8 أبريل، 2024 7:41 ص
Search
Close this search box.

مسرحية ليالي عيد الميلاد

Facebook
Twitter
LinkedIn

الشخصيات:
الأب
 الأم
لبنى
سرمد
لصان.
الليلة الأولى:
(الأم تتحرك بحيوية هنا وهناك وكأنها تخطط لشيء ما)
الأم: إذا سارتِ الأمورُ حسبَ الـمُخَطّطِ المرسومِ ستكونُ ليلةً تحسدُنا عليها الملائكة. بقليلٍ من الحظّ، وبكثيرٍ من التوفيق، وكثيرٍ من حسنِ الطالع.. سنحققُ الحلم.
(تدخل لبنى وهي فتاة جميلة، ترتدي تنورة قصيرة جدا)
الأم: (مؤنبة) لبنى، الْبسي شيئاً مُحتشماً؟ (تنادي) سرمد!
سرمد: (من الداخل) نعم ماما..
(صوت تكسر أواني زجاجية).
لبنى: مزاجِهِ على الإنسانُ يلبسُ لا البيتِ في حتى؟ [1]
الأم: في البيتِ نلبسُ ما نشاءُ، صحيح؛ لكنّكِ في سنّ زواج.. (تنادي) سرمد! (للبنـى) تَعلّمي كيفَ تتكلمينَ مثلَ الناس. (تنادي) سرمد!
صوت سرمد: إنني ابحثُ عنِ الشّموع.
(صوت تكسر أواني زجاجية)
الأم: سأُحضِرُها أنا .. تعالَ علِّقِ الزّينةْ. سينفدُ صبري!
صوت سرمد: أنا قادِم..
(صوت تكسر أواني زجاجية)
الأم : (تخرج لإحضار الشموع) البنتُ تقولُ الكلامَ بالمقلوب والولدُ مُخّهُ مليءٌ بالعيوب! 
(يدخل سرمد)
سرمد: ما رأيكِ يا لُبنى لو أُعلّقُ الزينةَ على الشّباك؟
لبنى: حسنةْ فكرةٌ [2].
( يحاول فيكسر الزجاج)
لبنى: سيئةْ فكرةٌ! [3]
سرمد: الزّجاجُ يحتاجُ إلى تبديلْ.
لبنى: تبديلِ إلى نحتاجُ أيضاً نحنُ [4].
صوت الأم: (من الداخل) قِفْ مكانَكَ يا سرمد! لا تتحرّكْ!
لبنى: هيّا الكرسي على اصعدْ [5].
سرمد: بخفةِ طرزان! (ينكسر الكرسي) ما هذا؟ ليلةٌ منحوسةٌ على ما يبدو!
(تعود الأم حاملة شمعدانا كبيـرا، تلمح الشباك والكرسي المكسور. تضع قطعة قماش على النافذة وتحاول إصلاح الكرسي)
الأم:  (بمزيج من الصبر النافد والأمل) أولادي.. بُنياتي.. قد لا تعرفانِ ما تعنيهِ هذهِ الّليلةُ لي ولأبيكُما.. 359 يوماً مُمّلاً من أجلِ يومٍ سعيدٍ واحدْ،  40 مليار مُنَغّص تُزيلُها ثانيةٌ واحدة، 3 ملايين مأساة تمحوها فرحةٌ واحدة.. قَدّروا هذهِ النعمةَ وصونوها في حياتِكُم.. والآن يا صغاري إلى الاستعداداتِ قبلَ قدومِ أبيكُما من السّوق.. هيا..
الجميع: هيا!
(يصطدم سرمد بلبنى ويقعان)
الأم: المجد للرب..لنبدأ بشجرةِ الميلاد..
سرمد: (متفاخراً) رتّبْتُ النشرةَ الكهربائيةَ الملونةَ بنفسي يا ماما.. لفَفْتُها بطريقةٍ مُتقنةٍ حولَ الشّجرة بنفسي.. أترين؟ ثُمّ استخدمتُ كلّ خبرتي لربطِها بالكهرباءِ، بنفسي.
الأم: أدامَ الربُّ نفسَكْ.
لبنى: بنفسي ساعدتُهُ إنني تناسىَ الكذّابُ! [6]
الأم: (بلغة آمرة) سرمد.. يدُكَ على زرّ الكهرباء.. مُستعِد.. قلبُكَ حديد؟! إذن شَغّلْ..
سرمد: (صائحا) شجرةُ عيدِ الميلاد.. جرّب!
(تفرقع النشرة الضوئية المعلقة على الشجرة.. يطلع منها دخان.. صوت بم! تخمد كليا)
الأم: الفردوسُ من نصيبي!
سرمد: لم يبقَ على الكرةِ الأرضيةِ إنسانٌ نبيل! النشرةُ مَغشوشة!
لبنى: معكَ اشتركْ لمْ إنني للرّب حمداً [7]. 
الأم: قضيتَ على شجرةِ عيدِ الميلاد يا سرمد!
سرمد: يمكن الاحتفال من دونِ شجرةٍ أو نشرةٍ ضوئيةٍ يا ماما.
