للكتابة الصحفية أشتراطاتها على الاديب وعليه مساومتها ،حتى يكون أسلوبه منزلة بين منزلتين ..اعني عليه، ان لايترك الصحافة تستولي على طاقته الابداعية ..فالصحفي ينقل الحوادث فور وقوعها كأنه يلتقطها عبر كاميرا الموبايل و يسلمها للفيسبوك وهكذا تنتهي مهمته، لكن الاديب يلتقط الحوادث بعينيه، ثم يختزنها في ذاكرته ويجري عليها تمثيلا غذائيا ويكرر الكتابة والشطب والحذف وترشيق السرد حتى في مقالته الصحفية..وقد لمستُ ذلك في مقالات المثقف الراحل قاسم علوان المنشورة في جريدة المدى وجريدة الاخبار البصرية، وكذلك في مقالات الروائي عبد الكريم العبيدي وكان آخرها مقالته عن النازحين من الاماكن العراقية المغتصبة .ولمستُ ان الاديب ،لم يتجرد عن اسلوبيته الأبداعية بل وظفها بما يناسب العمل الصحفي..فكل اديب يتكيف صحفيا، لكن الصحفي ليس له صبر الاديب مع الكلمات من هنا تكون كتابة الاديب الصحفية مقروءة أكثر من مرة ، لكن كتابة الصحفي تقرأ مرة واحدة وطبعا ثمة استثناءات في هذا الكلام…مثلاعمود الصحفي عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) في اتحاد الشعب، وأنا أقرأه الآن تنفتح امامي مرآة فأرى فيها تلك اللحظة الساخنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في ستينيات القرن الماضي، وسألتقط سلبيات منتصف السبعينات من خلال الروائي والصحفي شمران الياسري في (بصراحة ابو كاطع)..من جانب آخر الصحيفة تتيح للأديب لقاءً في الهواء الطلق مع أوسع مساحة من القراء..وسيكون للأديب قراءه ..وكتابة الاديب الصحفية عليها ان تتزامن مع الحراك الثقافي، لتتحاور معه ..رغم التقاطع الايدلوجي لكنني مشدود لمقالة الصحفي والكاتب الكبير انيس منصور ،اعني تلك النافذة الصغيرة التي كان يطل منها في صحيفة الشرق الاوسط وكنت اشتري الصحيفة في سنوات الحصار وحتى وفاة انيس منصور قبل سنوات ،لأتعلم منه فن الكتابة الوجيزة، لكن هذا الحجم، لايرضي صديقي المبدع الجميل،المشرف على الصفحة الثقافية في (طريق الشعب)..كما صارحني ونحن في المهرجان الثالث لطريق الشعب ..وبدوري احترم رأي المشرف الثقافي وارى له مبررات صحيفة في جريدة مرموقة وناصعة مثل(طريق الشعب) التي عملت فيها منذ أوئل سبعينيات القرن الماضي، ضمن المكتب الصحفي في البصرة..وهنا أقترض اسئلة من فقيد الثقافة العراقية ابن البصرة البار(نجيب المانع/ 1991- 1926) في مقالته (سايكلوجية الكتابة لمطبوع يعيش ساعتين ) وهو يتحدث عن..( جدوى الكتابة في الجريدة وماهي نوعيتها وماهو وزنها وكيف ينبغي ان يكون طولها وعلى اي مستوى يجب ان تكون لغتها..) ان هذه التساؤلات ومحاولات الاجابة ضمن الكتابة الصحفية لاتخرج عن اطار العناية الفائقة بذلك القارىء المتشاغل بأنشطة التواصل الاجتماعي النتي ،القارىء الذي يتصفح الجريدة عبر زجاج اللابتوب بسرعة قصوى ، وهو يأكل أو يتحدث مع الآخرين..لكن هذا القارىء ليس له السيادة المطلقة بل هناك القارىء الفطن المتابع الذي يدفع بدل اشتراك شهري لأكثر من جريدة ومجلة وكتاب شهري ..هذا القارىء الذي علاقاته متوازنة بين التواصل الاجتماعي والمطبوع الورقي ..لهذا القارىء نكرس جهودنا في الصحافة الادبية وتنويعات الابداع ومع هذا القارىء نؤسس عقدا اجتماعيا ثقافيا حيويا…ولاندري كم سيطول عمر هذا القارىء ضمن التنويعات الاخطبوطية لعنكبوت النت؟ او تدوم علاقته مع الكتاب المطبوع ..!!