يُمكن للمشروع الطَموح الذي أعلن عنه رئيس الحكومة عادل عبد المهدي في مؤتمره الصحافي الأخير، أن يفتح باباً جديداً، واسعاً للغاية، للفساد الإداري والمالي، ما لم توضع سلفاً، وعلى نحو شفّاف، الآلية المكينة الناجعة للحؤول دون وصول الأيدي الفاسدة الى المشروع وتسخيره لمصالحها، مثلما حصل مع مشاريع مختلفة كان الهدف منها خدمة الفقراء والمحرومين، فانتهى مآلها الى زيادة ثروات الفاسدين.
مشروع عبد المهدي يهدف الى حلّ مشكلة السكن المتفاقمة في البلاد، أو التخفيف منها، بتوزيع أراض مملوكة للدولة على المواطنين المحتاجين وتمليكها لهم مجاناً، وخصوصاً ساكني العشوائيات والشرائح الفقيرة ومَنْ لا سكن لهم. وسيكون التنفيذ – بحسب ما أعلن عنه عبد المهدي – تخصيص مساحات كبيرة قرب المدن تصل الى مئات الآلاف أو ملايين الأمتار المربعة بحسب حجم المحافظة والحاجة، وتتمّ الاستعانة بالجهد العسكري لتشييد البنى التحتية، ثم تُخصّص الاراضي بمساحة ٢٠٠ متر مربع لكل عائلة، شريطة الاستفادة منها في السكن ضمن شروط بناء سليمة واستغلال الأرض خلال مدد زمنية محددة، ولا يجوز للممنوحة الأرض إليه بيعها إلا بعد مضي عدد من السنين ضمن ضوابط ومعايير وشروط محدّدة تشجّع على استغلالها للسكن من قبل المواطنين المستحقين.
المشكلة التي سيواجهها تنفيذ المشروع، تتمثّل، في المقام الأول، في مَنْ هم الذين ستؤول إليهم القطع السكنية الممنوحة مجاناً. أصل هذه المشكلة موجود في عدم توافر البيانات الصحيحة والسليمة التي يُمكن الاستناد إليها في توزيع هذه القطع السكنية على نحو عادل ومنصف. نحن تقريباً البلد الوحيد في العالم الذي لم يجرِ فيه إحصاء سكاني على مدى أكثر من عشرين سنة، وأيّ عشرين سنة..!. إنها، وبخاصة منذ 2003، من أكثر السنين التي حدثت فيها تغييرات ديموغرافية وجغرافية واجتماعية.
الفاسدون والمُفسدون لديهم كلّ القدرة على التحايل والالتفاف وتوفير الوثائق المزوّرة، وستكون الدولة عاجزة عن مواجهتهم، مثلما عجزت حتى الآن عن وقف عمليات التحايل والالتفاف والتزوير لمنع التجاوز على نظام الحماية الاجتماعية أو نظام الحصة التموينية،مثلاً، فثمة عشرات الآلاف من الأسماء الوهمية أو من الموتى الذين أعادهم الفاسدون والمفسدون الى الحياة، ليستحوذوا بأسمائهم على أموال طائلة. ولا عدّ ولا حصر لعمليات التزوير في ملكيات العقارات القائمة حتى اليوم.
مشروع عبد المهدي ثوري، ولاشك، من شأنه أن يسهم في تأمين قاعدة للحياة الكريمة لملايين العراقيين المحرومين. لكن قبل تشريع القانون ومع البدء بوضع تفاصيل المشروع على الورق، يتعيّن وضع الآليات السليمة والصحيحة للتنفيذ، ومن أول متطلبات هذا، إجراء إحصاء سكّاني، تمسّ الحاجة إليه في مجالات اجتماعية واقتصادية كثيرة.
قبل حصول هذا، لن يكون المشروع نافعاً ومفيداً إلّا للفاسدين والمفسدين.