الأم: (كاتمة غيظها) صدقتَ يا بؤبؤ عينِ ماما! لِنَتَفَحّصَ مصابيحَ الغرفة.. الأبيضُ الكبير؟
سرمد: (فرِحاً) مكسور..
الأم: الفلورسنت؟
سرمد: (مغتبطا) معطوب.
الأم: الأصفر؟
سرمد: (مبتهجا) خافت جدا..
لبنى: للخُفّاشِ الضوءِ ما فائدةُ ؟
الأم: نكتفي بما لدينا من ضوء ولِنُعَلّقِ الزّينةَ إذن..
سرمد: ابتعدوا فهذهِ مهمّاتُ الرّجال..
(يصعد على الطاولة، تنقلب به).
لبنى: ههههه!
سرمد: ( يعدلها ويصعد بحذر شديد) جا…..هِز!
الأم: سترى مِنْ هذا الكثيرَ يا قلبي!
سرمد: (ببطء شديد، يعلّق الزينةَ من طرفها) هنا ماما؟
الأم: أعلى قليلاً.. أدنى قليلاً.. أعلى.. أدنى.. أعلى.. أدنى..أُفْ.. يا رب!
سرمد: أوكيه، ماما؟!
الأم: (وهي تضع يديها على عينيها) ثبّتْ يا حبيبَ ماما.
سرمد: بسرعةِ الضّوءِ سأنتقلُ إلى الجهةِ الثانيةِ وأُعلّقُها.
(يصعد على الطاولة بحذر مبالغ فيه)
الأم: أَعلى أعلى..أسفل.. أسفل..
سرمد: مَضبوط.
(تقع من الجهة المقابلة)
الأم: علّقْها من جهةِ اليمين.
سرمد: (ينتقلُ إلى اليمين) مضبوط الآن؟
(تقعُ من الجهةِ المقابلة)
الأم: ثَبِتْها جيداً مِنَ اليسار.
سرمد: (ينتقلُ إلى اليسار) ثابِتْ.
(تقعُ من الجهةِ المقابلة)
الأم: ثَبِتْها من اليمين.
سرمد: (ينتقلُ إلى اليمين) سأَشدُّها بقوةٍ هذهِ المرّة.
(تقعُ من الجهةِ المقابلة)
الأم: (مُنهكةً) ستأتي السّنةُ القادمةُ ونحنُ مرّةً يمين ومرّةً يسار! دعْها هكذا..
سرمد: (فَرِحٌ بما أَنجزَ) نوعٌ من التجديد..  الزّينةُ تمتدُّ من الأعلى إلى الأسفل..
الأم: طَلّتُكَ تُحيي الموتى في قبورِهِمْ!
لبنى: الآنَ الشّموعُ نوقِدُ [8].
الأم: أَسرعوا سيحضرُ أبوكُم حالاً.
سرمد: أتوقعُ أنّهُ سيتأخرْ.. لكنّهُ سيجلبُ كيكةً كبيرةً كبيرة.
(حركةُ مفاتيحٍ في الباب. تسقطُ الزينةُ إلى الأرض.. يدخلُ الأبُ وهو يُخفي شيئاً ما خلفَ ظهرِهِ)
الأب: (مُتأمّلاً في المكانِ بفرحٍ طفولي) هاه! هلْ انتمْ في عيد! الزّينةُ مُعلّقةٌ.. على.. (يلمَحُها على الأرضِ فيُعَدّلُ عبارتَهُ ورقبتَهُ) على الأرض. شَجرةُ عيدِ الميلاد .. آآ.. تُدّخِن. المصابيح.. مم.. مُطفأةٌ ما عدا الأصفر الخافت جدّاً. على أَسوءِ الفروضِ جوٌّ رومانسيّ و مُبهِجٌ … تقريباً.
سرمد: مُعظَمُ الأشياءِ من صُنعي.
الأم: لديك مفاجأة، هه؟
الأب: قبلَ خروجي أردتُ، قرّرتُ، وصمّمتُ أن أَجلِبَ كيكةً كبيـرةً، أضخمَ كيكة في العالم، أكبرَ كيكة عيدِ ميلادٍ في البلادِ من عشرةِ طوابق….
سرمد: ألَمْ أقُلْ لكُم؟
الأب:  بحثتُ وبحثتُ. وجدتُ كلَّ المَحالِ مُغلقة. حَضْرُ التجوالِ مُطبِقٌ على الأنفاسِ كما تعلمون.. لكنّني لم أيأسْ.. من دربونةٍ إلى أُخرى ومن شَارعٍ فَرعي إلى آخرِ وأنا أتنقلُ كلّص.. إلى أنْ وجدتُ دكاناً صغيراً مُنزوياً يَبيعُ بالسّرّ في نَفَقٍ مُظلِم.. لكنّني لم أَجِدِ المطلوبَ عندَهُ.. فتنازلتُ من كيكةٍ بعشرةِ طوابِق إلى تسعة.
الأم: تسعة! تفي بالغرض.
سرمد ولبنى: هييييه!
الأب: لم أَجِدْ. تنازلتُ من تسعةٍ إلى ثمانية.
الأم: ثمانية! مقبولة.
