23 ديسمبر، 2024 4:09 ص

مشكلاتي مع رؤساء الوزراء

مشكلاتي مع رؤساء الوزراء

ـ منذ نعومة اظافري بدأت مشكلاتي مع رؤساء الوزارات.. وفي كل العهود.. فما أن بدأ العدوان الثلاثي على مصر في 29 تشرين الثاني العام 1956.. الذي شاركت فيه كل من (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) حتى انطلقت التظاهرات الطلابية والجماهيرية في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى.. وفي اليوم الثاني شاركت مدرستنا (ثانوية غازي) في التظاهرات التي غص بها شارع الرشيد باتجاه باب المعظم.. والكل يهتف (تأييداً لمصر وتنديداً بالعدوان.. وبسقوط حكومة نوري السعيد الخائنة).. وغيرها من الهتافات التي تندد بالحكومة ونوري السعيد رئيس الوزراء لدعمهم العدوان.

ـ عند وصولنا ساحة الأمين (الرصافي حالياً) هجمت الشرطة على المتظاهرين بالهراوات في محاولة لتفريقهم.. لكن المتظاهرون رموا الشرطة بالحجارة.. واستطاعوا الاستمرار في سيرهم.. بالرغم من إلقاء القبض على العديد من المتظاهرين.. وعند وصولنا ساحة الميدان.. التي كانت مطوقة من قبل الشرطة بشكل كامل.. هجمت الشرطة على المتظاهرين.. واستطاعت تفريق التظاهرة.. واعتقال العديد من المتظاهرين من بينهم (11) طالباً من مدرستي.. كنتُ (أنا) أحدهم.. واقتادونا إلى مركز شرطة السراي القريب من ساحة الميدان.. ووضعونا نحن الصغار في النظارة.. وسمحً لنا ضابط المركز بالاتصال بأهالينا هاتفياً وأبلغناهم الأمر.. سألنا بعض المعتقلين من كبار السن عن أعمارنا وأسمائنا.. فأعطيناهم أسماءنا.. وقلنا لهم جميعنا أعمارنا 16 سنة.

ـ يبدو إن هؤلاء المعتقلين أرسلوا فوراً أسماءنا وأعمارنا إلى السفارة المصرية في بغداد.. التي أبرقتها إلى إذاعتي القاهرة وصوت العرب.. وما هي إلا ساعتين.. وإذا بصوت المذيع المصري المعروف أحمد سعيد يلعلع من إذاعة صوت العرب معلناً: (إن النظام الرجعي السعيدي في العراق يزج في السجون حتى الأطفال والفتيان.. وقرأ أسماؤنا : الفتى هادي.. والفتى احمد والفتى حنا.. و .. .. و …. الخ ).

أنا.. ونوري السعيد:

ـ في حوالي الساعة الخامسة عصراً ذلك اليوم خرج ضابط المركز إلى الباب الخارجي مسرعاً.. وعادً يسير إمامه ثلاثة رجال في الوسط رجل كبير السن (أشيب).. وأدخلهم في غرفته.. ليخرج علينا مدير المركز.. ويقول: (ادخلوا ولا تتكلموا إلا عندما تسألون).

ـ وفي الغرفة جلسً على كرسي مدير المكتب الرجل الشايب فيما يقف الشخصان الآخران إلى جانبيه.. سألنا الشايب: انتم كنتم في التظاهرات؟.. فقال أحدنا وهو يبكي: أبداً لم نكن.. سألنا عن مكان مدرستنا وأماكن سكنانا.. ثم وجه كلامه لنا: مدرستكم في منطقة ألسنك.. وبيوتكم قريبة منها.. كيف جئتم إلى منطقة الميدان.. والدنيا مقلوبة وتظاهرات؟.. وأشار على أحدنا.. وقال له: ماذا تقول ؟ سكتً صاحبنا ولم ينطق.

ـ أشارً عليً: أنت أجبني.. قلتُ له: كنا في التظاهرات.. قال: وماذا تعملون في التظاهرات.. قلتُ: كنا نهتف ضد العدوان وضد الحكومة.. قال: (ماذا كنتم تهتفون ؟).. قلتُ له: (تسقط حكومة نوري السعيد الخائنة ).

ـ ابتسمً ونظرً الينا.. وقال: (هل تعرفون نوري السعيد ؟).. قلنا: كلا.. التفتً إلى صاحبه.. وقال له: (سعيد بيك.. قل لهم من أنا).. أستعدً سعيد بيك.. وقال: (سيدي: أنت الباشا نوري السعيد).. ما أن أكمل سعيد بيك كلامه.. حتى تجمدً الدم في عروقنا.. وأخذنا نصبُ عرقاً.. وأجسادنا تختض مما سيجري لنا.

