23 ديسمبر، 2024 3:17 م

لم يعد هناك من وصف ينطبق على ما يحصل في العراق غير ” المهزلة السياسية”، فكل شيء يسيربالمقلوب، وليس هناك من أمل يرتجى بالاصلاح لأن نفوس ” صناع ” القرار مثقلة بالأمراض الجينية غير القابلة للشفاء، ما يبرر صراعهم بمناسبة أو بدونها، وكأنهم لم يغادروا مقاعد الدراسة الابتدائية في السياسة، لذلك يتحصنون دائما وراء التخويف الطائفي  والتباهي بالكثرة أو القلة العددية ، وكأن العراق لم يعد بيئة لأصحاب المشاريع الوطنية، كيف لا وكل ” الدكاكين” الحزبية باتت من لون واحد، لا يصلح لبناء دولة عصرية، لأن المشروع ولد أصلا من رحم غير عراقي، انه ” جنين” الاحتلال الذي لن يكبر، طالما  يناصب سيادة العراق و وحدة شعبه عدائا آزليا.
منذ أكثر من 10 سنوات عجاف والعراق يغلي على نار هادئة ترتب درجات سخونتها مصالح ضيقة لسياسيين لا يعيشون الا بجو مشحون بالخلافات والتناحرات ، التي تبرر لهم الاستمرارية وبدونها سيرحلون غير مأسوف على مراهقتهم السياسية، التي فتحت على  العراق وشعبه ابواب جهنم تقود جميعا الى متاهات الحرب الأهلية، التي يجهز كل فريق نصيبه من حطبها علنا، بلا وجل أو حتي حياء!!
 لقد حولوا العراق بجهلهم السياسي و  عناوينهم ” الكبيرة بالأسم فقط” الى وسيلة ايضاح للتخويف من الفشل المركب، فنصبوا المآتم في كل زاوية و زقاق، وسرقوا الابتسامة من عيون الجميع على حد سواء، يطحنون كلاما وشعارات لا وجود لها على أرض الواقع، لأنهم عنه غرباء تماما، لذلك لا يتواصلون مع شعب يجهل عنهم الكثير باستثناء تخندقاتهم الطائفية والحزبية، وخيباتهم في تدمير اسس الدولة المدنية في العراق، انه واحد من أخطر الملفات، التي يجب بحثها بلا خوف، لأن دولة المؤسسات هي التي تحمي العراق لا جيوش أو فيالق الجماعات المسلحة والميليشيات الحزبية والفئوية!! كيف لا وهم الأكثر كرها لمبدأ التداول السلمي للسلطة، لذلك يفرون الى المناصب بالوراثة، أو من خلال مؤامرات تسقيط داخلية، مثلما يحصل داخل كل التحالفات ، ومع ذلك  يسمونه انتعاش الديمقراطية!!
 لا تبني العراق انتخابات محسوبة النتائج ومعروفة التوجهات و المدفوعات، مثلما لن يتخطى الوطن عتبة الذبح الا بطمر بؤر الفتنة على كل أشكالها ومقاسات أصحابها، والتخلي عن دعم هذا وذاك بسبب العنوان الطائفي دون غيره، بحيث لا يكون الفوز من لون واحد في المحافظات جميعها، ولا تكون القوائم مدروسة حتى في اختيار ارقامها، نحن بحاجة الى مشروع عراقي عابر للطائفية والمحاصصات بحسن نية لا بتصريحات علنية، نريده منهجا حقيقيا لا وسيلة لكسب المقاعد النيابية وغيرها، فقد أثقلت عقولنا الأزدواجية في كل خطوة سياسية ، تشم منها رائحة الفتنة المذهبية!!
سنصوت بلا تردد لرجل يخرج العراق من وضع سياسي وأمني مأزوم حد الانفلاق، سنصوت لرجل عراقي يلغي حالة التخويف والوعيد وأشكال الملاحقات والتصفيات، وبالمقابل علينا مقاطعة صناديق الاقتراع اذا حملت نفس الوجوه والأفكار، فالذي يفشل وهو في عمر الزهور السياسية، لن يكون قادرا على تقديم الأفضل عندما يتقشر جذعه السياسي والانساني، مثلما هو ديدن حياة جميع الفرقاء في العراق، الذين أصيبت أجسادهم بكل الالتهابات!!لقد دخلوا بين العصا ولحائها بلا وجه حقق فعبثوا بنسيج الأخوة العراقية، فلماذا ننتظر منهم صحوة متأخرة!!
وصدق الشاعر بوصف أمثالهم بقوله” يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود مابقي اللحاء”،  فاذا هم  وعدوا وأخلفوا تعاهدوا وتقاتلوا، توافقوا وتباعدوا، فمن أين يأتي الفرج ، لأن كل مشاريعهم بلا فائدة ولن تصمد غير سويعات، والأمثلة على ذلك، لا يغطيها ازدهار سياسي مؤقت جدا، لذلك يستمر الفشل و تتنوع التناحرات والمرجعيات، التي لا علاقة للعراق وشعبه فيها من قريب أو بعيد، ما يستدعي صحوة عراقية تسمي الأمور بما يناسبها من مفردات، خاصة وبعضهم يحاول مخالفة ارادة الله في شعب العراق عندما خصه بأخوة متجذرة في كل زاوية ومكان، عشائر تتباهي بجمالية تنوعها المذهبي، الذي لم توظفه يوما لاضعاف العراق، فلماذا نتوسله اليوم، أليس هو الخوف من مجهول صراعات السياسيين، الذين رمت بهم الأقدار فجأة ويرفضون الاقرار بالحقيقة اليوم!!
ليس من المعقول استمرار حوار الطرشان بهذه المنهجية البائسة، تخوين وترهيب ومساومات بمليارات الدولارات، وانقلابات على التحالفات من الداخل بعد أن تسيد المشهد الأغلب من المهزوزين نفسيا وماليا، تبتلع غالبتهم الألسنة في الأزمات وافتراق الطرق، فيصبحوا من بين المتفرجين !!أليست هي المصيبة الأكبر عندما يراهن البعض على اتفاقهم في ربع الساعة الأخير، بعد أن تفرقوا في كل الاتجاهات يحملون خناجرا لا تؤذي غير شعب العراق ومستقبله، ما يتطلب تشخيص الخلل لمعالجته لا تسكين آلامه فقط، مثلما هو حاصل من سنين!!
رئيس تحرير” الفرات اليوم”
[email protected]