ان حسم الصراع مع الجماعات الأرهابية والتكفيرية في عموم البلدان العربية ، والعراق بخاصة ، لا يقتصر على الحسم العسكري والأمني حسب ، إنما يفترض ان يتزامن معه ، أو يليه ، ما يمكن تسميته بالحسم الفكري والثقافي الذي يعنى بتفكيك المرجعيات الفقهية التي تعتمدها تلك الجماعات وتؤمن بها على نحو مطلق ، وتجاوز الركون للطروحات الإعلامية الساذجة التي تروج دعاوى تزعم بأن الأرهابي الذي يفخخ جسمه ويفجره نتيجة لإيهامه بأنه سيتناول وجبة العشاء مع الرسول ( ص ) ، أو أنه في طريقه للأستمتاع بما يرغب به من عينات الحوّر العين ، أو التمتع بعديد من الولدان المخلدين ، وكأن في جنة الله مطاعم وكافيتريات للرسول (ص) ، وإلزام بأباحة البغاء واللواط وممارسة جميع ما يتقاطع مع المنظومات الأخلاقية والقيمية التي حثت على الألتزام بها جميع الكتب السماوية . وما يلفت النظر مزاعم عديد من السياسيين ورجال الدين الذين يزعمون بأن الجماعات الأرهابية والتكفيرية لا تمثل الإسلام بالمطلق . لكن إذا ما فارقنا بين الإسلام ديناً والإسلام فكراً وفقهاً ، وقبل ذلك بين النص القرأني ونصوص التفاسير والفتاوى ، فإن تلك الجماعات هي إسلاموية ، بدلالة تبنيها والتزامها الحرفي بتطبيق ما نصت عليه مرجعيات إسلامية ، تطبع مؤلفاتها وتُدرّس في أغلب البلدان العربية ، بل ان من يتقاطع مع تلك المرجعيات الفقهية سيتهم بالخروج على الثوابت الإسلامية ، وسيصار إلى تكفيره ومقاضاته ، بل وتصفيته ، برغم أنه يشهد ” ان لا آله الإ الله وأن محمداً رسول الله ” . وقد تنتاب المرء الحيرة عندما يستمع لطروحات سياسية ودينية تدعو إلى ضرورة تجفيف منابع الأرهاب ، لكن دون تعيين تلك المنابع والحاضنات الفقهية ، برغم وضوحها . فالزعم بضرورة تجفيف منابع الأرهاب يستدعي بدءاً مساجلة مرجعياته وتفكيكها . فالجماعات الأرهابية ، العنفية وغير العنفية ، هي جماعات إسلاموية بدلالة إيمانها الدوغمائي بفقهيات إسلامية سلفية ، . وبالنتيجة ماذا نتوقع ممن يؤمن بفتاوى بن تيمية غير ان يتحول إلى قمعجي يشرعن قتل كل من يتقاطع مع تلك الفتاوى . فتجفيف منابع الأرهاب يفترض بدءاً تجفيف مرجعياته السلفية ، الفقهية و الثقافية ، وعبر أشتغالات نقدية وتحليلية مفارقة ونابذة لإيديولوجيا الفرقة الناجية .
بداهة ان السلفية ، لغة ، ” من فعل سَلفَ . أي مضى ، والقوم ” السُّلاَّف ” المتقدمون وقد ” سَلًفُ” الرجل آباؤه المتقدمون والجمع ” أَسّلاف ” و ” سُلاَّف ” ( 1 ) . فالسلفية ، مدركاً أو إصطلاحاً ، تعني الألتزام المطلق بما أنتجه السلف من قول وفعل ، وان تقاطع القول والفعل مع ما جاء به النص القرأني . فعندما أكدت الآية القرأنية ما نصه ” وأمرهم شورى بينهم ” أي بين جميع المسلمين ، وأينما ما كانوا ، لكن الشورى ، كواقعة تاريخية وسياسية ، أقتصرت على عدد من المرشحين ، أختارهم الخليفة المحتضر ، وأوكل لشخص واحد أختبارهم ، في ضوء مشروطية مسبقة ، وبالتالي تسمية الخليفة الخلف من بين المرشحين . أي ان الأمة الإسلامية لم تشاور في أختيار خليفتها ، وتم إختزالها إلى مسلمي المدينة المنورة ، الذين تم أختزالهم أيضاً بعدد من رشحهم الخليفة على نحو مسبق وقبل وفاته . هذه الواقعة التأريخية المتقاطعة مع نص ” الآية ” تعتمدها السلفية مغلبة الواقعة على النص القرأني ، وتعّدها البديل الإسلامي للديمقراطية المستوردة، كذا ، والباحث في النص القرأني لا يجد آيه تتضمن عبارة ” الأخوان المسلمين ” إنما ” المسلم أخو المسلم … ” لكن جماعة الأخوان المسلمين ، في عموم البلدان العربية وغير العربية ، تبنوا تسمية ” الأخوان ” من فقهه محمد بن عبد الوهاب ، الذي خالف الآية القرأنية عندما حدد إسلامية المرء بمن يتبع نهجه وفقه فقط . وبذلك صار المسلم ، بعكس الآية القرأنية ، عدواً للمسلم . وفي حقبة هيمنة الوهابية فالمسلم يُعّد كافراً وخارجاً على الثوابت الإسلامية . بمجرد ان يتم تصويره بالكاميرا الفوتوغرافية !
