23 ديسمبر، 2024 9:14 ص

مشوار البناء يبدأ من التعليم

مشوار البناء يبدأ من التعليم

عندما تسنم مهاتير محمد مقاليد الحكم في ماليزيا سنة 1981، أولى التعليم عناية خاصة، فجعله الزاميا، وبلغ حجم الانفاق عليه 25‎%‎ من اجمالى نفقات الدولة.

حيث وضع استراتجية متكاملة، تبدأ من مرحلة ماقبل التعليم الابتدائي، فالزم جميع رياض الاطفال، بمنهج تعليمي مقرر من الدولة. كما انشأت الحكومة الكثير من المدارس الجديدة، ومعاهد التعليم المهني، ووصل عدد الجامعات الى 30 جامعة عامة، و30 جامعة خاصة، بعد ان كانت جامعة واحدة في زمن الاحتلال البريطاني.

سعى مهاتير محمد الى هدفين اساسين، علم انه اذا استطاع تحقيقهما، فأن بلده ستقفز الى مصاف البلدان المتقدمة، في فترة قياسية، اولهما هو زرع روح المواطنة في الاجيال الناشئة، وتعزيز الشعور بالانتماء للبلد، واعتمد بذلك على مناهج تربوية رصينة، وبأسلوب تراكمي يبدأ من مرحلة الدراسة الابتدائية وصولاً حتى مرحلة التخرج من الجامعة. الهدف الثاني، هو ادخال التقنيات الحديثة الى التعليم، حيث انشأت الحكومة الماليزية المدارس الذكية، التي تعمل على تطوير مهارات الطلبة في التكنولوجيا المتقدمة، ووضعت خطة فعالة لادخال الحاسب الآلي الى المدارس، وربطها بشبكة الانترنت، لتصل نسبة المدارس المتصلة بالشبكة الى 90‎%‎ في نهاية التسعينات، وانشاء مراكز الابحاث العلمية، التي تعد مصدراً هاماً لتوفير المعلومات اللازمة، لاتخاذ القرارات الصائبة من قبل السلطات العليا. لتحقق بذلك ماليزيا طفرة اقتصادية هائلة، حولتها من دولة زراعية بسيطة، الى دولة صناعية متقدمة، تبلغ ايرادتها 90‎%‎ من قطاعا الصناعة والخدمات.

ما افتقده العراق منذ نهاية الحكم الملكي، هو حاكم بعقلية وروح مهاتير محمد، يشرع ببناء دولة على اسس علمية، لا يؤسس منظومة فاسدة تضمن له البقاء على سدة الحكم لاطول فترة ممكنه. قائد يجعل التعليم اهم اولويات الدولة، لبناء جيل واعي ومنتج، يتحلى بروح المواطنة الحقيقية، ليست تلك المواطنة المشوهة، المبنية على نوبات العاطفة، التي تُستثار من قبل المحرضين، من هنا او هناك لمنافعهم الخاصة، وسرعان ماتتلاشىء بعد وقف الزخم الاعلامي من المحرض.

اصبحنا اليوم بحاجة ماسة الى ثورة اصلاحية، تشمل جميع مؤسسات الدولة المرتبطة بحقل التعليم، فنحن لا نحتاج مدارس جديدة، بقدر احتياجنا الى اساليب تربوية حديثة، تنمي روح التساءل والابداع عند الطلبة، التي قتلتها المناهج التقليدية البائسة، واساليب التعليم المنتهية الصلاحية، التي تحول الطالب الى آلة حفظ، دون ان تولي ادنى اهتمام الى تنمية قدراته العقلية، التي تعتبر اساس التقدم والرفاه في عصر العولمة.