23 ديسمبر، 2024 6:37 ص

مسرحيتان لاستروفسكي بترجمة أ.د. مكارم الغمري

مسرحيتان لاستروفسكي بترجمة أ.د. مكارم الغمري

هذا حدث مهم لمتابعي و عشّاق الادب الروسي باللغة العربية , واغناء كبير للمكتبة العربية في الادب الروسي بآن واحد , اذ أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب العام 2016 , وضمن سلسلة الألف كتاب الثاني / نافذة على الثقافة العالمية – كتابا للاديب المسرحي الروسي ألكساندر استروفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان استروفسكي – شكسبير روسيا ) يضم مسرحيتين له تحت عنوان ثانوي هو – من روائع المسرح الروسي , بترجمة وتقديم أ.د. مكارم الغمري عن الروسية طبعا ( انظر مقالتنا بعنوان – مكارم الغمري والادب الروسي ) , وبهذا الاصدار تكون الغمري ( التي طالما غمرتنا بابداعاتها الجميلة حول الادب الروسي !) قد أنجزت ترجمة ثلاث مسرحيات للكاتب المسرحي الروسي استروفسكي ضمن تلك المساهمات المهمة في هذا المجال , اذ سبق لها ان ترجمت مسرحية ( الغابة ) , والتي صدرت ضمن السلسلة المشهورة – ( من المسرح العالمي) في الكويت العام 1984 , ولو تأملنا فقط الفرق الزمني بين الاصداريين ( وهو اكثر من ثلاثين سنة!) لوجدنا الاجابة عن سؤال يدور في أذهان الكثيرين حول القيمة الحقيقية والعميقة لمكانة أ.د. مكارم الغمري في حياتنا الفكرية العربية المعاصرة ودورها الفعّال في نشر الادب الروسي بعالمنا العربي , ولماذا حازت هذه الباحثة المصرية على هذا التقدير المتميّز في الاوساط العربية والروسيّة على حد سواء .
يقع الكتاب في( 176) صفحة من القطع الكبير , وبغلاف رائق أخّاذ يتناسق مع روح المسرح وجماليته وارتباطه بالحياة الانسانية , ولا يمكن لكتاب تترجمه ألاستاذة الجامعية والباحثة القديرة د. مكارم الغمري ان يكون خاليا من مقدمة علميّة تكتبها له , مقدمة تضفي على النص المترجم نظرة موضوعية متكاملة تجعل القارئ مستعدا نفسيا لاستيعاب ذلك النص الادبي , وقد جاءت تلك المقدمة ( الدسمة!) من صفحة رقم( 7) الى صفحة رقم (18) , والتي يمكن القول انها دراسة معمّقة وجيزة لادب استروفسكي وعصره. تناولت الغمري في بداية مقدمتها خصائص مسرح استروفسكي وموقعه في ظل تيارات اجتماعية وفكرية مختلفة في روسيا آنذاك , والصراعات التي كانت قائمة بين عدة تيارات , ابرزها الصراع بين انصار التوجّه نحو الغرب الاوربي , الذين كانوا يرون ان روسيا يجب ان تسلك طريق الاصلاحات الاوربية الغربية , وبين انصار الرجوع الى الروح السلافية , الذين كانوا يؤكدون على خصوصية طريق روسيا المغاير لطريق الغرب الاوربي , ومن الطريف هنا ان نشير , الى ان كلاهما ( انصار الغرب وانصار السلاف ) كانا يعتقدان , ان استروفسكي هو واحد منهم , ولا يسمح المجال بالاستطراد اكثر في اطار هذه المقالة . تتوقف د. مكارم في مقدمتها لاحقا عند مكانة استروفسكي في تاريخ الادب الروسي ولماذا يعتبرونه ( مؤسس المسرح القومي الروسي ) , ولماذا يعدّ لحد الان قريبا من القارئ والمشاهد الروسي المعاصر بما يطرحه من قضايا اخلاقية وانسانية ترتبط بكل مكان وزمان . تتطرّق الباحثة في مقدمتها حتى الى الحديث عن موضوع الرقابة على الابداع الادبي في روسيا القيصرية , ثم في الفترة السوفيتية , ثم ما بعد تلك الفترة , وتربط هذا الموضوع الخطير بتاريخ روسيا ومسيرتها , والكلام عن الرقابة يذكرنا بواقعنا طبعا , ورغم ان الباحثة لم تتطرّق الى ذلك , ولكن ( الحليم تكفيه الاشارة !) . تتوقف الباحثة لاحقا عند كل مسرحية من المسرحيتين في هذا الكتاب , وتعطي تلخيصا موضوعيا للافكار الرئيسية في كل مسرحية , وتربط تلك الافكار والاحداث بالواقع المصري , وتحاول ايجاد سبل المقارنة حتى مع ثلاثية نجيب محفوظ وابطالها , وعلى الرغم من انها لم تتوسّع في هذا الجانب , الا ان تلك المقارنة الوجيزة بين استروفسكي ونجيب محفوظ تمتلك اهميتها بالنسبة للمهتميّن العرب بموضوعة الادب المقارن , وكذلك بالنسبة للمستشرقين الروس . وتتناول الباحثة في مقدمتها تلك صعوبة ترجمة مسرحيات استروفسكي , لان الكاتب المسرحي هذا كان ( يتعامل مع اللغة بصفتها وسيلة لتصوير الطابع الانساني ) كما تشير د. مكارم الغمري , ولهذا نرى في نصوصه الكثير من التعابير الدارجة والامثال الشعبية , بل ان عنوان المسرحية التي ترجمتها هو عبارة عن مثل شعبي روسي (كما هو حال عدة مسرحيات اخرى له ) , وتتحدث المترجمة عن ذلك وتقول انها بحثت عن مثل شعبي مقارب من حيث المعنى كي تحتفظ بروحية العنوان الذي اطلقه استروفسكي على مسرحيته , وهكذا اصبح عنوان تلك المسرحية في الترجمة العربية – ( لا بينا ولا علينا ) .
تصفيق حاد للمبدعة أ.د. مكارم الغمري على كل ما قدّمته من مساهمات عميقة في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية , وكل الشكروالتقدير للهيئة المصرية العامة للكتاب وسلسلة الالف كتاب الثاني , والتي تطلق على نفسها تسمية دقيقة ومعبّرة فعلا وهي – ( نافذة على الثقافة العالمية).