حركة الوحدة الأوروبية تعود إلى قرون عديدة من خلال المحاولات السلمية والعسكرية التي هدفت إلى توحيد أوروبا، أي أن مشروع الوحدة قد تبلور في أذهان مفكرين وفلاسفة ورجال قانون، قبل أن يتحول إلى مشروع سياسي تسهم في بنائه مؤسسات تحظى بدعم رؤساء الدول والحكومات والنخب السياسية في مختلف الدول الأوروبية. ابتداءا من عام 1951، وفي ظل هذا الفكر الوحدوي،ابتدأت مسيرة التكامل الاوروبي بتوقيع ست دول اوروبية(بلجيكا،هولندا،لكسمبورغ،اضافة الى المانيا وفرنسا وايطاليا) اتفاقية باريس للصلب والفحم ثم توقيع اتفاقية السوق الاوربية المشتركة عام 1957.ثم توالت النجاحات الاوروبية على هذا الصعيد وصولا الى اتفاقية ماستريخت عام 1992 التي وضعت حجر الاساس لبناء سياسة خارجية موحدة للاتحاد الاوروبي.وفي الاول من كانون الثاني 2002 تخلت اثنتا عشرة دولة اوروبية عن عملاتها الوطنية وتبنت بدلا منها اليورو،ثم توسع الاتحاد الاوروبي بضم عشر دول اخرى كانت تنتمي معظمها الى الكتلة الاشتراكية.واخيرا في حزيران 2004 وافقت جميع الدول الاوربية الاعضاء في الاتحاد على اول دستور مكتوب للاتحاد.أي ان الاتحاد بدأ يكتسب وبصورة تدريجية الكثير من خصائص الدولة الموحدة من قبيل وجود عملة موحدة وبنك مركزي ومحكمة عدل عليا وعلم ونشيد اوروبي وبرلمان ودستور الامر يجعله نموذجا للتنظيم الاقليمي الدولي الناجح .
قامت الدول ألاعضاء الاتحاد الأوروبى بالتوقيع على معاهدة أمستردام فى الثانى من أكتوبر عام 1997 ، ودخلت حيز النفاذ فى أول مايو عام 1999 م. وقد عدلت هذه الاتفاقية فى اتفاقية الاتحاد الأوروبى، وأيضا فى المعاهدات السابقة التى أنشأت الجماعات الأوروبية، ويرمي اتفاق أمستردام إلى وضع أسس إتحاد موسع بين الشعوب الأوروبية، بمنح الجماعة الأوروبية مسؤوليات جديدة، واستعمال الأغلبية الموصوفة فيما يخص بعض القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن المشترك، في حين لم يتم الإتفاق حول مسألة إصلاح المؤسسات وتوسيع الإتحاد لأعضاء جدد. وفي المقابل اعتمد المجلس الأوروبي بأمستردام ميثاق الإستقرار والنمو لضمان التلاقي الاقتصادي بين الدول الأعضاء في الإتحاد الاقتصادي و النقدي على المدى الطويل. ينقسم الاتحاد الأوروبى إلى مجموعات سياسية تمثل الأحزاب السياسية الرئيسية التى يتم تكوينها فى إطار الاتفاقات التى تعقد بين الوفود المختلفة للبرلمان الاوربي. ولكن الجهود التي بذلها الاتحاد في مجال السياسة الخارجية كانت أقل تقدمًا من الجهود التي بذلت في مجال السوق المشترك والعملة الموحدة . إلا أن التغيرات الجيوبوليتيكية بعد انهيار الدول الاشتراكية قادت الاتحاد إلى مضاعفة جهوده في التحدث والفعل بشكل موحد.
الاتحاد الأوروبي يسعى لتحقيق أهداف رئيسية، هي تأسيس المواطنة الأوروبية التي تكفل الحقوق الأساسية للمواطن الأوروبي ومنها حرية التنقل، وحرية الحقوق المدنية والسياسية,و ضمان الحرية والأمن والعدل من خلال التعاون بين الدول الاعضاء، يليه دعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي من خلال السوق المشتركة والعملة الموحدة والتنمية الاقليمية. كما يسعى الاتحاد أيضا إلى تقوية دور أوروبا في العالم من خلال السياسة الخارجية والأمنية الموحدة. ولتحقيق تلك الأهداف، هناك منظومة المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي التي تشمل: البرلمان الأوروبي الذي تنتخبه الشعوب الأوروبية بشكل مباشر، ومجلس الاتحاد ويشكل من حكومات الدول الاعضاء، والمفوضية الأوروبية وهي فعليا الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي. كما ان هناك العديد من المؤسسات الفرعية والداعمة التي تساعد في تحقيق اهداف الاتحاد. يبدو أن سنوات الاتحاد التي تناهز الخمسين أسفرت عن خبرة ومؤسسات ذات قواعد راسخة، والاهم أنها فاعلة على الأرض وليست شكلية، لها ميزانيات مستقلة ولديها صلاحيات مناسبة. بالطبع وصولها لهذا المستوى استغرق أعواما من التجريب والخطأ والتعديل إلى أن تبلورت في شكلها الحالي. إن البناء المؤسسي للإتحاد الأوروبي يدل على أن هذا الإتحاد يستند في تشكله إلى منهجه الوظيفي الجديد والإتجاه الإقليمي التكاملي بين دول الإتحاد، ويمتاز بسمات فريدة تجعل منه فاعلا دًولي ا مًستقلا وًمؤثر اً من جهة، ومتمتعا بًنظام سياسي وقانوني مختلف عن أشكال النظم القانونية والسياسية المعروفة لدى الفاعلين الدوليين الآخرين.
وتشهد أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي تراجعا كبيرا في أنظمتها الاقتصادية، فإلى جانب ضعف الأسواق المالية الأوروبية، والتراجع اللافت لمؤشرات نموها التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت أرقاما هائلة في العديد من البلدان المؤثرة في الاتحاد، تعيش البنوك الرئيسية في اليونان انهيارا كبير، إلى جانب المصاعب المالية التي تشهدها قبرص اليوم، فضلا عن عدم استقرار اقتصاد معظم الدول الأعضاء الأخرى باستثناء ألمانيا التي حافظت على مؤشر نمو اقتصادي عال.وقد تبعت هذه المصاعب الاقتصادية مشاكل اجتماعية حادة في أغلب بلدان الاتحاد التي ترجمتها العديد من المسيرات الاحتجاجية الكبرى التي عبرت عن استيائها من أداء الفاعلين السياسيين داخل الاتحاد الأوروبي وطالبت في عدة مناسبات بالانفصال عنه. الأمر الذي أربك القوى الكبرى داخل هذا الهيكل على غرار ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التي لم تنجح في تقديم رؤية موحدة حول آليات إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي. ومنذ إنشائه كان تصميم الاتحاد النقدي الأوروبي سياسيًّا وليس نقديًّا منطقيًّا، لكن الدول الأعضاء أظهرت الآن التزامها بهذه الرؤية السياسية عبر الحفاظ على الاتحاد النقدي الأوروبي بتكلفة اقتصادية عالية، أيضًا كانت هناك خطوات جديدة نحو مزيد من التكامل في قضايا رئيسية مثل مراقبة الميزانيات الوطنية وظهور الاتحاد المصرفي.
