النازحين الى ديارهم ، وإعادة النظر بالقرارات المجحفة وتسيس القضاء ، وهذا يحتاج الى دعم شعبي وتعاون دولي وعمل مؤسسي
10. تعزيز السلامة المجتمعية من جائحة كورنا واثارها الاقتصادية السلبية
يتطلع العراقيين الى امنيات متعددة وجسدها المتظاهرون السلميون بشعار ( نريد وطن) ، بالرغم من غياب الأفق الإيجابي نظرا للظروف التي تعصف بالعراق ، الا ان فسحة الامل موجودة ، ويتطلع العراقيون الاصلاء الى وطن مزدهر ودولة مدنية بعيدا عن مخلفات أحزاب الإسلام السياسي التي جعلت من العراق مسرحا للحروب والعصابات والفساد والجريمة والظلم ، وعندما ننظر للواقعية نجدها صعبة ، ولكنها ليست مستحيلة ، اذا توفرت الإرادة الصلبة والدعم والوعي المجتمعي ، لان التغيير يبدا من الداخل أولا ، ومن الممكن ان يكون مخرجات الحوار بمثابة خطوة في الطريق الصحيح، كما اسلفنا لوضع المصالح العراقية كأولوية واسبقية توازن مع الأطراف الأخرى .
*مستشار استراتيجي
الجمعة، 05 حزيران، 2020
مصالح العراق في الحوار العراقي الأمريكي
الدكتور مهند العزاوي *
يدخل العراق في تقاطع انفاق استراتيجية يصعب العثور على خارطة واضحة للخروج منه ، خصوصا في ظل الحلول النصفية المطروحة ، والازمات المركبة التي تعصف به ، من النواحي السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والمجتمعية ، ويعد نتاج منطقي للنظام السياسي الحالي ، الذي أرسته الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وايران، ودعمه المجتمع الدولي والاقليم العربيمنذ 2003 ولحد الان ، وبني على تقطيع الشعب العراقي الى مكونات وطوائف واعراق ، واعتماد نهج الطوئفة السياسية لتمثلها الأحزاب الدينية ، فضلا عن تناسل وانشطار الجماعات الفاعلة غير الحكومية ( المليشيات الولائية) ، وقد تعدى العراق وصفه ياللبننه ، وبات يوصف في التداول السياسي بالعرقنة .
وبعد تشكيل حكومة الكاظمي بتفاهمات امريكية إيرانية ، دخل العراق مرحلة حرجة بين الاستحقاقات المطلوب تنفيذها من قبل الشارع العراق ، ونفوذ ايران من خلال سطوة الكيان الموازي ( المليشيات الولائية) ، وقد تناسلت مؤخرا الى مسميات جديدة ، لغرض التشويش والتضليل على العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية
ودعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في السابع من نيسان/أبريل 2020 إلى “حوار استراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق ، للبحث في مستقبل العلاقة بين البلدين، ويرمي الحوار، الذي سيكون عبارة عن سلسلة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الأمريكيين والعراقيين، إلى وضع كافة جوانب العلاقة الأمريكية-العراقية على طاولة الحوار.
وأكد السفير الأمريكي في بغداد “ماثيو تودلر“ في خطاب متلفز ، أن الحوار المرتقب بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق في منتصف حزيران/ يونيو الحالي، يهدف إلى التغلب على التحديات التي تواجهها علاقات البلدين، وتفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين الموقعة في العام 2008.
مؤشرات ذات دلالة
1. تفاهمات أمريكية إيرانية تمخض عنها :
• تمرير الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي
• السماح لإيران بتصدير النفط خارج اطار العقوبات الى فنزويلا
• إيقاف هجمات المليشيات الصاروخية على القواعد والسفارة الامريكية
• تبادل السجناء بين الطرفين
• تهدئة حرب التصريحات بين الطرفين
• حضور وفد ايران عالي المستوى الى بغداد دون معارضة أمريكية .
