23 ديسمبر، 2024 8:09 ص

مستقبل العراق بين ترامب وبايدن

مستقبل العراق بين ترامب وبايدن

يدور في أروقة التحليلات السياسية الحديث عن مستقبل العراق في ظل التغيرات التي تشهدها الإدارة الأميركية، الإدارة فقط وليست السياسة، لأن السياسة الأميركية ثابتة مع تغيير الإدارات أو تعدد سادة البيت الأبيض، وهذه السياسة تقوم على عنصرين أساسيين هما تدفق النفط وأمن إسرائيل وما عدا ذلك هو تحركات على وفق المعطيات للمحافظة على ثبات هذين العنصرين.
لكن الآن نحن أمام الحالة العراقية الحالمة بالحصول على دور في خضم هذه السياسة، وبالتأكيد فإن التدخل الأميركي له القوة المؤثرة في ترسيم حدود السياسة العراقية كما أن له تأثيرا بالأمن والاقتصاد أيضا، إلا أنه بالتأكيد، هذا التدخل لن تتغير بوصلته بعد مجيء جو بايدن الى الرئاسة الأميركية، لأن جميع المعطيات التي قامت عليها العلاقة العراقية الأميركية ومنذ دخول الولايات المتحدة الى العراق العام 2003 تدل على ثبات السياسة الأميركية اتجاه الملف العراقي، لكن الذي اختلف آلية التعامل فقط، فترامب لم يستخدم الآلة العسكرية ولم يحرك بارجاته لتجوب المحيطات والبحار من أجل فرض الإرادة الأميركية بالقوة، لأن هذه الماكنة الحربية لم تطلق صاروخا واحدا، بل استخدم القوة الاقتصادية والمالية كونه رجل أعمال ناجح الى حد كبير وقادر على تحقيق الأرباح من دون حتى عقد صفقة وتعامله مع أي ملف خارجي يقوم على حسابات الربح والخسارة، لذلك لم يتعامل مع ملف العراق وفقا للحسابات العسكرية التي اعتدنا من الإدارات الأميركية السابقة التعامل بها، بل على العكس قرر سحب جزء من قوات بلاده وتقليل عددها الى حد كبير، واليوم الرئيس بايدن لا يتخلف كثيرا عن ترامب في ما يتعلق بالنجاح لكن ليس ماليا واقتصاديا إنما كرجل مسلكي في الدبلوماسية الأميركية سواء عندما كان سيناتورا أو حاكما لولاية أو نائبا للرئيس.
والعراق تأرجح بين رجل أعمال يعشق التجارة وتحقيق الأرباح وتخفيض النفقات وموظف حكومي يعرف جميع أدوات وآليات الدبلوماسية ومتمكن منها، لذلك يجب أن تنظر السياسة العراقية من نافذة النفط لا غير إذا أرادت الصمود بوجه التحولات الإقليمية، لأن تدفق النفط العراقي هو ما تنظر إليه الإدارة الأميركية ولا يعنيها ما يحدث خلف الأنبوب طالما أن كل ما يحدث لن يؤثر على تدفق النفط، وأعتقد أن سلاح النفط أقوى ورقة ضغط يمتلكها العراق الآن وفي هذه المرحلة الحساسة لأنه يمثل السهم الرابح ليس للعراق فقط وإنما لأوبك والولايات المتحدة أيضا، أما أمن إسرائيل فهذا لا يعني العراق بشيء وهو من مهام الإدارة الأميركية والدول العربية التي عقدت صفقات التطبيع.
إن الجانب الصعب في تعامل العراق مع الأجندة الأميركية يكمن بعلاقاته القوية مع إيران والتي تمثل أحد أقطاب الصراع الدولي الفعلي، هذه العلاقة لا تؤرق واشنطن كثيرا بقدر ما تؤرق دول المنطقة التي تجد في إيران خصما إقليميا لا يمكن تجاوزه خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أن الولايات المتحدة تستخدم هذه الورقة للضغط المستدام على الدول العربية عامة والخليجية خاصة.
اليوم مرحلة ترامب انتهت ولم تعد صفقات التطبيع العربي مع إسرائيل تجد صدى قويا داخل الإدارة الأميركية الجديدة لأنها تعي جيدا أن أمن إسرائيل يتحقق سواء بهذه الصفقات أو من غيرها، ونحن مقبولون على مرحلة جديدة لا تختلف بها السياسة بل الآلية لأن السياسة الأمريكية هي سياسة مؤسسات، والتأثيرات الخارجية والسياسات الخارجية فيها ثوابت مع بعض المتغيرات وأعتقد أن اهتمام بايدن بالشأن العراقي سيكون قائما على ضمان النفط واستمرار عمل الشركات الأميركية في العراق.