سرمد ولبنى: هييه!
الأب:  لم أَجِدْ. فتنازلتُ من ثمانيةٍ إلى سبعة..
سرمد ولبنى: هيه!
الأم: ما هوَ آخرُ رقمٍ تنازلتَ إليهِ يا زوجي الحبيب؟
الأب:  ما عادوا يصنعونَ إلا كيكةً من طابقٍ أو نصفِ طابق..
(يمد يده خلفه رافعاً كيكة متوسطة الحجم، واضعاً إياها على الطاولة)
سرمد ولبنى: (بخيبة أمل) هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه!
الأم: بِغَضّ النّظرِ عن الزينةِ وشجرةِ الميلادِ والمصابيح، على الأقلّ حَصَلْنا على (تمسك الكيكة وتقلبها باستغراب) الكيـ…. نصف.. ربع.. كيـ….كيكة!
الأب: لا تعلمونَ مُعاناتي قبلَ حصولي عليها.
لبنى: عليها الحصولِ في وليسَ السعادةِ نحوَ سعينِا في السعادةُ [9].
الأم: (وهي تتجه الى الكيكة) صدقتِ يا بنيتي.. السعادةُ في سعينا نحو السعادةِ وليسَ في الحصول عليها.
الأب: (للأم) انتبهي هيَ من النّوعِ الذي ينكسِرُ ولا يَتَثلّم.
الأم: مثلُ حالتِنا بالضبط!
سرمد: عندما تدقّ السّاعةُ الثانيةَ عشرةَ وثانية ستنطلِقُ الألعابُ النارية..
الأم: من أينَ تنطلِقُ يا حبيبَ أُمّك؟
سرمد: من فوقِ سطحِ بيتِنا..
لبنى: (تصفق) لحو [10]!
الأب: ماذا؟
الأم: ألعابٌ ناريّة! من فوقِ سطحِنا!
الأب: هل جُننت؟
الأم: اذهبْ.
الأب: هاتِـــها..
الأم: إجلبْها..
الأب: أحضِرْها..
الأم: آتِ بها..
سرمد: (وقد احضرها وأعطاها إلى أبيه) وما الضيرُ في ذلك.. من حقّنا أن نفرح.
الأب: (يدوس على المفرقعات برجله) تفرح .. وهل هذهِ الكلمةُ مُفرحةٌ برأيك؟
لبنى: ذلكَ في الضيرُ ما و [11]؟
سرمد: والألعابُ الناريّة، والموسيقى الصاخبة، والــ…
الأم: الألعابُ الناريّة: انسوها. الموسيقى الصاخبة: أطفئوها. العائلةُ المجتمعة: تجاوزوها. الأصحابُ المحتفلون: بخرّوهم من عقلِكُم.
الأب: انتمْ لا تعلمونَ ما يفعلون.
سرمد: ما رأيكِ إذنْ أن ننتحبَ يا لبنى؟
لبنى: (بحزن حقيقي) سحناً [12]!
سرمد ولبنى: (ينتحبان)  مممممم!
سرمد: واء..
لبنى: ويء.
الأم: في هذه البلاد الفرحُ إما جريمةٌ أو قلّةُ ذوق..
سرمد: واءءءءء!
لبنى: وييييييء!
سرمد ولبنى: واء، ويء، وااااااااء، وييييييييييييء!
الأب: صمتاً.. السّاعة الثانية عشرة إلا دقيقة..
الأم: الرّبُّ يحفظُنا..
الأب: حينما أُصَفّقْ نبدأ العدّ..
(يصفق. تنطفئ الكهرباء. يلتفت بشيء من الإحراج)
الأب: لا بأسَ لدينا الشّموع..
(تنطفئ الشموع جميعا، يعاود الالتفات بشيء من الإحراج)
الأب: لا تهتموا. الظلامُ أَسْتَرُ لنا..
سرمد: .. و أجمل.
الأم: (وهي تشعل الشمعة الكبيرة) شمعةٌ واحدةٌ تكفي..
الأب: (يصفق) عدوا.. (هامساً) عدوا.. هيا.
الجميع: عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة، ستة، خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان..
سرمد: (وحده) وااااحد..
(صرخةٌ مدويةٌ قادمةٌ من بيتِ الجيران)
صوت: (من الخارج) يبوووي! يبووي! ماتَ أبو حسين! ماتَ أبو الغيرة! يبووووووووي!
الأم: (تصفقُ يداً بيد) بشّرَكِ الرب بالخير يا أُمّ حسين!
الأب: أبنائي بُنياتي. جيـرانُكُم حَزانى اللّيلةَ. سيبكونَ يلطمونَ ينتحبونَ إلى الفجر. من حقّهِم، لقد فقدوا عزيزا.. ومن بابِ الشّعورِ بالتضامن..
الأم: حقُّ الجارِ على الجار!
الأب: أُعلِنُ تأجيلَ الاحتفالِ إلى السّنةِ القادمة.. موافقون؟
صوت: (من الخارج) يبوووي! يبووي! أبو حسين! أبو الغيرة! يبووووي!
الأب: إذنْ وبالإجماعِ يُؤَجّلُ الاحتفالُ إلى السّنةِ القادمةْ.