ـ نظرً ألينا الباشا نوري السعيد مبتسماً: وقال بصوت هادئ: تريدون تروحون لبيوتكم هسه.. هززنا رؤوسنا بالإيجاب.. فقال: (شرط.. نطلع أنا وإياكم الى باب المركز.. ونهتف كلنا بصوت عالي.. نفس ما كنتم تهتفون بالتظاهرات.. بعدها تروحون لبيوتكم).

ـ خرجنا سوية وصاح الباشا: يله نهتف.. ولا واحد هتف.. وحتى صوتنا لم يخرج.. كرر الطلب.. ولم يفلح.. أخيراً بدأ هو يهتف بصوت عالٍ: (تسقط حكومة نوري السعيد الخائنة).. ونحن نردد بعده بصوت خجول إلى أن ارتفعً صوتنا.. وقمنا نهتف بلا خوف.. وهو يضحك ملً شدقيه.. ثم قال: (اذهبوا إلى بيوتكم).. وهربنا بسرعة.. وهو مازال يضحك.. وفد ركضه لبيوتنا بدون توقف.
____________
ملاحظة : بعد ثورة 14 تموز 1958 عرفنا أن سعيد بيك هو (سعيد قزاز) الذي كان وزير الداخلية آنذاك.. والشخص الآخر كان (عبد الجبار فهمي) متصرف (محافظ) بغداد.. وذلك من خلال محاكمتهم العلنية في محكمة الشعب التي كانت تنقل عبر شاشات تلفزيون بغداد….. (عرب وين .. طنبورة وين).
____________

2ـ عبد الكريم قاسم.. كما رأيته وجها لوجه:

ـ منذ العام 1955 كنتُ مستمعاً جيداً لخطب الرئيس جمال عبد الناصر من إذاعة القاهرة
وياما أكثرها في تلك الفترة.. وكنتُ أحفظها على ظهر قلب.. بل أشرحها بشكل لا يصدق.. وكان والدي رحمه الله يجيب عن كل استفساراتي عنها.. فترعرعت قومياً عربياً متفتحاً.. كأكثرية أبناء جيلي آنذاك.. وهكذا عندما قامت ثورة 14 تموز كنتُ أحد القوميين الناصريين النشطاء فكراً.. وليس بالأسلوب الغوغائي الذي مارسه قوميو ويساريو تلك الفترة أبداً.

ـ المهم في فجر يوم 14 تموز 1959.. (أي يوم الذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958).. القيً القبض علينا من قبل بعض أفراد الانضباط العسكري.. وذلك بالقرب من مدرسة الإعدادية المركزية القريبة من وزارة الدفاع.. عندما كنا نخط بصبغ البوية على السياج الخارجي للمدرسة شعارات ضد الزعيم عبد الكريم قاسم والدعوة لإسقاطه.. واقتادنا الانضباط العسكري إلى وزارة الدفاع.. لكون مقر الانضباط العسكري فيها.. كذلك كان مقر الزعيم عبد الكريم قاسم فيها أيضاً.

ـ كنا خمسة (أنا، ونجاد، ومهدي، وستار، وصباح).. بعد حوالي ثلاث ساعات في نظارة وزارة الدفاع.. حقق معنا العقيد الركن عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري.. بشكل متشنج.. وفي الساعة العاشرة من صباح نفس اليوم أدخلنا الجدة إلى قاعة كبيرة ومؤثثة.. ولم تمر عشرة دقائق حتى دخل علينا الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ترافقه ثلة من كبار الضباط.. أتذكر منهم: الزعيم الركن أحمد صالح العبدي: الحاكم العسكري العام.. العقيد فاضل عباس المهداوي: رئيس محكمة الشعب.. المقدم وصفي طاهر.. والنقيب جاسم العزاوي مرافقي الزعيم.. إضافة إلى العقيد الجدة.

ـ سلمً علينا الزعيم عبد الكريم قاسم.. وصافحنا واحداً واحداً.. وعندما علمً إننا جميعا طلاب في الخامس العلمي (لم يكن آنذاك صف سادس آنذاك) تأثر الزعيم كثيراً.. والتفتً إلى العقيد عبد الكريم الجدة.. وقال له: كريم هؤلاء متآمرون!!.. هؤلاء أبناءنا.. لا بد أن يكملوا دراستهم.. والعراق بحاجة إليهم).
ـ سكت الزعيم برهة.. فسألنا العقيد فاضل عباس المهداوي عن الأحزاب التي ننتمي إليها.. قاطعهُ الزعيم قاسم قائلاً له: (أبو العباس: الشباب ضيوف عندنا ولا نحقق معهم).. وابتسم الزعيم بوجوهنا.

