23 أبريل، 2024 7:30 ص
Search
Close this search box.

مستقبل الثيوقراطية في الواقع العربي 

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد كان نسف مفهوم السلطة الدينية والسلطة السياسية, التي تشتق شرعيتها من الدين, هو من أهم الثورات المعرفية التي انجزها الفكر الإسلامي الإصلاحي في الماضي وخلال هذا القرن مع محمد عبده, عبد الرحمن الكواكبي, عبد الحميد بن باديس, علال الفاسي, محمد الغزالي, يوسف القرضاوي, وراشد الغنوشي وأخرين, مع تحديد مسارها ووضع الخطوط العريضة للمستقبل بناءاً على اللبنات الرصينة التي شيدها الفكر لإسلامي الإصلاحي.
 وأن مستقبل الثيوقراطية في الوطن العربي لا يمكن الحكم عليه خصوصاً في ظل التطورات السياسية الراهنة (العالمية والمحلية) الحاصلة في عصر السرعة والتقانة في الاتصالات, والتغييرات الميدانية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, دون تكتيك مُسبق, لكن هذه المؤشرات تُشير إلى أمكانية استمرار تدفق موروثات الثيوقراطية في المجتمع العربي الإسلامي خصوصاً, بعد إنكسار الدولة القومية ونهب مُكتسباتها من جانب الحركات الإسلامية وتوظيف ذلك الموروث وتثميره لصالحها وصالح قيمها الدينية المزعومة, وبروز الطائفية, كإشكالية في الفكر العربي المعاصر, وصعود مُفاجئ لحركات الإسلام السياسي بعد الإطاحة بنظم كانت تدعي إنها نظم حكم علمانية بعد مرحلة ثورات الربيع العربي التي ارتدت جلباب وعمامة الإسلام السياسي الأمر الذي قد يُغذي الثيوقراطية _ دون فطام _ بأثداء الإسلام السياسي والطائفية حليباً كامل الدسم بالعنف والتطرّف المتجاوز لقيم التسامح والاعتدال التي جاءت مقترنة مع تعاليم وثوابت الإسلام, لكنه بالوقت ذاته سيغذي العملية السياسية والحراك السياسي والمناظرات والمباهلات الفكرية بين المختلفين إلى ضخ دماء جديد في شرايين العلمنة والحداثة والعصرنة, فالاختلاف هو الوحيد القادر على لعب دور المغذّي الذي يروي عطش الظواهر الفكرية والسياسية قبل موتها, والحال ينطبق حتى على الإسلام, فلو أتفق المسلمين على كل مفصليات الإسلام واتفقوا على الشريعة ونظام الحكم وآلية العلاقة بين الحاكم والمحكوم, سوف يُهمل الإسلام ويتحول إلى مجرد عقائد ايمانية قديمة نائمة ومنزوية في نفوس القليل من البشرية مما يموت ويُضمْر مع التقادم الزمني, ولهذا جاء حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقوله: أختلاف أمتي خير (بغض النظر من إن هناك من يشكك في الحديث او إنه ضعيف إلا إنه يحمل معان بليغة ومؤثرة وهامة), بينما هناك من يرى إن وجود الثيوقراطية أو الاصولية الدينية يساعد على أحياء شعائر الحداثة والعلمنة والمعاصرة وهو ما طرحه اوليفيه روا إذ يقول إن الاصولية الإسلامية هي التي أسهمت في إدخال العصرنة إلى البلاد الإسلامية من خلال انتهاج سياسة واقعية وليس من خلال نقاش فكري لمسألة الديمقراطية والعلمانية وإمكانية توطينهما في نسيج الإسلام, خصوصاً وإن الإسلام دين عصري يواكب التطورات ويتعاطى مع الحال والمعطيات ويتقبل الطروحات, بل وأكثر يحمل ديناميكية حركية يتوافق مع الطروحات إضافة إلى الحفاظ التام على ثوابته مما يعني إن الثيوقراطية ستعيش عمراً طويلاً من الزمن إلى جانب العلمانية وسيظل السجال والجدل مفتوحاً لأشعار أخر, الأمر الذي سيجعل الأبواب العربية مشرعة للصدام والصراع وخوض المعارك الفكرية قبل السياسية.
   أي إن الثيوقراطية ستتمسك في البقاء في حواضن العرب والمسلمين وستقاتل وتجاهد من أجل الحفاظ على هويتها وكيانها الذي تروم تشكيلة من خلال فصائل الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية الراديكالية, بُغيه النفاذ إلى تكوين حكومات إسلامية بالمعنى الكنسي (المودودي والخميني) وسيزيد ذلك من عنفها بسبب النفوذ العلماني من وسائل إعلام وابواق و”مزمرين” وثروة ومال, ولن يفضي الصراع إلى نتيجة حتى بعد خمسين عاما, بل حتى نهاية القرن الحادي والعشرين سيظل الصراع الثيوقراطي _ العلماني هو أعتى وأشد الصراعات ضراوة لأنها حروب تعتمد على الموروث الديني الذي يشكل أفيون الامة العربية الإسلامية اليوم, ومُغذّيها الوحيدة والدخول في أزمة إطالة قد تستنفذ القيم والأخلاق والهمم قبل المال والنفط والثروة والدم.
 وهو ما يمكن القول بإن  ليس هناك ادنى شك بإنه لا مستقبل للانظمة الثيوقراطية العربية التي تخلط بين الديني المقدس والزمني النسبي, كونها انظمة لا تمتلك رصيداً تاريخياً في ذاكرة التراث العربي والإسلامي ولا حضوراً حياً في الحاضر المُعاش, ولا نظرية قد تُخطط لمشروع المستقبل الريب على الأقل, لكن لا يعني هذا إنها ستموت أن تنزوي في أعتى ركن من التاريخ, بل إنها ستظل الرقم الصعب في المعادلة السياسية العربية والإسلامية ولا بد من قبول هذا الرقم واستيعابه بطريقة حضارية وعصرية ومدنية لأن الإسلاميون مهما عملوا وفعلوا فهم بالأخير ليسوا إلا ابناءنا واخواننا واهلنا وناسنا, اختلفنا معهم في التفكير والتفسير لكن لا نختلف معهم في التنزيل, ولا نشكك في إنهم ابناء جلدتنا وليس من المنطقي تهميشهم أو رفضهم في المجتمع, لمجرد حوار أو مباهلة أو مناقشة حوارية, لأنهم هم نحن ونحن هم, فالاختلاف مهما يكن لا يفسد للود قضية, بل والاختلاف سوف ينشط كريات الدم في الظواهر لتتفاعل وتنتج وتمضي قُماً في رحبة التاريخ والنهضة والحضارة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب