ان المحور الاساس في هذه الدراسة هو البحث في اليات الحكم الرشيد التي توصل المجتمعات الى بر الامان ، وكنت قد اجريت دراسة مقارنة بين الفوضوية والامير الحديث ، فيما سبق وبعد نقاش كثير مع الاستاذ الكاتب باسل محمد عبدالكريم حول اليات الحكم الرشيد وتتابعاتها وصلت الى ضرورة ان يكون الامير الحديث لغرامشي كنظام حكم رشيد وهو مثار النقاش سيما وان الغرض من هذه الدراسة باجزائها الثلاثة ان نصل الى العدالة الاجتماعية وطريقة تحقيقها كمفهوم ، ويبدو ان الصراع حول هذا المفهوم بين من يريد تطبيقها ويحلم بها وهو المستغل (بفتح الغين) وبين من يرفضها لانها تتعارض مع مصالحه وهو المستغل(بكسر الغين) هو صراع محموم ، وهو كما وصفه الاستاذ باسل محمد عبدالكريم في تقديمه لكتاب القرامطة والعدالة الاجتماعية (انه صراع يعود الى بدايات الحضارات الانسانية انه صراع القوي مع الضعيف، صراع الاكثرية مع الاقلية ، صراع الاثنيات المهيمنة وتلك المهمشة ، انه صراع لا ينتهي) (القرامطة والعدالة الاجتماعية ،ياسر جاسم قاسم ، المقدمة ، دار ضفاف،بغداد،2018) ويقدم نماذجا لهذا الصراع مبتدئا اياها بثورة سبارتاكوس وقيادته لعبيد روما الى ثورة الزنج في سباخ جنوب العراق /البصرة تحديدا ، والتي هيأت المناخ لثورة القرامطة ومن كومونة باريس التي تزعمها العمال والمهمشون الذين عانوا من الاضطهاد والمهانة الى ثورة البلاشفة ضد هيمنة القياصرة والاقطاع في روسيا 1917م، ومن عصبة سبارتاكوس التي قادها كارل ليبتنخت وروزا لوكسمبورغ في بدايات القرن العشرين ضد الحكم المستغل للطبقة الحاكمة في المانيا الى انتفاضة الغموكة في احراش الهور في الناصرية اواخر ستينيات القرن الماضي والتي قادها خالد احمد زكي الى ثورات العمال والفلاحين التي قادها الحزب الشيوعي العراقي ابان الاربعينيات والخمسينيات في العراق ومنها انتفاضة الحي في الكوت الى القرابين التي قدمت على مذبح الحرية والنضال للخالدين فهد ورفاقه الذين اعدموا وسلام عادل الذي مات تحت التعذيب . وهكذا يعدد الاستاذ باسل لهذه الحركات والثورات والانتفاضات التي طالبت بالعدالة الاجتماعية كثيم مهيمن داخل المجتمعات فيذكر تجربة الثورة الشعبية في امريكا اللاتينية و صعود النموذج الجيفاري الى حضور الكنيسة مع الحركات الثورية ، وهي تجارب كما قال ليست منتهية وتتمخض دوما عن ارهاصات ثورية متعددة ، ربما لمدى ملائمة الواقع المحلي والعالمي الذي شهد تراجعا واضحا في حركة اليسار العالمي مع صعود ملفت لليمين بأعتى رموزه الفاشية التي لا تعترف بمفهوم الحكم الرشيد، ويضيف وبعد ان اثبت الاسلام السياسي افلاسه على صعيد الواقع الاجتماعي والاقتصادي في العراق واثبت فشلا ذريعا في بناء الدولة الديموقراطية ودولة المواطنة المنشودة ونتيجة لهذا الفشل جاءت ثورة تشرين العراقية /2019 كرد فعل لطريقة الحكم اللاعدالوية في المجتمع ،هذه الدراسة بأجزائها الثلاثة انشأت مقاربة من افكار برودون الى انطونيو غرامشي عبر فكر محدد لتشخيص الخلل واوجه المقارنة والمقاربة وكمية اقتراب هذه الافكار من الحالة العراقية ومحاولة ايجاد الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية المستعصية في العراق عبرها والخروج بنظام حكم رشيد والبحث في الياته بالاقتراب من نظام الامير الحديث الذي اقترحه كرامشي او الفوضوية التي اقترحها برودون بما يحقق العدالة الاجتماعية الموعودة .
العناصر الثلاث التي يذكرها غرامشي لتكوين اي حزب :
“عنصر واسع الانتشار والذي يشمل رجالا عاديين يشاركون بانضباطهم وبأيمانهم لا بروحهم الخلاقة والمنظمة وهم يشكلون قوة متى وجد من يمركزهم وينظمهم ويبعث فيهم روح الانضباط .وبالافتقار الى هذه القوة سيتشتتون وسيختزلون بعضهم البعض وهم غير قادرين تماما ان يصبحوا قوة لاحمة”(الامير الحديث، انطونيو غرامشي، الجمل ) بمعنى تجمعهم المصالح وسرعان ما ينتهون بزوالها، هؤلاء الرجال العاديين موجودين في كل الاحزاب العراقية ويشكلون عناصر مسلحة في الغالب، ويشاركون الحزب ايمانهم وينفذون اجندات للحزب خاصة جدا، والتي تصل في كثير من الاحيان الى التصفيات ولا يملكون روحا خلاقة ومنظمة بل يشكلون قوة وهم غير متلاحمين وانما تجمعهم المصالح الحزبية الفئوية ، وهذا ما شاهدناه ليس في الاحزاب العراقية بعد التغيير فحسب بل كذلك في حزب البعث الفاشي.
“عنصر التلاحم الرئيسي الذي يمركز كل القوى في المجال القومي ويجعلها فعالة وقادرة وهي لو تركت وحدها لن يكون لها ادنى اثر او سيكون لها اثر ضئيل جدا على الاكثر لهذا العنصر طاقة مركزة وضابطة وعاملة على اقصى حد من التلاحم، وهذه الطاقة ايضا خلاقة ضمن اتجاهات للقوى ومتطلبات ورؤية معينة”، وقدرة هذا العنصر على تشكيل حزب اقوى من قدرة العنصر الاول الذي هو جماهيري فبالامكان ان تقول عن هذا العنصر انه عنصر النخبة في الحزب والذي وصفهم غرامشي (جنرالات بدون جيش) وهم اسهل بكثير من تنشئة جنرالات وهم قادرون على ان يشكلوا ميليشيات لذلك الحزب يقول غرامشي” ان وجود جنرالات دربت تعمل سوية في توافق داخلي ،وفي سبيل اهداف واحدة تسهل عملية انشاء الجيش ،حتى حيث لا وجود له” (الامير الحديث، م س ) وهذه الجنرالات تعمل عمل سيء يتمثل بالغاء وجود الدولة وتكوين جيش/ميليشيا خارج اطار الدولة ، هذا الجيش ياتي من العدم ويكون جيشا مقدسا ، ان اختفاء جنرالات من جيش حقيقي يعمل على تحطمه الا ان هذه الجنرالات تكون جيشا من العدم وتسهم في تشكل اللادولة ، في ظل الدولة ، وما بين العنصر الاول :الجماهيري /الشعبوي للحزب والعنصر الثاني النخبوي الذي يشكل اللادولة هنالك عنصر ثالث في تشكل الحزب.
