22 ديسمبر، 2024 6:54 م

مسألة اللحمة الوطنية

مسألة اللحمة الوطنية

عندي لكم الليلة – عزيزاتي أولاً وأعزائي ثانياً – كومة أنباء يقين ، صحبة لطائف وطرائف ، تتفاوت في مستوى انتاج البهجة او الدهشة او القهر ، أولها هو أن مسئولة أمريكانية رفيعة جداً ، ربما كانت من وزن الريشة ، حطت أول أول البارحة فوق بغداد العباسية ، وفي قعدة انشراح وصحافة ، أسرّت المسئولة الحاضرين ، بأن الأرشيف العراقي الذي منه الأرشيف اليهودي ، ما زال في خزنة واشنطن ولم يهرّب صوب اسرائيل ، وهو يخضع للصيانة والرعاية والحفظ منذ نحو عشر سنوات . أنا بالطبع ، لا أصدق الأمريكان حتى الآن ، خاصة المسئولين الرفيعين منهم ، وأدري أنهم وحوش وحرامية وكذابون وسماسرة ، وأن برميل النفط عندهم ، أغلى من برميل الديمقراطية ، وإنهم اذا دخلوا قريةً ، أفسدوها ، ودليل غضبتي هذه ، هو العراق القائم الآن . أما النبأ الثاني ، فمتنه يقول أن الرئيس جلال سيعود الى البلد من مشفاه الألماني ، وان من اولى اولوياته المستعجلة ، هي دعوة الفرقاء للعشاء والنقاش والتصافي والتراضي . الدعوة ستكون حول مائدة مستطيلة ، طول ضلعها سطعش متر ، وعرضها خمسة ، لكن مسارب ومصادر قريبة من مطبخ الرئيس ، فضلت اخفاء اسمها ، رجّحت أن تكون المائدة المنتظرة مثل امام افتراضي ، مستديرة على نفسها ، وذلك من أجل اعطاء فرصة للمتحاورين الأنداد ، لسكب عواطفهم ، واظهار حميميتهم تجاه بعضهم البعض ، اذ سيكون بمقدور واحدهم ، أن يشد على يد لصيقه في القعدة ، ويعصر كتفه ، ويبوسه ، ويوشوش بأذنه ، وقد يتواعد معه خارج أسوار الخضراء ، وهذا ما ليس بمقدور المائدة المستطيلة أن توفره . الرئيس مريض وتعبان ، واظن انه سيترك المتحاورين يتحاورون ، وهو نابت على مسافة واحدة منهم أجمعين ، وعينه شاخصة أبداً ، صوب مسألة ” أللحمة الوطنية ” التي لم يُتأكد بعد ، ان كانت لامها مضمومة بالضمّ ، أم مفتوحة بالفتح المبين !! وعندي صديق ينتمي الى جماعة قصيدة النثر . صاحبي من الصنف الذي يحب البقاء نائماً دائماً في الجانب الآمن . صاحبي شاطر وفهلوي ولاعب سيرك أصلي ، فهو بعثي قادسي مع البعثيين ، وشيوعي قحّ ، حافظ لليل البنفسج على مائدة الشيوعيين ، وقومي يترنم بأناشيد جمال عبد الناصر ، مع القوميين ، واسلامي ، يشتري من هذا عمامة ، ومن ذاك مسبحة ، وحيث تحين ساعة التراويح ، يلبس الإثنين ، محبس فضة وعقيق ، في وسطاه القائمة . صديقي شاطر ولمّاح وشمّام . أمريكا الوغدة تحبه وتسقيه وتسمنه . الدكان الإيراني يصنع معه نفس صنيع الدكان الأمريكاني . صديقي نغل ، ان جمعته المصادفة ، بيهودي اسرائيلي ، قال له بعين غرقانة ، وبحرف خاشع ، ان بك عطراً مبروكاً من يهود العراق . صديقي حيّال ونطّاع ، ويفتهم بقشور الموسيقى وسلالمها ، يغنّي آخر الليل ” مقام دشت ” ويلوّح بكأسه وبمؤخرته ، في صحة اسرائيل . صديقي ليست لديه معضلة ، لا في دين ، ولا في وطن ، ولا في كرامة . صديقي ناعم جداً . صديقي سكّيتي مثل ماء يتمرزب من تحت تبن . صديقي لا يستحي . هو مثل آخر قطرة هبطت من ناصية مجزوزة . صديقي أنتج أذىً ، بقدر الأذى الذي فرّخته كتيبة شواذ أمريكان ، واحدهم يذبح الضحية ، وصاحبه يلتقط له صورة تذكارية معها . صديقي بلوة سودة ، ان نزل في صحراء الصومال ، نبت في مكمن طامس ، ناطراً أخير أنفاس الجائعين ، كي يجرّدهم مما تبقى من ستر الجلود . صديقي : تفوووووه عليك !!
 [email protected]