22 ديسمبر، 2024 8:04 م

مسؤولية الحكومات المتعاقبة عن تدهور الحركة التعاونية

مسؤولية الحكومات المتعاقبة عن تدهور الحركة التعاونية

النشاط التعاوني ليس بالأمر الجديد أو الطارئ على العراقيين حيث العلاقات التعاونية منتشرة فيما بينهم ومترسخة في حياتهم اليومية في الريف والمدينة سواء كان ذلك في السراء أو الضراء. والعراقيون هم أول من أوجد التنظيمات التعاونية في التاريخ أبان الحضارة البابلية ، وقد أجمعت كل الديانات السماوية التي تدينوا بها على وجوب التمسك بعلاقات التعاون والتعاضد والتكافل، وخصوصاً منها ديننا الأسلامي الذي جعل من التعاون أصل من أصول الدين ومبدأ من مبادئه السامية وفضيله ترفع من صاحبها إلى مستوى الأخيار من عباد الله. وفي عصرنا الحديث أنتشرت في ربوع العراق خلال القرن الماضي مختلف أشكال الجمعيات التعاونية وأصدرت الحكومة عام (1944) أول قانون تعاوني متكامل الذي سمح بتأسيس الكثير من الجمعيات التعاونية.
أن العراق الذي أصبح يوماً قبلة لكل التعاونين العرب الذين أتخذوا من بغداد عاصمة لهم ومقراً للأتحاد التعاوني العربي
الذي أسسوه خلال مؤتمرهم التاريخي ببغداد. هو اليوم بأحوج مايكون إلى مختلف أنواع التنظيمات التعاونية التي كان العراق مزدهراً بها ذلك لأن أحياء الحركة التعاونية هو جزء أساسي ومهم من عملية أحياء أمجاد المجتمع العراقي وتاريخه المجيد . خصوصاً وأن الحاجة للتنظيمات التعاونية تزداد كثيراً في ظل التحولات الأقتصادية بأتجاه تعزيز أقتصاد السوق وتنامي دور القطاع الخاص.
في السنوات الأخيرة ونحن نشهد تعاقب الحكومات ونعيش فشل العملية السياسية على جميع الأصعدة والميادين فأننا قد شهدنا تراجع النشاط التعاوني بل وأنهياره خلال العقدين الأخيرين ووصول الحركة التعاونية إلى طريق مسدود وعجزها عن ممارسة دورها الأقتصادي والأجتماعي بسبب هيمنة مافيات الفساد والابتزاز على مقدراتها وموقف التجاهل واللاأبالية للقيادات السياسية والحكومية للوضع الخطير في الوسط التعاوني وعدم التصدي لذلك بأي شكل من الأشكال ممايشجع مافيات المرتزقة والمفسدين على الأمعان في التجاوز والأبتزاز وتفشي ظاهرة الفساد على أوسع نطاق ….. مع هذا فأن التعاونيين لم يترددوا بالدفاع
عن قضيتهم وإيصال تفاصيلها وملابساتها وسبل أصلاحها إلى الكثير من القيادات الحكومية والسياسية والدينية مروراً بجميع الحكومات المتعاقبة وأخرها الحكومة الحالية التي وضعت شعارات الأصلاح والتغيير ومحاربة الفساد في قمة أهدافها وأولوياتها الا أن ذلك قد أصطدم بجدار متين من الجهل والتجاهل واللاأبالية وأستمرار الوضع التعاوني من سيئ إلى أسوء حيث أصبح الفساد منتشراً في كل مفاصل الوسط التعاوني وعلى جميع مستوياته مماجعل التعاونيين يترحمون على حال الحركة التعاونية أبان العهود البائدة على الرغم من سلبياتها ، هذا الترحم الذي وجد له تعبيراً في الحقيقة القائلة (رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه) .