في ضوء ما سبق ، وما سيأتي ذكره ، نجد من الضروري مشاكسة الطروحات السلفية والأخوانية ، بوصفها المرجع الفقهي الرئيس للجماعات الأرهابية ، وبإيجاز محكوم بمساحة النشر التي أتاحتها لنا هيئة تحرير مجلة الغد الغراء .
*** *** ***
ثمة مبدأ فقهي عام يؤكد على ان الحكم يدور مع العلة ، فإن زالت العلة زال الحكم . هذا المبدأ الفقهي الموضوعي لا تؤمن به السلفية وترفضه بالمطلق نتيجة لعدم تسليمها بأختلاف الأزمنة والأمكنة وتطور الإنسان ومعرفياته …الخ ، إنما تحدد تقويم الحاضر والمستقبل قياساً على ما أنتجته السلف فقط . وأي تباين مع المُنتّج السلفي خارج على الإسلام . وفي مقدمة رجالات السلف يأتي القرطبي وبن تيمية وبن كثير وبن حنبل . وتضيف السلفية أسماء أخرى منها محمد بن عبد السلام ومحمد بن عبد الوهاب وأبو الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب وشكري مصطفى …الخ . وتعد طروحاتهم الإسلاموية وتفاسيرهم للنصوص القرأنية بمثابة القول الفصل الذي لا تجوز مناقشته أو نقده ، وان من منطلقات أسلامية بحته .
تؤمن السلفية بالمطلق بما يسمى في الفقه الإسلامي بـ” المعاريض ” وتوسع دلالاته بما يخدم أهدافها السياسية . والتعريض ، لغة ، ان يقول المرء كلاماً يقصد به معنى غير ظاهر يفهمه السامع بمعناه المباشر . فالتعريض مماثل للتورية . لكن ” المعاريض ” عند السلفية ، وبخاصة المعاصرة ، بمثابة شرعنة للكذب ، وشفيعهم في ذلك حديث منسوب للرسول ( ص ) ينص على ” ان في المعاريض لمندوحة من الكذب ” وتدلل السلفية على المعاريض بعدد من الأمثلة ، منها : إذا جلس رجل في باحة داره ، أو داخل حجرة في الدار ، وطرق أحدهم عليه الباب ، ولم تكن لدى الرجل رغبة في استقبال الطارق ، فمن حقه ” شرعاً ” ان ينتقل إلى مكان أخر ويرسل أبنه أو غلامه ليخبر الطارق بعدم وجود صاحب المنزل ، مع الإشارة بالأصبع أو اليد إلى الباحة أو الحجرة التي خرج منها الرجل وأختفى في حجرة أخرى ، والأشارة بالأصبع أو اليد تدلل واقعاً على عدم وجود ، صاحب الدار ، في ذلك المكان المحدد حصراً . أي ان الغلام لم يكذب وبالتبعية صاحب الدار ، الذي تجوزّ له المعاريض السلفية أيضاً ان لا ينتقل من مكانه ويدعي النوم عند سماعه طرق باب داره ، فيخرج الغلام ليقول للطارق ان صاحب الدار نائم . وعليه فالتعريض في فقه السلفية هو إباحة للكذب وشرعنته وإشاعته في المجتمع . وبتوخي الموضوعية نجد من الضروري الإشارة إلى ان ” الكذب ” ، في الفقه الإسلامي ، وحتى يمتلك مشروعيته الشرعية فإنه مشروط بالغاية منه أو بما يستهدفه . فالكذب في الحرب مشروع ، أي ان ترسل لعدوك معلومة كاذبة أو تنسحب من أمامه أنسحاباً كاذباً ، والكذب بقصد إصلاح ذات البين بين خصمين ، وكذب الرجل على زوجته بأن يّعدها بما لا يقوى على تنفيذه لضيق اليد ، وكذب الأب على أولاده وبناته , ترغيباً أو ترهيباً ، كل ذلك تجوزه الشريعة الإسلامية إنطلاقاً من تعريض النبي إبراهيم الذي قال بأن من حطم الأصنام كبيرهم ، وبما ان كبيرهم ليس بناطق ، فإبراهيم ليس بكاذب ، إنما نهج التورية ، أي التعريض . والحال ذاته مع النبي يوسف عندما أتهم أخوته بالسرقة ، وهم ليسوا بسارقين ، ولكن يوسف بتعريضه لهم يريد سرقتهم له من أبيه وزعمهم بأن الذئب قد أكله . لكن السلفية تطرفت في التعريض إلى حد مماهاته بالكذب غير المشروط بمقاصده الشرعية ، إنما بمقاصدهم الدعوية والسياسية .