• استلام 400 مليون دولار من العراق
2. زيارة وفد إيراني رسمي رفيع المستوى إلى العاصمة بغداد يوم الخميس الماضي ، بحضورقائد فيلق القدس “إسماعيل قآاني“ ، ومن المرجح ان يطرح الوفد عدد من المحددات الإيرانية المفترض مراعاتها في الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي
3. ذكر مصدر مطلع على طبيعة الزيارة، أن «مرافقة قآاني للوفد الإيراني الزائر، كان من أجل مناقشة مسائل الحوار الاستراتيجي، الذي من المقرر أن ينطلق منتصف الشهر المقبل، بين الولايات المتحدة وبغداد، والخطوط الحمراء التي تؤشرها طهران، وضرورة التزام المفاوض العراقي بها، ومحاولة التأثير على سير المفاوضات
4. نقلت وسائل إعلام محلية، عن قيادي في تحالف ‹الفتح›، قوله، إن «هدف زيارة قآاني هو توحيد مواقف القوى السياسية والمسلحة الموالية لطهران تجاه الحوار الاستراتيجي المرتقب بين بغداد وواشنطن، ومحاولة جعل بعض الشخصيات المقربة من هذه القوى، ضمن وفد العراق المفاوض، لغرض المتابعة الدقيقة لتفاصيل ومجريات الحوار، الذي سيستمر لعدة أيام.
5. تصريح الكاظمي إن “العراق يحرص على إقامة أفضل العلاقات مع جيرانه”، مشيرا إلى أن برنامج الحكومة الأساسي يتضمن السعي إلى “تطوير نطاق التعاون الخارجي وزيادة تبادل الخبرات
6. أكد الرئيس برهم صالح “ضرورة التنسيق المشترك وتوسيع آفاق التعاون بين العراق وإيران لاسيما في قطاعي الكهرباء والمياه بما يحقق التطور والرفاهية للشعبين الجارين”.
7. استقبل الكاظمي وزير الطاقة الإيراني، والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء بحث آخر المستجدات وفرص التعاون في مجال الطاقة، وبالأخص الكهرباء وتنمية العلاقات والتعاون بين العراق وإيران
8. أعلن وزير الطاقة الإيراني “رضا أردكانيان“ أن بلاده حصلت على نصف مستحقات الكهرباء المصدرة إلى العراق، بما يعادل 400 مليون دولار، بما لا يتسق وسياق العقوبات الامريكية المفروضة على ايران .
9. أشار وزير الطاقة الإيراني “رضا أردكانيان“ خلال تصريحات صحفية، إلى أن «جميع الاتفاقيات التي وقعت سابقا مع الجانب العراقي لتصدير الكهرباء، لا تتجاوز عاما واحدا، ولكن في هذه الزيارة تم التوقيع على اتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية لمدة عامين 2020 و2021
10. اعلان السفير الأمريكي في العراق عن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الموقعة في العام 2008، من دون رد فعل إيراني مما يشير الى قبول ايران المعادلة اللاصفرية في العراق
المصالح العراقية
يمر العراق بأزمات مركبة ومعقدة كنتاج طبيعي ، لسياسات احزاب الإسلام السياسي الحاكمة ، ومنهجيتها الولائية المستندة على استراتيجية الامة الطائفية او العرقية وليس الوطن الأم ، وبعد انقلاب 2014 على اثر دخول داعش للموصل ، واندثار مقومات القوة الناشئة للدولة ، واستبدالها بالكيان الموازي ( الحشد الشعبي) الذي خضع لسيطرة المليشيات الولائية المرتبطة بإيران ، واصبح العراق بذلك يرزح تحت سطوة المليشيات على المستوى العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي ، واسهم ذلك بصعود شريحة من الجهلة وانصاف المتعلمين وفاقدي المؤهلات المهنية والوظيفية الى سدة القرار اكثر من ذي قبل ؛ مما ادخل العراق في حزمة أزمات مركبة، ومن المؤكد ايضا اندثار الصفحة العسكرية النظامية التي تعمل على تحقيق مبدا الدفاع الذي يولد الامن بشكل انسيابي.
