23 ديسمبر، 2024 9:26 ص

مسيرة لن تستقيم  من دون محاسبة مرتكبي الاخطاء والجرائم

مسيرة لن تستقيم  من دون محاسبة مرتكبي الاخطاء والجرائم

مرت مدة قصيرة كانت العلاقة بين الرئاسات الثلاث على احسن ما يرام اجتماعات دورية ومناقشات لقضايا مختلفة قبل اتخاذ القرار وادارة اجتماعات لقادة الكتل السياسية، وذلك عندما اشتدت حركة الاحتجاجات ولكن سرعان ما انفرط عقد هذه اللقاءات لان كل طرف اراد ان يوظفها لاجندته ومشروعه  الخاص وليس لبناء المشروع الوطني واستكمال بناء الدولة وتخطي العقد والتحديات التي تواجه العملية السياسية والاهم الاستجابة للمطالب الشعبية .. حتى الاجتماعات انتقلت من الحضور الواسع الى حضور على اساس المحاصصة والكتل الرئيسة ، تحالف وطني وتحالف قوى وتحالف كوردستاني، وفي النهاية هذا الانسجام الذي تفاءل به ابناء شعبنا انتهى الى خصام وتبادل لوجهات النظر من المنابر الاعلامية والى اتهامات متبادلة بان كل طرف يريد السيطرة او يقضم من جرف الامتيازات والمكاسب للطرف الاخر.

ووقع التنافر في ازمة البرلمان وماتلاها من استجوابات واقالات حتى محاولات رئيس الوزراء باعطائه فرصة لاستكمال تشكيل وزارته،  وانجازات  وزارت الدفاع والداخلية والمالية ما لديها من اعمال في غاية الضرورة ، لم تتم الاستجابة لها، وعملت قوى في الخفاء والعلن ألا تسمح بهذه الفسحة من الوقت المطلوبة وانما ضغطت بكل السبل لتضييق  الخناق على رئاسة الوزراء، بل التلويح باستجوابه هو بالذات وان رأسه بات مطلوباً قبل رئاسة البرلمان او الركوع للاملاءات .. وعلى ما يبدو وهذا ما كان يخطط له في العمق وتسيير الامور  بهذا الاتجاه للاطاحة بالعبادي او بقائه ضعيفاً وسلبه ما قد يحققه من انتصارات في الحرب على الارهاب وتحرير الارض من عصابات داعش، لكي تكون الفرصة سانحة للطامع بالحلول محله قبل انتهاء ولايته او عن طريق الانتخابات المقبلة التي اصبحت قريبة بالحسابات السياسية.
طبعاً هذا لا ينفي ان هناك مصالح اخرى غير هذه تضامنت واتحدت ،  منها ان بعضهم  مثلما اتضح عينه على بعض المواقع الوزارية، وبدل مواقفه بناءً على طموحاته الشخصية واذا عدنا الى الوراء كيف كان هؤلاء الاعلى ضجيجاً للاطاحة برئيس مجلس النواب سليم الجبوري واليوم يصمتون عنه لانه انساق مع مشروعهم الى جانب ان بعضاً آخر لا يريد ان تفتح ملفات الفساد بجدية وتقديم كبار المسؤولين الى القضاء الذي مايزال لا يبلي بلاء حسنا

المهم الابرز وراء هذه الاحداث والذي يرغب في غياب الانسجام بين السلطات الثلاث وايقاف الاصلاح الشامل او اقتصاره على القصور بات واضحاً ويشار الى طمع رئيس الوزراء السابق بالعودة الى الحكم والحصول على فرصة ثالثة ويهيىء لها في تقدير سياسي خاطئ وعلى حساب الايقاع بجناح  من حزبه واسقاطه.

ربما المالكي على حق، فهو مايزال يخشى ان تثار ضده ملفات كثيرة في مقدمتها تبديد اموال العراقيين ومسؤوليته عن سقوط الموصل وتمدد داعش الارهابي  في ست محافظات بحسب ما تدعي قوى سياسية عديدة وقوى مؤثرة وتطالب القضاء بفتح الملف الذي سلم اليه، الى جانب ملفات فساد على مقربين منه وكان يستند اليهم في ولايتي حكمه.
الواقع الصراع بين جناحي حزب الدعوة لم يعد مستوراً واصبح علنا  وتستخدم فيه كل الاساليب بل ان الصراع دخلت عليه قوى اخرى تنحاز لهذا الطرف او ذاك غير انها ماتزال تعاني من تناقضات فيما بينها أي انها ليست منسجمة ولا تؤجل الخلافات الثانوية وتعطيها نفس الدرجة من الاهمية لاعتبارات مختلفة منها ما له علاقة باوضاعها الداخلية والصراعات بين اجنحتها وتنافساتها على النفوذ والسلطة وما الى ذلك من المطامع وبالتالي تعيق دعمها لرئيس الوزراء العبادي وخوفها من ان يحقق نجاحاً لافتا في الانتخابات التي  اصبحت على الابواب ، وهي ما عادت كما كانت سابقاً اليوم كل اطراف التحالف الوطني الكبيرة تعمل ان تكون الدورة المقبلة لرئاسة الوزراء من نصيبها هذا التنافس والصراعات مع الاخرين والمساومات غير المبدئية وازاحة المشروع  الوطني من الاولويات والعمل عل ابقاء الاوضاع على ما هي عليه من تحاصص دفع الى اعاقة تقدم الحكومة وعدم الاستجابة الى طلبات رئيس الوزراء بما فيها التي تحمل قدرا من المشروعية والا فما معنى عدم تأجيل استكمال الاستجوابات لعدة اسابيع ليس الا ، ناهيك عن  ان في بلد بمثل هذه الوضعية الجميع يرتكب مخالفات ادارية او يفض النظر عن تحقيق جاد ومعمق بما يجري في وزارته وتحت مسؤوليته، والفاسد الذي يجد من يدق الدفوف له يضع رجليه في الماء البارد، لا يخشي احداً .
كلنا مع الرقابة والحساب ولكن ألآ تكون بمكاييل متعددة، وايضاً ألا تستثنى منها سلطة من السلطات الثلاث.. الا تستحق الطلبات التي يقدمها بعض النواب الى الوزراء ويعينون بالمئات ، يقال انها مقابل المال، الى جانب العمل بمبدأ الاقربون اولى بالمعروف والوساطات المخالفة للقانون كونها شكلا من اشكال الفساد  تحقيقاً سريعاً ورفع الحصانة عن ممارسيها  كي يتمكن منهم القضاء العادل .
 ان العملية السياسية برمتها وصلت الى طريق مسدود والقوى التي تزعم انها تحاول ان تصلح عليها ان تقدم شيئاً ملموساً في هذا السبيل لبناء اوضاع سياسية نزيهة وعادلة تلبي تطلعات المواطنين ومطامحهم في عراق يبنى  على اساس مبدأ المواطنة، وقبل ذلك افشال المشاريع التي خلفها الزمن والاحداث ولا يمكن احياء الميت الذي يستوجب اولا لبدء انطلاقة جديدة دفنه قانوناً بفتح الملفات المتراكمة عليه.