النهضويون والمفكرون والفلاسفة وأمثالهم يتحدث واحدهم عن مشروعه الذي يحسبه هو الجواب على سؤال “لماذا نأخرت أمتنا” , ويرى أن مشروعه الأمثل والأصوب والأقوم , وغيره لا قيمة له ولا أثر.
وفي هذا السلوك يؤكدون على تطرفهم ومغالاتهم , فلا فرق بينهم والحركات والمجاميع التي ينتقدونها , ويكررون نداءات الإصلاح الديني وإعمال العقل في النص الديني.
إنهم متطرفون بصدق وإخلاص , ونشاطاتهم لا تختلف عن أية حركة متطرفة يتوهمون بأنهم يفندونها , وكأنهم ينهون عن أمر ويأتون بمثله.
أمتنا فيها مشاريع أكثر من الأمم الأخرى , وهي عبثية لاقيمة عملية لها ولا دور في صناعة الحياة الحرة الكريمة.
فمنذ مطلع القرن التاسع عشر ونحن في دوامة المشاريع الإصلاحية بأنواعها وبرموزها المعروفين , ولا تزال تدور في أفلاك ما قالوه , وحمل رايات دعواتهم التي ما قدمت شيئا عمليا أكثر من الرؤى والتصورات , فمشاريعهم كلامية بحتة , وعلى الورق , وبين طيات الكتب المركونة على رفوف النسيان والإهمال , بلغتها المرهونة بعصرها.
ولو جمعت كتبهم لوجدتها تملأ مكتبة كبيرة , فهي بالآلاف ولا شيئ غير الكتب الخالية من التأثير , والتي يتداولها مَن يسيرون على خطاهم ويعيدون ذات الآليات والتفاعلات الخائبة.
ترى مالفرق بين مفكري الأمة وغيرها من الأمم؟
إن القاسم المشترك لمفكري أمتنا أنهم ينحشرون بالدين , ويحسبونه السبب لما تعاني منه الأمة كامن بالدين , الذي عليه أن يتجدد ولا يدركون ما يقصدونه بالتجديد ولهذا ما جددوا , بل تسببوا بتداعيات فئوية وتفاعلات خسرانية مروعة.
كما أنهم منشغلون بموضوع التراث والمعاصرة , وهي إسطوانة تعبت الأجيال من سماعها , وكأن أمتنا لوحدها عندها دين وتأريخ , والأمم الأخرى مولودة من رحم اللاشيئ.
ووفقا لما يقومون به فأنهم يتسببون بأضار جسيمة للأمة , وما أسهموا في نهوضها وتطوير أحوالها.
وعليهم أن يتحرروا من هذه الرؤى والتصورات البائدة , وينتقلوا إلى ميادين بناء الحياة الحرة الكريمة اللازمة لتواصل الأجيال بطاقاتها الإنسانية الأصيلة , فأمتنا مؤهلة لحاضر أقوى ومستقبل أجمل.
إن أي محاولة لتبرير الحاضر بمفردات الماضي سلوك تقهقري إندحاري تدميري شديد , فالمطلوب النظر بعيون الحاضر والتأمل ببصيرة المستقبل , بعيدا عن معطيات “كان وقال”!!
بعقولٍ فاعلت كل العقول
أطلقت جيلا رهينا بالسفول
قرأت روح وجودٍ مستطابٍ
وتواصت برفودٍ وقبولِ
أمة الإشراق دامت في ذراها
تمنح الأيام سلاّف الأصول