ـ المهم: قال الزعيم: (بالتأكيد لم تفطروا حتى الآن.. سنجلب لكم ريوك.. ماذا تريدون؟ كاهي السيد بالقيمر.. لو كباب اربيل).. وهاتان الأكلتان كانتا أفضل الأكلات في بغداد آنذاك.. طأطأنا رؤوسنا خجلاً من هذا التعامل.. الذي لم نكن نتصوره حتى في أحلامنا.. ثم ترك الزعيم ورفاقه القاعة.. بقينا نحن مشدوهين.. وينظر كل واحد منا الى الآخر دون أن ننطق كلمة واحدةً.

ـ بعد حوالي ربع ساعة أدخلوا علينا الطعام (من الأكلتين).. وبعد أن فطرنا وشبعنا وشربنا الشاي المهيل.. دخلً الزعيم علينا ثانية.. وخاطبنا قائلاً: (أبنائي.. العراق بحاجة إلى كل أبنائه.. خاصة الشباب المتعلم لبنائه.. والبناء سلاحه العلم.. أرجوكم.. ومن أجل بلدكم أولاً ومستقبلكم.. أن تدرسوا وتكملوا دراساتكم وتتخرجوا من الكليات.. وبعد ذلك اشتغلوا بالسياسة.. سواء كنتم مؤيدين للحكومة أم معارضين لها.. فالكل في خدمة العراق).

ـ ثم صافحنا الزعيم ثانية وودعنا.. وخرجنا من وزارة الدفاع.. ونحن لم نتكلم كلمة واحدة
حتى مع أنفسنا خجلاً.

3ـ أنا.. وطاهر يحيى:

ـ كنتُ العام 1966 في المرحلة الثالثة من الكلية.. وانا من المتفوقين.. ووضعي المعاشي كان صعباً.. ومتزوج حديثاً.. ففكرتُ بالتعين بوظيفة حكومية.. ما دام انا أداوم في الكلية مسائي.. لكنني لم احصل على الوظيفة.. وما زلتُ حتى الان متألماً جداً.. عندما ذهبتُ لشخص احتضنه ابي خلال دراسته وقدم له كل ما يحتاج وأكمل دراسته.. وأصبح مسؤولاً في احدى مؤسسات الدولة.. لكنه عندما ذهبتُ اليه قابلني ببرود.. وكان بمقدوره تعيني فوراً.. لكنه اعتذر.. في حين سمعتُ انه عين شخصاً خريج متوسطة !!

ـ المهم: فكرتُ ملياً.. وقررت مقابلة طاهر يحيى رئيس الوزراء.. فهو انسان بسيط.. كما كنا نسمع.. فكنت منذ الصباح الباكر انتظره قريباً من مقر رئاسة الوزارة.. وفي الثامنة صباحاً وصلت سيارته.. فذهبتُ مسرعاً نحوها.. وما ان نزلً من السيارة.. سلمتُ عليه.. وبدأتُ بكلامي مسرعاً: (استاذ.. انا خريج اعدادية ومتفوق في دراستي.. رأساً قاطعني.. وقال: عفيه بالسبع.. أية كلية تريد مقبول بها!!

ـ قلت له: استاذ: انا اريد أتعين.. لأني الان أداوم في الكلية مسائي.. وقال نعينك.. هل تريد مكاناً معيناً.. قلتُ لا اعرف.. أخذني معه.. واتصل هاتفياً.. ثم قال لي: روح لوزارة الصناعة.. اسمك موجود.. وهكذا عينتُ فوراً.

4ـ أنا.. وصدام حسين:

ـ بدأت مشكلتي مع صدام حسين.. عندما كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.. ففي العام 1976 حيث جرى تحقيق معي.. إنني قلت بمحاضرة لي بكلية العلوم السياسية.. كان صدام فقيراً.. وليس من عائلة معروفة.. فجرى التحقيق معي في المخابرات.. وخرجتُ وأنا غير مصدق.