في الوقت الذي بلغت فيه التجاوزات وحالة الفساد حدوداً خطيرة وتشديد التعاونيين لتشبثهم بالجهات السياسية والحكومية وكشف الفساد المستشري في الوسط التعاوني دون أي علاج. أمام هذا الواقع أضطر القائمون على الأمر في مجلس الوزراء
إلى الالتفات للقضية التعاونية القابعة بين أدراج مكاتبهم منذ وقت طويل وذلك بأتخاذ قرار من قبل أمانة مجلس الوزراء بتشكيل لجنة للتدقيق والتحقيق بأعمال النشاط التعاوني للاتحاد العام للتعاون ومدى التقيد بأحكام القانون وذلك في الأول من أيلول 2015. بالطبع ومع ترحيبنا بهذة المبادرة كانت لنا ملاحظاتنا وتحفظاتنا الصريحة بخصوص هذة اللجنة وذلك لخلوها
من المختصين وأصحاب الخبرة في الشأن التعاوني ولعدم تحديد أي موعد لأنتهاء مهمتها مماسمح لها بأستمرار مهمتها إلى اليوم، كما وأن تشكيل اللجنة قد تم بدون أي تشاور مع التعاونيين المطالبين بالاصلاح بل على العكس أن الغرابة كل الغرابة أن يحصل ذلك بتأثير بريطاني مغمور من أصل عراقي لاعلاقة له بالتعاون من قريب أو بعيد والذي كان سبباً في عرقلة الاصلاح التعاوني منذ وقت طويل مستغلاً موقعه السياسي والرسمي كمستشار لرئيس الوزراء في كل شئ والمتحكم في القرارات المهمة مماسمح له بأختيار من يريد لهذه اللجنة ومن ينسجم مع مصالحه وعلاقاته. لهذا وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون تشكيل اللجنة منطلقاً لإيقاف الفساد والتجاوزات وأصلاح الواقع التعاوني فأنها قد أصبحت جزءاً مهماً من حالة الفساد المتفشية وتحولت
إلى أداة بيد القيادة التعاونية الفاسدة. مع هذا وعلى الرغم من كونها قد أبتعدت كثيراً عن المهمة المشكلة من أجلها الا أنها قد سجلت أنجاز مهماً بأعدادها تقريراً مفصلاً بعد سنوات من تشكيلها شخصت فيه الكثير من حالات الفساد والأستغلال وسوء الأدارة، قدمته إلى مجلس الوزراء الذي ناقشه وصادق على توصياته بجلسته في 18/4/2017 التي أضاف عليها السيد رئيس الوزراء في حينه تأكيده على وجوب إحالة المفسدين والمتجاوزين إلى القضاء لمحاسبتهم. مع ذلك حتى يومنا هذا وعلى الرغم
من مرور خمسة سنين على تشكيل اللجنة فأن أحداً من المفسدين لم يحاسب ولم يلقى القبض على أي سارق أو متجاوز بل أستمرة اللجنة بأسلوبها المتخلف والمتواطئ مع القيادة التعاونية الفاسدة. ولم يتغير منها الا أسمها الذي أصبح (لجنة الأشراف
على الاتحاد العام للتعاون) وعذر اللجنة بأنها قدمت تقريرها وكل مايتعلق بحالات الفساد المذكورة إلى هيئة النزاهة التي لم تعمل شيئ وتقوم بمايمليه عليها الواجب وتتخذ الأجراء اللازم، علماً بأن أحد أعضاء اللجنة المهميمن فيها هو ممثل لهيئة النزاهة وبدرجة مدير عام فيها…. هذا وفي الوقت الذي كان فيه التعاونيون بأنتظار حل جذري ينهي الحالة اللانظامية للجنة ويضعها
على الطريق الصحيح لاصلاح الحركة التعاونية وتنقيتها جاء الحل في الايام الأخيرة للحكومة السابقة وأذا به حلاً مخيباً للآمال ومتجاهلاً لكل الملاحظات والانتقادات المطروحة حيث أقتصر التغيير على أستبدال رئيس اللجنة الفاشلة بسبب تقاعده بغيره
من موظفي هيئة المستشارين بمكتب رئيس الوزراء لمواصلة المهمة. وكان الرئيس الجديد موضع ترحاب التعاونيين الذين التقوه وقدموا له الأفكار والمقترحات الهادفة لاصلاح الواقع التعاوني متعهدين له بمعاونته بغية النجاح في الوصول الى أفضل النتائج… بمرور الأيام أتضح بأن رئيس اللجنة الجديد يحمل أفكاراً وتطلعات غير ماكان يعتقده من التقوه، بل وكشف سريعاً عن نيته
في الهيمنة المطلقة على الحركة التعاونية من خلال سلسلة الأجراءات اللاقانونية التي نفذها تباعاً. فقد أعفى مجلس إدارة الاتحاد العام للتعاون من مهمته بعد أن وجه لهم الشكر والتقدير على ماقدموه للحركة التعاونية من خدمات جليلة خلال دورتين بدلاً
من محاسبتهم على ماثبت عليهم من مخالفات، وأوكل بهذه المهمة اللجنة المشرفة التي يترأسها، وتقدم خطوة للأمام حيث أوكل لرئيس اللجنة (أي نفسه) بكافة الصلاحيات المالية والأدارية المناطة برئيس الأتحاد العام بما فيها رئاسة مجلس إدارة صندوق التعاون. كما حول مجالس إدارة المحافظات إلى مجالس تسيير مؤقته ومدودة الصلاحيات. بعد أن أحكم سيطرته على الحركة التعاونية أتجه لتحقيق أهدافه وترسيخ هيمنته. فلجأ إلى تجميع العناصر التي أنتهت مدة وجودها في القيادات التعاونية ولايحق لها الترشيح مستقبلاً بالأضافة إلى العناصر التي بذمتها الكثير من الأموال التعاونية ليعطيهم فرصة التهرب من الالتزامات القانونية والأستمرار في مواقعهم القيادية مقابل دعمه في تطلعاته اللامشروعة وشكل منهم في أجتماع بالموصل ما أسماه ( الهيئة العامة للأتحاد العام للتعاون) التي تتشكل عادة من جميع أعضاء مجالس إدارة أتحادات المحافظات وليس من رؤساء هذه الأتحادات، علماً بأن هذه المجالس هي مجالس تسيير لاتملك أي صلاحيات لانتهاء مدتها القانونية….. ولكن وسط وعود رئيس اللجنة تجنيبهم المسؤولية القانونية ومنحهم حق الترشيح مجدداً أستطاع تمرير رغبته عليهم وتصويتهم على قرار أستحداث مجلس تسيير للحركة التعاونية برئاسته لحين أجراء أنتخابات جديدة خلال عامين أي بأضافة سنتين على عمر اللجنة الفاشلة أصلاً وهاتين السنتين سوف تكون كافية لتصفية ماتبقى لدى لتصفية ماتبقى لدى الحركة بقيادته ولمصلحته بأعتباره قد أصبح الزعيم الأوحد.
هذا التفرد في القرارات التي أتخذها رئيس اللجنة بدون مشاورة أو مشاركة أعضاء لجنة الأشراف أشعرهم بالأهانة لتجاهله لهم
مما دفعهم إلى عقد اللقاءات فيما بينهم وأجمعوا على أبلاغ رئيس اللجنة برفضهم لهذه القرارات وخصوصاً مايتعلق بمجلس التسيير المذكور وأرغموه على ضرورة إجراء أنتخابات بأقرب فرصة وحددوا لذلك موعداً هو أن تبدأ في 10/2/2021 وصدر الأمر الرسمي المتعلق بذلك من قبل اللجنة المشرفة على أعمال الأتحاد العام للتعاون في 16/12/2020 وعمم على الأوساط التعاونية. ومع أن رئيس اللجنة قد وقع قرار اللجنة بخصوص الأنتخابات المبكرة الا أنه لم يستسلم للأمر الواقع وبقى مصراً على عزمة للهيمنة المطلقة على الحرة التعاونية وتصفية ماتبقى لديها من أمكانيات، فجمع وفداً ممن يشتركون معه في نوايا الأبتزاز وقاموا معه بزيارة سماحة السيد عمار الحكيم وطلبوا منه التوسط لدى رئيس الوزراء للموافقة على ماجاء بمحضرهم الموقع في الموصل بتشكيل مجلس تسيير برئاسة رئيس اللجنة ولمدة طويلة ومع أني أعتقد بأن هذه اللعبة سوف لن تنطلي على السيد الحكيم أشير إلى أن هذا السلوك يثبت ويؤكد بأن هذا الموظف قد تناسى تماماً المهمة المعين من أجلها وأنشغل في العمل على تحقيق مطالحه الذاتية وأستمرارية الفساد.
للأسف يمكننا القول بأن كل هذه القرارات من الطرفين مخالفة تماماً للقوانين والمصلحة الوطنية وأن دوافعها شخصية
أو مصلحية ولعل العتب كل العتب بخصوص ذلك معنون إلى الدوائر المعنية بمجلس الوزراء المطلعة على كل الأمور والتجاوزات. وبالتأكيد فأن عمل مجلس الوزراء لايمكن أن يتطور أذا لم تتغير طريقة تعامله مع القضايا التخصصية (كالتعاون) مثلاً والتي تحتاج بالضرورة إلى أحترام أراء أصحاب الكفاءة والخبرة وعدم تجاهلها ومخالفة ما أوصى به رسول الله (ص) بوجوب الأستعانة بأنجاز كل صنعة بصالحي أهلها. بل يفترض أن يشمل النشاط التعاوني الذي أوصلته الحكومات المتعاقبة إلى أسوأ الأوضاع بألتفاته كريمة من دولة رئيس الوزراء الذي حمل راية الأصلاح الجذري ومحاسبة الفساد وهو أيضاً بحاجة ماسة إلى دعم الجماهير التعاونية
في معركته الحاسمة.
لهذا وذاك يمكننا القول بأنه من غير الممكن اجراء أي أنتخابات تعاونية قبل أتخاذ الاجراءات اللازمة بخصوص الأنتهاكات والتجاوزات التي شخصتها لجنة التدقيق والتحقيق في تقريرها وقل محاسبة اللجنة المذكورة على أضاعتها للوقت بدون أي أنجاز. وقبل أيقاف القرارات الأرتجالية المتخذة من قبل أطراف اللجنة بخصوص الأنتخابات التعاونية. وأخيراً فأنه من غير الصحيح التفكير بذلك قبل أختيار مجلس تسيير مناسب يضع النقاط على الحروف ويتابع تنفيذ الأجراءات السابق ذكرها والأشراف
على أنتخابات الحركة التعاونية المفروض أجرائها خلال فترة زمنية لاتزيد عن العام الواحد…
أمام هذا الواقع المرتبك وغياب المصلحة الوطنية فأن أصلاح الحركة التعاونية يبدأ من فهم الجهات المعنية في العراق لأهمية دور الحركة التعاونية في الحياة الأقتصادية والأجتماعية، وهذا لايتم من خلال حلول ترقيعية بل لابد له أن يتم من خلال أجراءات جذرية في مقدمتها أعتراف الدولة العراقية بالتنظيمات التعاونية وبأهمية القطاع التعاوني في السياسية التنموية إلى جانب القطاعين الخاص والعام. وتأكيد هذا الأعتراف بالنص على ذلك ضمن بنود الدستور. كما يفترض أن تؤكد الدولة على تبنيها للنشاط التعاوني ضمن سياستها الأقتصادية والأجتماعية وخططها المركزية وقرارات مجلس الوزراء كما هو الحال مثلاً بالنسبة للورقة البيضاء التي أعلنها السيد رئيس مجلس الوزراء والتي أهملت النشاط التعاوني للأسف على الرغم من أهميته ودوره بتعزيز الكثير من محاورها المطروحة بل ومكملاً لمختلف البنود الأصلاحية في الورقة …. ويتطلب الأصلاح الجذري للواقع التعاوني ضرورة تشكيل مجلس تسيير مؤقت من المختصين وأصحاب الخبرة لأستكمال إجراءات أصلاح الحركة التعاونية وتنقيتها والأعداد لأنتخابات تعاونية نزيهة وشاملة من القاعدة إلى القمة على أن يسبق ذلك تنفيذ كل الأجراءات الأصولية المتعلقة بالترشح للأنتخابات وإتخاذ الاجراءات الحاسمة بالنسبة لحالات الفساد والتجاوز الكثيرة والتي شخص تقرير لجنة التدقيق والتحقيق المصادق عليه من مجلس الوزراء بعضاً منها، والتأكيد على هيئة النزاهة بضرورة إتخاذ الأجراءات اللازمة بخصوص ملفات الفساد التعاوني المتجمعة لديها والمقدمة لها من خلال السنوات الماضية ولم يتخذ للأسف أي أجراء بخصوصها حتى الآن.