العنصر الاوسط: (الذي يربط الاول بالثاني ربطا ليس ماديا فحسب بل معنويا فكريا) ويشير غرامشي ان لكل حزب نسب محددة بين العناصر الثلاثة هذه ويعطي معلومة خطيرة تتمثل في” اذا توفرت هذه الشروط امكن القول باستحالة القضاء على الحزب بالطرق العادية ،لانه ان وجد العنصر الثاني بالضرورة هذا العنصر المرتهن للوجود اصلا بوجود شروط مادية موضوعية :مال وسلاح مثلا ولو كانت في حالة ضبابية ، واعتبر غرامشي “ان لم يوجد العنصر الثاني النخبوي لفقد التحدث عن الموضوع مبرراته فلا بد من نشوء العنصرين الاخرين، الاول المؤدي بالضرورة الى نشوء العنصر الثالث /الاوسط وكواسطة لتعبيره عن نفسه، بدون القناعة الحزبية العالية لن يستطيع العنصر الثاني النخبوي ان يتشكل ، وعلى الرغم من اهمية العنصر النخبوي الحزبي الثاني الا انه عنصر يمكن القضاء عليه بسهولة اكثر بسبب عدده الصغير” ويعتبر ان مثل هذا العنصر لن يترك مكانه فارغا.
بل” يمكن ان يكون قد ترك خميرة يمكن اعادة تشكيله منها، واين يمكن ان توجد الخميرة بشكل اجود وبامكانات تشكيل افضل في غير العنصرين الاول والثالث، وهما متجانسان مع الثاني على الوجه الافضل، بذلك يصبح نشاط العنصر الثاني في تشكيل الخميرة امرا اساسيا” والسؤال هل ترك حزب البعث مثلا خميرة؟ نعم ترك خمائر وليست خميرة واحدة ، تعيد تشكيل نفسها كلما اقتضت الضرورة ولو طبقنا الخميرة على تنظيم داعش الارهابي لوجدناه انه وبفضل عنصره الثاني /النخبوي الذي ظننا انا قضينا عليه قد ترك خميرة سرعان ما تشكلت بواسطتها قوى جديدة لداعش ها هي اليوم تشن هجمات وان كانت بسيطة الا ان هذا الموضوع يبين خطورة الخميرة التي يتركها حزب او حركة او تنظيم معين، بواسطة عنصره الثاني الذي اشرنا اليه، لذلك لطالمنا اكدنا ان داعش ليس تنظيما بسيطا فحسب بل وان القضاء عليه لا يكون فقط عسكريا بل فكريا كذلك لانه يحوي عناصر قد تركت خميرة له في كل مكان قادرة على التشكل وهنا ينبغي دراسة هذه الخمائر ومحاربتها كي لا يكون قادرا على اعادة تكوينه مرة ومرات ، وفي هذا السياق رايت تقريرا يسلط الضوء على عوائل داعش المعتقلين في المعسكرات بين العراق وسوريا وفي اللقاء مع احدى زوجات الدواعش قالت نصا “لو رجع التنظيم لرجعت اقاتل في صفوفه” هذه احدى الخمائر الاساسية في ادامة زخم التنظيم . وهذا الامر ينسحب على كل الحركات المسلحة العقيدية بغض النظر عن ايديولوجيتها.
صانع الخميرة :………
ونقصد به العنصر الثاني في الحزب اي حزب او حركة او تنظيم وينبغي مراقبته في :
فيما يفعله حقيقة .
فيما يهيئه على افتراض انه سيقضى عليه ، وهنا يعلق غرامشي عن هاتين النقطتين بالتحديد ” من الصعب تحديد اي من هاتين النقطتين اكثر اهمية ، فان ضرورة التفكير بامكانية الهزيمة في الصراع، تجعل تهيئة خليفة للحزب، لا تقل اهمية عما يقام به لاحراز النصر ” بالنتيجة ، نحن امام الطبقات النخبوية العقيدية في الاحزاب والتي تمارس تهيئة الخمائر لهذه الاحزاب بعد نفوقها مستقبلا فهي تعد العدة لهكذا امور .
كما نحن امام ما يسميه غرامشي “العجرفة الحزبية” والتي تفضلها بعض الاحزاب على الوقائع العينية ، فعندما لا يستفيد الحزب من الوقائع في البلد ولاتجري وفق رؤاه، نراه يتجه الى العجرفة تجاه المجتمعات .
كما حذر غرامشي من الاحزاب التي تلعب لعبة غيرها ،لان بعض الدول تريد اضعاف دول فتستغل هذه الاحزاب ، وهنا “ينبغي للاحزاب ان تتفادى حتى المظهر المبرر لكونها تلعب لعبة غيرها وبشكل خاص ان كان هذا دولة اجنبية ولكن لو حاول احد استغلال هذا فلن يكون بالاستطاعة عمل اي شيء” (الامير الحديث، م س، ص58.
اذن الاحزاب ستكون محرجة عندما تتهم انها تابعة لدول نفوذ اقليمي ودولي فلذلك هي تتفادى حتى المظهر المبرر لكونها تلعب لعبة غيرها ، نحن هنا امام مجموعة احزاب، متنوعة الايديولوجيات. لكنها تتفق في العراق على ان تلعب لعبة غيرها من دول اقليمية او عالمية ، وهذه الدول تعمل على اضعاف العراق لغرض الاستفادة منه وبشكل كبير ، هذا الاضعاف للسيطرة على موارد البلد وكل شيء فيه وتمرير النفوذ من خلاله، كما انه يصعب استبعاد “ان يلعب حزب سياسي ما يمثل فئات مسيطرة او حتى فئات ملحقة ، دور الشرطة اي : دور المتعهد لنوع من النظام السياسي او القانوني” وهكذا تلعب بعض الاحزاب والحركات هكذا نوع من الحماية لنظام رجعي او فاسد وليس من المستبعد ان تؤدي دور في قتل وقمع الجماهير المنتفضة بواسطة جماهيرها المذكورة في العنصر الاول الذي ذكره غرامشي ومن الممكن بشكل كبير ان تقوم هذه الاحزاب بدور القمع الكبير ، وتسهم عبر الياتها في القمع والترهيب “بعرقلة سير قوى التاريخ الحية ” ممثلة بكتاب وتنويريين ومؤسسات فاعلة ، نستمر مع غرامشي لنعرف هل ان الاحزاب لدينا تستحق ان يطلق عليها لفظة حزب ؟ بمقارنة مع ما ذكره نعرف انها ليست احزاب ، فالحزب التقدمي “يعمل ديموقراطيا والرجعي يعمل بيروقراطيا مع مركزية مقيتة ” والاحزاب العراقية ما بعد 2003 ليست سوى احزاب بيروقراطية مع نظام مركزي مقيت وليست “سوى منفذ لا يملك اتخاذ قرار ، فهو عندئذ جهاز شرطة تقني واطلاق حزب سياسي عليه مجاز مجرد ذو طابع خرافي” (الامير الحديث، غرامشي ، م س، ص59).
مدخل الى العدالة الاجتماعية في نظام الامير الحديث:
ان النشاط الاقتصادي الذي سينقذ الدولة يعود حسب غرامشي الى المجتمع المدني بالتالي على الدولة عدم التدخل في تنظيمه ، وفي الحقيقة ، ان المجتمع المدني يتماثل والدولة ، لذا يرى غرامشي انه من الضروري التسليم بأنه حتى الليبرالية تشكل نوعا من تنظيم ما لنوع ما من الدولة ، بالتالي نحن نصل الى المنهج الليبرالي في قيادة الدولة ،فالليبرالية حسب غرامشي هي “برنامج سياسي مقدر له ،بقدر ما يتحقق ، ان يغير كوادر الدولة الاساسية وبرنامجها الاقتصادي ” اي ان يغير نمط توزيع الدخل القومي، ان الليبرالية ان تحققت يتحقق معها نوع من العدالة الاجتماعية ، فهي برنامج سياسي وحكومتنا تفتقر لتحقيق برامج سياسية واقتصادية اذ لو كانت الحكومات العراقية تحقق برامجا اقتصادية لتغير نمط توزيع الدخول ولما بقينا تحت لعنة النفط وبهذه الصورة الريعية الفاسدة .
