23 ديسمبر، 2024 1:57 ص

مشروع الشرق الاوسط الكبير والحدود الامنة لاسرائيل

مشروع الشرق الاوسط الكبير والحدود الامنة لاسرائيل

مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تطبل له  الولايات المتحدة ألأمريكية وتخطط لفرضه من خلال الاعلام ومؤتمرها الدولي(مؤتمر اسطنبول) ينظر له المعنيون  على انه  تجسيداً للهيمنة الامريكية على المنظقة، وانعكاساً لنواياها تجاه المنطقة العربية. الدعوات إلى تقسيم المنطقة إلى كانتونات عرقية ودينية وقبلية كانت دوماً موضع مخططات وتصورات استراتيجية لمعاهد البحوث الاميركية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني . منطقة الشرق الأوسط تحولت إلى ساحة أساسية للصراعات المتعددة الأطراف،  وهذه الصراعات مقدر لها أن تتصاعد وتتفاقم. وليس من باب الصدف، أن تسعى واشنطن لنقل ثقل نشاط حلف الأطلسي من أوروبا إلى لاشرق الأوسط، وكان مشروع الشرق الأوسط الكبير على جدول أعمال قمة اسطنبول، حيث قرروا تعزيز علاقات الحلف مع دول حوض المتوسط واطلاق عرض للتعاون بعنوان (مبادرة اسطنبول للتعاون ) . لم يكتمل العرض الأميركي بتعاون حلف شمالي الاطلسي مع دول الشرق الأوسط الموسع لفرض زيادة الأمن والاستقرار!، اذ لم يتمكن مؤتمر اسطنبول من تسمية سوى مجموعة بسيطة من دول المنطقة، حصرها في الأردن، موريتانيا، الجزائر، المغرب، تونس، مصر، «وإسرائيل»، كما اطلق فكرة بعنوان مبادرة تعاون اسطنبول تجاه دول الخليج العربي وفيها أيضاً عرض للتعاون في مجالات الأمن والدفاع. و حملت مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية متغيرات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، ، واقتسمها الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) بعدما أبرموا عدداً من الاتفاقيات، خصوصاً ماحملته اتفاقية  سايكس – بيكو (1916) ثم مؤتمر سان ريمو الذي رتّب الأوضاع القانونية في اقتسام المنطقة. واذا كانت اوروبا ممثلة بسايكس بيكو قد وضعت حجر الأساس للبناء السياسي لمنطقة الشرق الأوسط مجزءاً في اعقاب الحرب العالمية  الاولى، فإن أميريكا ممثلة بجورج مارشال جاءت تضع البنيان الاقتصادي للعالم بدءاً من اوروبا . وقد ظهرت دراسات ومقدمات مهدت للمشروع ، تعود إلى المخططات الصهيونية منذ القرن التاسع العشر، وإلى مشاريع  أحدث تنسب إلى” بن غوريون “مؤسس الدولة اليهودية، فكرة  مشروع الشرق الاوسط الكبير جاءت مع ولادة إسرائيل نفسها إلا أنها لم تكن مطروحة كما عليه الحال اليوم  لأن إسرائيل،كانت تعرف أنها تعيش في محيط معادي لها، وبالتالي جاءت فكرة الشرق ألاوسط لتأكيد إنتماءها  للشرق الأوسط ،والاندماج مع شعوب المنطقة بما يحقق أمنها .  الشرق ألاوسط كنظام إقليمي هو في طور التكوين والتبلور،وهو نظام اقتصادي سياسي يؤمن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على المنطقة العربية بسلب الشعوب العربية  مواردها الاقتصادية وإرادتها السياسية، و جاءت فكرة إنشاء هذا النظام من قبل الصهاينة، لذا تبنت إسرائيل مخططات تفتيت المنطقة ،كما روجت لمشاريع عديدة منها مشروع بريجنسكي عام 1979 الهادف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات عرقية ودينية يجمعها إطار إقليمي ،ثم جاء مشروع برنارد لويس عام1990 الذي يدعو لتشجيع التمرد في المنطق العربية . إن المخططات الاسرائيلية  جميعا تنطلق من قناعة إسرائيلية مفادها لكي تكون إسرائيل قوة سياسية في الشرق الأوسط يجب إن تتسع الخلافات بين الدول العربية ،وهنا  تلاقت المخططات الأمريكية والصهيونية لإيجاد ترتيب ملائم لإدخال إسرائيل في المنطقة. لقد حاولوا خلق العداء بين مختلف المجموعات العرقية والدينية في الشرق الأوسط بصورة منهجية. تميز الوضع في الشرق الأوسط بتفاقم التوتر وتصاعد الاضطرابات وانتشار مظاهر العنف، منذ  ان وضعت الحرب الباردة أوزارها بانهيار الاتحاد السوفيتي. فبعد نهاية الحرب الباردة ، تحولت منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من أوروبا، مسرحاً للعلاقات الدولية المتأزمة. كانت كل مخططات الصراع الدولي حافلة بتوقعات الاجتياح السوفياتي لأوروبا الغربية، الأمر الذي كان يستوجب دفاعاً اميريكياً عنها، لكن بعد سقوط جدار برلين وأطروحة “صدام الحضارات” وانهيار الاتحاد السوفياتي، برزت أفكار  جديدة عن صدام  الحضارات، وبأن الشرق الأوسط يمثل خط التماس بين الحضارتين الغربية والاسلامية.             
والأسوأ من ذلك، أن العديد من حكومات الشرق الأوسط قامت بمساعدة واشنطن في إثارة الانقسامات لإضعاف حركة المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي من خلال “استراتيجية فرق تسد” التي لا تخدم سوى المصالح البريطانية والامريكية والإسرائيلية في المنطقة. يعتبر مشروع الشرق الاوسط الكبير أن المنطقة تقف على مفترق طرق، وأن المطلوب هو السير في طريق الإصلاح الذي (استجابت له العديد من الحكومات). وأن بلدان مجموعة الثمانية الصناعية أيدت هذا الخيار, وقيام مايسمى بـ(الشراكة الاوربية المتوسطية)، و(مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط)، وجهود اعادة الاعمار المتعددة الأطراف في أفغانستان والعراق. وهدف المشروع (الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامنية ومصالح حلفائها)،وتركز على الدفع باتجاه (إعادة تشكيل) منطقة الشرق الأوسط عبر الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي.                                                                                                            
   المبادرة الأميركية التي أطلقت مشروع الشرق الأوسط الكبير ببدايات القرن الماضي، عندما أحست  الدول الكبرى ان الامبراطورية العثمانية بدأت تنهار فبدأت تشعر ان الوقت قد حان لإقتسام الاراضي والخيرات التي كانت تحت سيطرة العثمانيين ، بما فيها البلاد العربية التي شكلت اجزاء من تركة الدولة العثمانية  آنذاك. والمشروع كما هو معلن يعد بمثابة تدخل سافر في الشؤون الداخلية للدول وانتهاكا لسيادتها بعد ان تجاوز خصوصية كل دولة وثقافتها وادارة شؤون انتخاباتها ورسم سياساتها التعليمة، ووضع سياسة اصلاحية  ، وتدريب قياداتها وتغييرها ايضاً، كل ذلك تم الاعداد له في قوالب  دون اخذ رأي هذه الدول  ومشاركتها في هذه الاصلاحات.                  
