اعمال ادبية وفنية عديدة تتناول قصة غرباء يدخلون الى المدن الآمنة تحت اية مسميات او اهداف واضحة ودون ان يفصحوا عن هويتهم الحقيقية ومن اين جاءوا ، وبالتدريج يبدأون في العبث بأمان تلك المدن ومستقبلها واهلها فيشترون ذمم البعض بالمال ويؤمنوا وجودهم بحماية من بعض الاهالي ، وحين تصبح شوكتهم اقوى ووجودهم اكثر رسوخا تتضاعف اطماعهم بنساء المدينة واراضيها وقد يتحالفون مع بعض كبار البلد ووجهاءها لتحقيق مصالح مشتركة كما يجتهدون في خلق فتنة بين ابناء المدن ليضمنوا اضعاف وحدتهم وتمكنهم بالتالي من السيطرة على مصائرهم … وبعد ان يصحو الاهالي ليكتشفوا ان الغرباء نجحوا في شرذمتهم وانهم فقدوا امانهم واصبحت حياتهم مهددة يكون امامهم احد امرين ، اما ان يعملوا على قتالهم وطردهم من البلد او يستسلموا لوجودهم ..
ماحصل معنا لايختلف كثيرا عن قصص اولئك الغرباء فبلدنا اصبح معبرا لهم منذ ان وجدوا من يفتح لهم ابوابه ويوفر لهم الحماية ..وهكذا ، توافدت وجوه غريبة على البلد باهداف ونوايا مختلفة لكنها تتشابه في أمر واحد ، هو اضعاف الاهالي واستغلال البلد وخيراته وتغيير مصيره الى الاسوأ ..ويعد دخول داعش الى العراق حلقة من مسلسل الغرباء الذين توافدوا ويتوافدون على البلد ، وقد فاقم دخولهم من سوء اوضاع البلد فتحول اهله الى متواطئين معهم او نازحين هربا منهم او مقاتلين وشهداء في سبيل الخلاص منهم ..بالتوازي مع هذه النتيجة كان البلد يئن تحت وطأة فساد حكومي وتنافس على مقاعد السلطة ونقص في الخدمات وفقدان للأمان وغياب ملحوظ لسلطة القانون ..وهكذا ، كان قتال داعش ضرورة لم يسع لها ابناء البلد فقط بل بدأ باشارة خارجية تقضي بانتهاء المسلسل ليبدأ بعده مسلسل جديد او لاعادة تنظيم الفوضى التي عمت البلد ولمصلحة اياد خارجية ايضا ..
اليوم ، تؤرخ عملية تحرير الموصل بداية النهاية لورقة داعش المحترقة اصلا في العراق ، ذلك ان خروجها بسهولة لاتتناسب مع تغلغلها في البلد واحتلالها بعض مدنه واستقرارها فيها يؤيد الحقيقة التي تقول ان ادخال
الغرباء الى بلد آمن لايتم اعتباطا بل وفق تخطيطات مدروسة وبالتعاون مع من ينتفع من دخولهم وحين تحين ساعة خروجهم فهناك من يتعهد بذلك مع اقل خسائر ممكنة ووفق اتفاقيات تنظم الاطماع في البلد وتوزع الحصص على من يصبو اليها من اراضيه وثرواته ..
لم تعد داعش اذن مصدرا للرعب من المستقبل المظلم الذي كان وجودها يعد به بل التوقعات التي ترافق مرحلة مابعد تحرير الموصل ، فقد يبدأ مسلسل جديد يجسد ادواره ممثلون جدد وتدور احداثه حول دخول غرباء باسماء جديدة ونوايا خفية ووسائل مستحدثة لتحصيل مكاسب جديدة من بلد مثقل بالخيرات ، او تتحول الكتل والاحزاب التي تتقاسم الحكم فيه منذ سقوط النظام الدكتاتوري الواحد الى اطراف نزاع داخلي خطير ذلك ان لاغلب تلك الكتل فصائل مسلحة تأتمر بأمرها وتنتظر ترؤس المشهد والحصول على مكاسب تتلائم ودورها في التحرير او سعيها الى مقاعد السلطة ..
رغم كل ذلك ، يشعر المواطن العراقي ببهجة النصر ولايشغله الا الخلاص من داعش كخطوة اولى ، عسى ان تعقبها محاولات للمصالحة الوطنية وترتيب الاوراق الداخلية بايثار وضمير لاعادة الامن والامان للبلد وبنائه من جديد …وايقاف عرض مسلسل الغرباء نهائيا …