المثقف ودوره في مقاومة الاستبداد والفساد:
واحدة من اهم المشاكل التي نعانيها هو عدم التصدي من قبل المثقفين لمشاكل الدولة التي يسببها السياسيون ووضع النقاط على الحروف لايجاد الحلول، بل اننا نجد ان الكثير منهم يشكل جزءا من خطاب السلطة ، وهذه اشكالية كبيرة تمثل جزءا من الخراب الذي نعيشه ، وامثال هؤلاء المثقفين يصفهم غرامشي” انهم يحبون الظهور وكأنهم شديدي الحذق لكنهم لا يعتزمون زيادة الحمل على ادمغتهم…الخ,.”(الامير الحديث، م س ) وكما وصفهم انغلز” انهم يظنون ان لديهم في جيوبهم مجمل التاريخ، كل الحكمة السياسية ، والفلسفية المركزة في صيغ قليلة بدون ادنى جهد او كلفة ، هم ينسون ان الموضوعية القائلة ، بان الانسان يعي على الصعيد الايديولوجي التناقضات الاساسية ليست نفسانية او اخلاقية ، وانما لها طابع معرفي موضوعي بانين لانفسهم بذلك اطارا لفهم السياسة وبالتالي التاريخ ، على انها مسيرة للمغفلين ، على انها لعبة تسود فيها الشعوذة والاوهام ، بذلك ينحط النشاط النقدي الى فضح الالاعيب واكتشاف الفضائح والتطفل على جيوب الرجال من ذوي الاهمية ” بالتالي يتبين من كلام انجلز ان المثقفين الذين يحملون الرؤى الفارغة المتمثلة بان لديهم مالايمتلكه الاخرون كأن يقول كل الحكمة لديه او التاريخ او الحكمة السياسية هم سبب فساد الحكم، الا انهم لا يعلمون انهم مغفلين ولايعون ذلك والنتيجة فساد الحكم والسياسة والثقافة وهكذا ينحط النشاط النقدي الذي يجب ان يكون فاضح للالاعيب والفساد من قبل الطبقات المثقفة ، لان المثقف هو اداة بيد السلطة ، وهنا اقول ان مثل هكذا مثقف يصبح لا مثقف بيد السلطة ويكون كل ما يمتلكه محض هراء لا فائدة منه ، فالمثقف بمعنى او بأخر هو بالسلوك الناجم من التنظير الذي يحمله .
يجب ان يستطيعوا ان يفضحوا الجزء المعين من الفئة الحاكمة الذي له وظيفة تقدمية ، وله السيطرة على مجمل القوى الاقتصادية ، هؤلاء يجب ان يفضحهم المثقف، كيف اذا كان جزءا منهم ؟؟؟؟!!!!
اننا امام فئة مهيمنة تسيطر على الحكومة ، وتتحكم بالجهاز الحكومي ككل مثل الكتل السياسية لدينا تبعا لمصالحها الخاصة ، ان هذا الجزء الوصولي من الفئة الحاكمة له هذه الوظيفة الطفيلية في السيطرة على مقدرات الدولة ونهبها ، وتصبح في نهاية المطاف الحكومة مرتهنة لهذه الفئات الفاسدة المتهرئة وتبعا لمصالحها الخاصة والفئوية لذلك نحى برودون لرفض الدولة جملة وتفصيلا في حين فضل غرامشي الاصلاح في الجهاز الحكومي وحذر من هذه الفئات الطفيلية الفاسدة .
بالتالي يحذر غرامشي من الغباء الذي من الممكن ان تقع فيه الاحزاب والفئات الحاكمة ، يقول عن الصراع السياسي” هو سلسلة من المواجهات بين اولئك الذين استغباهم قادتهم فباتوا غير مستعدين للاقتناع، بسبب حماقتهم غير القابلة للشفاء، وبين اولئك الذين لم يخدعوا والذين وضعوا الشيطان في القارورة ” (الامير الحديث، م س ) ، بالتالي من الممكن ان تفشل هذه الحركات /الاحزايب، قبل تسنمها السلطة ، والسؤال : كم من المغفلين اتباع لميليشيات واحزاب وحركات ومنظمات لا يعون شيئا مما يفعلون ، منقادون حد القتل للاخر المخالف لهم ، سيئون حد السرقة والغاء الاخر ، وممارسة ابشع الاساليب للوصول الى مبتغاهم .
المنظور المزدوج في العمل السياسي:
يقف غرامشي عند هذا المفهوم كثيرا ويذكر امثلة على المنظور المزدوج :”الوحشية والانسانية ، القوة والرضا، سلطة الصلاحية والهيمنة ، العنف والحضارة، المرحلة الفردية والكلية ، الكنيسة والدولة …. الخ. ”
نحن اذن امام هذا المنظور المهم ، الا ان معنى بعد النظر هو الرؤية التي اكد عليها وفسرها بانها الرؤية الجيدة للحاضر والماضي على انهما حركة /الرؤية الجيدة ، اي:” التحديد الدقيق للعناصر الاساسية والدائمة للعملية ” بمعنى ان هنالك تخطيط اسراتيجي تقوم به كل القوى التي مررت البرنامج الحكومي لتنفيذه على ارض الواقع ، لا للتركيز على المنظور المزدوج فحسب بل بعد النظر هو اهم في تشكيل الدولة والحكومة وبرامجها السياسية والقابلة للتنفيذ ، وهنا فمن يمتلك بعد نظر حكومي فلا بد ان يكون له برنامج يود لو انه ينتصر ، صحيح ان بعد النظر مهم الا ان تنفيذ البرنامج الحكومي اهم من بعد النظر كثيرا ، فهو الذي يحقق مطامح الشعوب.
وهذا المنظور المزدوج يتطلب سياسي فاعل يصفه غرامشي في الامير الحديث” ان السياسي الفاعل ينظر فيما اذا كان ما يجب ان يكون عملا ضروريا ام اعتباطيا ، اي ان السياسي الفاعل خالق وموقظ ، وهو لا يخلق من لاشيء ولا يتحرك في الفراغ المشوش حيث احلامه ورغباته ، وهو يستند الى الواقع الفعلي ولكن ماهو هذا الواقع الفعلي ؟” يستند في حركته على خطة استراتيجية للحركة وليست عشوائية اعتباطية ، ماهية هذا الواقع الفعلي تستند كونه هل هو شيء ساكن / استاتيكي ام داينميك / متحرك ، وقد يكون هذا الداينميك كما وصفه غرامشي” علاقة القوى في حركة مستمرة وتغيير في التوازن ؟” وهنا في نظرنا تكمن الارادة التي تخلق هذا التوازن الجديد للقوى الموجودة فعلا ، والعاملة والاستناد على القوى المعينة التي يعتبرها المرء تقدمية واعطاءه سبل الانتصار ، اذن ان ما يجب ان يكون عيني حسب غرامشي بمعنى مرصود واقعي ، حقيقي، فعلي، كائن، مستمر ، ايجابي لا سلبي ، رؤيوي ، ضمن خطة تطوير وهذا حسب تفسيرنا هو التفسير الواقعي والتاريخي الوحيد للواقع ” انه التاريخ الوحيد والفلسفة الفعالة الوحيدة ، انه السياسة الوحيدة ” ان ما يريده غرامشي لتحقيق حكومة الامير الحديث هو الواقعية في الطرح لتحقيق ما يجب ان يكون ضمن فاعل تاريخي واعي سياسي يحقق مبادرة فعالة لمجتمع يسير نحو العدالة الاجتماعية ، وهذا لن يكون بالتنظير فحسب فغرامشي يعتبر انه ” ليس بوسع المرء ان ينتظر من فرد او كتاب ان يغير العالم، ما يمكن انتظاره هو تفسير العالم والاشارة الى خطوط العمل الممكنة ” وهذا كلام واقعي عظيم ، وفي هذا المجال يأتي احد المحسوبين على الثقافة ويظن انه بكتابه او بمقاله او بندوته انه سيغير الناس/المجتمع وهو مخطأ تماما فانت ليس عليك ان تغير بل عليك ان تبين خطوط العمل الممكنة وكذلك تحقيق الممكن بالسياسة والعدالة الاجتماعية ، لا يمكن عبر التنظير فحسب ، بل عبر العمل وايجاد خطوط عمل ممكنة تكون نظرية وتنطلق على ارض الواقع ، هذا هو برنامج متكامل للامير الحديث كمنظومة اذا اريد لها ان تكون ضمن سياسات حقيقية يعمل عليها الجميع (علماني ،ديني،قومي …الخ.) الكل يعمل لتحقيق الواقعي/الفعلي /الفعال الكائن …الخ.
