18 ديسمبر، 2024 10:56 م

مشروع اليأس وضياع الهوية

مشروع اليأس وضياع الهوية

في وقت الانتخابات احاول ان الزّم الصمت، حتى لا ادخل ضمن التسقيط المتبادل بين المتنافسين. وللاسف ان مادة اكثر الحملات الانتخابية هي اما تسقيط المنافس بإظهار عيوبه الشخصية بدون مراعاة لاي شئ او هي لا تعدو عن كونها سوى وعود كاذبة وكلام هراء لا قيمة له. من لم يعِ دوره ولا قيمته كمواطن لن تنفعه مقالة الان. ومن لا يدرك معنى التغيير نحو الأفضل لن تنفعه كلمات الان. الوعي لا تصنعه كلمات تحث على الانتخاب او على مقاطعة الانتخاب. الوعي تصنعه رؤية للتغيير وبرنامج عمل لا مواقف سلبية ولا أكوام السباب واللعن. اخطر ما في الانتخابات الحالية بالتحديد هو السعي المبرمج لادخال المواطن في نفق اليأس من التغيير وإحالة الشعب الى خانة الضياع التام حتى يمرر المشروع الأكبر وهو افراغ الشعب من كل قيمه وثقافته وتاريخه وجعله شعبا بلا مناعة لغزوه فكريا وثقافيا ووضعه على سلم الانتحار بالاستسلام الكامل لكل المشاريع والأجندات التي سوف تزيد استلابه ونهب كل ثرواته ومقدراته.
من الملامح الجلية لهذا المنهج الخطر هو جعل المواطن بين خيارين احدهما اتعس من الاخر وأشد مرارة.
الاول هو تعليق الفشل والفساد على الاحزاب الدينية التي حكمت بسوء إدارة أصبحت مضربا للمثال والثاني احزاب علمانية تدعي المدنية ظهر بؤسها حتى قبل ان تبدأ بتحالفها مع اكثر مناقض لها ولشعاراتها فأشد من ظهر بقوة السلاح بات حليفها وأكثر من عُرِف بسلب حرية الاختيار ومعاداة الليبرالية هو أيضاً . قوى ترفع شعار عِش مدنيا وتملأ الدنيا ضجيجا عن المدنية يتبين ان قائدها مرتبط بجهات عملها الرئيس هو الفساد و جهة اخرى تستخف الناخبين بمخاطبة فئات معينة بكلام خال تماما من الاحترام كما في احد مقاطع الفيديو الذي انتشر بصورة واسعة وهو يتحدث باستهزاء وسخرية عن مجموعة من البشر لها سلوكية تمارسها بتعقل خاص منها وتضم شخصيات ومثقفين ولكنه يتعامل معها ويدعوها لانتخابه كأنها مجموعة صعاليك سائبين ويظهر كل من يحتسي كأس خمر كأنه إنسان فقد صوابه وبات بلا وعي بينما الواقع خلاف ذلك ولست هنا بوارد تزكية محتسي الخمر انما الاستخفاف بهم عملية تحمل إهانة كبيرة ومقصودة. مقاطع الفيديو التي شهرت بكل علمانية متصدرة للمشهد بطريقة مبتذلة. هذه المقاطع من صنع جهات متمرسة وليست من هواة لتضع المواطن بين خيارين الاول فاسد ظهرت عيوبه عند تسلمه السلطة والآخر ظهرت عيوبه قبل ان يستلم فهو ما بين سقيم المنطق او فاسد ماديا يصارع على ترشيح بمئات آلاف الدولارات او فاسد اخلاقيا.
هذا المنهج المبرمج هو لغايتين أساسيتين :
الاولى: لترسيخ فكرة عدم جدوى الانتخابات ودفع الشعب نحو المقاطعة الان ومستقبلا لتبقى إدارة البلد تحت قيادة احزاب فاسدة تستمد قوتها من التدخل الخارجي.
الثانية: لدفع الشعب نحو الإيمان بالعبثية ورفض الدين والعلمانية معاً مما يجعله صيدا سهلا امام اي غزو فكري واجتماعي ونشر كل أمراض الضياع خصوصا بين الشباب.
هذا هو المشروع الامريكي وهذه هي الديمقراطية التي ترعاها امريكا. امريكا لم تصرف مئات المليارات لاجل إسقاط حاكم وتعود ادراجها، بل جاءت لتبقى عبر توطين كل الانحرافات الاجتماعية وتراقب مشروعها عبر آلاف المنظمات العاملة تحت شعارات مزيفة. امريكا رعت بعناية شديدة الانقسام الطائفي وأسست نظام الحكم عليه في مجلس الحكم امريكا تبنت بقوة ظهور الميليشيات المسلحة ولم تقمع اي ميليشيا بشكل جاد بل سمحت بظهور ميليشيات طائفية من كل المكونات واطمأنت لأسس الحرب الأهلية وحدثت أشد النزاعات واهم التفجيرات حين كان ١٥٠ الف جندي أمريكي يسرح ويمرح على الارض. واليوم بحضورها القوي ترعى هذا الضياع وتؤسس لهوية عبثية برعايتها لأطراف متباينة الشعارات موحدة الأداء بالفساد واستغباء الشعب وتقف بقوة امام اي مشروع مقاوم.
التغيير سوف يحصل اذا أدركنا المشروع الامريك-الصهيونيي واذا شكلنا مشروعا مقاوما باختيار اشخاصا صالحين ذي بصيرة في نفس هذا المشروع ليحافظ على استمراريته ونقاءه.