الجميع: وهوَ كذلِكْ!
(ينسحب الجميع عن الطاولة لتبقى الشمعة وحيدة بالقرب من الكيكة. تأتي قطة سوداء تلتقط الكيكة وتغيب في الظلام، فتنطفئ الشمعة)

الليلة الثانية
(السنةُ التي تليها)
الأب: (بحركة لص) سنحتفلُ هنا وحدَنا دونَ مُنَغّصات بإذنِ الرّب..
الأم : (بهمس) بِشكلٍ سرّي.
الأب: (بهمس اشد) سِريٌّ للغايّة.
الأب: (بهمس اكبر) لا عَينٌ ترى.
الأم: (بهمس أعظم) ولا أُذنٌ تَسمَعْ!
لبنى: وَصَلْنا الحدِّ هذا إلى [13]! 
الأب: أَغلَقْتُمْ البابَ جَيّداً؟
سرمد: بنفسي أَوصدتُهُ بالقفلِ والمفتاح..
(ريحٌ تفتحُ الباب)
الأم: بوركتَ يا أَعزَّ ما أَمْلِكْ..
الأب: (يَغلِقُ الباب) سأُوصِدُهُ أَنا..
الأم: الشّبّاكُ مُغْلَق؟
سرمد: لَمْ يَعُدْ لدينا شُبّاك.
لبنى: الرّعبْ بأفلامِ يذّكِرُني الجوُّ [14] .
سرمد: لا تخافوا.. لن يَسْمَعَ الجيرانُ شيئاً.
الأم: إنني أتفاءلُ بكَ يا ولدي العزيز.
لبنى: أَنفُسِنا جيرانُ نحنُ [15].
الأم: (بغضب) نحنُ جِيرانُ أَنفُسِنا!
الأب: عندما تحينُ اللحظةُ ارفعوا أنخابَكُمْ. ودونَ صوتٍ هَمهموا بالصّلوات..
الأم: إذا غنيّتُمْ أُغنيّةَ الميلادِ فلتكُنْ دونَ كلمات..
لبنى: كلماتِها في الأغنيةِ بؤسُ [16].
سرمد: أنا المايسترو.. إذا رفعتُ يدي يَعْنّي سكوت..
لبنى: سرِّهِ في كلٌّ [17].
سرمد: إذا أخفضتُها يَعْني موسيقى ..
الأم: آهٍ لو تسكتُ يا ولدي العزيز!
سرمد: تابعوا شَفَتيّ..
(صوتُ لغطٍ من بيتِ الجار)
الأب: ما الذي يحدُثْ؟
الأم: أناسٌ كثيرونَ يدخلونَ بيتَ أبي فلاح.
سرمد: أَلمْ أُخبِرْكُم بالأمر؟!
الأم: خيرٌ يا قرة عيني؟
سرمد: جارُنا أبو فلاح..
الأم: ما بهِ؟
سرمد: مَريضٌ جدّاً..
الأم: أَخبارُكَ مُفرِحةٌ دائماً يا مُهْجَةَ فؤادي..
لبنى: يا ربُّ الأَمراضَ خَلَقْتَ لِمَ [18]!
الأب: بَشّرْنّي، أهوَ بخير؟
سرمد:  يَرقِدُ في الإنعاش .. يَقولونَ قَلبُهُ مُتوَقِفٌ منذ شهر.. لا يَنبِضٌ وقدْ يَموتُ في أيّ لحظة.. لكنّهُ يُقاوِمُ.. يا لَ قوتِهِ!
الأم: عينُكَ تفلُّ الحديدَ يا حبيبي.
سرمد: (فرحا) اعرفُ ذلك!
الأم: كانَ مِنَ المفترضِ أنْ تكونَ أُختُكُمْ تارة وزوجُها وأطفالُها هنا من ساعتينِ وأكثر..
سرمد: لا تقلقوا.. ستدقُّ البابَ بعدَ هُنيهة.
الأم: (تلتفتُ إليهِ وتهزُّ رأسَها) آهٍ لو يقفلُ فمَهْ! 
(يرن الهاتف)
الأب: ألو.. نعم! ماذا؟ هل أنتَ جاد؟ اقصد أليستْ هذهِ مزحةُ رأسِ السنة؟ ماذا؟ كم؟ (للجميع) اصمتوا! كم؟! حِصّة! من أنتَ؟.. لا..لآ.. حالاً! بالطبع.. فوراً!
الأم: غازلْ أُذنيّ يا زوجي بإخبارِكَ السّارة.
الأب: رجلٌ يقولُ إنّهُمْ …
سرمد: أعلنوا الليلةَ دواما إجباريا؟
الأب: أسوأ..
سرمد: ألغوا أعياد الميلاد؟
الأب: بل أسوأ..
الأم: (واضعة يدها على فم سرمد) إذا خرسَ لسانُكَ تكلّمَ لسانُ أبيك بالدرر..
الأب: اختطفوا تارة..
الأم: رباه!
الأب: وزوجَها..
الأم: ابنتي..
الأب: وأطفالَها..
الأم: رنا.. داليا.. دانيال..