فلذلك اعتبر غرامشي ميكافيلي بانه “لم يقل ابدا بأنه يفكر في تغيير الواقع او انه يعد نفسه لتغييره ، انما قال فقط: بأنه درس عينيا الطريق التي كان على القوى التاريخية اتباعها لتصبح فعالة فعلا” وهذه هي وسيلة المثقف والمفكر ان يضع الخطوط العريضة لتحقيق الممكن وما يجب ان يكون اما تغيير العلم/المجتمع/الناس ، فهذا ليس من وظيفته وهكذا يصبح المثقف واعيا بدوره في التغيير عندما يضع الخطط الممكنة لهذا التغيير بعيدا عن التنظيرات الجوفاء كونه مغير للناس ، صاحب نظرة ثاقبة ، او ان يكون تابعا ذليلا بوقا للسلطات كما فعل الكثيرون من المثقفين سواء في ما قبل 2003 او ما بعده في العراق على سبيل المثال او في مناطق كثيرة من العالم، بل ان بعضهم غير وجهته من دعمه لنظام البعث الى دعمه لاحزاب فاسدة .
وحذر غرامشي من”ازدياد تبعية الامة في حياتها الاقتصادية المباشرة للعلاقات الدولية كلما اصبح مؤكدا ان حزبا سيمثل هذا الوضع ويستغله لمنع الاحزاب المضادة ، من تحقيق مكاسب” اذن نحن امام ( حزب يمثل تبعية امته وعبوديتها الاقتصادية للامم او لمجموعات الامم مهيمنة بدلا من تمثيل قوى وطنه الحيوية) اي احزاب تقوم بدور العمالة بتعطيل البلد اقتصاديا وصناعيا وزراعيا لمصالح دون اخرى مهيمنة في اسواق بلادها وهذا ما اسماه غرامشي (حزب الاجانب) . ويبدو لنا ان حزب الاجانب قد ساهم وجوده مساهمة كبرى في تصفية الناس الوطنيين في العراق ما بعد 2003 والذين كانوا يدعون الى اعادة تشغيل المعامل والمصانع مثلا واعادة الزراعة واذا بهذا الحزب يقوم بتصفيات لاجل دول كبرى مرتبط بها اقتصاديا ويريد نفعها مقابل منافع شخصية له مما دفع الكثيرين لاعاقة تقدم البلاد وايقاف العمل في الكثير من مرافقها الحيوية كي تعتمد الاستيراد من دول بعينها فتمت تصفية واسكات كل الاصوات المهنية الوطنية التي ارادت للبلاد ان تقف على قدميها ويبدو لي ان احزاب ما بعد 2003 كانت مثالا حيا صارخا على هذه النقطة التي اشار اليها غرامشي
النقد الذي يجب ان يوجه لتصحيح المسار في الدولة ليس فقط ذلك الموجه للظواهر العرضية التي ليس لمغزاها اهمية تاريخية كبرى :فهي حسب غرامشي “تنتج نقدا سياسيا يوميا وضيقا يخص الصغير من الفئات الحاكمة ، والشخصيات المسؤولة مباشرة عن السلطة ” يعني ان يكتفي المجتمع بنقد السياسي الفلاني او الحزب الفلاني ، الا ان منظومة الامير الحديث هي منظومة اعمق بكثير فهي تتحدث عن الظواهر العضوية التي تتخطى الظواهر العرضية ،فساد اداري ومالي ، نهب للدولة ، ميليشيات مسلحة … الخ.
وتنتج نقدا تاريخيا – اجتماعيا يخص تجمعات كبيرة تتخطى الشخصيات المسؤولة مباشرة والموظفين الاساسيين بمعنى نقد يحلل البنية الاساسية التي قام عليها هذا النظام الفاسد ، بنية دينية / عشائرية /حزبية/ ريعية … الخ.
متى تقع ازمة هيمنة الطبقة المسيطرة ؟
كما قلنا فان الطبقات السياسية المسيطرة تبقى تمارس عنفها واستبدادها وحصولها على المغانم ، لكن ممكن ان تنفجر ازمة الهيمنة هذه في اية لحظة ، ويعلل غرامشي هذا الانفجار بحالتين وكلتاهما وقعتا في العراق اسواء في ظل نظام صدام ام في ظل حكومات ما بعد 2003م.
فتنفجر هذه الهيمنة على اصحابها اما لانهم فشلوا في عمل سياسي كبير ، طلبت او فرضت بالقوة في سبيله رضوخ الجماهير العريضة (الحرب مثلا) في الحالة العراقية فشلت القوى السياسية في توحيد الناس ، ابعاد العراق عن سياسات المحاور وحماية الناس من الارهاب ومن الفساد الذي نخر الدولة وحمايتهم من الفقر واجبار الناس على معايشة هكذا اوضاع سيئة مما جعل الناس تنتفض بوجوههم لاكثر من مرة وبدأت هذه الانتفاضات تتسع من البصرة 2015 اذا استشهد الشاب منتظر الحلفي وحتى تشرين /2019 اذ قتل ما بعدها اكثر من 700 شاب في عموم البلاد لانهم وقفوا بوجه الة الفساد والاستبداد وعشرات الالوف من الجرحى ومئات المغيبين.
وتقع هذه الازمة بسبب اخر يذكره غرامشي (لان جماهير واسعة من الفلاحين والمثقفين البرجوازيين الصغار، انتقلت فجأة من العزوف السياسي الى شيء من النشاط وطرحت مطالب تشكل في مجملها المبعثر ، ثورة ، يدور الكلام انئذ على ازمة السلطة وتلك هي بالضبط ازمة الهيمنة او ازمة مجمل الدولة )( الامير الحديث ، م س، ص94)
وهكذا ايضا حدث عندما قرر الكثير من المنتفضين في العراق تصحيح المسار السياسي بعد قيام الطبقة السياسية الحاكمة بالقيام بشتى انواع السلب وتجيير الدولة لهم وابعاد الناس عن كل شيء بل عن ابسط حقوقهم وهذا ما احدث لدينا في العراق (ازمة السلطة) وازمة هيمنة هذه الاحزاب التي ما زالت تكابر تحت عناوين واهية وازمة مجمل الدولة العراقية .
ولكن ماذا بعد الثورة… هل ستسكت السلطات؟ الجواب لدى غرامشي بالنفي اذ( تولد الازمة اوضاعا مباشرة وخطيرة لان السكان لا يملكون المقدرة والمال نفسها على تحري وجه السير بسرعة ، وعلى اعادة التنظيم ، فالطبقة المسيطرة التقليدية وبطاقمها السياسي العديد والمدرب تبدل رجالها وبرامجها ، مستعيدة السيطرة التي تفلت منها ، بسرعة لا تقوى عليها الطبقات الشعبية واذا اضطرت الطبقة المسيطرة بالتضحية ضحت وتعرضت لغد مظلم مليء بالوعود الديماغوجية ، لكنها تحتفظ بالسلطة وتشد بنيانها وتستعملها لسحق الخصم، وبعثرة قادته التي لا يمكن ان تكون ذات عدة وعدد)( غرامشي ، م س ، ص94).
بقدرة الاحزاب السلطوية عبر قوة المال والسلاح يتم اعادة التنظيم لهم وبسرعة تفوق سرعة الجموع فالطبقة السياسية المسيطرة في العراق وبعد انتفاضة تشرين اعادة تبديل الرجال والبرامج عبر وسائلها والتغلغل في الدولة ومفاصلها والتغول عليها /ابتلاعها عبر الدولة العميقة ، كما قامت بوعود اشبه ما تكون انها غير مفهومة /ديماغوجية اعلنت عنها الحكومة اثناء تشرين /2019 -2020 عبر سلسلة طويلة من التعيينات التي ليس لها اصل في الميزانية وليس لها ابواب قانونية وان صحت وهي لم تكن كذلك فانها ضمن برنامج الترهل الحكومي الوظيفي الذي استخدمته الطبقة السياسية لاسكات الناس منذ 2003 لليوم، وهكذا عبر هذه الوعود الزائفة التي تضمنت اموال ووعود غير مفهومة كثيرا مهلهلة ، وكذلك عبر التهديدات التي صدرت من السلطة الى الشباب ، احتفظت الطبقة السياسية بسلطتها واستعملتها في سوق خصومها وبعثرة قيادتها ولاحقتهم بالخطف والقتل والتشريد والقيادات ليس لها حول ولاقوة والسبب انها ليست بذات عدة .
ان مشكلة الاحزاب لا تقبل ان تعيها كان قد وصفها غرامشي ، وهي السؤال حول مقدرة اي حزب على مقاومة التبلد في العادات والنزوع الى التحنط ، والتخلف عن المرحلة ، اذ تولد الاحزاب حسب غرامشي وتصبح منظمات لتقود الوضع في لحظات حيوية بالنسبة لطبقاتها لكنها وهذه هي معضلة اغلب الاحزاب العراقية ان لم نقل كلها (لا تقوى دائما على التلاؤم مع المهام والمراحل الجديدة ، كما انها لا تقوى دوما على النمو بموازاة مجمل علاقات القوى ،بالتالي لا تؤدي دور طبقاتها المناسب في بلد معين او على الصعيد العالمي) فكثير من احزاب السلطة اليوم في العراق او في غيره يظن لها دوما انها تحسن صنعا، قد تكون قادت بلادها وجماهيرها في فترات حيوية معينة من عمرها لكنها لم تتلاءم مع مهام ومراحل جديدة من عمر البلاد والعباد. والسؤال :هل استطاعت الاحزاب الحاكمة في العراق ان تتلاءم مع طبيعة الوضع الجديد الذي افرز ما بعد 2003 ام بقيت تتعامل مع الوضع بعقلية المعارضة التي كانت عليها ما قبل 2003؟ انها بقيت بعقلية المعارضة وهي في سدة الحكم ، وهذا ما حذر منه غرامشي وساقه دليلا لفشل الاحزاب الحاكمة ، بالتالي لم تستطع ان تطور لا المستوى الداخلي ولا تعاملاتها الدولية وعرفت بانها احزاب خراب.
عناصر قراءة المنظومة الحزبية :
لقد ميز غرامشي بين العناصر التالية لتفكيك اية منظومة حزب راديكالية :
الفئة الاجتماعية .
جماهير الحزب.
بيروقراطية الحزب وقيادته.
والاخير يعرفه غرامشي تعريفا منطبقا تماما على الاحزاب العراقية ( البيروقراطية هي القوى الروتينية والمحافظة الاكثر خطرا ، وهي اذا ما افضت الى تشكيل سلك متضامن ومنفصل يشعر باستقلاله عن الجماهير ، تخلف الحزب وفرغ من مضمونه الاجتماعي، في لحظات الازمة الحادة ، وبقي كأنه معلق في الفضاء) بالتالي ، فان الاحزاب العراقية تحوي هذه الطبقة البيروقراطية فيها، وهي الطبقة صاحبة القرار فيها ، وهي الاخطر على المجتمع، لانها شكلت عبر قواها التابعة لها سلك متضامن تجمعه المصالح وهو منفصل عن معاناة الجماهير ، ساهمت هذه الطبقات وبصورة واضحة في تخلف احزابها وتفريغها من مضمونها الاجتماعي في الازمات، التي مرت وتمر على البلاد، الا ان الاحزاب في وادي والشعب في واد بسبب الطبقة البيروقراطية الحزبية المهيمنة على سلوك الحزب ككل.
اننا امام مفصل تاريخي مهم في تاريخ العراق الحديث ، اذ تشكل هذه الاحزاب المهيمنة ظاهرة خطيرة على السياسة والاقتصاد والمجتمع العراقي ككل، لانها بقيت معلقة في الفضاء وعلى حد تعبير غرامشي ونضيف مع امتيازاتها وسطوتها وبقي الشعب يئن تحت وطأة حكمها وسوئه وقسوته ومصالحها كانت ، وما زالت قريبة من رؤاها وليس لها ادنى شعور واستشعار بحاجات الشعب وقضاياه المصيرية .
اما تفعيل العناصر البيروقراطية في داخل الاحزاب يكون كالتالي :
قد تكون عسكرية وليست ذات صبغة مدنية . تشكل بعض الفئات الاجتماعية عامل امداد للبيروقراطية بعناصرها قد يكون الجيش داخل هذه الفئات بصورة غير علنية ، وهذا ما يسمى ب (تسييس المؤسسة العسكرية) وقد وقع فيه العراق كثيرا ، ويعتبر غرامشي انه ليس صحيحا ، انه لا يجوز للجيش حسب الدساتير ، ان يقوم بعمل سياسي ، اذ على الجيش ان يدافع عن الدستور اي :شكل الدولة الشرعي، وعن المؤسسات المرافقة ، وهنا يقول غرامشي ((لا يعني الحياد المزعوم سوى دعم الطرف الرجعي)) وهذا ما نريده تأكيده ، اذ لا يسع الجيش ان يقف مع طرف الاحزاب والرجعية بدعوى الحفاظ على الحكومة ، بل انه يجب ان يكون مساهما في تصحيح مسار العملية السياسية ، واذا كان غير مساهم ومشترك بمهاجمة الناس وعدم حمايتهم وعدم حماية النظام الاجتماعي وليس الحكومة ، عند ذاك يكون شريكا اساسيا بالدفاع. عن الطرف الرجعي سيما الاحزاب، وهي طرف رجعي بحق وحقيق ، نتيجة ما اقترفته من انهاك للدولة العراقية اقتصاديا وأمنيا وسياسيا وكافة الصعد.
العراق بحاجة الى حكومة نهضوية ذات خطط استراتيجية تعطي الانسان الاولوية اما ابقاء الاحزاب الرجعية طرفا قويا بالمعادلة العراقية سيسهم في اضعاف الدولة عشرات المرات، ولن يقدم ما يصبو اليه الناس، نصل الى نتيجة حتمية تبين ان الجيش يجب ان يتدخل لفرض القانون داخل الدولة ، اذا تم انتهاكه لا ان يبقى مكتوف الايدي والناس تراق دماؤها تحت عناوين واهية ، وهي الحفاظ على الامن والقانون ، والا أي أمن سيتحقق والناس تقتل وتسرق اموالها جهارا.
ويجب الحذر كل الحذر من العناصر البيروقراطية داخل المؤسسات الحزبية ، وداخل الاحزاب نفسها، التي في اغلبها تكون عسكرية وليست بذات صبغة مدنية ، وهنا تكمن الخطورة اذ يبدا الحزب يتدخل بأمور امنية كثيرة جدا، ويكون اقوى من المؤسسات العسكرية والامنية ، وهذا مالاحظناه في البصرة 2020 اذ تفرض الدولة قوتها على حزب او حركة وتأخذ مقرا لها بعد ان شكل هذا المقر مكانا لضرب أناس سلميين ، واذا بهم يأتوا ليطردوا (قوات حفظ القانون) منه ، وهذا يدل على ضعف الجهاز الامني للدولة وبشكل كيبر جدا.
واذا كان الجيش داخل العناصر البيروقراطية الحزبية فان العناصر البيروقراطية الحزبية داخله ايضا وتماما.
اننا اذن امام فوضى سلبية داخل الدولة تحتم علينا ان نستبدلها بالفوضوية او بالفوضى الايجابية او بالامير الحديث ن ،بالتالي ان ننشد العدالة الاجتماعية التي حرم منها الناس لسنوات طوال وما زالوا.
وما يساعد على تفشي هذه الفوضى السلبية المانعة لقيام الدولة (انشاء البيروقراطية المركزية في الدولة وهذا يدل على ان الفئة الحاكمة قد تشبعت واصبحت زمرة ضيقة تعمل جاهدة لادامة امتيازاتها الانانية بالتحكم في نشوء القوى المعادية او حتى بخنقها) (غرامشي ، م س ) وهذا المبدأ هو الذي يجعل احزاب البلاد الحاكمة البيروقراطية المركزية تعمل بشتى الاساليب لادامة امتيازاتها ومصالحها وترفض اية قوى تقف بالضد منها .
لان عنصر الاستقرار ضروري للاحزاب التي تمثل فئات اجتماعية ثانوية كما تجب الاشارة( الى ان المظاهر غير الصحيحة للبيروقراطية المركزية تعود الى عدم وجود اية مبادرة او تحمل للمسئولية في مستوياتها الدنيا ) ونحن نؤشر هذه القوى التي لا تحمل اية مبادرة تسهم في تعديل المسار وانما مبادراتها تعتمد على عدم وجود المبادرة بالاصل وضياع روح البناء والنهضة .
وبدلا من انفتاح القوى السياسية هذه على حكم دولة مدنية ديمقراطية حقيقية ، نصل بسببهم الى مستنقع راكد هادئ سطحي مغفل .
يبدو ان الدولة في الامير الحديث /النظام تؤدي الى مفهوم العدالة الاجتماعية اذ يشير غرامشي الى ان ثمة مهمة تربوية واعدادية تضطلع بها الدولة ، وغرض هذه المهمة ان تخلق نماذج جديدة من الحضارة وان تصل الحضارة والاخلاق اوسع الجماهير الشعبية بحاجات نمو جهاز الانتاج الاقتصادي الدائم
بالتالي تضطلع باستقلال اوسع للمجتمع المدني عن دائرة عمل الدولة ، وهذا ما نراه مهما على الرغم من كونه قد يضايق الحريات ولكن على الدولة ان تنشر الحضارة والاخلاق على كل الجماهير وتوصلها الى اوسع مدى وهنا نقف عند بعض الممارسات المتخلفة التي تصدر عن بعض المجتمعات /العشائر مثلا .
فمن المعيب ان تتدخل الدولة لتأديب الشعوب والمجتمعات ، ولكن اذا كانت هذه المجتمعات تمارس القتل والترهيب وضرب بعضها بعضا وتمارس القبائل سياسة الترهيب والخطف مع المختلفين معهم كما يجري من معارك واشتباكات في مناطق من العراق مثلا وفي شمال البصرة بالخصوص.
عند ذلك يتوجب ان تضع الدولة كل امكاناتها وتسخرها لتأديب هكذا نوع من الناس لا ترعوي عن الاهتامام بالمجتمعات واذا بها تفعل كل هذه الافعال السيئة والمشينة .
السلطات الثلاث:
المشكلة في اي نظام سياسي عندما تنحرف سلطاته عن المسار ونقصد بها(البرلمان،القضاء،الحكومة ) بالتالي اذا انحرفت عن مسارها ، فانها لا تصبح دولة صالحة لاحتواء مواطنيها ،فهو يرفض هذه الدولة كما رفضها برودون الذي اعتبر ان كل الدول ستصل الى هذه النتائج السيئة ، وهنا فان برودون يعتبر ان هذه السلطات الثلاث تمثل ادوات للهيمنة السياسية وبدرجات مختلفة ، وهذا ما حذر منه غرامشي في الامير الحديث ، اذ ينبغي ان تكون هذه السلطات في خدمة المجتمع وليس العكس ، اذ تقترن هذه السلطات باعمال بوليسية تعسفية وادارة سياسية سيئة ، وهنا يضع شروط لجعل الدولة تطبق قانون غير تعسفي اذ يشير الى (ضرورة تحرير مفهوم القانون من كل بقايا المفارقة والاخلاقية وعمليا من كل تعصب اخلاقي) ويوصي الدولة ان لا تعاقب بل (تناضل ضد الخطورة الاجتماعية) ويجب (عليها ان تبدو كأنها مرب في انها تهدف بالتحديد الى خلق نوع جديد من الحضارة ومستوى جديد لها )
ان الدولة التي ارادها غرامشي اداة عقلنة فعالة لا تطور القوى الاقتصادية فحسب بل هي اداة تسارع وما اسماه غرامشيtaylorsation فهي ( تعمل ضمن خطة ، وهي تضغط وتوقظ وتستحث وهي تعاقب لانه عندما تخلق اوضاعا يستحيل فيها نمط من الحياة ، يجب ان يترتب على العمل او الاجرام نتائج قانونية عقابية ذات مغزى اخلاقي وليس فقط حكم بالخطورة العامة ) والسؤال هل هذه ابوية من قبل الدولة وتسلط على المجتمعات بحجة فرض الاخلاقيات ام انه امر مهم لتفعيل حكم القانون وتفعيل الدور الاخلاقي بالمجتمع بعد غيابه ؟ سيما ما نشاهده اليوم من انفلات من قبل جماعات مسلحة وعشائرية تاخذ ما تريد بالقوة دون رادع من القانون .
بداية ان من واجبات الامير الحديث التي اشار اليها غرامشي ” ان يضم نشاطات منح الجوائز الفردية والجماعية الى مفهوم القانون ” فالعمل الجيد والمؤهل للتقدير مكافأ عليه بقدر كون العمل الاجرامي معاقب عليه .
اذن نحن امام طابع اخلاقي للقانون والدولة مفيد للمجتمعات الشبيهة بمجتمعاتنا التي تستنفد معها كل وسائل الانضباط ، ولقد اشار غرامشي الى ما يبدو لدينا على انه فوضوية برودون ، فمن الممكن ان تنشئ طبقة برجوازية عظيمة تتسع وتستوعب اكبر عدد من المدنيين وتلفظ اقسام منها ما عادت مجدية لها ، فيصل الى نتيجة “ان طبقته تستطيع ان تدعي القدرة على استيعاب المجتمع كله وكذلك القدرة على التعبير عن هذه العملية ، تدفع بنظرية القانون والدولة هذه الى الكمال ، الى تصور مرحلة تنتهي فيها الدولة وينتهي فيها القانون ، لانهما اصبحا غير مجديين بعد استنفادهما امكانات دوريهما، وامتصاص المجتمع المدني لهما” وهذا ما نراه جزء من الفوضوية عندما تنتفي الحاجة الى الدولة ويحل محلها المجتمع المدني القادر على ان يستبين دوره فيه ويحل محل الدولة ، ولكن هذا جزء من الخيال الذي من المستحيل ان يتحقق في ظل معطيات الحاضر وصعوبة تكوين هكذا مجتمع.
ان الدولة اسوء ما تكون عليه عندما تتحول الى جهاز يؤدي الى (انحطاط الحرية) او تكون جهاز هيمنة على المجتمع المدني والياته لتكوين مباهج الحرية واسس العدالة الاجتماعية اذن نحن امام طريقين اما دولة مربية (مع مراعاة ان تكون كذلك في مجتمعات تسيء لنفسها كما لدينا )قادرة على ان تتبين مواقف الثواب كما العقاب او سلطة المجتمع نفسه بعيدا عن الدولة وهي الفوضوية التي تحدث عنها برودون.
اما الدولة التي تجرجر نفسها خلف الاحداث فممكن ان تولد تيار ايديولوجي دكتاتوري يميني بتدعيمه للسلطة التنفيذية وهذا اخطر ما في الموضوع.
الدولة بالمعنى الضيق ،التنظيم السياسي /القانوني يقابله حسب غرامشي (الدولة العسس) /الدولة الشرطي وهذه دلالة يصفها غرامشي ودانييل هاليفي انها لا تتعدى مهامها الوصاية على الامن العام واحترام القوانين ،المهم ان الامير الحديث وجه اعلى من التطور من الفوضوية لبرودون طبعا مع رفضه لاية دولة والسبب سوء الانظمة لاسيما الملكية منها، كما نجد ان غرامشي يشير ايضا الى (تعبير الدولة –العسس الذي ينبغي ان يحمل من السخرية اكثر مما يحمله تعبير الدولة الشرطي ) او (الدولة البوليس) والنقيض لهذه الدول هو (الدولة /الاخلاق)، ويقف في الامير الحديث مع مفهوم الدولة المتداخلة ، لان مفهوم الدولة الاخلاقية يعتبر انه يرتبط بمفهوم الدولة العسس ، اذ انه يعتمد على النشاط المستقل التربوي والاخلاقي للدولة العلمانية ، اما مفهوم الدولة المتداخلة الذي اراده غرامشي فينطلق من كونه مفهوم ذو اصول اقتصادية ، وهو يمت بصلة الى تيارات الحماية الجمركية ومحاولة حماية الطبقات الكادحة من تعديات الرأسمالية الى موظفين بعينهم في الدولة ، يتحدرون من عائلات مالكة بمعنى حماية الناس من اي استغلال اقتصادي واضح تقوده افراد او مؤسسات .
ويعود غرامشي شيئا فشيئا نحو الفوضوية يشرح ويشير ، ففي مفهوم الدولة العام عناصر ينبغي ردها الى المجتمع المدني ” اذ تعني الدولة : المجتمع السياسي +المجتمع المدني” اي : الهيمنة المدرعة بالعنف ، فالمسألة الاساسية في الامير الحديث ترى امكان تلاشي الدولة وانحلالها في مجتمع منظم.
بالتالي يصل غرامشي الى تصور يجعل من الدولة /الضغط يستنفد بقدر ما يشتد عود عناصر المجتمع المنظم ويتنامى ، بالتالي تقع الدولة ويبرز المجتمع المنظم ويتنامى وجوده كما مر بنا.
في هذه الفرصة العظيمة في حياة دولة او مجتمع من المجتمعات ، تندمج الدولة فيها بالمجتمع المدني ، الى مرحلة الدولة /العسس، مرحلة تنظيم ضاغط يرعى نمو عناصر المجتمع المنظم التي يؤدي اتباعها تدريجيا الى الاستغناء عن تسلط الدولة وضغطها .
مرحلة الدولة فحسب + مرحلة المجتمع المدني تقود الى اندماج الدولة والمجتمع المدني يقود الى الدولة /العسس تقود الى مرحلة تنظيمية تقودها الدولة يقود الى مجتمع منظم( مجتمع مدني واضح المعالم) يقود الى (الاستغناء عن تسلط الدولة وضغطها) = الفوضوية لبرودون
(رؤية غرامشي حول الدولة)
بالتالي، عند الاستغناء عن الدولة وضغطها من الممكن ان نرجع الى الفوضوية التي نادى بها برودون مع الفارق الذي اوضحناه وهو ان غرامشي اوجد الاستغناء عن الدولة من خلال الدولة نفسها وارجع السلطة للمجتمع اما برودون فهو قد استغنى عن الدولة ابتداء، لكن بأية صيغة فقد كانت مقاصد برودون التي ناقشناها تقوم على : 1
فضح وتحليل النظام الاجتماعي االمؤسس على امتياز القوة الجماعية .
تبيان العلاقات الضرورية التي توحد غاياته وبأية تطورات متأصلة فيه يميل نحو تصفية نفسه.
اكتشاف العناصر التي تتيح تمييز خاصيات المجتمع المقبل في صميم تلك الصيرورة نفسها .
هذا المجتمع المقبل /الفوضوي لن يكون مجتمعا بلا قوانين ما دام ان كل مجتمع يشكل نظاما ويحتوي على نسقه.
صيغة القانون لا بد ان تكتسب معنى مختلفا تمام الاختلاف بما ان نهاية الاستلابات اعادة القوى المستلبة الى الكل الاجتماعي.
لابد من ان تحطم عملية الاظهار exteriorization في النظام ، بالتالي ارجاع القانون المتأصل فيه الى ابداعية المجتمع .
نصل الى نتيجة ، وهي ان النظام بدلا من ان تفرضه الضغوط الاقتصادية او السياسية المصطنعة سوف ينشأ من الفعالية الاجتماعية وحدها، من تلقائية الافراد والتجمعات ، بالتالي(( يصير من الواجب ان نتابع بالملاحظة في الفوضوية الايجابية ، هذا التجاوز للضرورة ومجيء المجتمع التلقائي ، الذي يرد بأكمله الى الفعالية الخلاقة )) (بيير انسار ،ماركس والفوضوية ، ج 2 ،برودون، مبحث في العلم الاجتماعي لدى سان سيمون وبرودون وماركس ، دار الطليعة ، بيروت، م س ، ص 19)) ت:ذوقان قرقوط .
يبدو لي ان كلا من غرامشي وبرودون يخشيان من النظام الذي تتمفصل اشكاله الاساسية الثلاثة : الاقتصادي والسياسي والايديولوجي والخوف من كونها تؤيد بعضها بعضا للمحافظة على النظام الاجتماعي في لامساواته وفي اختلاله الاساسي .
بالتالي يصل كلا المفكرين الى نتيجة (الاستغناء عن تسلط الدولة وضغطها ) عبر فك اشكاليات الانظمة التي تتعاضد بها الاشكال الاقتصادية والسياسية والايديولوجية لضبط المجتمعات وخنق حرياتها وخنق مفهوم العدالة الاجتماعية بل ضياعه ، وهو ما ابتدأنا به موضوع هذا المبحث من هذه الدراسة اذ ان الهدف الاساسي لنا هو الوصول الى المساواة ،العدالة الاجتماعية وضبط ايقاعها ببنى واضحة المعالم وتأسيسات نظرية غاية في الدقة .
ملاحظات ختامية :
(( كان جهد غرامشي منصبا على اعادة الاعتبار للجدل، بالتالي لامكانية الممارسة الواعية)) (جون مرينغتون، النظرية والممارسة في ماركسية غرامشي /الامير الحديث، ص161).
لقد كان غرامشي يؤمن عبر ماركسيته انه لم تكن مقتصرة على الشروط المادية للوجود، بل شملت ايضا مضمون هذا الوجود، اي ما اسماه (جون مرينغتون) :التطور المتكامل للامكانيات البشرية عبر مجمل التجربة ، والامتداد الواسع للامكانيات الخلاقة ، التي ستجعلها الاشتراكية ممكنة .
وتطلب توسيع المجال هذا تشديدا ، متجددا على دور الوعي والافكار في تغيير المجتمع، فالايمان بدور الوعي والافكار في تغيير المجتمع كان الشغل الشاغل له والذي دعاه الى ان يوجد افكار الامير الحديث التوعوية بضربة الامير لميكافيللي ، لذلك نستطيع ان نعتبر ان غرامشي كان مهاجما للنظم الفكرية المغلقة ذات الصياغات المطلقة في نتائجها ، يقول في دفاتر السجن:”” تكمن وحدة اية نظرية وقيمتها كنظرية منظمة في تماسكها الجوهري وفي فهمها الخصب لكل حل لأشكال ما لافي بنيتها الخارجية والشكلية “” كان يركز على التوكيد النشط على الوحدة بين النظرية والممارسة وكان هذا سلاحه ضد المادية والمثالية ، وكان انتقاده لغش الحزب في مواجهة الفاشية واضحا ” انهم لا يعلمون كيف يعدلوا الوسائل تبعا للاوضاع التاريخية المختلفة ” غرامشي كان يؤمن بدور المثقف في انتاج الكتلة الثورية “معيدا امكانية المبادرة الثورية من قبل قوى سياسية واعية ومستندة على وحدة ايديولوجية وسياسية بين المثقفين والجماهير ، الذين يشكلون الكتلة الثورية ” كانت المسالة اذن ان يطور الارادة الجمعية وان ينتقل بها في دور ثانوي سلبي الى دور مهيمن فاعل واعي باتجاه اهداف ثورية والعمل على راي مرينغتون “ليس تجاه تعديل جزئي داخل النظام بل تجاه طرح مسالة الدولة في كليتها ” فلا قوى تخضع الانسان الى ارادتها وتتمكن منه وتسحقه تحت الاتها المتنوعة /سياسية ، دينية ،عشائرية .. الخ. بل خلق الة تخلق بدورها شكل اخلاقي /سياسي جديد يمكن من مبادرات جديدة ، وهذا يتطلب وجود المثقف العضوي في هذا الكيان لقيادته ، اذ يعتبر دور المثقفين “وهم كل اولئك الذين لهم دور تنظيمي وتربوي ” كواسطة لتحقيق تحول في الوعي وتجديد ثقافي على كل مستويات المجتمع،لقد حارب انفصال الحزب والمثقفين عن الجماهير ، والفشل في خلق علاقة عضوية التي هي القادرة وحدها على ترسيخ هيمنة ثورية تتخطى التبعثر الحاصل الذي خلقته وحافظت عليه كتلة مسيطرة ، كان يركز كذلك على ضرورة ان تتمكن الحركة الثورية من ممارسة قيادة فعلية للمجتمع المدني قبل الاستيلاء على السلطة ، يعني ان ليس بامكان الطبقة العاملة ان تصبح مهيمنة بدون بعض التضحية بمصالحها المباشرة من اجل مصالح جميع حلفائها الممكنين في المجتمع، وقد وقف غرامشي عند مفهوم الكتلة الثورية كثيرا ، اذ ابرز مسالة التحالف التي تقود الى مسالة التحضير الثقافي للحركة الاشتراكية بأكملها وبالامكان ان نعتبر تحالف القيادة تؤدي الى ((اللحظة التي تصبح فيها فئة ثانوية مهيمنة ،ومستقلة ، مظهرة نوعا جديدا من الدولة تتطلب عينيا تشييد نظام فكري واخلاقي جديد ، اي: نوع جديد من المجتمع وتتطلب بالتالي تطوير المفاهيم الاكثر شمولا وعمومية ، الاسلحة الايديولوجية الاكثر حسما ودقة وصقلا” ومن هنا دور المثقف في لحم هذه الكتلة الثورية ويشير غرامشي الى مفهوم مهم جدا وهو دور التنظيم في قيادة الثورات والتجمعات ودور القيادة له كذلك ” يشير وعي الذات النقدي تاريخيا وسياسيا الى بروز نخبة من المثقفين، ليس بامكان كتلة بشرية ان تميز نفسها وان تصبح مستقلة بارادتها بدون ان تنظم نفسها ولا تنظيم بدون مثقفين او قادة ، اي بدون ان يكون الجانب النظري من رابط nexus النظرية –الممارسة مميز عينيا في مجموعة مختصة بالتطوير المفهومي والفلسفي ” بالتالي فان التجمعات الثورية او الانتفاضات تحتاج الى :
ان تنظم نفسها ولا تبقى عشوائية كي تتمكن من تحديد اهدافها .
ان تكون لها قيادة
ان يكون للمثقفين دور في تنظيم هذه الكتلة .
وربط النظرية الموجودة لدى المثقفين بالممارسة التطبيقية التي تقوم بها هذه المجموعة البشرية منتفضة كانت ، ثورية /مطالبة بحق مشروع كالعدالة الاجتماعية وبالتالي الوصول الى وحدة ثقافية /اجتماعية تحول عددا كبيرا من الارادات المبعثرة ذات الاهداف غير المتناسقة الى هدف واحد مبني على رؤية شاملة مشتركة للمجتمع.
بالتالي كنا نشخص الى ضرورة ان يكون للمثقف دوره وكلمته في مواقف مجتمعه ، وللاسف فان المثقفين العراقيين انقسموا تجاه انتفاضة تشرين مابين معارض لها وهو صوت السلطة وما بين منغمس بها واغلبهم تعرضوا للخطف والاعتقال وما بين ساكت لا يتدخل بما يحصل وكأن الموضوع لا يعنيه وهنا تقع الطامة الكبرى فنحن نريد مثقفا لاحما للكتلة التاريخية واذا به يكون ناقما عليها او متفرجا فحسب .
ان العدالة الاجتماعية تتطلب عقليات تحترم هذا الفكر الذي يقود الى نظام الامير الحديث /العدالوي ومن يطالب بالعدالة الاجتماعية عليه ان يقف عند الفكر وتطبيقاته والتجمعات الثورية لا بد لها من قيادة يكون للمثقف فيها دور بارز وواضح ومحمي حتى . ويبقى السؤال الاهم : من يقرا من ؟؟؟!!!!!!!!
ان بلادنا تمت قيادتها بنفس العقليات السابقة حيث الريع الوفير الذي يباع ويسرق منه الكثير ويوزع على الناس القليل بعيدا عن اية خطط استراتيجية حكيمة وواعدة قادرة على التصدي للملفات الشائكة في الدولة وقيادتها بوعي الاستثمار بعيدا عن العقلية الريعية التي تولد المركزية والاستبداد، وهذا ما نحن بصدده في هذه الدراسة ، التي اخذت على عاتقها ايجاد صيغ اقتصادية مبنية وفق نظرات علمية سبق وان طرحها مفكرون كبار نامل ولو بحلم ان يطلع المسؤولون عليها ويتعلموا كيف تدار الدول والمجتمعات وكيف يتم قراءة الشعوب ومسيراتها وحتى تاريخها، الذي له دور كبير في صياغة حاضرها ومستقبلها ، اننا امام ادارة الازمات وكيفياتها ورؤاها التي تضمنت ولو قليلا فقه ادارة الازمات في البلاد.
لذلك وضعنا انموذجين مهمين لبرودون وغرامشي وهذان النموذجان انطلقا من ايديولوجيات مختلفة ولكن مطلبها واحد وهو تحقيق ا0لعدالة الاجتماعية في ادارة الدولة والمجتمعات . عبر التوزيع العادل للثروات وادارة الاقتصاد بشكل سليم والسياسة بشكل صحيح، وان شئنا غير بعيد
فاننا امام مفهوم الحكم الرشيد، كمفهوم حديث يتضمن وضع موارد البلاد موضع التحكم الصحيح، بعيدا عما فعله السياسيون في هذا البلد، اننا نحاول من خلال هذه الدراسة ان نقارب قدر الامكان. ان العراق يعاني بشدة من مشاكل اقتصادية نتيجة عدم قيام سياسييه /لاسياسييه بتقصي اقتصادي واضح مع خطط استراتيجية واستثمار اموال النفط اثناء الوفرة التي حظي بها العراق في سنين خوالي ، الطاغية صدام استخدم الوفرة وسخرها في حروبه واستخدمها سياسيوا ما بعد 2003 في سرقاتهم . حتى ان بعضهم شرعن لسرقاته وقال بما نصه “ان اموال الحكومة مجهولة المالك ويجوز سرقتها ” وهذا ما صرح به سياسيين من داخل البلاد وفي اكثر من مناسبة .
ولا ننسى ان قلة الطلب على النفط قادمة لا محالة باعتماد الدول المصنعة المتزايد على الطاقة النظيفة (طاقة الريح، الشمس، الامواد، باطن الارض،…. الخ) وتوجه مصانع السيارات الكبرى لتصنيع سيارات تشتغل على الكهرباء بدلا من البانزين والكاز والكهرباء الناتجة اصلا من طاقة نظيفة .