“ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وماتلبثوا بها إلا يسيرا”.
“الانقسام السياسي-الطائفي في العراق والمناكفات السياسية- المحاصصية بين المكونات هو أحد انعكاسات الأزمة التي يشهدها البلد حاليا”، من حيث اننا كمواطنين لم نشهد تطورا ملموسا في العملية السياسية والاجتماعية قبل حدوث هذه الأزمة، أو بالأحرى منذ انبثاق دورة البرلمان المنصرمة ولغاية انتهائها،-حتى أن نتائج الانتخابات السابقة، جاءت متطابقة لتلك الانقسامات الطائفية والعرقية حيث افرزت بعضا من سياسيين مدعشنين وآخرين فاسدين تبوؤا دفة القرار، فوقفوا حائلا وبالضد من سفينة العراق لمخرها ولعرقلة تقدمها، ومحاولة اغتنام الفرص المؤاتية التي تؤدي لغرقها لتحقيق مآربهم ونواياهم الخبيثة وفق إملائات وأجندات خارجية وداخلية تصب في مصلحة اسيادهم على حساب مصلحة العراق العليا، ووقفوا حائلا امام ارادة العراقيين والتلاعب بمشاعرهم ومعنوياتهم، وإرباك الشارع العراقي بأزمات مفتعلة ومبيتة، والحؤول ضدهم دون ان يشكلوا نسقا موحدا للوقوف مع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عند حدوث حالات التداعي وحلول الأزمات، ومنعتهم دون أن يكونوا مصدرا فاعلا لتقويم مسار الإرادة العليا للسلطة الشرعية في البلد للتأثير في صناعة القرار، وحالت أيضا دون وحدتهم كأبناء بلد واحد يساهمون في حفظ الأمن والمساهمة في الانماء والاعمار والبناء والسيادة الكاملة على مختلف ثروات البلد ومراقبة الكيفية التي يتم بموجبها التصرف بتلك الثروات وبالأخص الثروات النفطية ومشتقاتها، ومنعتهم كذلك من تقويم مسارات الدولة الخارجية والداخلية وفق قاسم وطني مشترك قوامه توحيد الخطاب ونشر الأمن والعدل والمساواة، الأمر الذي أدى إلى اضعاف الحكومة وإلهائها عن تنفيذ التزاماتها وواجباتها تجاه الدولة والشعب، وأدى الى نخور العملية السياسية برمتها وتدهورها إلى منعطف خطير نتج عنه استفحال وإستفراخ عصابات داعش والقاعدة في العراق ومروقهم لاسقاط مدينة الموصل ومن قبلها الفلوجة، ولولا مبادرة المرجعية الرشيدة المتمثلة بفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) لكان الوضع الأمني والنفسي للعراقيين على ماكانوا عليه عقيب فترة اختطاف مدينة الموصل، -” وأن هذه الفتوى هي تبيان للحكم الشرعي الاسلامي، وليست فتوى موجهة للشيعة فحسب، وهي ليست فتوى طائفية كما يصورها بعض المتأزمين، بل هي فتوى وطنية بحتة لجميع العراقيين لدفع البلاء عن البلد، والحؤول دون انبثاق حرب أهلية بين أبناء البلد الواحد”-.
وإذا كان الهدف من تلك الانتخابات هو “التغيير وإدامة العملية السياسية وفق مطلب الديموقراطية الحقة” فإن هذا المطلب لن يتحقق إلا بشكل ضئيل، قد نحتاج إلى عقود من الزمن لنصل إلى تلك الدرجة المرجوة بسبب تلك المناكفات والتجاذبات والخلافات السياسية والطائفية والاجتماعية، ويبقى التغيير يعتمد على درجة وعي الناخب وعلى درجة نضوج السياسي ومدى قدرته للتخلي عن مصالحه النفعية وأفكاره الضيقة المرتبطة بالسلوك الطائفي والاثني والمكوناتي والحيزي الضيق، فشهدنا العكس تماما عند غرة العام 2009 حيث بدأ العد العكسي لهذا التراجع، وفد لوحظ أن هذا التدهور والانقسام قد جرى بشكل ملموس وظاهر للعيان في الشارع العراقي وفي المحافل الرسمية لجلسات البرلمان المتخرصة عند إخفاقه وتعمده في تأخير التصويت على ميزانية البلد لسنة 2014، وتخرصه في التصويت على قانون الطواريء عند احلك الظروف وأحمزها، وبلغ هذا التدهور أوجه في الاعلام المشبوه وفي الواقع المعاش على الأرض، وهذا العامل يلعب دورا مهما من جانب اضعاف الحكومة وشل حركتها وحركة الدولة بكافة مؤسساتها، وهو لايمثل إلا صفحة من صفحات الحرب النفسية والخيانية التي انتهجها بعض السياسيين الشركاء في العملية السياسية والمحسوبين عليها للتأثير على أداء الحكومة وإفشالها، وقد ثبت ومن خلال الافعال والنتائج الوخيمة أن هؤلاء على مايبدو ويكأنهم يمثلون الجناح السياسي للقاعدة وداعش وحققوا مآربهم بالاستفادة من الإمكانيات الأمنية والخدمية والاعتبارية التي وفرتها لهم مختلف مؤسسات الدولة والحكومة.
