23 ديسمبر، 2024 6:56 م

مشكلة الحرية بين الفلسفة والسياسة

مشكلة الحرية بين الفلسفة والسياسة

مشكلة الحرية هي بلا ريب من اقدم المشكلات الفلسفية واعقدها, فقد واجهت الباحثيين من قديم الزمان, وما برحت تورق مفكري اليوم كما ارقت من قبل فلاسفة اليونان. حقا إن هذه المشكلة- كما قال الفيلسوف الانجليزي ” بين ” – هي قفل الميتافيزيقا الذى علاه الصدأ من كل جانب, ولكنها قد اكتسبت أهمية جديدة في الفلسفة المعاصرة بحيث قد يكون من الممكن أن نعدها (مفتاح) المشكلات الفلسفية جميعاً .

الحرية من أغنى المفهومات الفلسفية عن التعريف وهي مفهوم فردي و إجتماعي بآن واحد , فلا وجود للمجتمعات إذا ما فقدت حريتها ( إستقلالها ), و لكن يبدو هذا المفهوم  فضفاضاً جداً إذا ما نظرنا إليه في إطار الحرية الفردية.

 ما الذي يستوجب الآخر هل حرية الفرد أساس في الحفاظ على حرية المجتمع؟ وهنا السؤال الكبير الذي يطرح نفسه ما المقصود بالحرية الفردية ؟ وإذا كان الحال عكس ذلك فما واجب المجتمع الحر إزاء أفراده حتى يبعث فيهم الشعور بالحرية.

من منا لم يتساءل يوماً عن معنى الحرية ؟ وكم من واحد فينا وجد الإجابة عن هذا السؤال ؟ من منا يشعر حقاً بحريته وإذا كان كذلك فهل يستطيع أن يحدد لنا مصدر هذا الشعور ؟

ماهي الحرية ؟ ربما نستطيع القول انها القدرة على العمل لا على التفكير. ثم نتساءل أين هي الحرية ؟ انها في قوة عقلنا وفي سيطرة ارادتنا على حياتنا :” ان الكائن العقلاني وحده, ومن هذا الاعتبار بالذات, هو سيد نفسه على الاطلاق, وهو الأساس الطلق لذاته ” هذا ما ذهب اليه الفيلسوف الالماني فيختة.

فقد يكون سبب غنى مفهوم الحرية في فلك الفلسفة ما تعني الكلمة من معنى وما لها من ماهيات فاننا نعني بالحرية في العادة تلك الملكة الخاصة التى تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل يصدر في افعاله عن إراداته هو, لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه.

فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي, والإ الحر بهذا المعنى هو من لم يكن عبداً أو أسيراُ.ومن هنا فقد اصطلح التقليد الفلسفي على تعريف الحرية بأنها اختيار الفعل عن روية مع استطاعة عدم اختياره أو استطاعة اختيار ضده. بيد أننا لو رجعنا الى المعاجم الفلسفية لوجدنا أن كلمة ” الحرية ” تحتمل من المعاني ما لاحصر له, بحيث قد يكون من المستحيل أن تتقبل تعريفا واحداً باعتباره تعريفا عاماً يصدق على سائر صور الحرية  .

وفي زحام تلك التعاريف سنحاول الوقوف على البعض منها مما نراها تعالج موضوع بحثنا.

فهناك من يذهب الى أن الاختلافات حول معنى الحرية والإشكال التى صيغت بها عديدة جداً, ولكن من الممكن تصنيفها في نموذجين أساسيين يشيران أيضا إلى تلك الجدلية التى تكشف عن فكرة الخلاص في المجتمع الجديد :-

النموذج الاول يرى أن الحرية هي الشرط الإساسي الضروري للسعادة للمجتمع السعيد ؛ والنموذج الثاني يرى أن الحرية تعني حالة تتناقض أساسياً مع السعادة, إن الإنسان لا يستطيع أن يتحمل الحرية وأن يرتاح إلى ممارستها طويلا.

كثيرون؛ ابتداءً من ” دوستويفسكي ” وانتهاءً في ” فروم ” , رأوا ان حالة كهذة كانت تقود إلى الاستبدادية أو الكليانية لانها كانت تقترن بالبلبلة , القلق, التبعثر الذاتي, الضياع, الفوضى.