وقد اتخذ رئيس الوزراء الكاظمي حزمة قرارات منذ استلامه الحكومة رافقتها سلوكيات مؤسسية ، تنم عن وعي حقيقي لحجم الازمات ، وقد أكد عبر حسابه على تويتر ” إن العراق مرّ بمراحل صعبة، وهناك تحديات مستمرة على كلّ المستويات، وشهدنا للأسف في الجانب الأمني، حالات اغتيال واختفاء لمواطنين، على يد أطراف مسلحة، لكننا بحاجة الى صبر وتحقيق دقيق ومهني لضمان العدالة“
ولعل التصريح الأخير يشير الى حجم الضغوطات والتحديات والصعوبات ، نظرا للضغوطات الإقليمية والدولية ، فضلا عن محدودية الوقت، وضعف الأدوات ، وعدم تيسر القوانين الحاكمة لردع المليشيات الخارجة عن القانون ، ولذلك لابد ان نبحث عن مصالح العراق اولا قبل ان البحث عن مطالب ايران والولايات المتحدة ، ولعل ابرزها :
1. اخراج العراق من معادلة 2011 التي منحت ايران سطوة وسلطة على الواقع العراقي سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا بعد الانسحاب الأمريكي ، ومنح أوباما ايران الوكالة الإقليمية ، وقد كتبت في حينها مقال معنون (ايران والدور فوق الإقليمي)
2. تحديد نوع العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وسياق العمل وفق اتفاقيات حديثة ، تضمن للعراق سيادته ، وتعزيز مسارات التنمية المستدامة، بعيدا عن صراعات الاجنحة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وجماعات الضغط التي تنظر للعراق كسوق تجاري فقط .
3. تحديد العلاقة مع ايران وفق الأطر الرسمية والقنوات الدبلوماسية ، وإيقاف النهج العسكري المتمثل بخطوط الربط اللوجستية مع سوريا ولبنان عبر المسرح العراقي.
4. حماية الثروات الاستراتيجية العراقية وتنمية القدرات الزراعية والصناعية وتعزيز الصناعات النفطية وإعادة تأهيل البنى التحتية في كافة المجلات ومن خلال اشراك العنصر الوطني (سياسة التوطين)
5. إيقاف الهدر المالي وتفعيل مخرجات الحوكمة لاسيما الشفافية والمسائلة والعدالة وإيقاف سوق العملة ، وإعادة رسم السياسات المالية ضمن سياق السيادة الوطنية .
6. إعادة هيكلة الخطط الأمنية وتعزيز مبدا الامن الانسيابي وتحقيق معادلة (غاس)
7. اعادة النظر بالسياسات والخطط الدفاعية ، والسياسات التسليحية ، ووضع الضوابط الحاكمة ، ومحاربة الفساد ، والتوجه نحو استراتيجيات تهياة الدولة للدفاع ، وتتضمن إعادة النظر بالتشكيلات العسكرية ، وموائمتها مع التهديدات الحربية ، فضلا عن احكام الحدود السياسية ، وتحديد الصلاحيات والمهام للقيادات والتشكيلات العسكرية .
8. إعادة النظر بسياقات القيادة والسيطرة والترهل العسكري، وحل التشكيلات غير الضرورية ، والقيادات المتعددة المزدوجة المهام ، والعمل بسياق التمركزات الفاعلة الثابتة والسيارة، مع ضمان مرونة عمل التشكيلات ضمن سياق الحرب الحديثة المركبة .
9. إعادة النظر باليات العمل السياسي وإرساء البيئة الأمنية المستدامة ، وتفكيك المشاكل والأزمات ، لاسيما إعادة النازحين الى ديارهم ، وإعادة النظر بالقرارات المجحفة وتسيس القضاء ، وهذا يحتاج الى دعم شعبي وتعاون دولي وعمل مؤسسي
10. تعزيز السلامة المجتمعية من جائحة كورنا واثارها الاقتصادية السلبية
يتطلع العراقيين الى امنيات متعددة وجسدها المتظاهرون السلميون بشعار ( نريد وطن) ، بالرغم من غياب الأفق الإيجابي نظرا للظروف التي تعصف بالعراق ، الا ان فسحة الامل موجودة ، ويتطلع العراقيون الاصلاء الى وطن مزدهر ودولة مدنية بعيدا عن مخلفات أحزاب الإسلام السياسي التي جعلت من العراق مسرحا للحروب والعصابات والفساد والجريمة والظلم ، وعندما ننظر للواقعية نجدها صعبة ، ولكنها ليست مستحيلة ، اذا توفرت الإرادة الصلبة والدعم والوعي المجتمعي ، لان التغيير يبدا من الداخل أولا ، ومن الممكن ان يكون مخرجات الحوار بمثابة خطوة في الطريق الصحيح، كما اسلفنا لوضع المصالح العراقية كأولوية واسبقية توازن مع الأطراف الأخرى .
*مستشار استراتيجي
،