وقد انتقل الضعف هذا منها إلى الجيش العراقي بسبب التأثير النفسي والعاطفي بين صفوف الجيش على اعتبار ان أبناء القوات المسلحة هم شريحة انسانية مهنية مختلطة من جميع شرائح المجتمع العراقي المختلفة، وينتابها الوهن والاختراق عندما تختلط الأوراق أو ينتابها الفساد أو الخيانة والتآمر.
ورغم ذلك كله فإن القوات المسلحة العراقية الباسلة، استطاعت أن توفر الأمن للعراقيين منذ السقوط ولغاية 2013 بكل قوة واقتدار وشجاعة باسلة وصبر لانظير لهما، وقدمت تلة من خيرة رجالها ليلتحقوا بقافلة الشهداء من أجل الحفاظ على الأرض والأمن والوحدة الوطنية العراقية ولحمة المجتمع.
وهذا بطبيعة الحال لايروق لاعداء العراق الخارجيين والداخلينين، فاتهموا الجيش بعدة تهم ونعتوه بعدة نعوت كان من ابرزها: “انه جيش المالكي، وجيش الشيعة، والجيش الصفوي، والمليشيات الشيعية”، وتآمروا عليه اقليميا وبمؤامرة سياسية-عسكرية، اشتركت فيها حكومات المثلث التآمري التركي-السعودي-القطري- بالإضافة إلى تواطؤ اقليم كوردستان مع هذا المخطط الخبيث، حيث كانت الفرق الثانية والثالثة والرابعة والثانية عشر والوحدات المتجحفلة معهم وبإمرتهم من الشرطة والصحوات ليصل التعداد الاجمالي فيها للمقاتلين في قاطع الموصل وحده إلى مايزيد عن 50 ألف مقاتل مدججون بأحدث الأسلحة ومجهزون بأحسن التجهيزات، وهذا العدد يستطيع أن يصد هجوم جيشا لايقل تعداده عن 150 ألف مقاتل على أقل تقدير، “فما عدا مما بدا” أن تتعرض تلك القطعات لهذا الانهيار المؤلم والانكسار المفاجئ إذا علمنا أن عصابة داعش التي قامت بالهجوم وإسقاط مدينة الموصل لايزيد عديدها عن ألفي مرتزق دون أن تطلق رصاصة واحدة؟.
الجواب: أنها واحدة من ثمرات المحاصصة التي فرضت على العملية السياسية كشرط اساسي لاستمرارها، وهي كذلك صفحة من صفحات المؤامرة والخيانة القذرة التي خطط لها شذاذ السياسيين بالتعاون مع حكومات الدول الاقليمية الآنفة الذكر، وهي الخيانة والتآمر من حيث أن منفذوها كانوا وللأسف من جل قادة الالوية والأفواج وأمري الوحدات من البشمركة ومن سكان منطقة نينوى والوحدات المتجحفلة بأمرة الفرق العسكرية الآنفة، قد فروا من مسرح العمليات بتنسيق مع محافظ الموصل أثيل النجيفي قبل انبلاج ساعة الصفر الداعشية، وأمروا جميع العناصر الأمنية المسلحة من مواطنيهم من الجيش والشرطة بترك وحداتهم وإلقاء كامل اسلحتهم وتجهيزاتهم ولاماتهم الحربية والتسرب من مسرح العمليات إلى عوائلهم وذويهم في مدينة الموصل وضواحيها وإلى منطقة كوردستان القريبة من تلك الجبهة وتركوا رفاق سلاحهم من القلة القليلة الباقية من مناطق الوسط والجنوب العراقي في محنة حالكة وورطة خانقة لعدم احاطتهم بما يجري ويدور، يجودون بأنفسهم حيث بعدت عليهم الشقة لبعد ديارهم القابعة في أرض الوسط والجنوب كما ذكرنا فصاروا ضحية للقتل والأسر والتعذيب، “بعد أن أضحى واحدهم وحيدا فريدا وحائرا، تحيط به جموع بشرية غفيرة معادية من المدنيين معظمهم من الأحداث والمراهقين من ضحايا الفكر الظلامي الضال لصعاليك ومرتزقة داعش الاجرامية التكفيرية، يرجموهم بالحجارة إلى حيث مايلتفتون، وكان يصعب عليهم التمييز بين من هو مقاتل وبين من كان منهم مسالما”، وبنفس الطريقة سقطت بقية المدن والقصبات في محافظتي صلاح الدين وكركوك، -“كركوك التي أصبحت في قبضة الاكراد وبشكل نهائي بحسب تأكيد رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في مؤتمر مشترك مع وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ في أربيل، قائلا: أن سيطرة البشمركة الاكراد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها مع بغداد أمر ‘نهائي’، بعدما اعتبر أن المادة 140 من الدستور الخاصة بهذه المناطق ‘لم ببق لها وجود’، وأشار خلال لقائه مع مسؤولين محليين وحزبيين، في أول زيارة لكركوك إلى انه قال: ‘إذا اقتضى الأمر ساحمل السلاح بنفسي عن كركوك وأهلها’، وهذا دليل على التمسك بتلك المدينة وإعلان حالة الحرب، مستغلا بذلك الظروف العصيبة التي مر بها هذا البلد الجريح”، وهذي واحدة من مصائب قوم عند قوم فوائد!، وهذا يعني وبموجب هذه المستجدات التي صرح بها البارزاني أن دليلا وحجة وفرها المتكلم على أن كوردستان ليست جزءا من مشكلة المؤامرة فحسب، بل هي كل المشكلة! الغاية منها اختطاف كركوك والمناطق المختلف عليها، وهذا ماحدث فعلا وواقعا على مرآى العالم أجمع، وليس هذا فقط بل سبق الاصرار الذي بدا من رئيس الاقليم بإعلان حالة الحرب كما أسلفت بقوله:” ساحمل السلاح بنفسي عن كركوك وأهله”-.
وفي هذه الحالة لم تعد هناك ضرورة صحية لإشراك الاقليم في الحكومة اللاحقة، مادام أن رئيسه يفكر ويتصرف بهذه الطريقة العدوانية والانتهازية الغادرة البعيدة كل البعد عن اللياقات الوطنية الأخلاقية، التي انتهك بموجبها سيادة البلد وحرمة الدستور والثوابت الوطنية.
يذكر “أن هذا الانسحاب المأساوي للجيش العراقي لم يأتي من نتيجة عيب أو قصور في الجندي العراقي، أو من جبن او تخاذل أو انهزام من معركة، بل كان نتيجة لأكبر خيانة جماعية منسقة للقيادات العليا وكبار الضباط وصغارهم من كافة المستويات المناصبية عرفها التأريخ البشري، فدخلت مرتزقة وصعاليك داعش مدينة الموصل بدون أية مقاومة تذكر، ولايستبعد اشتراك دول المؤامرة:السعودية وقطر ‘عديدا وعدة ومادة وإعلاما’، والأردن ‘ دعم قيادة داعش بالرجال وتأمين التواصل’، وتركيا ‘لوجستيا عتادا وعديدا’ “، -وليعملوا هؤلاء أن مايسمى” بالدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش” إذا ماتوطد لها الحكم في هذه البلدان، فإن طموحها لايقف عند حد إلا بضم الأردن وفلسطين والحجاز ومكة وقسم كبير من دول الخليج اضافة لشبه جزيرة سيناء”-.
–
لنعود قليلا للتاريخ لنقف على درجة خسة اؤلئك البغات ولنتحرى شدة مكرهم عندما قتل اسلافهم الامام الحسين (ع) في كربلاء شر قتلة في مطلع العام الهجري ال 61، أدعوا وبعد تواتر القرون والعقود والسنين، أدعوا أن الشيعة هم من فعل ذلك، والآن وبعد سقوط الموصل بأيدي عصابات داعش ادعى بعض من المأجورين: “أن الحكومة هي أيضا من خططت لسقوط الموصل بأيدي هؤلاء لمعاقبة أهل الموصل!! بكلام لاندري هل هو مضحك أم مبكي، أم انه الصلف أو المروق أم قلة الحياء؟،
كما قالوا أن داعش هي منظمة ايرانية صفوية!!، وأن التفجيرات التي أزهقت آلاف العراقيين كان وراء تنفيذها منظمات ايرانية بتسهيلات من السيد نوري المالكي!!”، فيا للعجب!! كل العجب من مكرهم ووقاحتهم وقلة حياءهم!!.
