23 ديسمبر، 2024 3:04 م

مشروعية محاكمة القادة

مشروعية محاكمة القادة

كثرت في الآونة الاخيرة التساؤلات حول ما يثيره ابناء المرجعية الرسالية من حقائق واشكالات وتوجيه الاتهامات الى قيادات المرجعية (المقدسة) وقد اثير هذا التساؤل حتى في الوسط المثقف وعند بعض النخب وبعض التجمعات الفيسبوكية .
لذا سوف نوضح بعض النقاط الاساسية لتوجيه عناية القارئ الكريم الى الدواعي والمبررات التي من اجلها انبرى ابناء المرجعية الرسالية في تبيان بعض الحقائق وان كان لها مساس بالواقع المرجعي وما الى ذلك من خطورة على الوضع الشيعي كما يصوره البعض .
ومن الامور التي تثير الاخرين هي ان اتباع الخط الرسالي يصرون على التنقيب في الحقائق ويصرون ايضا على احقاق الحق من خلال فضح المفسدين والاقتصاص من الشخصيات المقدسة ( التي لا يجوز الاعتراض عليها) والعياذ بالله، وتبرر مثل هكذا الشخصيات (المقدسة) ان في احقاق الحق اثارة للشحناء و البغضاء في الامة الواحدة وكذلك يُتهم ابناء الخط الرسالي بانهم يثيرون النعرات الحزبية وما ذلك الا خروجا عن الصف الشيعي وهدما لقبة (القداسة) والقيادات الحاكمة في وقت ان الامة احوج الى وحدة الصف وتأليف القلوب امام التحديات الراهنة .
واقول : نحن هنا سوف نجيب عن مثل هذه الاشكالات من خلال استعراض بعض الشواهد التاريخية والآياتالقرآنية التي تولي اهتماماً كبيرا للإنسان في معرفة الحقائق والتنقيب عنها وعرضها واتخاذ موقف ازائهاواللعن على من مبدأهم الركون والسكوت عن الحق بعدما عرفوه من الحق، كما جاء في التاريخ والقران الكريم .
وقد قال تعالى {وَالَّذِينَيَنْقُضُونَعَهْدَاللَّهِمِنْبَعْدِمِيثَاقِهِوَيَقْطَعُونَمَاأَمَرَاللَّهُبِهِأَنْيُوصَلَوَيُفْسِدُونَفِيالْأَرْضِأُولَئِكَلَهُمُاللَّعْنَةُوَلَهُمْسُوءُالدَّارِ} [الرعد : 25]
اما تكليف الرساليين الواعين كما جاء في الكثير من الآيات الشريفة هو فضح المفسدين وعدم السيرة على نهج القيادات المقدسة التي لا تريد للامة النهوض بواقعها والتحرر من عبودية الطاعة العمياء و الخروج الى الطاعة الواعية .
وقد قال عز وجل في محكم كتابه {وَلَئِنِاتَّبَعْتَأَهْوَاءَهُمْمِنْبَعْدِمَاجَاءَكَمِنَالْعِلْمِإِنَّكَإِذًالَمِنَالظَّالِمِينَ} [البقرة : 145]
وقوله تعالى {وَلَئِنِاتَّبَعْتَأَهْوَاءَهُمْبَعْدَالَّذِيجَاءَكَمِنَالْعِلْمِمَالَكَمِنَاللَّهِمِنْوَلِيٍّوَلَانَصِيرٍ} [البقرة : 120]
ولذا وجب على ابناء الامة الواعية التبري من افعال الزعامات المقدسة وموالاة الحق واهله ومن المعلوم ان علاقة التبري والتولي فهي قد ذكرت في القران الكريم والسيرة يعلمانا استقصاء الحقائق ومحاكمة الشخصيات التي انبرت في طمس معالم الدين المتجدد وما علينا الا اتخاذ موقف منها، ونحن هنا نعلن شرعية اللعن المتمثل بالبراءة من الظالم و الوقوف مع المظلوم، وتشريع اللعن على الذين اتخذوا من طاعة الشيطان مبدا لهم وكما هو معلوم ان مبدا اللعن ليس كما يصوره البعض من انه مفهوما عصبيا خرافيا ناشئ من العقد النفسية وانما هو مفهوم قرآني بالأصل، وحتى ان العرف القانوني الحديث يرى ان اللعن سمي بتسميات عديدة  اخرى وهي الاستنكار و الشجب و الادانة و المقاطعة وفي مقابلها التضامن و المساندة و التأييد و الدعم وما هذه المصطلحات الى عبارة اخرى عن التولي التبري لكن بمصطلحات حديثة وكما يظهر جليا من ان القران لا يدعو الى نصرة المظلومين و المصلحين فقط بل يدعو ايضا الى شجب واستنكار ولعن الظالمين الذين لوثوا التاريخ السابق والحاضر للبشرية والاستنكار و الشجب كما هو معلوم من الفطرة البشرية النابعة من صميم الوجدان الانساني، فالمشكلة ليست في حروف اللعن وانما المشكلة في ان مضمونه مواجهة للظالمين واتخاذ موقف منهم .
فهنا على الانسان الواعي و الرسالي اتخاذ موقف موحد تجاه فضح الظالمين والمغتصبين للحقوق سواء كان هؤلاء الظلمة اناس عاديون ام قادة اسلاميون.