يروي القرطبي ، وهو من مراجع السلفية ، في تفسيرة الآية القرأنية ، من سورة المائدة ، ” وأتل عليهم نبأ أبني أدم بالحق إذ قرَّبا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر … ” ان هابيل أختار من خرافه أربعين جذعه سمينة وقدمها قرباناً لله ، ويضيف القرطبي ان الجذعة تعني أيضاً المرأة – فالنعجة والحجرة ، أي أنثى الخيل ، والناقة تعني المرأة ، لغةً ، ويبرر القرطبي تمثيله للمرأة بتلك الدواب لأنهن جميعاً مركوب عليهن !! ولا نجد في هذا الكون من حول النعجة إلى دابة للركوب ، وركوب المرأة عند القرطبي في إعتلاء الرجل عليها في المجامعة ، أي أنه يركبها ! وإذاً أي قيمة للمرأة , أو للقوارير ، في فقه ذلك المرجع السلفي ، وهل يرضى السلفي اليوم ان تتماهى من حملته ” وهناً على وهن ” بالدابة الخاضعة للركوب . وأذا ما كانت الزوجة ، على وفق تفسير القرطبي ، دابة لركوب الرجل / الزوج ، أي موضوعاً لفعله الجنسي ، فلماذا لا يصنف الزوج من وجهة نظر الدابة الزوجة بوصفه دابه ذكر وظيفته التلقيح ؟ وبالعودة لتفسير القرطبي وتأويله لقربان هابيل ، كما أسلفنا ، فأنه وبتعبير بن رشد يُعّد تأويلاً فاسداً . فالنص القرأني ، في سورة المائدة – لم يسمي نوع قربان هابيل وقابيل ، بل ان النص القرأني لم يذكر أسم هابيل وقابيل . وعليه فالقرطبي أعتمد في تأويله على القصص الديني لا على الآيات القرأنية، التي تزعم السلفية بأن مرجعها النص القرأني والسنة النبوية ، وتأويل القرطبي الذي تتبعه السلفية مخالف للقرآن والسنة النبوية ، لأنه أعتمد القصص والإسرائيليات .
يزعم عدد من مفسري السلفية بأن الآية الخامسة من سورة ” التوبة ” ( 2 ) ، والمسماة بأية السيف نسخت اكثر من مائة آية . أي جميع الآيات القرأنية التي أمرت بالعفو والدعوة بالحكمة والصبر والموعظة الحسنة وتحريم قتل النفس بدون ذنب …الخ . وبرغم ان بن الجوزي في كتاب ” نواسخ القرآن ” يفسر الآية في ضوء تاريخية نزولها فيقول ” نسخت آية السيف حكماً واحداً هو العهد لمن عاهدوه من المشركين بالكف عن قتالهم ، فنسخت ذلك وكانت هذه الآية إعلاناً لهم بإلغاء عهدهم وأنه لا يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام ، وهذا خاص بمشركي جزيرة العرب ” لكن بن الجوزي سرعان ما ينسى تاريخية حكم تلك الآية ، فيضيف إلى من أستهدفتهم ، أي المشركين ، أهل الكتاب ، فيقول ” أما أهل الكتاب فتقبل منهم الجزية أذا أبوّا الدخول في الإسلام ، فإن أبوّا فإنهم يقتلون ” وترك قوله على إطلاقه ، أي بدون التشريط التاريخي ، الزماني والمكاني ، على عكس من وصفهم بمشركي جزيرة العرب وشرطهّم زمكانياً . وبدون رجوعه إلى الآية ” 190 ” من سورة البقرة ، وهي محكمة لا يطالها النسخ ، والتي تنص ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يُحّب المعتدين ” أي ان الآية لا تجّوز للمسلم قتال من لا يعتدي عليه أو يقاتله ، وبرغم ان بن كثير يؤكد بأن آية السيف ” نسخت كل عهد بين النبي ( ص ) وبين أحدٍ من المشركين ، وكل عقد وكل مدة ” ويضيف في تفسيره للآية ” إذا واجهتم الكفار فأحصدوهم حصداً بالسيف ، مستبدلاً المفردة القرأنية ” المشركين ” بمفردة ” الكفار ” ، والسلفية تعّد كل من لم يتبع فقهها كافراً ، ويجب حصده حصداً بالسيوف . لذلك تحرص ما تسمى بالسلفية الجهادية ، القاعدة وداعش .. الخ ، على ذبح أسراها بالسيف ، برغم أنها تمارس قتل الأبرياء بالمفخخات والأسلحة الحديثة التي صنعها الغرب الكافر !!
تبنت السلفية وجماعة الأخوان المسلمين ما يسمى بـ” التمكين ” ، أي ان تمكينهم على قيادة الدول والمجتمعات هو أمر آلهي . لكن من يبحث عن دلالة ” التمكين ” ، في النص القرأني ،سيكتشف زيف دعاواهم . فالنص القرأني يقول ” كذلك مكنا ليوسف في الأرض ” فالتمكين هنا تم بأمر آلهي لا بشري . ويؤكد النص القرأني أيضاً على طلب التمكين وجوازه بين إنسان طالب وأخر مستجيب للطلب ، ” أجعلني على خزائن الأرض مكين ” . فطلب التمكين هنا محدد بطلب النبي يوسف من ملك مصر ، أي أنه تمكين بشر ، هو النبي يوسف ، بإجازة بشر أخرهو ملك مصر . والأرض في النص القرأني ، في سورة يوسف ، لا تعني الكرة الأرضية أو جغرافيا العالم بكليته ، إنما هي مجاز عن جغرافيا أرض معينة ، هي مصر القديمة . وعليه لا تمكين آلهي للجماعات السلفية والأخوانية ، ولا جوّاز لتمكينهم حكم الأرض من قبل حكام العالم ومجتمعاته ، اللهم إلا فرقتهم الناجية ، كذا .
