29 يوليو، 2025 10:41 ص

مشروع هارب وحرائق العراق. حقائق علمية أم مجرد نظريات مؤامرة؟

مشروع هارب وحرائق العراق. حقائق علمية أم مجرد نظريات مؤامرة؟

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي يواجهها العراق، وخاصة موجات الحرائق المتكررة التي تلتهم المحاصيل والأراضي الزراعية، غالبًا ما تظهر تفسيرات تتجاوز العوامل المناخية والبشرية المباشرة. من بين هذه التفسيرات، تبرز بقوة نظريات المؤامرة التي تربط بين هذه الكوارث ومشروع HAARP
(برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد، ويُشار إليه اختصارًا بـ هارب) الأمريكي. فما هو مشروع هارب في الحقيقة، وهل يمكن ربطه علميًا بحرائق العراق؟

ما هو مشروع هارب؟
هارب هو منشأة بحثية رائدة تقع في ألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية, بدأ تطويره كمشروع مشترك بين القوات الجوية والبحرية الأمريكية وجامعة ألاسكا في فيربانكس, الهدف المعلن والرئيسي للمشروع هو دراسة الغلاف الأيوني للأرض، وهي طبقة متأينة من الغلاف الجوي العلوي تلعب دورًا حاسمًا في الاتصالات اللاسلكية. يستخدم هارب مجموعة من الهوائيات الضخمة لبث موجات راديو عالية التردد إلى هذه الطبقة، بهدف فهم كيفية تأثير الاضطرابات الطبيعية فيها وكيف يمكن تحسين أنظمة الاتصالات والمراقبة.
في عام 2015، انتقلت ملكية وإدارة منشأة هارب بالكامل إلى جامعة ألاسكا في فيربانكس، مما يعزز صبغتها كمرفق بحث علمي بحت ومفتوح للباحثين من جميع أنحاء العالم، ويدحض أي ادعاءات حول استخدامه لأغراض سرية.

نظريات المؤامرة تحيط بالمشروع
على الرغم من طبيعته العلمية المعلنة، أصبح هارب هدفًا رئيسيًا لعدد لا يحصى من نظريات المؤامرة تزعم هذه النظريات أن المشروع ليس مجرد محطة بحثية، بل هو في الواقع سلاح سري قادر على التحكم في الطقس، إحداث الزلازل، التأثير على العقول البشرية، وحتى إشعال الحرائق الكبيرة؟؟؟. هذه الادعاءات، التي غالبًا ما تنتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تفتقر تمامًا إلى أي أساس علمي أو أدلة موثوقة.

يؤكد العلماء والخبراء في مجالات الفيزياء والغلاف الجوي أن قدرات هارب محدودة جدًا وتقتصر على التفاعلات الصغيرة مع الغلاف الأيوني على ارتفاعات عالية جدًا. لا توجد آلية علمية معروفة تمكن هارب من التأثير على الطقس في طبقات الجو السفلى (حيث تتشكل السحب والظواهر الجوية)، ناهيك عن التسبب في الزلازل أو إشعال حرائق على سطح الأرض, الطاقة التي يبثها هارب ضئيلة للغاية مقارنة بالعمليات الطبيعية الهائلة التي تحدث في الغلاف الجوي والأرض.
حرائق العراق … أسباب واقعية ومأساوية
بالعودة إلى حرائق العراق، تشير الدراسات والتقارير الميدانية إلى مجموعة من الأسباب الحقيقية والمأساوية لهذه الكوارث. في مقدمة هذه الأسباب يأتي التغير المناخي الذي أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وموجات جفاف طويلة، مما يحول الأراضي الزراعية والمناطق العشبية إلى وقود قابل للاشتعال, يضاف إلى ذلك الإهمال البشري، مثل رمي أعقاب السجائر أو شرارات من آلات الحصاد، وعمليات الحرق المتعمد التي قد تكون لأسباب جنائية أو انتقامية. كما أن ضعف البنية التحتية لمواجهة الحرائق ونقص المعدات وخطط الاستجابة السريعة يزيد من تفاقم الوضع.

إن التركيز على نظريات المؤامرة، رغم جاذبيتها للبعض، يصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية لهذه الكوارث ويؤخر تبني الحلول الفعالة. فبدلاً من البحث عن أسباب وهمية في منشآت بحثية بعيدة، يجب أن ينصب الجهد على تعزيز الوعي البيئي، وتطبيق إجراءات السلامة الصارمة، وتطوير استراتيجيات وطنية للتعامل مع الحرائق والآثار المتزايدة للتغير المناخي.

في الختام، بينما يواصل مشروع هارب أبحاثه العلمية الهادئة في ألاسكا، فإن تحدي الحرائق في العراق يتطلب استجابة واقعية ومبنية على الحقائق العلمية والمجهودات المحلية والدولية لمواجهة تغير المناخ وتأثيراته المدمرة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات