22 نوفمبر، 2024 5:13 م
Search
Close this search box.

مشعان ركاض الجبوري .. لمن يدفع أكثر!!

مشعان ركاض الجبوري .. لمن يدفع أكثر!!

تختزل سيرة مشعان ركاض الجبوري قصص الكثير من الساسة في (العراق الجديد) لكنه يتفوق عليهم جميعا في (مهاراته) التي أصبحت مضرب الأمثال؛ في التلون والتقلب والانتقالات البهلوانية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون أدنى شعور بالحياء والخجل، من معارض لصدام كان يؤيد دخول الإحتلال الأمريكي، إلى متبن لـ(المقاومة) ضد الأمريكان، ومن حليف شرس للأكراد إلى خصم لدود لهم، ومن عدو للأحزاب الشيعية وإيران إلى مناصر للحشد الشعبي وقاسم سليماني وجندي صغير يسير في ركابهم، هذا عدا عن محطاته مع نظامي الأسد والقذافي وخصوماته مع السنة وعشائرهم.

 

فالجبوري الذي ولد في الشرقاط وانتمى لحزب البعث باكرا؛ غادر العراق أيام الحرب مع إيران ليستقر في سوريا، وينشط بعدها بالتسعينات في معارضة نظام صدام حسين، وقتها بدأ في التحرك ومحاولة الإتصال مع قيادات المعارضة الشيعية، لكنها لم تعره اهتمامها لكونه عربيا سنيا، ولحرصها على أن تكون أي عملية تغيير قادمة محصورة بين الشيعة والأكراد، فظل يبحث عمن يدعمه عارضا خدماته على الجميع، لكنه ظل منبوذا إلا من نظام حافظ الأسد ومن بعده إبنه بشار.

 

وقد حرص في الفترة التي سبقت الإحتلال على الظهور في بعض وسائل الإعلام العربية مقدما نفسه كمعارض سني يمتلك جمهورا وشعبية في الداخل، ولا يزال أرشيف قناة الجزيرة يحتفظ بلقائه بموفق الربيعي في برنامج الإتجاه المعاكس وملاسنته له كعادته خاصة عندما دافع الربيعي عن شخصية إبن العلقمي ونفى عنه صفة الخيانة واتهمها مشعان وقتها بالتبعية الإيرانية والعمالة لإيران، لكن بوصلة مشعان ركاض إنحرفت بعد الإحتلال مباشرة ليركض مع الجيش الامريكي الداخل إلى الموصل ويعلن نفسه حاكما للمدينة، لكنه صفته هذه لم تدم طويلا بعد أن احتج أهل الموصل عليه وضربوه بالأحذية ليتوجه إلى إقليم كردستان عارضا خدماته على مسعود البرزاني هذه المرة.

 

وفي هذه الاثناء اعلن عن تشكيل ما عرف بكتلة المصالحة والتحرير، ونجح في الدخول إلى مجلس النواب وتأسيس قناة الزوراء.

 

وقصة قناة الزوراء وحدها تكفي لمعرفة طبيعة هذا الرجل العصي على الفهم والمنطق، فقد خصصها في البداية لبعض المواضيع السياسية إلا أن الطابع الفني قد غلب عليها، لا سيما أغاني الكاولية سيئة الصيت في العراق، لدرجة أن قناته كانت ضمن القائمة السوداء للعائلة العراقية لما تحويه من فحش ومناظر لا تناسب العرف الإجتماعي المحلي، وفجأة وبين عشية وضحاها تحولت بؤرة الكاولية هذه إلى قناة للمقاومة و(الجهاد) عندما بدأت الكتلة الشيعية في تحريك قضايا تجاهه بدعم الإرهاب، وأصبحت القناة تعرض عمليات للمقاومة العراقية ضد الأمريكان بل وكيفية صنع العبوات الناسفة، ثم أغلقت القناة وانتقل إبن ركاض إلى سوريا وبدأ مرحلة جديدة من تبديل الولاءات، وبدأت قناة الرأي التي أنشأها في دمشق في بث رسائل إيجابية تجاه تنظيم القاعدة الذين وصفهم مشعان بأنهم (إخوانه).

 

لكن اندلاع ثورات الربيع العربي وبداية الثورة السورية قد حول وجهته هذه المرة باتجاه المشروع الإيراني بدفع من نظام بشار، هذا علاوة على دفاعه المستميت عن نظام القذافي ضد الثوار الليبيين ووصفهم بأبشع النعوت، وعندما اختلف اللصان ظهر المسروق، حيث تحدثت عائشة إبنة معمر القذافي عن ملايين الدولارات التي قدمتها لمشعان وتبخرت بعد أن اغلق مشعان فضائيته هناك وعاد إلى العراق بصفقة مع المالكي عبر طريق سمسار السياسة عزت الشابندر، مؤسسا قناة (الشعب).

 

لكن كل ما جرى سابقا في كفة وما حدث بعد عودته لبغداد في كفة أخرى، حيث خلع مشعان كل أقنعته السابقة وأعلن عن انحيازه الكامل لنوري المالكي الذي كان يصفه سابقا بالعميل، وبقدرة قادر تحول المالكي إلى رجل دولة عروبي لديه مشروع وطني، وتقيأ مشعان كل ما قاله سابقا عن رئيس الوزراء السابق بدون ذرة حياء وأعلن عن انحيازه له في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أوصلته إلى البرلمان مرة أخرى، فاتحا نيرانه على الأكراد هذه المرة متهما لهم بالإنحياز للمشروع الصهيوني.

 

ولما نشبت أحداث الموصل الأخيرة وأعلن عن تشكيل مليشيات الحشد الشعبي كان مشعان من أوائل من أعلن تأييده المطلق لها، ودفع بابنه يزن – الذي ظهر عدة مرات عن الجزيرة مدافعا عن المليشيات الشيعية – ليكون في صفوف هذه المليشيات، بل وتشهد الفضائيات العراقية ومواقع التواصل الإجتماعي عن تبييضه لصفحة الجنرال قاسم سليماني ووصفه بـ(البطل الصديق).

 

ولعل أكبر وصمة عار سيحملها مشعان في تاريخ العراق الحديث هي اتهامه لعشيرة البو عجيل بالوقوف وراء مجزرة سبايكر، وتحريض مليشيات الحشد على الإنتقام منهم والتنكيل بهم، وهو ما تم بعد دخول منطقة البو عجيل قبل أسابيع، حيث تحولت إلى خرائب وأنقاض بفعل عمليات الحرق والتخريب علاوة على القتل والتعذيب.

 

وها هو مشعان اليوم يقف أمام محاولات سحب الحصانة عنه، مع تلميحات لبعض الأطراف الشيعية بوقوفه وراء مجزرة سبايكر، ولعل الأيام القادمة كفيلة بكشف ما سيؤول إليه مصير إبن ركاض.

 

من قريته الصغيرة بجوار الشرقاط على ضفاف دجلة، انطلق مشعان في مسيرته في عالم السياسة متنقلا بين العواصم، عارضا نفسه وخدماته لمن يدفع أكثر كرفيقه وفيق السامرائي، فأصبح نموذجا لكل ما تحمله كلمتي التلون والنفاق من معنى، ولو كان لموسوعة غينيس من تصنيفات في عالم السياسة لتصدرها مشعان في اللعب على الحبال والإنقلاب على نفسه وأهله، ومن يدري كيف ستكون نهايته، لكن المؤكد أنه خسر الجميع حتى من يصفقون له حاليا لانتهازيته ودجله، لينطبق عليه المثل الشعبي “لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي”.

أحدث المقالات