بعد فتوى تقسيمه للمجتمعات الإنسانية إلى مجتمعات كافرة وأخرى مسلمة ، أي دار كفر ودار إسلام ، أضاف شيخ السلفية بن تيمية فتوى أخرى سميت بالفتوى ” الماردينية ” ، نسبة لمدينة ماردين ، أو فتوى الدار المركبة . وخلاصة تلك الفتوى ان يعامل المسلم بما يستحق ، في دار إسلام ، ويقاتل غير المسلم بما يستحق ، في دار كفر . وبما ان الجماعات الأرهابية والتكفيرية قد أعتمدت تلك الفتوى وتبنتها بالمطلق في جواز قتل غير المسلم ، والإسلام هنا مختزل إلى فقههم فقط ، فقد عمد بعض علماء السلفية ، من المعتدلين .. كذا ، إلى البحث عن مخطوطة تلك الفتوى ، في دمشق ، وزعموا أنهم وجدوا نص الفتوى الماردينية أو المركبة . بخط أو قلم بن تيمية ، ولم يتضمن نص المخطوطة مفردة ” يقاتل ” إنما مفردة ” يعامل ” . وبرغم التصحيح المزعوم لم توضح مخطوطة فتوى بن تيمية كيفية معاملة غير المسلم والمسلم المتقاطع مع فقهه . وقد عَدّ الإسلامي السلفي محمد بن عبد السلام تلك الفتوى مرجعاً لتبرير ما أسماه بـ” الفريضة القاتلة ” ، التي حددت ” المعاملة ” بالقتل . وإنطلاقاً من ذلك جوّزت الجماعات الأرهابية قتل جميع من يتقاطع مع منظومتها الفقهية ، وعًدّت تلك الفتوى فريضة من ضمن الفرائض الإسلامية . وسيكون المسلم كافراً ان نفى قدسية تلك الفتوى ، لأنها صادرة عن بشر عاش في حقبة تاريخية معينة ، لا عن فيض آلهي . وبالتالي كيف يمكن لمسلم الخضوع لإلزام الفتوى الماردينية أو الفريضة القاتلة ويتناسى قوله تعالى ” وكلهم آتية يوم القيامة فردا ” .
تلغي السلفية تاريخية بعض الآيات والأحاديث النبوية ، الصحيحة والموضوعة . وفي ضوء ذلك الإلغاء كيف يمكن إلغاء تاريخ وحدث دفع الرسول ( ص ) للقول في يوم فتح مكه ” من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن ” أي انه آمان محدد بيوم الفتح لا على نحو مطلق ، وفي ضوء الإطلاق السلفي هل يعقل أو يُصدّق ان ينسحب قول الرسول على آل أبي سفيان وفي أي زمان ومكان ، وهل يمكن إلغاء الوقائع التاريخية المأساوية التي قام بها عديد من أبناء أبي سفيان وأحفاده ، وقتلهم لأحفاد الرسول الذي أجاره وكرم داره ! ثم الأ يعني ورود الحدث في نصوص العديد من الآيات القرأنية ، وبأسماء وصفات شخصيات الحدث ، توكيداً على التاريخية . ناهيك عن القص القرأني الذي سرد أحداثاً تاريخية ماضية ، أي غير معاصرة لنزول النص القرأني . لكن غائية السلفية ، وبخاصة المعاصرة ، من إلغاء التاريخية تتلخص بالدرجة الأساس بقصدية إخفاء حقيقة دعاواهم الإسلاموية التكفيرية ، برغم ان أغلبهم يؤمنون بأسباب النزول وبالنسخ لكنهم يرفضون التعامل مع فقههم تاريخياً .
تؤمن السلفية بحديث منسوب للرسول ( ص ) ورد في صحيحي البخاري ومسلم ,ومأخوذ طبعاً عبر سلسلة من العنعنات ” عن فلان عن فلان … الخ ” ان الرسول قال ما معناه تبطل صلاة المسلم ان مَرّ من أمامه كلب أو حمار أو أمرأة . وتشير بعض المؤلفات الإسلامية التراثية بأن ناقل الحديث المنسوب للرسول عاصر أواخر أيام عائشة ، التي ردت قائلة : أتشبهونا بالكلاب والحمير ! والله كان الرسول يصلي وأنا نائمة أمامه .. الخ . فمن نصدق ؟ ان كان ماروته عائشة صحيحاً فلا صحة لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما . وان ما رواه البخاري ومسلم صحيحاً ، فلا صحة لما روته عائشة . وبهذه الحال يثار اكثر من اشكال حول ما ذكره البخاري ومسلم من أحاديث مرجعها الأساس أو مصدرها الأول عائشة .