على الرغم من أن المادة 50 من اتفاقية لشبونة لتأسيس الاتحاد الأوروبي تحتوي على نص يتعامل مع احتمال خروج أحد أعضاء الاتحاد، إلا أن خروج بريطانيا سيشكل سابقة في تاريخ الاتحاد. خروج بريطانيا سيشكل ضربة قاصمة “للفكرة الأوروبية” ومسيرتها نحو الاندماج والتوسع في المستقبل، وسيُعَدّ انتكاسة وخطوة كبيرة إلى الوراء. الخروج البريطاني سيزيد من الهيمنة الألمانية وتأثيرها، ويؤدي إلى توجيه محور الاتحاد نحو الشرق حيث الثقل الألماني التقليدي. وفي ضوء التشديد الألماني على النواحي الاقتصادية في علاقاتها مع باقي الدول الأعضاء، يتوقع أن يطغى الاقتصاد على السياسة. والواقع أن الانسحاب البريطاني ليس حدثاً معزولاً يفسر بخصوصية هذا البلد المكتفي بذاته ، الذي دأب على تحديد هويته باستقلال عن المحيط الأوروبي، بل يعكس أزمة عميقة يعرفها المشروع الاندماجي الأوروبي في العصر الراهن. والمعروف أن هذا المشروع عرف منذ التسعينيات تطوراً نوعياً بالانتقال من منطق الشراكة الاقتصادية إلى منطق السيادة المتقاسمة، ما طرح إشكالاً محورياً يتعلق بأثر البناء الإقليمي الجديد على الهويات القومية في منطقة شهدت قيام نموذج الدولة القومية الحديثة. مسألة التصديق على الدستور الاوروبي واقراره:اذ انه حتى يدخل الدستور حيز التنفيذ، فانه لا بد من موافقة جميع الدول الاعضاء الخمس والعشرين.وقد وعدت احدى عشرة دولة منها بعرضه من خلال استفتاء شعبي عام على المواطنين الاوروبيين حتى يقولوا كلمتهم النهائية فيه.ومن الممكن ان ترفضه دولة او اكثر من هذه الدول لا سيما وان آخر استفتاء للرأي العام اجري في بريطانيا يوضح ان غالبية المواطنين هناك يرفضون المصادقة عليه فيما لو عرض عليهم ذلك.
فبعد خمسين سنة من الإنجازات التي حققها الاتحاد الأوروبي من إقامة منطقة حرة للتجارة، إلى إقرار العملة الموحدة والعديد من التشريعات المشتركة مازال الاتحاد الأوروبي بعيداً عن بلورة “الفكرة الأوروبية” على نحو واضح، أو حتى صياغة تصور مفهوم لمصير مشترك. وقد يكون ذلك متوقعاً بالنظر إلى الانقسام الثقافي داخل الاتحاد، وبخاصة الاختلاف اللغوي الذي يعتبره البعض نوعاً من الثراء المميز للاتحاد الأوروبي. وفي ظل عدم الإستقرار الإستراتيجي الناجم عن الحروب المتوالية , كان لابد من إعادة النظر في قضية الأمن داخل أروبا وهو ماسرع بإعتماد السياسة الدفاعية والأمنية الأروبية , بعد تأكيد هويتها إنطلاقا من معاهدة ماستريخت سنة 1992 حيث أقرت دول الإتحاد الأروبي – إنطلاقا من صيغ توفيقية – إتحاد أروبا الغربية , ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي تنظيمات أمنية معتمدة في إطار السياسة الدفاعية والأمنية للإتحاد , وإن اختلفت طريقة وحدود هذا الإقرار. على الجانب الآخر، أرسل نمو عدم الثقة المتبادل خلال الأزمة بين الدول الأعضاء (ومواطنيها)، ورفض آخرين المضي قدمًا في ربط اقتصاداتها معًا بشكل وثيق، إشارات متضاربة، تذكرنا بأن التضامن والتكامل الأوروبي لا ينبغي أن يكون أمرًا مفروغًا منه، بل إن العديد من الأركان الأساسية طويلة الأمد للتكامل السياسي تبقى موضع تساؤل وسط تهديدات إعادة التأميم. هذا هو الحال، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالأمن المشترك وسياسة الدفاع، ومع السياسة المشتركة بشأن اللجوء والهجرة. نستنتج مما سبق ان هناك مصاعب كبيرة ستواجه الاتحاد الاوربي سواء اقتصادية او سياسية وذلك لصعود اليمين المتطرف نتيجة استغلاله او توظيفه مسألة اللجوء والهجرة غير الشرعية الى دول الاتحاد استغلالا ذكيا بتأجيج النعرة القومية والاسلام فوبيا.