ما قام به السيد مسعود البارزاني من خطوة الاستفتاء ( بداية الانفصال ) لم تكن محسوبة بشكلها الصحيح المنطقي المعقول . كان من المفروض حساب الحالة التي اقدم عليها من جميع جوانبها الاقتصادية والسياسية والنفسية والاجتماعية المحلية والدولية . عموما مسعود اخطئ منذ البداية بداية التفكير بهذا الموضوع ” الانفصال ” وبهذا الوقت بالذات . لم يحسبها بشكلها الصحيح . كان هذا النهج متداول بشكل خفي ومعلن منذ بداية تاريخ التمرد الكوردي والدعوة له في السر والعلن متذبذب حسب ظروف المراحل التي تمر بها المنطقة والعالم . اقليم كوردستان قبل الاحتلال وتحديداً من تاريخ بيان 11 آذار سنة 1970 وما بعد الاحتلال حصل اكراد العراق على امتيازات لم يحصل عليها اكراد كل دول المنطقة لا بل حتى العراقيين الذين يعيشون خارج الاقلم من شعب العراق لم يحصلوا عليها ويتمنون ما قدم للأكراد , واصبح الاقليم جاذب للعراقيين وغيرهم بينما بعض مناطق العراق طاردة لبعض سكانها , وينتشر بها الرعب والارهاب والقتل العشوائي الطائفي وعدم الامان والاستقرار , بينما الحياة في الاقليم عكس ذلك . المهم كان على مسعود ومستشاريه وسياسيي الاقليم ان يفهموا ان منطقتهم محاطة بدول من جميع جهاتها ترفض حالة الانفصال واعلان الدولة , ولهذه الصفة خطر شديد على كل نواحي الحياة في منطقة الاقليم وخاصة الاقتصادية . غلق الحدود وعدم التعامل مع الاقليم في الحركة والتعامل الاقتصادي ومع الآخرين سيكون من الصعوبة بمكان بل يعني الكارثة في بعض الاحيان . عندما كانت الحركة الكردية ناشطة في الماضي كان بالامكان التواصل مع العالم عبر دول الجوار لأمور كثيرة ولأسباب مختلفة ودوافع شتى كانت تفرض نفسها في حينها . واليوم الامور اختلفت جذرياً عن ما قبل . شعب الاقليم تعامل مع موجبات الحياة على احسن وجه في جميع المجالات وبأمان هذه كحالة والموضوع الثاني الذي كان يدركه الجميع هو عدم اعلان حالة الانفصال وإنشاء دولة , رغم الفاقة التي كان يعيشها الاكراد قبل بيان 11 آذار سنة 1970 . بينما اليوم الامر اختلف كلياً . فبرغم حالة الرفاهية التي يعيشها شعب الاقليم الذين هم جزء اساس من مجموع شعب العراق يستحقونها ويستحقها الآخرين , يعلنون ويطالبون بالانفصال . وهذاما يستفز الجميع محلياً ومناطقياً وعالمياً فعلى الصعيد المحلي الرقعة الجغرافية التي هي اساس الجامع لكل العراقيين بما فيها اقليم كوردستان , لم تتمتع لا في الماضي ولا في الحاضر مثل ما تتمتع به منطقة وشعب الأقليم من ناحية الاعمار او فرص العمل او الضمان الصحي والتعليم وطرق المواصلات والماء والكهرباء وغيرها الكثير . فسكان هذه المحافضات مثل البصرة وميسان ( العمارة ) وذي قار (الناصرية ) لا بل حتى أهل بغداد عاصمة العراق يدركون ذلك بوضوح كامل . فخطوة مسعود تثيرهم بشكل كبير وقوي . وعلى صعيد المنطقة دول إيران وتركيا وسوريا تخشى قرار مسعود لأنه يحث ويشجع على اثارة هذا الموضوع في الاوساط الكردية فيها وهي اصلا وبالاساس فيها تمرد واضح ومعلن بين صفوف اكرادها ففي ايران لايزال اكرادها يتذكرون دولتهم ” مهاباد ” *1جمهورية مهاباد تأسست في أقصى شمال غرب ايران حول مدينة مهاباد التي كانت عاصمتها ، وكانت دُويلة قصيرة مدعومة سوفييتياً كجمهورية كردية أُنشأت سنة 1946 ولم تدم أكثر من 11 شهراً.” بقيادة القاضي محمد بالتعاون مع مصطفى البارزاني . والاكراد في ايران ثالث اكبر مجموعة ايرانية تشكل حوالي 10 ملاين من سكانها البالغ عدهم 80 مليون نسمة . تشمل المنطقة الكردية في أيران على أربع محافظات في غرب أيران وهي أذربيجان الغربية، مهاباد، كرماشان، عيلام . اكراد ايران يعيشون النشاط الكردي العام ونشاطهم الخاص الغير معلن ” جماعة قاسملو *2″ ومن الممكن اشتعال الثورة بينهم في حال نجاح انفصال اقليم كوردستان العراق وسبق وأن ثاروا في سنة 1979 ـ 1982 وراح ضحيته 10000 قتيل وتشريد 20000 وعاد التمرد بعد هذا التاريخ وانتهى سنة 1996 . و هناك الثقل الآخر الكبير ” أقليم عرب ستان ” الذي يتألف من قبائل عربية لها تواصل بقبائل العراق بل هي جزء منها ومعروف ان هذه المنطقة كان لها شأن كبير في المنطقة يقودها القائد العربي المعروف ” الشيخ خزعل ” الذي تآمرت عليه بريطانيا وشاه ايران وتم اغتياله على احدى البوارج الانكليزية بعدما غدروا به وتسليم منطقته الى ايران ظلماً وعدواناً فهؤلاء حتما سيطالبون بالانفصال اسوة بأكراد العراق لأن وضعهم قلق ينذر بعواصف خطيرة بالأمكان استغلالها وتحريكها من خارج ايران . وتركمان ايران وسنّة ايران والبلوش وغيرهم .