ان البحث في تاريخية الأحاديث النبوية ، بموضوعية وعلمية ، لا يقف عند المعايير التي أتبعها البخاري ومسلم في أمتحان صدقية ناقل الحديث ، وصدقية سلسلة شخوص العنعنات ، إنما في الكشف عن الواقع السياسي الذي كان مهيمناً وموقف الناقل الأخير من سلطة زمانه ، ومواقف شخوص ” العنعنات ” من سلطة زمان كل منهم ( 3 ) . ومن المعروف ان العديد من الأحاديث المنسوبة للرسول ( ص ) تعود مرجعيتها إلى أبي هريرة . وتشير العديد من المصادر الإسلامية والتاريخية ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب طلب من أبي هريرة زاجراً الأمتناع عن رواية أي حديث ينسبه للرسول ( ص ) ، وأمتثل ولم يروي إلا في خلافة عثمان بن عفان وفي حقبة حكم معاوية بن أبي سفيان ، الذي أغدق عليه بالأعطيات . وعليه فإن منع عمر بن الخطاب لأبي هريرة يؤكد إشكالاً في صدقية ما رواه في حقبتي عثمان / معاوية . ناهيك عن ان الأحاديث التي رواها أو نقلها عن الرسول تفترض بداهة ملاصقته للرسول ، ليلاً ونهاراً ، وإلا كيف تسنى له جمع تلك الأحاديث . وفي الصحيحين ، البخاري ومسلم ، أحاديث كثر تعود مرجعيتها إلى عبد الله بن عباس ، أبن عم الرسول ، والملقب في الأدبيات الإسلامية بـ” حبر الأمة ” برغم ان صفة ” حبر ” ليست من التوصيفات الإسلامية والعربية ، إذ لا أحبار في الإسلام ولا كهنوت . وبرغم أتفاق العديد من المصادر الإسلامية ، وبخاصة السلفية ، على تبحر بن عباس في الفقة الإسلامي الأول ، لكن أمتحان صدقية ما نقله عن الرسول يستدعي التوقف عند سيرته الشخصية والتاريخية . فمن المعروف ان الأمام علي ( ع ) أسند لأبن عباس ، بعد معركة الجمل ، ولاية البصرة . وبعد ما أتضح لأبن عباس ، وهو بن عم الأمام علي (ع) ، بأن الأمور صارت تتجه لصالح معاوية ، سارع في السيطرة على الأموال التي كانت مودعة في خزائن بيت مال البصرة وأخذها لنفسه متوجهاً بها إلى مكه ، وبحماية أخواله من بني هلال . وأجد من الضروري ذكر فقرات من رسالة الأمام علي (ع) لأبن عباس ، إذ كتب الأمام : ” أما بعد . فإني كنت أشركتك في أمانتي ، ولم يكن في أهل بيتي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة إليّ . فلما رأيت الزمان على أبن عمك قد كَلب ، والعدَّو عليه قد حَربْ ، وأمانة الناس قد خربت ، وهذه الأمة قد فتنت ، قلبت له ظهر المِجَنّ ، ففارقته مع القوم المفارقين وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين ، وخنته مع الخائنين . فلا أبن عمك آسيت ، ولا الأمانة أديت ( … ) وأنتهزت الفرصة ، وأختطفت ما قدرت عليه من أموالهم (…. ) فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر تحملها غير متأثم من أخذها كأنك ، لا أباً لغيرك ، إنما حزت لأهلك تراثك من أبيك وأمك . سبحان الله ! أفما تؤمن بالميعاد ولا تخاف سوء الحساب ؟ أما تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً ؟ أوما يعظم عليك وعندك أنك تستثمن الإماء وتنكح النساء بأموال اليتامى والأرامل والمجاهدين ( …. ) فأتق الله ، وأدّ أموال القوم ، فأنك والله لا تفعل ذلك ثم أمكنني الله منك لأعذرنّ إلى الله فيك حتى آخذ الحق وأردّه ، وأقمع الظالم وأنصف المظلوم .والسلام ” (4 ) . ومن يتابع قراءة الرسائل المتبادلة بين الأمام علي (ع) وبن عباس ، سيجد بأن التوصيفات الدقيقة التي وصّف بها الأمام علي (ع) بن عباس تتقاطع مع صدقيته فيما رواه عن الرسول من أحاديث أعتمدت في صحيحي البخاري ومسلم . فالذي سرق بيت المال ، وخان الأمانة والبيعة ، ولم يؤمن بالميعاد والحساب ، والذي أكل حراماً وشرب حراماً ، وأشترى بالمال المسروق الجواري والإماء ، وخان خليفته وبن عمه وفارقه مع المفارقين … الخ . رجل مثل بن عباس ، وبصفاته التي ذكرها الأمام علي (ع) ، وبأجابته على أحدى رسائل الأمام بأنه ” يؤثر ان يلقى الله ، وفي ذمته شىء من أموال المسلمين … ” الخ ، كيف يعتمد مرجعاً ناقلاً بصدقية للأحاديث النبوية ؟!
