23 ديسمبر، 2024 8:07 ص

مستقبل سوق الطاقة في العالم

مستقبل سوق الطاقة في العالم

يدور الحديث بين الحين والآخر حول مستقبل سوق الطاقة في العالم ودور النفط في المستقبل في توفير حاجة العالم الى الطاقة.
ويتكرر التحذير، ايضا، من قرب استغناء العالم عن النفط مما يثير الذعر في نفوس الذين يعتمدون على ايرادات النفط كمصدر اساسي او وحيد تقريبا ، في تمويل ميزانياتهم وادامة عجلة الحياة في بلدانهم.
ومصدر القلق الاساسي ياتي من امكانية العثور على مصدر طاقة بديل عن النفط
يكون انظف من النفط واقل تلويثا للبيئة ، واحيانا يكون ارخص وله عرض غير محدود احيانا اخرى ، وأمداداته مضمونة اكثر من النفط.
كذلك تثار قضايا استبدال النفط بالكهرباء لاسيما في تشغيل السيارات التي يوجد منها الآن بحدود 600 مليون سيارة في ارجاء العالم. وهذا الرقم يستهلك الكثير من الوقود بطبيعة الحال.
وسوف نحاول في هذه الورقة تتبع مدى واقعية العوامل التي وردت اعلاه.
بالنسبة للنقطة المتعلقة بالتلوث وسعي العالم الى التخلص من النفط للحد من التلوث الذي يسببه نتيجة انبعاثات الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري :
عند مراجعة مساهمة مصادر الطاقة المختلفة في اجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة ، حصلنا على الارقام التالية:
الفحم 27%
الغاز الطبيعي 24%
الطاقة الكهرومائية 7%
الطاقة النووية 4%
النفط 34%
اخرى (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) 4%

(البيانات للعام 2018 ) .المصدر منظمة الطاقة العالمية 2019.

والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه : هل من المعقول ان يسارع العالم الى التخلي عن النفط ويبقي على الفحم وهو المسؤول الاول عن التلوث ؟
واذا تم التخلي عن الفحم ، وهو ماسوف يحصل حتماً، فأي مصدر سوف يكون مؤهلاً لكي يحل محله؟
لاحظنا من الارقام اعلاه تواضع مساهمات مصادر الطاقة الاخرى، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية . كما يبدو ان معدل نمو انتاجها لايمكن له ان يلبي الحاجة المتصاعدة للعالم للطاقة .
النفط وحده سيكون قادراً على التعويض لحين الوصول الى بدائل اخرى في المستقبل مثل الطاقة المستخرجة من الهايدروجين بعد تكسير جزيئات الماء.
بعض الكتاب مثل (جيرمي ريفكن) الذي اصدر كتابا عنوانه : اقتصاد الهيدروجين بعد نهاية النفط . الكاتب كان يتحدث عن نفاد الاحتياطيات النفطية وليس عن الاستغناء عنه. ويحذر من الذهاب الى البدائل الاكثر تلويثا للبيئة مثل الفحم.
اما بخصوص مساهمة مصادر الطاقة المختلفة في توليد الكهرباء في العالم للعام 2018 ، فانها كما يلي :
الفحم : 38%
الغاز : 23 %
الكهرومائية : 19%
النووية : 10%
الشمسية : 7%
النفط :3 %
المصدر منظمة الطاقة العالمية ، 2019
هيمنة الفحم واضحة ، وقد اصدر الرئيس الامريكي باراك اوباما قرارا بايقاف كافة محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري بحلول العام 2025. حيث ان الولايات المتحدة تعتمد بنسبة 34% على الفحم في توليد الكهرباء. وبسبب توقيع الولايات المتحدة على اتفاقية باريس بخصوص المناخ كان يجب على الولايات المتحدة الالتزام بتعهداتها.
ولكن مجيء الرئيس ترامب وقراره بالخروج من اتفاقية باريس جعله يلغي قرار الرئيس اوباما للحفاظ على صناعة الفحم وحماية وظائف العاملين في هذا القطاع.
وكان هذا القرار بمثابة انتكاسة للجهود الرامية للحد من التلوث في العالم.
كذلك فان الهند والصين (وبشكل خاص الهند) تزيدان من استهلاك الفحم بشكل كبير لاسيما في توليد الكهرباء حيث يساهم الفحم في توليد 80% من الكهرباء في البلد.
ولايزال 40% من توليد الكهرباء في العالم يتم باستخدام الفحم..حسب بيانات البنك الدولي حيث تبلغ تلك النسبة 70% في الصين 34% في الولايات المتحدة و33% في اليابان.
اما النقطة الثانية والمتعلقة بصدور قرارات بمنع استخدام السيارات التي تستخدم البنزين والديزل من العمل في عدد من المدن الاوربية بحلول العام 2040 ، والسماح فقط للسيارات الكهربائية بالعمل وما سببه من هلع لدى بعض الجهات ، فانه ببساطة يهدف الى نقل التلوث من داخل المدن الى خارجها .
ان تحويل مئات ملايين السيارات الى استخدام الطاقة الكهربائية (مع كل المشاكل والتحفظات المطروحة عليها) سوف يقود الى توليد مزيد من الكهرباء لان الطاقة لاتخلق من العدم. وهذا يعني استخدام المزيد من الفحم والغاز والبترول في محطات توليد جديدة ينبغي اقامتها لتلبية الزيادة في الطلب على الكهرباء.
ولا يعقل ان يتم تشغيل محطات الكهرباء الجديدة بالفحم للأسباب المذكورة اعلاه. وبالتالي فإننا قد نشهد بعض التحول في استخدام الوقود السائل من خلال ازدياد استهلاكه في توليد الكهرباء بدل استخدامه مباشرة في تشغيل السيارات.
اضافة الى ذلك يجري تداول معلومات عن الطاقة النووية كبديل محتمل نظرا لما تولده من طاقة هائلة . ولكن تكاليف المفاعلات العالية ومخاطرها كما حصل في مفاعل تشرنوبل في الثمانينيات ومفاعلات فوكوشيما اليابانية في عام 2011 والتوتر السياسي الذي يصاحب انشائها عادة ( لاسيما اعتراضات انصار البيئة ) وخطورة حفظ النفايات النووية، لقد ادى ذلك كله الى بطأ نموها واغلاق العديد من المفاعلات بعد حادثة اليابان خاصة.(الغيت مشاريع اقامة ثماني محطات نووية في المانيا بعد حادثة اليابان).
اما مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة الاخرى كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية فان مساهماتها محدودة كما لاحظنا من الارقام التي تقدمت ولايمكن لها ان تحل محل الحصص الكبيرة للفحم والنفط والغاز.
وهنالك اعتراضات على استخدام الرياح لتوليد الكهرباء عن طريق التوربينات الخاصة بذلك ، حيث ان انتشارها يشوه المناظر الطبيعية اضافة الى ارتفاع تكاليف صيانتها. كما ان التوليد عن طريق الاشعة الشمسية يواجه تحديات التخزين خلال الليل وخلال الايام الغائمة اضافة الى الحاجة الى التنظيف الدائم للألواح الشمسية من الغبار لان تراكمه يخفض من كفاءة التوليد.
هنالك ابحاث حثيثة تجري في محاولة لاستخراج الهيدروجين من الماء عن طريق تكسير جزيئات الماء. لكن هذه الطريقة لازالت تجريبية وذات كلفة باهظة جدا.
خلاصة القول : يبدو ان هنالك شكلا من اشكال الارهاب النفسي الذي يمارس على الدول المنتجة للنفط ودفعها للايمان بعدم اهمية ماتملكه من مورد شديد الاهمية لديمومة الحضارة الانسانية .
كذلك فان شعورا من هذا النوع قد يدفع الجهات المسؤولة عن ادارة هذه الثروة بقبول شروط غير منصفة في اتفاقيات تطوير حقولها باعتبار ان الشركات تستثمر اموالها في قطاع غير مضمون المستقبل وفيه مخاطر عالية ولابد من اغرائها للعمل والاستثمار بمنحها مزايا غير اعتيادية.