                                                                
عندما اصبحت  المنطقة تموج بالعنف وبسبب تجاهل الولايات المتحدة الى القضية الاهم وهي قضية الاحتلال الاسرائيلي وهي  القوة العظمى  وسلمت المنطقة سواء بارادتها الى المتطرفين ووسط كل ذلك تتقدم بمبادرات متلاحقة للتغيير الشامل في الشرق الاوسط تحت مسميات متعددة وتشخيصات عديدة من الديمقراطية الى الشراكة الكاملة او الشرق الاوسط الكبير مستخدمة اساليب ووسائل مختلفة من الاقناع الى القمع ومن الحصار الى التهميش وصولاً الى التهديد والعقاب، وتجاهلت الاسباب الحقيقية لحالة العداء لها في المنطقة. المشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير ما هو الا مشروع للوصاية على الدول العربية ومشروع للاستعمار والسيطرة على مقدرات شعوب هذه الدول وبالتالي فان الدول العربية مطالبة بمشروع يواجه هذه التحديات ويحافظ على استقلالية القرار العربي في ظل هذه الهجمة الشرسة. استنادا إلى الوقائع التاريخية فإنّ الرسالة الأمريكية عن ممارسة الديمقراطية والحرية ما هي إلاّ تغطية لأهداف ومصالح أبعد ما تكون عن اختيارات وأهداف ومصالح الشعوب، المنطق الأمريكي الذي تسلح به اليمين المحافظ في زمن إدارة (بوش) هذا المنطق منطق يهيمن لا يتأثر بالبيئات الأخرى بل ينتج مؤثرات في تلك البيئات. وبناء على تلك الوقائع فإنّه يمكن القول أنّ الولايات المتحدة بقيت  تتربص الدوائر بحريات الشعوب بل بنزوعها إلى الديمقراطية.  في المنطقة العربية تحالفت  وتتحالف مع أكثر الأنظمة استبدادا وتخلفا وقمعا. مقدمة المشروع التي ترى ان دول الشرق الاوسط الكبير تعاني من نواقص في الممارسة الديمقراطية ولذلك يجب اجراء اصلاحات في المنطقة لحفظ استقرارها وحفظ مصالح الدول الثمانية الكبرى وذلك من خلال تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح ويتم بعد ذلك بعدة امور منها : تعزيز الانتخابات الحرة في المنطقة  والاهتمام بوسائل الاعلام – تشجيع تبني الشفافية ومكافحة الفساد – تشجيع هيئات المجتمع المدني‏. وعن دوافع المشروع ومخاطره هو لتكريس الوجود  الاسرائيلي في المنطقة ,ويهدف الى استغلال مناطق العالم ونهبها لتغذية الاقتصاد الامريكي .ان الواقع السياسي يتطلب اصلاحات واسعة لمواكبة التطورات ومقاومة المشروع الامريكي المتمثل بالشرق الاوسط الكبير و مقاومة المشروع والوقوف بوجهه والمطلوب من الدول العربية ان تبادر لصياغة مشروع حضاري ينطلق من معطيات العصر ويستوعب منطقه وانجازاته المتلاحقة وقوة الشعب التي تقف سدا منيعا امام المشروع الامريكي.                                                                   
وما خلق عصابات داعش الارهابية من قبل الولايات المتحدة الامريكية إلاّ لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسيم المنطقة، و ما نشهده من تطورات في سورية والعراق يثبت أن الحديث الأميركي عن محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي وعن استراتيجية الرئيس باراك أوباما بشأن ذلك ما هو  إلا نوعا من أنواع “الديماغوجية السياسية ” للاستخفاف بعقول الشعوب العربية واللعب بعواطفها وتغييب وعيها ووعي الرأي العام العالمي. لا يوجد عقل سوي ووعي مستقل يمكن أن يقبلا التبريرات الأميركية حول الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم “داعش” سواء في العراق أو سوريا حيث ان هذا التنظيم يستولي على مزيد من المناطق في الوقت الذي تملأ فيه طائرات التحالف الأميركي المشكل لمواجهته سماء العراق وسماء سورية وتتحرك قوافل الإرهاب وعجلاته المحملة بالعناصر الإرهابية وبمختلف الأسلحة وخاصة الأميركية حيث استخدم إرهابيو “داعش” صواريخ متطورة  وسيارات الهمر الأميركية الصنع في معاركهم في العراق وسوريا.