يقابل ذلك في الجانب التركي ” جماعة اوجلان وحزب العمال ” الكوردي العاصين والمعتصمين في الجبال في المنطقة المحصورة بين تركيا والعراق , ويبلغ عدد مواطني اكراد تركيا اكثر من 20 مليون مواطن . وكذلك اكراد سورية ومطالبتهم العلنية بأنشاء أقليمهم الذي سيؤدي حتماً للإنفصال مثل ما يفعلون اكراد العراق . وهناك امور اخرى مثل بقية القوميات والطوائف والاديان لا بل حتى المذاهب . فخطوة مسعود ستكون حافزاً للتحريض على موضوع الانفصال لسنّة العراق والمسيحيين والازيدية والتركمان والصابئة المندائية والشبك وهكذا . وسينعكس ذلك حتماً على بقية دول المنطقة العربية مثل سوريا ولبنان ومصر ( اقباط ومسلمين ) والسعودية والبحرين واليمن وغيرها ( كشيعة وسنّة ) . وعلى الصعيد العالمي ستثير هذه القضية الكثير مثل الكاثوليك في لندن الذين كانوا كدولة ” ايرلندا ” وانظموا كأقليم الى بريطانيا العظمى في حينها وطالبوا بالاستقلال ووصلوا حد الاقتتال وشكلوا الجيش الجمهوري الايرلندي السري , وراح ضحية هذا الصراع الكثير من البشر , وحتى بعد انحسار هذا التمرد تبرز هناك بين الفينة والاخرى حالات استعار وكأنها نار تحت الرماد . وممكن ان يحصل ذلك في اميركا نفسها بين السود المضطهدين جماعة ” مارتن لوثر كنج ” وينسحب حال مسعود البارزاني على الكثير من دول العالم في قارة افريقيا وغيرها . من هذا كله تعد خطوة الانفصال التي ستعقب حالة الاستفتاء خطوات غير موفقة ولا مبرر لها لا في زمانها ولا في مكانها . وطرح مصطلح الاستقلال غير منطقي لأن المناطق الكوردية في العراق والمنطقة لم تُستعمَر ولم تكن كدول لها هويتها وكيانها . والدستور العراقي واضح وجلي شارك الاكراد في كتابته واقراره , ينص على ( العراق واحد وللمشاركين حق الاختيار ) وهذا يعني منذ البداية من يريد الدخول في وحدة العراق عليه الالتزام بذلك. كان على مسعود والقيادات الكوردية منذ البداية مطالبتهم بالانفصال عن العراق منذ بداية احتلاله من قِبَل اميركا العدوانية الارهابية . وموضوع اعتمادهم على اسرائيل فهذا له شأن سلبي آخر من حيث الاكراد مسلمين ولهم دينهم الملتزمين به ولا يمكنهم ان يتحولوا الى صهاينة والجميع يعرف ومتأكد أن اسرائيل لم ولن تكن ابداً الناصح الامين . كان اعتقاد مسعود ان اسرائيل قادرة على الضغط على اميركا وتحويل مسارسياستها وهذا اعتقاد خاطئ لأن مأزق اميركا في المنطقة اكبر من ذلك . كذلك كان يأمل بالضغط على روسيا وهذا الامر محفوف بخطر الموقف الروسي كونها تخشى من موضوع شعب الشيشان المسلم وثورته ومطالبته بالاستقلال الذي ثار من قَبل بقادة المرحوم ( جوهر دوداييف ) وثار بعد مقتله ايضاً وهذا الموقف يؤثر حتى على الصين واستعمارها للمسلمين . تداعيات هذا الموضوع الخطير “نكث غزل الجميع ” فأميركا التي احتلت العراق في حرج امام العالم , وايران في حرج لأن احزابها هي من تحكم العراق وكذلك الشيعة الموالين لأيران , وينسحب ذلك على مصر ودول مجلس التعاون الخليجي الذين ايدوا وساندوا وساهموا في احتلال العراق ومونوا العدوان عليه وتدميره فكانت هذه النتيجة جزء من حالة العراق المحتل المزرية المتشضية الغير آمنة الامستقرة في كل وجوهها . فمسعود البارزاني أحرج الجميع وورط نفسه في وحل يصعب الخروج منه . نسأل الله أن يجنب العراق وشعبه بعمومه اكراده وعربه ومسيحييه ومسلميه وكل قومياته واثنياته وطوائفه , يجنبهم شر كل مكروه وأن يوفقهم لما فيه خير الجميع وسلامتهم . . . . . .
المصادر*
1ـ وكيبيديا الموسوعة الحرة
2 ـ عبد الرحمن قاسملو سیاسي جامعي كردي إيراني زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني أغتیل في فينا عاصمة النمسا