سرمد: بطليموس! صغيري!
الأب: يُريدونَ فِديةً مئةَ مليار..
سرمد: أيّ بومٍ يُنحِسُ علينا حياتَنا؟
الأم:  ابنتي ابنتي أُريدُ ابنتي..
الأب: وإلاّ ..
سرمد:  يقتلونَهُم..
الأب: أجل..
لبنى: هلْ عندَهُ قلب.. مَنْ يفعلُ ذلك!
الأب: سنبيعُ مُمتلكاتِنا كلِّها..
الأم:  ( يكادُ يُغمى عليها) آه!
سرمد: لا تخافوا..ما زلتُ مُتفائلاً..
الأم: وددتُ لو سميتُكَ بوماً يا سرمد.
(ينحبُ الجميعُ بصوتٍ واحد)
الأب: أولادي.. بنياتي: بسببِ الأوضاعِ الراهنة.. ولأنّ المصيبةَ ليسَ لها شريكٌ سوى الحزنِ والألم.. قررتُ تركَ مراسيمَ الاحتفال.. علينا تجهيـزُ المبلغِ غداً مساء. أطفئـي الشموع.. ارمي بالكيكة.. اسكبي العصير.. أتعتقدونَ أننا قادرونَ على تهيئةِ المبلغ؟
لبنى: البيتَ نبيعُ [19]!
سرمد: والمحلّ!
الأم: وكلّ ما ادخرناهُ في حياتِنا.
(الساعة تدق الثانية عشرة وثانية من دون أن يعيرها احد انتباها)
سرمد: ستعودُ اختُنا وأبناؤها.. أنا على ثقة.. وسنحتفلُ معاً السنةَ القادمة.. أليسَ كذلكَ ماما؟!
الأم: لو أنّ الانتحارَ مسموحٌ بهِ لقتلتُ سرمدَ وتخلّصت..

الليلة الثالثة
(السنة التي بعدها)
(في هذه الليلة ستحل النهاية السعيدة وستحتفل العائلة بلا منغصات..  لقد تغير البيت قليلا..العائلة في حالة فقر.. الغرفة صغيرة.. الطاولة اصغر.. الزينة كالح لونها..)
الأب: (هامسا) الأوضاعُ مستقرة.. رغم بعضِ المنغصاتِ هنا وهناك.. وسنعوّض هذا العام ما حصلَ في العامِ السابق.
الأم: يسمعُ منكَ الرّب!
سرمد: اطمئنوا فقد عمَّ السلامُ العالمَ بأسرِه. 
(صوت انفجار ضخم يختبئ من جرائه الجميع في أماكن متفرقة)
الأم: توقعاتُكَ تُذّكرُني بوكالةِ ناسا يا تاج راسي!
الأب: المجد للرب..
(صوت انفجار آخر يجبرهم على الانبطاح)
الجميع: المجد للرب!
الأب: المجد للرب..الذي أنقذ تارة من القتلة.. ورنا..و داليا.. ودانيال..وبطليموس.
(صوت إطلاق نار متبادل)
الجميع: المجد له!
الأب: وما فقدناه من مالٍ سيعودُ إلينا مِنَ الشباك..
(صوت قناصة وتهشم زجاج)
الجميع: أحفظنا يا رب!
الأب: المجد للرب الذي اوجدَ لنا هذه الغرفة..
سرمد: تقصد الحفرة!
الأب: المجد لهُ فنحنُ سالمون..
(تصمت الانفجارات والاطلاقات.. بعد برهة يقف الجميع بحذر)
الجميع: المجدُ للرب!
سرمد: لكي لا أنسى.. لدي خبرٌ قد لا يكونُ مفرحا..
الأم: مهجة فؤادي، قرّة عينـي، حينما ولدتك حدث الفيضان، أول كلمة قلتَها حدثَ الانقلاب المشئوم ، أول ما مشيتَ وقعتْ الحرب ، دخلتَ المدرسةَ فجاءتْ الحربُ الثانية.. صرتَ على أعتابِ الجامعةِ فانهار برجُ التجارة.. وبدأ الموت. 
سرمد: تصدقينَ إنني لا افهمُ هذا التزامن؟
الأم: ما هو خبرُك؟ غرّدْ يا بؤبؤ عيني.
سرمد: أبو فلاح..
الأب: مات؟
سرمد: لا.
لبنى: إذنْ لدعائنِـا الربُّ استجابَ [20].
سرمد: انتقل قبلَ يومين وأصبح جارنا..
الأم: الرجل الذي ماتَ سريريا منذ ثلاث سنوات.. الرجل الذي كانَ يسكنُ في الجانبِ الآخر من النهر باعَ بيتَهُ الفخم وبحثَ في بقاعِ المدينةِ وحواريها ولم يجدْ مكاناً إلا لصقَ بيتنا.. وقبلَ عيدِ الميلاد بليلتين ؟ يال سعادتي!
الأب: وهذهِ الضجة في بيتهِ، ما سببُها؟
سرمد: تزوره الناسُ للاطمئنانِ عليهِ فهوَ رجلٌ معروف..
الأم: الرجلُ الذي يُقالُ انهُ لا صلةَ لهُ بأحد، لا يكلّمُ أحداً ولا يزورُ أحداً؛ أصبحَ معروفاً الآنَ وتزورُهُ آلافُ الناس؟ طمأنتني يا ولدي الحبيب.
سرمد: يقولُ الشرطي إنّ الجريمةَ تراجعتْ إلى أدنى مستوياتِها حينَ مرض، وأتوقعُ أنّ هؤلاء الذين يزورونُهُ هم رجالُ الليل.
لبنى: الليل.. شاعر.. للص!
الأب: أولادي، بنياتي: لكي نجتازَ هذهِ المحنة، وتلك المصائبَ التـي استغربُ هطولَها على رؤؤسنا كالمطرِ هيا نبتهلُ جميعا..
الجميع: نبتهل.
الأب: بقلوبٍ خاشعة.
الجميع: خاشعةٍ جدا.
الأب: وعيونٍ راجية..
الجميع: راجيةٍ جدا.
الأب: أيديكمْ إلى السماء ادعوا لأبي فلاح بالصحةِ الدائمة..
الجميع: يا رب! ادمْ عليهِ الصحةَ الدائمة.
الأب: أو على الأقل بالصحة التي تدومُ لليلةٍ واحدة..
الجميع: يا رب! اطلْ في عمرهِ ليلةً أخرى.
الأب: أو حتى عشر دقائق بعد الثانيةَ عشرة ليلا..
الجميع: يا رب! ادم عليه العافية بعد الثانية عشرة بعشر دقائق.
الأب: آآآآمين.
الجميع: آآآآمين.
لبنى: الّليلةْ هذهِ تمُتْ لا أَرجوكَ أبو فلاح [21]!
الأب: ها هيَ الثواني تجري نحوَ العامِ الجديد.
سرمد: قضيةُ أبي فلاح محسومة، لا تحتاجُ إلى دعاء.. لنْ يموتَ.. لنْ يموتَ صدّقوني. إرادةُ الربّ ستطيلُ بعمرِهِ حتّى الغدْ.
(يضعونَ أيديهم على الطاولةِ للصّلاة)
صوت : (قادم من جامع قريب) انتقل إلى رحمة الله الحاج أبو فلاح.. وسيتم تشييعُ جثمانِهِ الساعة السابعة صباحا.. فمن أرادَ الأجرَ والثواب..
الأم: بعد ثلاثِ سنين في الإنعاش لا تفعلُها إلا الآن، يا أبا فلاح؟
الأب: أبنائي بنياتي.. للمرّةِ الثانية تأتيكم الفرصةُ الذهبية لمشاركةِ جيـرانِكُم أحزانَهم.. وبكلّ سرورٍ وغبطةٍ أعلنُ إيقافَ أيّ احتفال والتوجهَ حالاً لمواساةِ عائلة أبي فلاح الذي- بالنسبة لي- لم أرهُ يوماً ولم يُسلّمْ عليّ قط ولمْ يدعُني على عشاء أو غداء أو إفطار.. وغالباً ما ينعتُني بالكلبِ النجس! مع ذلك، الجارُ للجارِ ولو جار.. هيا يا سرمد..نواسي أهلَهُ وفي الصباح سنطلبُ الأجرَ والثواب..
سرمد: (مغادرا) اتركوا لنا القليل من الكعكِ والعصير.. لن نتأخرَ سوى ثلاث ساعات ونصف.. أو تسع ساعات وتسع ثوان لا غير.
لبنى: راحض [22]!
الأم: (وهي تشيعهم إلى الباب) حاضر ! حاضر يا ولدي الحبيب!
(تحمل الأواني وتذهب إلى المطبخ بمنتهى الحزن).
لبنى: (وحدها، تفكر، والصوت يخرج من روحها المعذبة لا من لسانها) الذي في السويد يحبّني. يحتفلُ بكلِّ سعادةٍ الآنْ. كل الناس تحتفل بسعادة الآن، إلا أنا المسكينة لبنى يوسف. هي ليلةٌ من العُمُر. و أنا هنا وحدي دونَ صديقاتْ. زواجي من بطرسَ سينقذُنّي حتماً. حتى لو كانَ أفعى ممسوخة؛ سأرضى بهِ كي اهربَ مِنَ الجحيمْ! يكفي امشي أتخفى في الشارعْ.. تُطاردني عيونُ الناسِ الكارهةْ.. التي.. التي تراني شيطاناً أو بقرةً تمشي على اثنين. ولا جريرةَ لي أو ذنبْ. القدرُ يُحاصِرُكَ يا لبنى.. لَبـّي نداءَ المجهولِ وتزوجي الأحمقَ الذي في الألاسكا.. بلا تفكيرٍ سأَقدِمُ على هذا الانتحار. أَيةُ مُفارقةٍ أن يوجدَ مثلي في مكانٍ كهذا! أيةُ مهزلةٍ أنْ يولَدَ الطفلُ المقدّسُ أو تُوجَدَ البنتُ الجميلة في زريبةْ!  اوووف يا قلبي !