نصيحتي لهؤلاء عليهم أن يحترموا عقولهم إذا كانت لهم عقول، وهم في حل من احترام عقولنا كحلية دمائنا وأعراضنا وأموالنا التي اتخذوها بدلا بفتاوى علمائهم التكفيرين التي ابتلينا بها وابتلي بها الناس اجمعين.
إن أعداء الديموقراطية يفعلوا مابوسعهم من مؤامرات وجرائم بغية الحفاظ على طغمة النظام العربي الرجعي المتعجرف يؤازرهم في ذلك الدوغمائية العلمانية، فصرحوا بذلك علانية من ضمن حملة الحرب النفسية أن لاولاية ثالثة للسيد المالكي، مستهدفين بذلك سذج الناس بتصديق دعواهم الماكرة على أن العملية السياسية لاتستقيم في العراق مالم ينحى السيد المالكي، مثلهم مثل الخوارج الذين طالبوا بتنحية الامام والخليفة المنتخب علي بن ابي طالب (ع) تحت شعار “لاحكم إلا لله”، والذي عبر عنه الامام (ع) أنه “قول حق يراد منه باطل”.
ومن رأيي الشخصي أنهم ليس لديهم عداء شخصي مع السيد المالكي بل عدائهم مع كل حاكم إذا كان شيعيا، وأن كل من يخلف السيد المالكي من الشيعة هو في قاموسهم “مالكي” كذلك، ولو أنه تنحى عن السلطة رغم فوزه الكاسح بالانتخابات البرلمانية الأخيرة وحل محله آخر من المكون الشيعي فإن المشكلة لاتحل بل تتفاقم إلى ماهو أسوء من ذلك، أما بتصعيد التجاذبات السياسية أو بعودة النظام البعثي- الداعشي الشمولي الفاشي للإستفراد بالحكم الديكتاتوري على حساب رقاب ودماء الشيعة والسنة وبقية القوميات على حد سواء، وتعود الإرهاصات مرة أخرى على شاكلة “بيان رقم واحد” مصحوبا بنشيد “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر فوق كيد المعتدي، الله للمظلوم خير مؤيد…النشيد”، كما حصل ذلك في “الانقلاب الأسود من صبيحة 8شباط1963 الذي راح ضحيته قتل الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم رحمه الله، وانبثق عنها مايعرف بالحرس القومي الذي جعل في كل بيت نائحة وفي كل زقاق جريمة نكراء يندى لها جبين الانسانية، وأعقبه انقلاب 17 تموز 1968 بعد القضاء على عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية العراقية الذي نصب خلفا لشقيقه المجرم عبد السلام محمد عارف بعد موته على اثر سقوط طائرته الخاصة في فضاء مدينة البصرة”، وعلى شاكلة غزو الجارة إيران الاسلامية من خريف العام 1980 والذي اشعل أوار حرب ضروس امتدت لثماني سنين، اعقبها غزو الجارة الآمنة دولة الكويت في 2 آب 1990، ثم القضاء على الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 التي خلقت مجموعة كبيرة من المقابر الجماعية بسابقة لم يكن لها مثيلا في التأريخ إلا في العصر الأموي والعباسي، وقد تكررت هذه الجرائم وعادت بنفس سنخي على يد عصابات داعش في الموصل وتكريت كان آخرها اطفاء 1700شمعة بإبادة جماعية، ومصيبة وفاجعة قرية “بشير” بمجزرة جماعية وقودها السنة والشيعة والمسيح والشبك والآيزيدين.
وأعتقد ووفق تحليلي المتواضع ان كل تلك الإرهاصات الجارية في كل من العراق وسوريا هو بحد ذاته أسلوب وبديل لابقاء النظام السعودي على رأس السلطة، واختطاف مدينة كركوك لصالح نظام كوردستان التوسعي تمهيدا لحالة الإنفصال المزعومة، وفق أجندات صهيونية وخطط تنفذها العائلة السعودية القبلية وأحلافها من الدول الاقليمية ذات الطابع الوراثي،
وهذا بحد ذاته بلاء مابعده بلاء، “لإن مصائب قوم عند قوم فوائد”، وأمرنا وامرهم إلى الله، وإنا لله وإنا اليه راجعون ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
“هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا”.