ـ العام 1977 أعلنت وزارة الإعلام عن حاجتها لمستشارين صحفيين.. ونجحت بالمقابلةً.. تأخر تعيني.. فقدمت طلبا لرئاسة الجمهورية.. وابلغوني بالحضور.. حضرتُ أمام السيد النائب (صدام).. فقدموا اضبارتي.. اطلعً عليها.. وشاهدتُ أمر تعيني (مستشاراً بهولندا).. لكن صدام كتبً ينسب سنه في السودان.. فبدلاً من هولندا (البلد الجميل.. الى السودان البلد المتخلف.. ذا الصيف الحار جداً).. وصادف في ذات الفترة إن اتهم الرئيس السوداني جعفر النميري العراق بالتآمر عليه وقطع علاقاته.. وأغلقت سفارتنا ولم أباشر.

ـ منتصف العام 1979 عينتُ مستشاراً صحفياً في ايطاليا.. وخلال سنة استدعيتُ للمخابرات مرتين:
الأولى:

ـ جرى استفسار عن حياتي ودراستي وعملي.. وقال المحقق: (لا تستعجل الأمور.. ولا تحرق المراحل.. المناصب تأتيكً).. لا أدري ماذا يقصد؟؟ و لم اجبه بشيء.

الثانية:

ـ في آذار 1980 جرى التحقيق معي في المخابرات.. بأمور أخطرها إنني رددتٌ باجتماع مع الموظفين اسم (صدام) ثلاث مرات.. مجرداً من عبارات الاحترام والتبجيل.. كما قالوا.. لم يتم تداول عبارة: (حفظه الله) آنذاك.. وبعد تحقيق بأسلوب ارهابي.. أطلقوا سراحي.. كان ذلك إنذاراً خطيراً.

ـ ضحى 7 حزيران 1980 اقتحم شخصان من المعارضة العراقية السفارة العراقية في روما.. ودار تبادل إطلاق نار بين المهاجمين والحرس.. ولم يستطع المهاجمون دخول السفارة.. وهربوا بسرعة.

ـ بعد ستة أشهر شكلت وزارة الخارجية لجنة للتحقيق حول هذا الحادث برئاسة السفير محمد سعيد الصحاف.

ـ اجتمعت اللجنة مع مسؤول المخابرات بالسفارة (فلاح مطرود).. وطبخوا الموضوع.. فصدر تعميم.. أرسل لكل سفاراتنا يقول فيه: إن هادي حسن عليوي تخاذلً بصد الهجوم.

ـ الكل يعرف إنني لستُ المسؤول عن حماية السفارة.. ولا أملك سلاحاً.. والمهاجمون لم يدخلوا السفارة.. بل دخلوا مكتب القنصلية الملاصق للسفارة.

ـ تم معاقبة خمسة دبلوماسيينً.. لا علاقة لهم بحماية السفارة.. اثنين كانا بإجازة خلال الحادث.. أحدهما يقضي إجازته مع عائلته بمدينة الناصرية.

ـ وزيري لطيف نصيف جاسم أبلغ المخابرات: أن هادي مستشاراً صحفياً.. ولا يملك سلاحاً.. ولم يسلم سلاحاً له.. فكيف يصد الهجوم؟.. ألغي أمر نقلي ومعاقبتي.. وطلبوا منه نقلي الى بغداد.. وعدم ترشيحي لأي منصب خارج العراق!!.. وهكذا عدتُ لبغداد!!

ـ أوائل العام 1981.. صدر أمر تعيني مديراً عاماً للدار الوطنية للنشر والتوزيع.. لكنني كنتُ أعيش الصدمة والظلم الذي وقع عليً دون ذنب ارتكبته.. فاعتذرت.. وظلت الدار ستة أشهر بلا مدير عام.

ـ في أيار العام 1983 صدر أمر تعيني مديراً لعدم الانحياز.. للتحضير للمؤتمر السابع لحركة عدم الانحياز الذي يعقد ببغداد أوائل أيلول 1983.. وعملتٌ ليل نهار للتهيئة لما يتطلبه حضور أكثر من 3500 صحفي أجنبي.. أنجزتُ مهمتي بشكل مبدع بشهادة اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر ورئيسها طارق عزيز.

ـ لم يعقد المؤتمر ببغداد.. وتم تكريم المسؤولين عن الإعداد للمؤتمر بسيارة لك واحد.. لكنني الوحيد لم أكرم.. سألتُ عن السبب.. ردً عبد الجبار محسن (وكيل الوزارة) بصوت عالي: (المفروض انت الآن “خايس” بالسجن.. السيد الرئيس قلبه كبير.. عفا عنكً.. وأنت تردد اسمً سيادته بلا عبارات التبجيل).

ـ لم أجبه.. ورددتُ مع نفسي: (إن الله مع الصابرين).

ـ في نيسان العام 1991.. أعلن صدام حسين بأنه سيقيم التعددية الحزبية.. فكانت مناسبة أن أعرف بمشروع كتابي غير المطبوع (مسيرة التعددية الحزبية في العراق).. ووجدتُ الرغبة لجريدة القادسية بنشره.. فاشترطتُ عدم حذف أو تغيير أي شيء.

ـ بدأت الجريدة تنشر الحلقات أسبوعيا.. وفي 17 أيلول العام 1991 نشرت الحلقة (16) بعنوان (صفحات من تاريخ العراق المعاصر).. ذهبتُ للجريدة لأستفهم أسباب تغيير العنوان.. لمحني الزميلين (هاني عاشور وأحمد عبد المجيد).. فأشار الأخير ليً للذهاب لرئيس التحرير أمير الحلو.. فاستقبلني الرجل.. وأخرج قصاصة.. وقرأها: (زار السيد الرئيس وزارة الإعلام.. وتحدث بأمرين.. الأول: إن جريدة القادسية تنشر موضوعاً عن(التعددية الحزبية في العراق).. لا اعتراض على المضمون.. لكن اعتراضنا على عنوانه).. وأضاف :(وأكد الرئيس ليس في العراق تعددية حزبية.. نحن سنقيم التعددية).. انتهى كلام صدام.

ـ وعقبً الحلو: سألتُ الوزير(هل نوقف نشر الحلقات).. أجابني إن الرئيس أعترض على العنوان فقط.. فتمً تغيير العنوان بأمر الوزير………).. من جانبي لم اُسلم الحلقات المتبقية.. وانتهى الموضوع.

ـ أوائل العام 2001 صدر كتابي بعنوان: (الأحزاب السياسية في العراق.. السرية والعلنية).. لأني خشيتُ أن أبقيه بعنوانه: (التعددية الحزبية في العراق).. وقدمت دار النشر تعريفاً للكتاب على غلافه الأخير اختتمته بالعبارة الآتية: (أملاً أن يكون العراق على أهبة مرحلة جديدة من تعدد الأحزاب والصحوة السياسية).

ـ حال وصول نسخ من الكتاب للعراق.. أثارت هذه العبارة الأجهزة الأمنية.. وذهبً المقدم جمال عسكر المسؤول عن المطبوعات بالأمن لشارع المتنبي.. وسأل عني.. فأجابه أحمد العبادي صاحب مكتبة العبادي: (إنني أستاذاً جامعياً بليبيا).

ـ أوائل تموز العام 2001 وصلتُ لبغداد لقضاء العطلة الصيفية بين أفراد عائلتي.. وفي صباح اليوم التالي استدعتني الأمن للتحقيق.. وبعد 70 يوماً من التحقيق معي اقتنع المسؤولون في الامن بان العبارة للناشر.. لكن لم يعد يحق ليً العودة لليبيا.. فالمدة الزمنية للعودة محددة ب 45 يوماً فقط.. فخسرتُ عملي.

ـ في نيسان العام 2002 اتصل بيً المعهد العربي العالي للدراسات التربوية والنفسية في بغداد.. عارضاً عليً منصب عميد المعهد.. وافقتُ وباشرتُ العمل.. بعد شهرين.. اتصلً بيً هاتفياً: هاشم حسن المجيد (شقيق علي حسن المجيد).. مسؤول الكليات الأهلية بمكتب بغداد لحزب البعث.. وأنذرني بترك المعهد خلال 48 ساعة من دون أن يعطِ سبباً.

ـ من جانبي اتصلتُ بالرئيس صدام حسين على هاتفه المخصص للمواطنين..(مجبراً) بناءً على نصيحة اللجنة العلمية للمعهد.. وشرحت الحالة.. ردً عليً صدام بشخصه: (سوف نتصل بكً).. في اليوم التالي كلمني مكتبه: (دكتور انت كنتً بليبيا.. وأمورك المادية جيدة.. لا داعي تنافس الآخرين!!).. وأغلق الهاتف.

ـ بانتهاء 48 ساعة حضرت حماية هاشم حسن.. وأخرجتني من المعهد.. ليفرض العميد الجديد.. (يا للمهزلة معهد عالي متخصص بمنح شهادتي الماجستير والدكتوراه فقط.. عميده الجديد لا ماجستير ولا دكتوراه.. ولا خبرة تدريسية).