على الرغم من تغيّر بعض الغيوم الضبابية التي تحيط بقضية الحريري , وتبدلها بغيوم اخرياتٍ اقلّ كثافةٍ في الحجم والسُمك , وبأرتفاعاتٍ ادنى , فالأجواء الأمنيّة والسياسية وحتى الدبلوماسية ليست ضمن مدى الرؤية البالغ الوضوح , وهذا تمهيدٌ اوّلي للحديث فحسب ,وخصوصاً أنّ للموضوع وملابساته زواياً متعددة للنظر , وبعضها قد لا يغدو متاحاً للبعض .!
وقبل البدء , سأعرجُ هنا على سؤالٍ طرحته مراسلة صحفية على السفير السعودي في الأمم المتحدة حيث قالت : < أنّ الحريري لم يغير بدلته منذ خروجه من لبنان , ثم في اعلان استقالته , وحتى اجراء المقابلة المتلفزة معه وفي البدلةِ ذاتها .! , السفير السعودي أجاب ” لستُ مسؤولاً عن خزانة ملابس الحريري ” .! > . لاريب أنّ سؤال المراسلةالصحفية كان ذكياً ويوحي للميل نسبياً الى قضية الأحتجاز .!
وقبل الشروع بالموضوع ايضاً , ومن جانبٍ مغاير , فقد ذكر السفير السعودي في القاهرة بأنّ الحريري قابل 7 سفراء اجانب , ولو كان محتجزاً لأخبرهم .! والى ذلك وبحديثٍ ذي صلة , ذكرت ” يولا يعقوبيان ” مراسلة قناة المستقبل التي اجرت المقابلة مع الحريري , أنّ قناة المستقبل وقناة MTV اللبنانيتين قد جرى قطع البث عنهما بمنطقة ” الضاحية ” جنوب بيروت والتي هي معقل حزب الله هناك .!
إنّ ما يجري من احداثٍ ومواقفٍ اعلامية متناقضة بانتظام او منتظمة بتناقض ! يجعلنا نميل الى زاويةٍ ملآى بالشكّ والظنون الأفتراضية اللازمة من أنّ عائلة سعد الحريري المقيمة في السعودية والتي تمتلك الجنسية السعودية ولها مصالح تجارية هناك , ربما تكون بمثابة ” رهينة ” ووسيلة ضغط بايدي المخابرات السعودية تهدد بها الحريري اذا ما افصح عمّا جرى .! وخصوصاً أنّ الحريري صرّح امس بأنّ عائلته سوف لن ترافقه الى باريس قبل وصوله الى بيروت .! , ونرى أنّ كان من الأجدر أن يصطحب عائلته معه ولو لعدة ايام الى لبنان , كي يقطع دابر التشكيك والأبهام .! ويبدو جليا كذلك أنّ فرنسا تمتلك معلوماتٍ وتفاصيل عن خلفية استدعاء الحريري للرياض واعلان استقالته وعن سبب بقائه هناك لغاية الآن , وعن سبب توجّه الحريري الى باريس قبل بيروت .! ما يوحي أنّ مصلحةً شديدة الخصوصية بين فرنسا والمملكة تجعل باريس لتتكتّم عن التفاصيل , وحيث ايضاً أنّ وزير الخارجية الفرنسية زار الرياض في بدء الأزمة , وزارها مؤخراً لترتيب سيناريو خروج او اخراج الحريري من السعودية .!
على الرغم من متغيرات وتنوّع اتجاهات الرأي العام اللبناني وفقاً للأحداث السياسية الخارجية والداخلية ” باستثناء المعارك اتي تشنها اسرائيل ” , ومؤدّى ذلك الى طبيعة مجتمع تعدد الأديان والمذاهب في لبنان على الأقل .! , لكنّ الأيام الأوائل من بقاء الحريري في السعودية والتي اثيرت فيها مسألة احتجازه وإرغامه على الأستقالة , قد جعلت كافة اللبنانيين متوحدين سياسياً وعاطفياً لعودة ولإعادة رئيس حكومتهم الذي يمثّل رمزاً للسيادة الوطنية , إنما ما حصل وما برح يحدث منذ المقابلة التلفزيونية التي اجرتها قناة المستقبل التابعة للحريري تحديداً دون سواها وبطلبٍ خاصٍ منه , وما شاب تلك امقابلة من ملاحظاتٍ نقديةٍ وتشكيكيةٍ ” ومعظمها افتراضية والبعض اآخر واقعية ” , قد أدى الى نشوء ونشوب راي عام نوعي آخر في بعض فئات المجتمع اللبناني , تفترض ضلوعاً للحريري مع السعودية في اهداف الأستقالة , وخصوصاً ايضاً لما تسبّبَ به الحريري من ارباكٍ سياسي وفكري ونفسي للدولة اللبنانية ولعموم المجتمع اللبناني , وجرّاء ذلك او بعضه فأنّ المطالبة العاطفية – الجماهيرية بعودة الحريري الى لبنان قد تحوّلت الى الجانب المضاد النسبي , بغية التعرّف على ملابسات الحدث وعلى سبب بقاء او إبقاء رئيس الحكومة طويلاً في الرياض , ولا سيما لمنع او امتناع التواصل والأتصال الهاتفي بين الحريري واركان الدولة اللبنانية .! , ويوم السبت القادم والذي من المفترض وصول الحريري الى لبنان , وعدا ما سيتحدّث به الى رئيس الجمهورية واعضاء الحكومة والبرلمان , فأنّ اوّل مؤتمرٍ صحفيّ لابدّ من عقده مع وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية , فالأسئلة التي سيجري طرحها على سعد الحريري ستكون بمثابة استجوابٍ اقرب الى التحقيق منه الى الأسئلة الصحفية .!
وبدورنا نستبيح العذر بالقول أنّ ايةَ اجوبةٍ او إجاباتٍ من الحريري على اسئلة الصحفيين , سوف لا تمثّل الحقيقة , ولربما اطلاقاً .!