هذا لايعني ان هؤلاء خلصوا من ذلك الى التنكر للحرية؛ على العكس . جدلية كهذة كانت تحث كثيرين بينهم إلى تأكيد إضافي على ضرورة الحرية والدعوة إليها بسبب ضرورتها لنمو الإنساني وتنمية إنسانيته التى تنتج عن ممارسة عمل الخير نفسه, والعمل الذي يمثل في ذاته فضيلة أخلاقية  .

ان الحرية هي مسالة بشرية تتصل بالوجود البشري دون غيره من الموجودات؛ لان ماهيتها وكينونتها موجودة لدى الفعل الانساني والارادة البشرية, ولذلك هي مقولة تختص بها العلوم الاجتماعية والانسانية, وفي ذلك لايمكننا القول ان ان الممارسة البشرية لاتنطوي على الحرية .

ونجد في القاموس الفلسفي الحرية باعتباره مفهوم يتحدد سلباً بإنعدام الإكراه, وايجاباً بحالة من يستطيع القيام بما يشاء. ويذهب القاموس الى تحديد مكلتين للحرية يبداها بالمشكلة الفلسفية وهي مشكلة تحديد الحرية وإقامة الدليل عليها لتبرر الشعور الحي والداخلي .

وحسبنا لتحديد الحرية اعطاء وصف ملائم لها :

1-     فالحرية في مستواها الأدنى , والبيولوجي المحض, تماثل الصحة في الجسم تلك التى حددها ” لوريش ” بانها ” الحياة في صمت الاعضاء ” . فالانسان العليل يشعر بانه عبد لجسده وليس حرا في القيام بما يشاء ؛

2-     والحرية في مستوى ارفع تماثل عفوية الميول , فالإنسان حر حين يستطيع اشباع رغباته, فالحرية كما يقول افلاطون ليست استسلام المرء لميوله ” نحن لانعي اننا احرار حين نستسلم لميولنا الجارفة, وانما حين نختار بين تلك الميول “

3-     وتتحدد الحرية على مستوى الوعي بانها إمكان الاختيار؛ فلكي يكون هناك اختيار يجب ان يكون هناك عدة حوافز للعمل وعدة إمكانات. وقد يكون الاختيار مستحيلا حين تتساوى لدينا كل الحوافز.

4-     الحرية بمعناها الأتم تتحدد بأنها ” تحقيق ” إرادي يبرره أكبر عدد من الحوافز, ذلك ان عملنا ليس تعبيراً عن اختيار شخصي وحسب, لكنه إختيار قادر ان يبرر نفسه عقلانياً في نظر الناس جميعا.

5-     ونلاحظ ان الحرية أساساً ليست في ما نفعل , بل هي في الطريقة التى نفعل فيها, الحرية موقف الأنسان الذي يعترف على نفسه في حياته ويوافق على تاريخ العالم وأحداثة.

وهناك من يذهب الى الربط بين الحرية والضرورة كمقولتان فلسفيتان تعبران عن العلاقة بين نشاط الناس والقوانين الموضوعية للطبيعة والمجتمع. والمثاليون يعتبرون الحرية والضرورة مفهومان يستبعد كل منهما الاخر بالتبادل, ويعتبرون الحرية تقرير الروح لمصيرها وحرية الارادة وامكانية التصرف وفق ارادة لاتحددها الظروف الخارجية. وهم يؤكدون ان افكار الحتمية التى تضع ضرورة الافعال الانسانية بشكل كامل تمحو مسئولية الانسان وتجعل الحكم الاخلاقي على افعاله مستحيلا.

الهوامش

1-    جيرار , جهامي وأخرون ,موسوعة مصطلحات الفكر النقدي العربي والاسلامي المعاصر, مكتبة لبنان ناشرون, ج1, ط1, بيروت, 2004.

2-    ديدية, جوليا, قاموس الفلسفة , نفله الى العربية فرنسوا ايوب, ايلي نجم, منيشال ابي فاضل, مكتبة انطوان ,ط1 , بيروت ,1992.

3-     روزنتال , ويودين, الموسوعة الفلسفية , ترجمة سمير كرم,مراجعة صادق جلال العظم وجورج طرابيشي, دار الطليعة للطباعة والنشر , ط5, بيروت , 1985.

4-    زكريا , ابراهيم , مشكلة الحرية , دار مصر للطباعة ,القاهرة , ط3, 1972.

 
دكتوراة فلسفة الدولة والسياسة
جامعة دهوك