(تطفئ المصباح، تغادر.. بينما تعلن الساعة الثانية عشرة ليلا)

الليلة قبل الأخيرة
(بعد سنين)
(سرمد وقد شاب شعر رأسه يجلس في غرفة صغيرة جدا جدا، أمامه طاولة صغيرة جدا عليها أربع قناني خمر فارغة، وكأس مليء بالويسكي، وقطعة بسكويت. خلفه صور الأب والأم وسوزان وتارة والأزواج والأطفال موشحة بشريط اسود)
 
سرمد: كما وعدتُكِ يا أُمي لنْ أُغادِرَ الحياةَ حتى احتفلَ برأسِ السنة.. لم انجحْ في الأعوامِ العشرينَ الأخيـرة.. لا بأس.. الوضعُ كانَ خطِراً جدّاً.. لم يكُنْ سهلاً أن يمشي الرّجلَ في الشارعِ من دون أن تُفجّرَ رصاصةٌ جمجمتَه.. سافرتْ تارة مع زوجِها والأطفالِ إلى القطبِ الشّمالي حيثُ قيلَ إنهم تاهوا هناك.. و لبنى جمّدَتْها موجةُ الصقيعِ هي وزوجَها وأطفالَها في الالاسكا. لكنّني سأُحقِقُ حُلُمَ العائلةِ الآن.. إذا ماتَ أبو علي أو أبو حسين أو أي (أبو) في الدّنيا فلنْ اسمعَ شيئاً.. ملأتُ أُذنيّ بالقُطن.. بالإضافةِ إلى ذلكَ سأضعُ قُطناً إضافياً.. لنْ أُشيّعَ أحداً.. ها هيَ السلسلةُ تربِطُ رجلي اليسرى باليمنى بالسريرِ بالباب.. لن أتحرّكَ من المكان… لدي إحساسٌ غريبٌ و هاجِسٌ عميقٌ يهمسُ بي أنّ الليلةَ هي الليلة.. كثيـرٌ من الكراسي طارتْ وحطّتْ، كثيـرةٌ هي الدولُ التـي زالتْ أو تكوّنتْ، طارَ الناسُ إلى الشمسِ وسكنوا فيها، غاصوا في البحارِ كالأسماك، ولم أتزحزحْ عن فكرتي: سأحتفلُ، يعني احتفل.  ما هوَ عيدُ الميلاد؟ نورٌ خافتٌ، جوٌّ رومانسيّ تقريباً، زينةٌ معلّقةٌ بطريقةٍ جديدة، شمعةٌ أو نصفُ شمعةٍ تُضيءُ المكان.. وكيكة.. الكيكة التي حلمتَ بها يا بابا تحوّلتْ إلى … لم احصلْ على القطعةِ ذاتِ العشرِ طوابقٍ ولا تسعةٍ ولا ثمانية.. بل (يحمل قطعة البسكويت بيده).. الكيكةُ صارتْ قطعةَ بسكويت! تفي بالغرض. الويسكي عجّلَ بالاحتفالِ في رأسي! هيئ! هيئ! ستَدقُّ السّاعةُ أضخمَ صوتْ: تن! لِتُعلِنَ انتصاري على الزّمنِ والظروفِ والمعوّقات. لن يهزِمَنـّي أحد! سرمد لا يُهزم! خدّي الأيمنُ نالَ ما يكفي مِنَ الصفعات، ولن أُعطي الأيسرَ لأحد..لم يولدْ من يوقفُني عن هدفي.. حينها لنْ تَنعتيني يا ماما بالفاشلِ الضعيف..
(دقات الساعة تقترب من الثانية عشرة ليلا)
سرمد: إنني ارتعش. أُحسُّ بحرارةٍ في مثانتي. تكادُ الثانيةُ تدومُ ساعةً والسّاعةُ سنة. أَيّها الزّمنُ الذي سارَ بطيئاً أسرعْ قليلاً ثُمّ أَبطئْ.. حقّقْ حُلُمَ رجلٍ في الستين لم يحلُمْ بشيءٍ آخر.. لا بزوجةٍ تملأُ سريرَهُ باللحمِ الأبيض، ولا بمنصبٍ يدرُّ عليهِ الذهب، ولا بلّذة.. أَيّها الزّمنُ إنّكَ صديقي وستفتحُ أمامي أبوابَ السّعادة.. أَحتفلُ وأُسافِر.. هذهِ الأرضُ غريبةٌ عنّي وهذا الهواءُ لا يدخلُ رئتي.. لا اصدّقُ إنني اقتـربُ من العامِ الجديد. أفرغتُ ثلاثَ قنانٍ حتـّى الآن وها هوَ القدحُ الأخيـرُ في انتظارِ تكّةِ الثانيةِ الأخيـرة..لنْ أشربَهُ حتّى تدّق السّاعة! ممنوعٌ عليّ! هوَ الممثلُ الرسميّ لانتصاري على الزّمن! أيها القدحُ الممتلئ سأَترِكُكَ لّلحظةِ الموعودة. أنتَ كأسٌ مقدّسٌ فيكَ اختصارٌ لمسعى حياتي.. وهدفُ وجودي كلّه.. بكَ استعينُ وعلى لونِكَ يكبـرُ احتجاجي.. أتوقُ لتلكَ اللحظةِ التـي أضعُ فيها شفتي على حافتِكَ بالتزامنِ مع دقةِ الساعة.. هيئ! هييئ! أُماهُ حينما نلتقي في الأبدية سأُخبركِ عن هذهِ الليلةِ وستفرحين.. كما أفعلُ الآن. 