أذا ما أرادت السلفية ، غير الجهادية طبعاً ، تصدير أو نشر الإسلام في دول العالم ، فماذا سيكون رد شعوب تلك الأمم غير الإسلامية عندما تقرأ الحديث الذي أورده البخاري في صحيحه ، تحت رقم ” 5445 ” باب اذا وقع الذباب قي الأناء ، ونصه ” حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن عبيد بن حنين مولى بني زريق عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ( ص ) قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ” ! وضمن أي مسوغ أو تبرير فقهي يمكن تمرير ما رواه البخاري عن ” زنا القرود ” ” قال البخاري ” حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هيثم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال : رأيت في الجاهلية قِرْدة أجتمع قرِدة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم ” أي ان قَرَدْة ” الجاهلية ” ترجم الِقرْدة الزانية ، ولا ندري لماذا لم يذكر زنا الحيوانات والدواب الأخرى وضرورة رجم زناتها، وبالتبعية طبعاً ضرورة ذكر وتقنين الأعراف الحيوانية المشرعنة لجوّاز العلاقات الزوجية والقرابية بين الحيوانات الداجنة والوحشية . ويذكر البخاري حديثاً منسوباً للرسول (ص) يّجوّر فية أداء الصلاة في مراح الغنم وعدم جوازها في معاطن الأبل . وهل ثمة داع لأن تؤمن السلفية اليوم بما ذكره الأمام مالك في موطئه عن جواز رضاعة الكبير ، بل ان مسند أحمد وسنن بن ماجه يجوّزان تلك الرضاعة ، بالأستناد إلى ما روته عائشة ” عن عائشة : قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكله ” ، ويضيف بن ماجه في سننه ” كانت أم المؤمنين عائشة ” رض ” تفتي بكفاية خمس رضعات ( 232 ) ” !! وتشير بعض المؤلفات الإسلامية التراثية بأن ذلك الداجن كان ” ماعز ” أكل نص تلك الآية . فهل يعقل هذا والنص القرأني يؤكد بالقطع في الآية ” 9 – من سورة الحجر ” إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” .
لسنا هنا نهاجم الأمام مالك والقرطبي والبخاري ومسلم وبن حنبل وبن ماجة … الخ ، وإنما نؤكد على ضرورة إعادة تنقيح مؤلفاتهم ، ان لم نقل تنقيتها من طروحات متقاطعة مع النص القرأني بدءاً ، ومنطق العقل والعصر (5) . وكان الأجدى بالدكتور أحمد الكبيسي – في ظهوراته التلفزيونية المتكررة – ان لا ينشغل ويشغل مشاهدية بجواز ان ” تمّص ” الزوجة ذكر زوجها ، وان ” يلحس ” فرجها ، وبالأستناد طبعاً على تفسير القرطبي وبن عبد العزيز . إنما يعنى ، وهو الأكاديمي ، بتنقية مرجعياته الإسلامية والتراثية من العوالق التي تضمنتها أو دخلت عليها ، وعلى قاعدة تغليب الأهم على المهم . فإشكاليات المجتمعات العربية والإسلامية في عالم اليوم المُعّولم لا تتحدد في إثبات جواز ” المّص واللحس ” طبقاً للمرجعيات السلفية .
تحت عنوان باب ” المعازيّف ” يحرم فقه السلفية الموسيقى والغناء في حين ان تجويد القرأن ، وعلى أي مدرسة في التجويد ، يعتمد على المقامات الموسيقية ، بل ان بعض رجال الدين في تركيا أقترحوا ان يؤدي آذان الفجر بمقام ، وآذان الظهر بمقام آخر ، وهكذا ، حتى آذان العشاء الذي يفترض ان يؤدى حجازاً ، أي بالمقام الموسيقي المسمى حجازاً . وتتغافل السلفية عن واقعة أستقبال الرسول (ص) عند وصوله إلى يثرب ، حيث تغنى الأنصار والمهاجرين رجالاً ونساءً ، وهم يضربون على الدفوف ، ” طلّع البدر علينا من ثنيات الوداع … الخ ” . ويتغافلون أيضاً عن قوله تعالى ” وآتينا داود زبوراً ” أي آتيناه الأناشيد . وتذكر المصادر التوراتية والإسلامية بأن النبي داود كان يمتلك صوتاً جميلاً ودراية بحسن الأنشاد ، أي الغناء أنشاداً . ويؤكد النص القرأني ، في سورة الأنبياء ، ” وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ” أي ان الجبال والطير ينشدون مع داود تسبيحاً أو غناءاً بحمد الله .
ويحرم الفقه السلفي ، وبخاصة الوهابي ، ما يمكن عَدّه حضارياً وجمالياً كالتماثيل والتصوير والحجة في ذلك ان الرسم التشخيصي والتصوير ، والحال ذاته ينطبق على التماثيل ، يُعّد مشاركة الخالق في خلقه . والخلق ، لغة ، هو إيجاد ما هو غير موجود ، أي ان الله خلق الإنسان ولم يكن موجوداً قبل خلقه وخلق عالمه . في حين ان النحات والرسام يشتغلان على عالم سبق خلقه ، أي لا مشاركة ولا تشريك في خلق الله . وبالتالي فإذا كان ذلك مبرراً في بداية الدعوة الإسلامية ، وفي وسط مجتمعي غير مسلم يؤمن بتأليه الأصنام ، فإنه غير مبرر في وسط مجتمعي إسلامي يتعامل مع الرسم والنحت بمخالفة مطلقة مع من كانوا يعبدون الأصنام والأوثان . واللافت ان دعاة السلفية اليوم يتمشدقون بتحريم الرسم التشخيصي ” البورتريت ” والنحت التشخيصي في القنوات التلفزيونية الإسلاموية ، أي عبر ظهورهم صورة تشخيصية !! ويجوز الفقه السلفي إلغاء ملكية الدولة والمجتمع ضمن ما يسمى بـ” الركاز ” والركاز كل ما هو في باطن الأرض ، سواء كان أثاراً أو بترولاً أو مياه جوفية أو معادن … الخ ، كل تلك الثروات تعود ملكيتها – في فقههم – إلى مالك الأرض حصراً ، ومن حقه التصرف بها كما يشاء ولا سلطان عليه ، من دولة أو مجتمع ، إلا في حقبة دولة ” الخلافة ” المفترضة . وأنطلاقاً من ذلك أطلقت الجماعات التكفيرية والسلفية الجهادية ، كذا، على شرائح الجنود والشرطة والأمن والمخابرات والقضاة تسمية ” الطائفة الممتنعة ” أي الممتنعة عن الأيمان بفقههم التكفيري والمنفذة للتعليمات والأوامر الحكومية . فالطائفة الممتنعة تشتغل بأمر الحاكم ، في حين لا حاكم الإ الله ، وهم الممثل الوحيد لحكم الله أو ظله في الأرض . وبذلك جوّزت الجماعات السلفية التكفيرية قتل جميع من ينتمي لتلك الشرائح ، العسكرية والأمنية والقضائية . وعَدّت قتلهم فريضة جهادية .
*** *** ***
يمكن القول ، وبدون مغالاة ، أن أغلب الجماعات الإرهابية والتكفيرية وعدد غير قليل من أحزاب الإسلام السياسي ، في البلدان العربية بخاصة ، هي تنظيمات تم أحتوائها وتمويلها من قبل الأدارة الامريكية والادارات الأوربية ، وان بعضها صُنّع في الدارات المخابراتية الغربية ، وفي ضوء ستراتيجية إدارة الصراع عن بعد ، والتي تتضمن جواز مهاجمة تلك التنظيمات للإدارات الغربية ومصالحها الهامشية . وحتى القيادات الأرهابية المتمردة على صُنّاعها تنفذ بالنتيجة سيناريوهات تلك الإدارات وان على نحو غير مباشر ، لأنها كما أسلفنا تدار عن بعد . ويكفي بهذا الصدد التوقف قليلاً إزاء ما طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ” هيلاري كلنتون ” التي أكدت في كتابها ” خيارات صعبة ” بأن الإدارة الأمريكية أسست تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش ” كعامل من العوامل الرئيسية المنفذة لسيناريو الشرق الأوسط الجديد . وأوضحت هيلاري كلنتون بأن الادارة الأمريكية ، وعدد من الادارات الغربية ، قد حددت إعلان دولة الخلافة الإسلامية بتاريخ 5/ 7 / 2013 والاعتراف بها بعد الإعلان عنها . لكن هذا السيناريو لم ينفذ . وتوضح هيلاري قائلة ” دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية وكل شىء كان على ما يرام وجيد جداً . وفجأة قامت ثورة 30 /6 – 3 / 7 ، في مصر وتغير كل شىء خلال ” 72 ” ساعة ، وفي فقرة من كتابها خيارات صعبة تكشف هيلاري كلنتون قائلة ” أذا أستخدمنا القوة ضد مصر خسرنا ، وأذا تركنا مصر خسرنا ، لأنها قلب العالم العربي والإسلامي ، ومن خلال سيطرتنا عليها من خلال جماعة الأخوان ، وعن طريق ما يسمى بـالدولة الإسلامية ، وتقسيمها . ثم التوجه بعد ذلك لدول الخليج الفارسي ، وان أول دولة مهيأة هي الكويت عن طريق أعواننا من الأخوان المسلمين ، فالسعودية ثم الأمارات والبحرين وعمان . وبعد ذلك يُعّاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل بما تشمله بقية الدول العربية ودول المغرب العربي ، وتصبح السيطرة لنا بالكامل خاصة منابع النفط والمنافذ البحرية . وأذا كان هناك بعض الأختلاف بينهم فالوضع يتغيير “. (6)
في ضوء ما طرحته هيلاري كلنتون قد يبرز سؤال حول عدم إمكانية الموائمة بين ديمقراطية الغرب المتمشدقة بحقوق الإنسان ودموية الجماعات الأرهابية وظلامية الجماعات السلفية والأخوانية ؟ والأجابة نجدها عند صموئيل هنتغتون والمتلخصة بأن تفكيك الدول العربية والإسلامية ممكن التحقق بالأعتماد على الدين الإسلامي حصراً ، أي بتغذية تنامي الإختلافات الأثنية والطائفية والمذهبية ، والتي ستنجز قيادات تلك المكونات وجماهيرها اشعال نيران ما يسمى بالجيل الرابع للحروب . أي عبر الدمقرطة الشائهة ستتصارع مكونات الشعب الواحد فيما بينها عنفياً ، بعبارة آخرى ان الدمقرطة الشائهة هي بمثابة الشرارة لأشعال الحرب الأهلية ، المؤدية طبعاً إلى التفتت الذي يستهدفه مشروع الشرق الأوسط الجديد(7) . ولنعترف صراحة بأن موضوعة هنتغتون , وقبلها طروحات برنارد لويس وبريجنسكي ، موجودة على نحو مسبق وقبلي في عديد من فقهيات الفرق الإسلامية . وبذلك لا يبدو غريباً ان تؤسس الأدارة الآمريكية , في حقبة التواجد السوفيتي السابق قي أفغانستان ,منظمة القاعدة اللادّنية إنطلاقاً من الفقة الوهابي وفقه ما يسمى بالسلفيات الجهادية ، ولا يبدو غريباً أيضاً ان تتحول السجون والمعتقلات الأمريكية في العراق ، عام 2003 ، إلى حاضنات لتفريخ الأرهاب . فمن سجن ” بوكا ” في محافظة البصرة ، تم إعداد جميع قيادات ” داعش ” من العراقيين بخاصة , وفي مقدمتهم الأرهابي المدعو ” أبو بكر البغدادي ” . ومن المضحك إشادة عديد من السياسيين والمثقفين العرب بالصحافة الأمريكية التي كشفت بالصور الفوتوغرافية الأنتهاكات التي أقترفتها القوات الأمريكية في سجن ابي غريب . لكن بما ان الصورة ، سيميولوجيا ، تعلن وتخفي بذات الوقت ، فإن ما أستهدفه ذلك الكشف الدراماتيكي هو إثارة العواطف الدينية وتحفيز القيم الأخلاقية الشرقية بين الشباب المسلم في العراق والبلدان العربية ، ودفعهم للألتحاق بالجماعات الجهادية ، كذا . وقد اكدت بعض التقارير التحاق المئات من الشباب بمنظمة القاعدة في العراق بعد نشر تلك الصور وترويجها إعلامياً ، وهذا هو المطاوب قطعاً .
أخيراً أجد من الضروري التذكير بقول المفكر الفرنسي روجيه غارودي , الذي أعتنق الإسلام , وبعد زيارته للدول الإسلامية , العربية وغير العربية , قال : الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل ان أرى المسلمين.
الهوامش
———–
( 1 ) – مختار الصحاح للرازي- المركز العربي للثقافة والعلوم – بيروت – لبنان – بلا ,ت .
( 2 ) – ” فإذا أنسلخ الأشهر الحُرم فأقتلوا المشركين حَيّثُ وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كْلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتو الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم”.
( 3 ) – طبعاً دون نسيان ان البخاري أبتدأ بجمع الأحاديث النبوية ، في صحيحه , في عام ” 126 – هجرية ” , وأنجزه بعد ستة عشر عاماً ، وتضمن ” 7397 ” حديثاً نبوياً . بينما تضمن صحيح مسلم , المتوفي في عام ” 261 – هجرية ” ” 2033 ” حديثاً نبوياُ ، وأنجز صحيحه خلال خمسة عشر عاماً . علماً ان الرسول (ص ) توفي في ” 12 – ربيع الأول – 11 هجرية ” .
( 4 ) – راجع الفتنة الكبرى لطه حسين – دار المعارف بمصر – ط6 – 1966 .
( 5 ) – أكمل البخاري ،مثلاً, جمع الجامع الصحيح في عام 142 هجرية , ونحن اليوم في العام 1435 هجرية , أي بين إنجاز الصحيح والواقع الراهن ما يقارب ” 1293 ” عاماً. والحال ذاته , مع تباين التواريخ يقال عن موطأ مالك وصحيح مسلم وعديد من كتب الفقه السلفي . وعليه كيف يمكن إغفال أو نفي التطورات المعرفية والعلمية ومجمل العلوم الإنسانية, والإسلامية أيضاً, خلال ما يقارب الثلاثة عشر قرناً؟! ألا يفترض بالمؤسسات الإسلامية ورجالات الدين , وبخاصة من الأكاديميين , إعادة قراءة ذلك التراث , الذي هو كما أسلفنا نتاج بشر في حقبة تاريخية معينة لا فيض آلهي , وتقويمه في ضوء علوم العصر ومعرفياته ومتطلباته الحضارية وكشوفاته .
( 6 ) – أستعرضت بعض المواقع الالكترونية كتاب ” خيارات صعبة ” وترجمت بعض صفحاته , المتعلقة بالمنطقة العربية . والملاحظ ان هيلاري كلنتون , في تلك الفقرة , ذكرت جميع الدول العربية بأستثناء دولة واحدة ، هي قطر .
( 7 ) – أكتفت الادارة الأمريكية بعد إحتلال ” داعش ” لمحافظة الموصل وعدد من مناطق المحافظات العراقية الغربية , بالتصريحات الشاجبة للأحتلال والمقرونة بالتوصيات على إسراع تشكيل الحكومة العراقية… الخ . لكن بعد توجه مجاميع من داعش بأتجاه أربيل تحرك الطيران الأمريكي لضرب مواقع تلك المجاميع . أي ان الأدارة الأمريكية ضد تمدد داعش لكردستان فقط . واللافت للنظر ان الطيران الأمريكي لم يقصف قوافل داعش الناقلة لأسلحة الجيش العراقي التي أستولت عليها إلى الأراضي السورية . ومن يتابع الحراك الأمريكي والبريطاني والفرنسي , سيتضح له بأن إدارات تلك الدول تمهد لتهيئة الرأي العام الغربي لضرب ” داعش ” سوريا , قبل داعش العراق , وبالنتيجة تمرير مشروع إسقاط النظام السوري , الذي برغم دكتاتوريته لكنه لا يقارن بأرهابية وظلامية داعش والنصرة … الخ .