لان من الطبيعي عندما يتساوى الظلم و العدل عند انسان ولا يتخذ موقفا حازما فانه يصبح ظالم بصورة تلقائية ولذلك يُرفض التضامن مع من للبشرية ويلات منهم ويُرفض ايضا الاشادة بهم لان التضامن مع النماذج السيئة -تحت غطاء عدم الخروج على امام الزمان- يسبب ازمة في المجتمع الاسلامي الحاضر و المستقبل في عدم تمييز الرساليين من المتقاعسين ومن كان سبباً للإصلاح او من كان محوراً لإشاعة الفساد والظلم بالمجتمعات .
ومن هنا يتضح جلياً موقف الامام الحسين (عليه السلام) عنما كان المسلمون والحكام آنذاك يرتدون درع الصلاة والصيام ليكون لهم ذريعة في التسلط على رقاب المسلمين والاستمتاع بملذات الدنيا فما ان كان الامر مستوراً عن الامة المتخاذلة عن معرفة الحقائق لم يحرك الامام الحسين (عليه السلام ) ساكناً، اما حين اشاع هؤلاء القادة الفساد علناً وجهاراً وقف الامام وقفة تصدي وبيان موقف هؤلاء المفسدين المتصدين لإدارة شون البلاد و العباد وقد بين اولا موقفه من هؤلاء بفضحهم وبيان فسادهم بقوله : (ألا وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله) .
وهنا ترى اليوم القيادات المزيفة والمرجعية المصطنعة المقنعة بقناع القداسة تقف موقفاً سلبياً وما هو الا كما وصفه الامام الحسين (عليه السلام) انهم عطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله بسكوتهم على اقرار دين الله في ارضه وتطبيق سنته – قانون المحاكم والاحوال الجعفرية أنموذجاً – وحرموا حلاله عندما رضوا بان تقع العائلات في زواج الشبهة وتأكل اموال المواريث بغير حق .
فالذين يشكلون علينا باننا اثرنا البغضاء و النعرات الجهوية عليهم اولا ان يشكلوا على الامام الحسين (عليه السلام)حينما وقف بوجه قادة ذلك الزمان وخلفاء الامة الفاسدين.
واما مسالة شق عصى المسلمين فهي ايضا ارجوحة اتخذها اتباع الخط (المقدسين) لكي يُوهموا الناس بها وهذا الاشكال يجري حتى على القران الكريم
كما جاء في سورة الفرقان {إِذْيَقُولُالْمُنَافِقُونَوَالَّذِينَفِيقُلُوبِهِمْمَرَضٌغَرَّهَؤُلَاءِدِينُهُمْوَمَنْيَتَوَكَّلْعَلَىاللَّهِفَإِنَّاللَّهَعَزِيزٌحَكِيمٌ} [الأنفال : 49] وهذه الفئتين هما من البدريين وهذه الآية تكون ايضا شق لعصى المسلمين –على حد قولهم – عنما وصفتهم بانهم طائفتين الاولى المنافقون والثانية في قلوبهم مرض، مع انهم من الذين جاهدوا في سبيل الله في بدر الكبرى .
وحتى هذا الاشكال يجري على اهل البيت (عليهم السلام) وما ذلك الى ما واجهه الامام امير المؤمنين عندما حارب في معركة الجمل والامام الحسن عندما واجهة معاوية خليفة السملين والامام الحسين عندما وقف بوجه طاغية العصر يزيد (عليه وعلى ابائه لعائن الله).
كذلك ما يواجهه ابناء الخط الرسالي الواعي من شبه واشكالات واهية مع علم المجتمع والناس بما لهذا الخط من وعي رسالي واخلاق اسلامية رفيعة نابعة من جوهر ما يفاض عليهم من قيادتهم الحكيمة – المتمثلة بسماحة المرجع اليعقوبي دام ظله- في التعامل مع الاحداث وان ما ينسب لنا من تهمة الخروج على طاعة (قداسة) لا يعتبر ذنباً بل ان تربع الفساد الديني على عرش القداسة هو الذي يوجب ذنباً عظيما وان ازاحة مثل هذا الفساد وكشفه هو واجب شرعي لكل من امن بوجوب وظيفة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لإقامة العدل وانصاف الامة وهذا هو غاية ما سمى اليه الامام الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء المشهورة حينما قال (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر).
فعلى الامة ان تعي حجم الكارثة التي حلت بالعالم عندما يقف قائداً شيعياً ضد تطبيق السنن الالهية التي دئب وقتل من اجلها الانبياء و الاوصياء (عليهم السلام) وعليها ان لا تكون مغيبة بل تكون حاضرة ورقيبة لان الامة لا تنهض الى بأبنائها الرساليين المؤمنين .
وعلى الثابتين على مبدأ الحق ان لا تهزهم شعارات القداسة والتصنيم بل عليهم مواصلة الدعوة الى احياء سنن الاولياء والاصفياء ولكي نبدأ بأول خطوة لهذا الاحياء وهو انجاح اقرار قانون الاحوال والمحاكم الجعفرية بشجاعة ويقول الامام المهدي في زيارة الناحية المقدسة (فلما رأوك ثابت الجأش غير خائف ولا خاش نصبوا لك غوائل مكرهم وقاتلوك بكيدهم وشرهم)ولا يثنيكم عن الاصلاح شيئاً .
(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)