(أصوات تهدر داخل رأس سرمد)
صوت الأم: يبدو إنّكَ لم تكُنْ الشؤمَ يا ولدي بلْ أبوك. تمتعْ بالّلحظةِ الخالدةِ وتيّقنْ إننّي إلى جوارِكَ يا كبدي.
صوت ليلى: كبيرٍ محظوظٍ من لكَ يا!
صوت الأب: لا تتـركْ ثانيةً بعدَ منتصفِ الليل..استعجلْ، استعجلْ!  إذا دعتْ الضرورةُ أبدأ الاحتفالَ قبلَ ليلةٍ آو ليلتين فلا تضمنَ أن يدخلَ عليكَ لصٌّ أو اثنانِ الآن..
سرمد: لم أُنّفِذَ وصيتَكَ يا أبي، اعذرني. عندي مبدأ.. ولا استطيعُ أنْ احتفلَ بلحظةِ دخولِ السنةِ الجديدةِ قبلَ يومينِ أو ثلاثة كما أوصيتني. هي لحظةٌ، ثانيةٌ، تكةٌ ونُصبِحُ في العامِ الجديد.
(بخفة وحذر يتسلل رجلان ملثمان مسلحان)
رجل1: قف. لا تتحرك. أينَ نحن؟
سرمد: في حفل.
رجل2: سكران!
رجل1: (يصفع سرمد) عليك اللعنة!
رجل2: ما هذا؟ خمر؟ قبحك الله.
(عينا سرمد تكادان تخرجان من محجريهما وهو يرى إلى رجل2 وهو يمسك بالقدح وينقله ببطء إلى شفتيه ويشربه ثم يرميه إلى الأرض متهشما إلى قطع صغيرة)
سرمد: لا.
رجل1: اخرس يا كافر!
سرمد: أنا مجرد..
رجل1: طبعا أنتَ مجرد.. لا بدَّ أن تكونَ مجرد.. مجردُ حيوانٍ يحتفلُ ويسكرُ والناسُ في حزنٍ وبكاء.. الناس تلطمُ في الشوارع، وتُهيلُ على رؤوسِها الترابَ طوالَ العام وأنتَ تتوجُ رأسَ السنةِ بالخمرِ والفجور؟! (لرجل 2) اربطْهُ بالحبل. كتفْهُ جيدا. الصقْ هذه على فمهِ حتـى لا يصرخ.
سرمد: مممم. ممم مم م م ممممم م؟
رجل2: (يتفحص المكان) هذا مجرد قبو!
رجل1: لا ترفس النعمة برجلك.. جاءك رزق؟ قبّلْ يدكَ وضعْها على جبهتِكْ. احمدْ ربَّك. سرقتانِ في ليلة واحدة! نعمةٌ ما بعدها نعمة.
رجل2: انظر حقيبة كبيرة.
رجل1: حقيبة سفر.. نعمة أخرى.
رجل2: سنسافرُ بالنيابةِ عنكَ أيها الأخ..
رجل1: (يبحث في القناني) ألا يوجدُ قدحٌ آخر؟
(يجد القنينة ويفرغها في جوفه)
رجل1: (يصفعه) تحاولُ إخفاءَها.. خسئت!
رجل2: شكلُك لا يعجبني.
(يصفعه ويخرج)
رجل1: ( يأخذ قطعة البسكويت، يلتهمها، ينحنـي على الشمعة، يطفئها) ليلة سعيدة!
( بعد مغادرة الرجلين، لحظة صمت، تدور عينا سرمد بين شظايا القدح المنتشرة على الأرضية والساعة والشمعة المطفأة والشباك الذي خرج منه اللصان. يحاول فك الحبل. لا يستطيع. يحاول ثانية. لا يستطيع. تكات الساعة تعلن الثانية عشرة:  تك تك!  تك تك!.. تمر صورة أمه وأبيه وأخته لبنى أمام عينيه، يترنم بكل عنفوانه )
سرمد:
ممميه ممميه ممممميه ، ممميه ممميه ممممميه
ممميه ممميه ممممميه  ، ممميه ممميه ممممميه

 (رغم محاولته المتزايدة لرفع صوته بالغناء؛ تقطع ترنيمته ضوضاء شديدة في الخارج: طبول وناس تصرخ.. يبدو أن سرمد أراد أن يترنم بأغنية العيد التي تقول):

ليلة عيد ليلة عيد الليلة ليلة عيد
زينة وناس صوت أجراس عم ترن بعيد
ليلة عيد ليلة عيد الليلة ليلة عيد
صوت أولاد ثياب جداد وبكرة الحب جديد [23]…
(لكن اللحن النشاز الذي يطلع منه يغيب في الضجيج الذي يأتي من الخارج)
(والبقية في الليلة القادمة)
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب