22 ديسمبر، 2024 2:04 م

لفترة زمنية زادت عن خمسة اعوام ، اصبحت لي تجربة شخصية في مراجعة عيادات الاطباء الخاصة والمستشفيات الاهلية ، اضطررت اليها بعد ان تدهورت بشكل مرعب احوال المستشفيات الحكومية بعد العام ٢٠٠٣ . بامكاني ان اقول عنها ، من غير ان اتجنى على احد ، بانها تجربة تجرعت فيها طعم المرارة ، إذ تركت في داخلي افكارا سلبية ، اختلطت مع مشاعر الغضب والكراهية، ازاء ما اصبحت عليه مهنة الطب في العراق ، فقد تحولت هذه الاماكن في آليات عملها ومنهجها في التعامل مع المريض الى مايشبه المسلخ ، حيث لايسمع في اركان عياداتها وصيدلياتها ومختبراتها ، اي صدى للقسم الانساني العظيم الذي ردده جميع الاطباء يوم تخرجهم ، فأنت لن تجد فيها اثرا للرحمة والرافة ، في اجرة الاطباء وفي فواتير الادوية والمختبرات .
وسينعقد لسانك من اثر الصدمة ، وانت ترى الاحتيال ، قد نال من تفكير اغلبية الاطباء ، بدل المصداقية ، فالمهم بالنسبة لهم ، ان يرغموك على ان تراجعهم اكثر من مرة ، وان تجري جملة فحوصات مختبرية كلما راجعتهم ، وبذلك لن تفلت من قبضتهم ، الا بعد ان ينفضوا من جيوبك ما تحمله من مال ، كنت قد جمعته بشق الانفس .
اسمع قصصا كثيرة من اصدقائي الذين يعيشون في الغرب ( الكافر) ، واكاد لا اصدق ما اسمعه منهم ، حول عظم المسؤولية التي تتحملها الدولة في رعاية مواطنيها من الناحية الصحية ، فلا اجد نفسي إلا وانا اشعر بالغيرة مما يلقاه الانسان هناك من رعاية وتقدير لحياته ، وعندما اقارن ذلك ، بما نواجهه من مشاق ، اذا ما اصابنا مرض ،لا استطيع ان امنع نفسي من كيل سيل من اللعنات على تلك اللحظة القدرية التي جعلتني اولد في بلد يدعي متفاخرا في دستوره بانه بلد مسلم ، وكنت ارجو ان يحالفني الحظ، واولد في بلد محسوب من قبلنا “نحن الشعوب المؤمنة ” في خانة الكفر والالحاد والسقوط الاخلاقي .
لن اكون مغاليا عندما اقول بان السنين التي سبقت سقوط الدولة عام ٢٠٠٣ ، كانت الدولة متكفلة بتقديم اغلب الخدمات لجميع المرضى ، وباجور رمزية ،لان كل المستشفيات كانت حكومية.كما حرصت الدولة على بناء المراكز الصحية والعيادات الشعبية في جميع المناطق السكنية ، في المدن والارياف.
اعلم جيدا ان البعض سيهز راسه ويضحك ،لانه قد اكتشف الدافع “الخفي والمسموم ” لكلامي هذا ، وسيقول ملتفتا الى من يجلس الى جانبه :” واضح ان الأخ ، مضغوط طائفيا من النظام الجديد ، ومايزال يحن الى ايام البعث الكافر ” .
بكل الاحوال لاجدوى من الرد على هؤلاء .
نقابة الاطباء والصيادلة ووزارة الصحة العراقية في بغداد وفي اقليم كوردستان ، هل ستبقى ملتزمة الصمت ، ازاء ماوصلت اليه الاوضاع من جشع لايليق بمهنة انسانية في شكلها وجوهرها ؟
الخلاصة ان بقاء الحال على ماهو عليه ، هذا يعني ان ملايين البشر من الفقراء اذا ما اصابهم مرض مزمن، عليهم ان ينتظروا ساعة موتهم في بيوتهم ، طالما فرصة العلاج متاحة للاغنياء فقط .
عندما انتهيت من كتابة افكاري” المسمومة ” نظرت الى عقارب الساعة ،وكانت تشير الى ٤١ : ٥ صباحا .