أما إذا وجدت الولايات المتحدة صعوبة في السيطرة على هذين الأمرين فأعتقد أنها ستلجأ الى مشروع بايدن القديم الذي طرحه عندما كان نائبا للرئيس اوباما وهو تقسيم العراق، وطبعا هذا المشروع سيكون وارد التنفيذ في ظل وجود فوضى سياسية كبيرة في العراق وتراجع واضح على المستوى الاقتصادي وغياب القيادة السياسة القادرة على إدارة ملفات صعبة، خاصة مع وجود رغبة لدى بعض الدول الى الاحتفاء باحتضان عراق مقسم، فتركيا وبعد التصريحات الأخيرة للرئيس رجب طيب اردوغان والتي أشار فيها الى إمكانية دخول القوات التركية للسيطرة على سنجار بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، والجميع يعلم أن هذه الخطوة تعني السيطرة على الموصل أما الجزء القسم الآخر ويشمل المناطق الغربية فسيكون قريبا من دول التطبيع وهو ما يمهد لوجود إسرائيلي قوي في المنطقة، أما القسم الأخير وهو الأكبر فسيكون من حصة إيران حتما.
فالتقسيم سيجعل أميركا هي الرابح الأكبر لأنها ستكون ضمنت شراكة قوية مع تركيا وأرضت إيران وأمنت إسرائيل، ناهيك عن ضمان السيطرة على النفط، وبالتأكيد فإن هذا المشروع لا يتحقق في ليلة وضحاها كما أنه لن يكون سهلا لكن في المحصلة وإذا لم ينتبه السياسيون العراقيون الى ذاك فإن المشروع سيتحقق حتى مع وجود عراقيل، لكن يمكن أن يتحقق بوجود ثلاث دول قوية؛ تركيا الطامعة بالموصل وكركوك وكردستان، وإسرائيل الطامعة لتفتيت العراق وضمان أمنها وإيران التي ستفرض سيطرتها على جزء كبير من العراق المقسم.
وأعتقد أن تأخير الانتخابات في العراق جاء بإرادة أميركية ليتسنى للإدارة الجديدة الوقوف على الواقع العراقي ومدى قدرته على الصمود في البقاء وضمان عدم التأثير بالسياسة الأميركية، فإذ وجدت إدارة بايدن أن الأمور يمكن أن تضمن استقرارا سياسيا نسبيا وبما يحافظ على سوق النفط وأمن إسرائيل فإنها ستبقي خيار العراق الواحد المتصارع، أما إذا وجدت أن تلك المصالح معرضة للخطر فإننا سنشهد انتخابات لكن ليست برلمانية وإنما انتخابات تقسيمية ينتهي معها عصر الوحدة العراقية وتبدأ مرحلة الدويلات القومية والطائفية الثلاث، وتتجه آليات السياسة الأميركية صوب تحقيق تنمية اقتصادية في الأقاليم أو الدول الثلاث على وفق أجندة ومعايير جديدة.
إن العراق قادر على مواجهة هذه التحديات على وفق شروط تعتمد على معايير التوازن الإقليمي، وتجنب الدخول في صراعات إقليمية تكون وفقا لمقاييس ثابتة تنسجم مع المصلحة العراقية، وأن يبدأ هذ التوازن من خلال البوابة السعودية التي تمثل فرصة حقيقية للعودة الى الحضن العربي، ومحو الصورة المضللة التي أوهمت الشعب العراقي لسنوات بتحويل دولة كبيرة جارة الى عدو من خلال لصق تهم دعم الإرهاب بها، والتي أثبتت التجربة أن هذه التهم لا أساس لها بعد أن كشفت الوثائق وكذلك تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن داعش صناعة أميركية بأدوات تركية وحسب وثائق ويكيليكس المعلنة مؤخرا والتي ذكرت أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كيلنتون دعما تأسيس داعش، وهذا دليل على أن الجهات التي تقف وراء تأسيس هذه العصابات الإرهابية هي أميركا وتركيا وليست السعودية أو دول أقليمية أخرى كما حاولت وسائل الإعلام ترسيخه في ذهنية المجتمع العراقي أولا والمجتمع الدولي ثانيا، وهذا يثبت أن السعودية لا دخل لها بالإرهاب أو داعش لا من بعيد أو قريب، خاصة أن السياسة السعودية في عهد ابن سلمان شهدت انفتاحا كبيرا يتطلب من القوى العراقية على اختلافها أن توجه البوصلة صوب الرياض إذا ما أرادت دولة عراقية غير مقسمة لأني أعتقد أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يضع العصا في عجلة مشروع بايدن، وبات من حق المواطن أن يكون شريكا في رسم سياسة العلاقات الدولية لأنه لا يحتاج الى غطرسة تركيا ولا مسيرات إسرائيل ولا جنرالات إيران بقدر حاجته الماسة الى المشاريع الاستثمارية والاقتصادية وهذه لن يجدها إلا من خلال توثيق العلاقات وإبرام الاتفاقيات مع الجانب السعودي لتكون بوابة نحو العودة الى المحيط العربي من جديد.