18 ديسمبر، 2024 8:38 م

مسؤولية الناخب في إصلاح النظام السياسي العراقي

مسؤولية الناخب في إصلاح النظام السياسي العراقي

انتقل العراق من حكم الحزب الواحد إلى حكم الأحزاب المتعددة في 2003 بشكل مفاجيء وقسري ودون مقدمات تضمن تحولا سياسيا سهلا، وتُحقق بنية فكرية وثقافية لهذه الانتقالة الجذرية في طبيعة الحكم ونوع النظام السياسي.
بل عكس ذلك، كانت البنية الثقافية والفكرية والاخلاقية للمجتمع العراقي قد تعرضت إلى ضرر جسيم بسبب ما واجه العراق من حروب خارجية وداخلية وتضييق على الحريات طيلة عشرات السنين قبل 2003.
وقد أدى ذلك لاحقا إلى حدوث انقسامات حادة في المجتمع العراقي تحولت احيانا الى تصفيات واغتيالات واستهداف مسلح.
وطبعا لا نغفل هنا دور التدخلات الخارجية التي غذّت أزمات وصنعت أخرى بهدف إضعاف العراق مرّة، ومرات بهدف نصرة هذا الطرف العراقي على غيره من الأطراف العراقية.
كانت آخر انتخابات ديمقراطية شهدها العراق في العهد الملكي في أيار 1958 وتحول الحكم بعد ذلك إلى رئاسي جمهوري إثر ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم.
ولم يشهد العراق خلال الحكم الجمهوري انتخابات حرّة، وأنَّ كل ما جرى ما بين 1958 و 2003 هو عملية استفتاء رئاسي لتجديد الفترة الرئاسية لرئيس الحكم السابق صدام حسين، الذي وصل الى السلطة بعد استقالة سلفه أحمد حسن البكر في ظروف مريبة في عام 1979، ولم يأت من خلال انتخابات شعبية.
بعد 2003 تحول النظام السياسي فجأة الى ديمقراطي نيابي تعددي بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بحكم حزب البعث.
وأتاح النظام الجديد للمواطنين حرية اختيار ممثليهم بانتخابات مباشرة تشرف عليها مفوضية الانتخابات، وتصور أغلب العراقيين أن مشاكلهم ستُحل بمجرد مشاركتهم في العملية الانتخابية.
لكن المشكلة التي واجهت العراق هي كثرة الأحزاب السياسية، وقلة الوعي الانتخابي والسياسي لدى شريحة واسعة من الناخبين، وهذان السببان بالإضافة إلى الإنقسام المجتمعي،والتدخل الخارجي، أديا إلى نشوء محاصصة سياسية تسببت بتشويه النظام الديمقراطي وشيوع الفساد وانتشار المحسوبية.
في بلد كالعراق عانى من حكم الحزب الواحد، كان ينبغي الانتقال أولا الى نظام سياسي يقوم على ثلاثة أحزاب كحد أقصى لتحقيق الانسجام السياسي في مرحلة انتقالية، وتسهيل عملية قيادة البلاد تحت مظلة حزبين أو بإتلاف هذه الاحزاب جميعا لتشكل حكومة موحدة على أسس سياسية وليست طائفية.
ويحدد لذلك فترة زمنية ينتقل بعدها العراق إلى تعددية حزبية مفتوحة بعد ان تكون الديمقراطية قد تجذرت في هذا البلد وأصبح الوعي السياسي أكثر نضجا لدى الناخبين.
لكن الأحوال سارت بما يشبه عملية فتح مفاجيء وغير مدروس لسدّ مليء بكميات ضخمة من المياه فتدفقت مياهه على شكل تيار عنيف، تطاير رذاذه في جميع الاتجاهات.
فقد وجد الناخب العراقي نفسه أمام أحزاب دينية وسياسية وقومية وعرقية تضخ في وعيه مفاهيم وعناوين وصور مختلفة وبكميات كبيرة، فاندفعت كل فئة من المجتمع باتجاه حزب أو كتلة سياسية.
ولم يكن هذا الاندفاع انجذابا لبرنامج سياسي إنما كان غالبا لأسباب أخرى بعيدة عن السياسة، كتقديس شخص رئيس الحزب أو تأثرا بتاريخ عائلته، أو سعيا للحصول على مكاسب شخصية من وراء تأييده، وأحيانا لأن هذا الحزب يرفع شعارات قومية أو دينية أو مناطقية.
لكن هذا الواقع يتنافى تماما مع روح الديمقراطية ويعزز الانقسام ويكرس سيطرة بعض الجهات السياسية التي لا تملك مؤهلات إدارة البلاد.
وبما أن الإصلاح من أعلى الهرم صار صعبا للغاية بسبب التقاطع الحاد بين الاحزاب السياسية فإن مسؤولية الإصلاح في هذه المرحلة تقع على الناخب لتصحيح مسار العملية السياسية.
لكن ماهو المطلوب من الناخبين وقد تصوروا أن كل ما عليهم فعله هو المشاركة في الانتخابات؟
بالتأكيد يملك الناخب القدرة على التغيير شريطة أن يتحلى بأربعة خصال:
1- يصرّ على المشاركة في الانتخابات بعزيمة ويتحدى حملات المقاطعة والتوهين التي تريد له ان يكون سلبيا، وقد جربت شريحة واسعة من العراقيين لاسيما في وسط وجنوب البلاد مقاطعة الانتخابات في 2018 فازدادت الأمور سوءً.
2- يغادر الاختيار المشوب بالعاطفة أو الولاء غير المحسوب، لهذا الحزب او لتلك الشخصية السياسية ويتحرر من مواقف الحب المطلق أو البغض المطلق، فكما أن الناس تتغير مع الوقت سلبا أو إيجابا، ينبغي ان تتغير مواقفنا منها تبعا لذلك.
3- أن يجري مراجعة لأداء الكتل السياسية ويضعها في الميزان، حيث ينبغي ان تكون للكتل والسياسيين مواقف معلنة من قضايا تهم المواطنين، وبالتالي فإن الصمت حيال قضايا الناس يعني تقصيرا وعدم اهتماما بها.
4- أن يميل لاختيار الكتلة السياسية أو الحزب الذي كان أقرب إلى همومه أو حمل تطلعاته، واقترب منه وحلّ بعض مشاكله، فالمفاضلة تكون بين الجيد والأجود، ولكن أحيانا نضطر للمفاضلة بين السيء والأسوأ.
مع الأخذ بنظر الاعتبار أن العلاقة بين الفرقاء السياسيين قامت في السنوات السابقة على أساس إفشال من يتصدى حتى لايحصد أصوات الجمهور في الانتخابات، ولاشك أن الساحة السياسية واضحة وجلية ويمكن تقييم اللاعبين فيها بسهولة.