18 ديسمبر، 2024 7:17 م

مزيد من الاقصاء والقهر في مشروع قانون المساءلة والعدالة لعام 2015

مزيد من الاقصاء والقهر في مشروع قانون المساءلة والعدالة لعام 2015

قانون اجتثاث البعث يعد واحد من قوانين العدالة الانتقالية في العراق ، التي كان يفترض بها ان تمهد لمصالحة وطنية شاملة في مدة لا تتعدى الخمس سنوات ، لينهى امره وامر هيئته التي تشكل اكبر انتهاك لحقوق الانسان ، وها نحن في السنة الحادية عشرة بعد سقوط نظام الطاغية ،ولا يزال بعضنا يجتر نغمة بالية ، يضحك بها على عقول البسطاء من الناس ، والتي حطمت البلاد والعباد باسم جرائم وظلامات البعث ، التي ارتكب لاحقا جرائم وظلامات اسوء منها بكثير .
والغريب ان تعيد مسودة قانون المساءلة والعدالة الجديدة  انتاج اجتثاث اقسى وابعد مدى من القانون النافذ ،،، لتقضي بالكامل على السلم الاهلي المحطم اصلا وتوسع شرخ الخصام والانتقام والتفرقة بين ابناء الشعب ، فالى اين انتم ذاهبون بهذا البلد ؟؟؟ الم يكفكم سرقة اموال هذا الشعب المسكين وجريان دماء ابناءه انهارا  خلال احد عشر عاما ؟؟؟
ان قانون الاجتثاث منذ صدوره لم يطبق الا بطريقة سياسية شاذة ، راحت ضحيته الدولة والمجتمع ، ودفع الناس ثمنا غاليا عنه بلا نتيجة تذكر ، فلم يشمل بالاقصاء الا من تريد الاحزاب والقيادات السياسية الفاسدة اقصاءه ، ولم يشمل بالاستثناء الا من ارادت تلك الارادات الباغية استثناءه وفق مصالحها الشخصية والحزبية المنحرفة ، فاقصى المهنيون والفقراء والبسطاء ، واستثني المجرمون وقتلة الشعب وسراق امواله ما داموا اداة بيد الظالمين الجدد .
هذه ملاحظات سريعة في اخطر احكام مسودة قانون المساءلة والعدالة الجديدة التي اجزم بانه لم يطبق الا اقصاءه فقط منذ تطبيقه :-
اولا :- توسيع اطار الاقصاء والاجتثاث :-
 فرق القانون الحالي رقم ( 10 ) لسنة 2008 بين الاعضاء في حزب البعث الموظفين والاعضاء غير الموظفين ،فاما الاعضاء في حزب البعث  الموظفين فأن المادة ( 6 – خامسا ) من القانون الحالي اجازت لمن كان بدرجة عضو فرقة فما دون العودة الى وظائفهم واستمرارهم فيها باستثناء من كان يشغل درجات الخاصة فقط .ومنع الاعضاء في حزب البعث من تولي مناصب الدرجات الخاصة ( مدير عام فما فوق ومدراء الوحدات الادارية ) بموجب المادة ( 6 / سابعا ) بشرطين :- أ- ان يكون عضوا فما فوق في حزب البعث .ب- ان يكون قد اثرى على حساب المال العام .
اما مشروع القانون الحالي فانه توسع في الاقصاء والمنع من عدة جهات وفق الاتي :-
1- توسيع الفئات المشمولة اطار المشمولين :- وسعت مسودة القانون اطار المشمولين – اضافة الى الاعضاء في حزب البعث فما فوق – كل من عمل في صنف التوجيه السياسي مهما كانت درجته الحزبية بل حتى لو لم يكن بعثيا اصلا .
2- التوسع في اطار المشمولين :- اذ ان القانون الحالي يشترط للمنع من تولي الدرجات الخاصة للعضو ان ان يكون قد اثرى على حساب المال العام ، في حين رفعت مسودة القانون هذا الشرط فيصبح بالتالي مشمولا كل الاعضاء وكل من عمل بالتوجيه السياسي بغض النظر كونهم اثروا على حساب المال العام ام لا .
3- التوسع في الوظائف الممنوع منها :-اذ ان القانون الحالي يمنع الاعضاء من تولي الدرجات الخاصة ( مدير عام فما فوق ومدراء الوحدات الادارية ) وهذا لا يشمل العضوية في المجالس النيابية ، في حين ان المسودة المقترحة تضيف الى الوظئف الممنوع منها العضوية في مجلس النواب او مجلس الاتحاد او مجلس المحافظة .
ثانيا :- فتح ابواب التلاعب والالتفاف :-
الملجأ الوحيد لمن يقصى باجراءات الاجتثاث ان يطعن بالتمييز امام الهيئة التمييزية المختصة بالمساءلة والعدالة في محكمة التمييز ، وارادت مسودة القانون فتح باب التلاعب في تلك الضمانة فاجرت بعض التعديلات على احكامها هي :-
1- يعطي القانون الحالي لمن اجتثه الهيئة ان يطعن بالتمييز امام هيئة تمييزية من سبعة قضاة يرشحهم ( مجلس القضاء الاعلى ) ويصادق عليهم مجلس النواب ، الا ان مسودة القانون جعلت الترشيح لـ ( رئيس مجلس القضاء الاعلى ) بدلا من مجلس القضاء الاعلى بموجب المادة ( 10 / اولا ) ويثير جعل ترشيح القضاء التمييزين بيد شخص واحد بدلا من مجلس الكثير من علامات الاستفهام .
2- ينص القانون الحالي على ان قرار الهيئة القضائية التمييزية قاطعا وباتا بموجب المادة ( 17 ) منه ، وبالتالي لا يمكن التلاعب به باي حال من الاحوال ، اما مسودة القانون الحالي ففتحت طريق طعن في قرار تلك الهيئة هو تصحيح القرار التمييزي امام محكمة التمييز الاتحادية بموجب المادة ( 10 / رابعا ) ، وهو قطعا طريق للالتفات على قرارت الهيئة القضائية التمييزية  الباتة ، خصوصا وانه جعل التصحيح امام محكمة التمييز وليس امام الهيئة القضائية التمييزية نفسها وهو امر في غاية الغرابة ومخالف لقواعد الطعن بتصحيح القرار التمييزي .
ثالثا :- مصادرة الحريات بالتجريم وفتح ابواب التصفية السياسية :-
تبنت مسودة القانون تجريم الافعال الاتية :-
اولا :- السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات اي بين ( 5 – 10 سنوات ) لكل من قام باي من الافعال الاتية :-
• انتمى لحزب البعث
• روج لافكاره  وارائه باية وسيلة .
• هدد او كسب اي شخص للانتماء الى حزب البعث .
• انتهج او تبنى العنصرية او التكفير او التطهير الطائفي او حرض عليه او مجد او روج او مهد او برر له .
ثانيا :- السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات اي بين ( 7 – 15 ) سنة كل من استخدم القوة او الترهيب لاجبار مواطن على ترك محل سكناه المعتاد لاسباب طائفية او دينية او قومية .
ثالثا :- الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ( اي بين ( 3 – 5 ) سنوات ) لكل من ساهم او ساعد من خلال وسائل الاعلام بنشر افكار واراء حزب البعث المنحل .
رابعا :- الحبس بين ( 24 ساعة – خمس سنوات ) لكل موظف او مكلف بخدمة عامة  حرم مواطنا من حقوق مقررة له قانونا او اعاق او اخر انجاز معاملاته الرسمية لاسباب طائفية او دينية او قومية .  عاقب موظفا او حرمخ من حقوق وظيفية لاسباب طائفية او دينية او قومية .
خامسا :- يعاقب  (بين 24 ساعة – 5 سنوات) كل من ادعى تعرضه للتمييز الطائفي او الديني او القومي وثبت قضائيا بطلان ادعائه .
ان تلك  البنصوص العقابية غاية في الخطورة وفق الاتي :-
1-  جرم القانون افعالا تصادر حرية التعبير والاعلام حينما عاقب بالسجن بين ( 5 – 10 ) سنوات لمن روج لافكار حزب البعث او ارائه باية وسيلة ، فما معنى ( روج ) ؟؟ لغة ( روج الشئ ) يعني جعله منتشرا يكثر الطلب عليه ، وروج الخبر :- اشاعه . وروج كلامه : زينة . وروج خطابه :- جعله غامضا لا تعرف حقيقته . ثم ما معنى افكار واراء حزب البعث التي يجرم من روجها ؟؟ فالوحدة العربية من افكار حزب البعث والحرية من افكاره وكذلك الاشتراكية فهل يجرم من يروج لها ؟؟ والتدريب ثم التدريب شعار لحزب البعث فهل يجرم من ينادي به ،، ان هذا النص العقابي من اخطر النصوص واكثرها مصادرة لحريات الرأي والتعبير والاعلام وهو يصلح اداة لتصفية اي شخص مخالف او معارض او غير مرغوب فيه لاي سبب ، ويمكن تجريم اي انسان تحته .
2- جرم القانون من ساهم او ساعد من خلال وسائل الاعلام بنشر افكار واراء حزب البعث وعاقب عليه بالحبس بين ( 3- 5 ) سنوات … ان هذا النص يصادر بالكامل حرية الاعلام والنشر والطباعة ، ويشمل حتى من نشر افكار او اراء حزب البعث لاغراض تاريخية او دراسية ، فلو قام باحث او مؤرخ بتدوين او توثيق ادبيات حزب البعث في كتاب فانه مجرم وفقا لهذا النص .
3- لقد جرمت مسودة القانون افعلا منقطعة الصلة بحزب البعث هي :- أ-  انتهاج او تبني العنصرية او التكفير او التطهير الطائفي او التحريض عليه او التمجيد او التمهيد او التبرير له ب- اجبار مواطن على ترك محل سكناه لاسباب طائفية او دينية او قومية . ج- حرمان مواطن من حقوقه لاسباب طائفية او دينية او قومية .د- معاقبة موظف لاسباب طائفية او دينية او قومية . هـ-ادعاء التعرض للتمييز وثبوت بطلانه قضائيا . وهي نصوص فضفاضة غير محددة تخالف قواعد تحديد الجرائم والعقوبات وتصلح اداة لمصادرة الحريات وتصفية الخصوم السياسيين ومصادرة حريات التعبير والاعلام والنشر ، كما انها تجرم افعالا تجعل الموظف العام في وضع خطير حين التعامل مع حقوق المواطنين فلو اجتهد موظف في حرمان مواطن ما عن حق معين ، ثم جاء اخر ووجده مستحقا فهل يجرم الاول لمجرد اجتهاده … هذه كارثة عظمى بحق !!!
ان النصوص العقابية التي جاء بها مشروع القانون تستعمل الفاظ عامة وغير محددة وهي تشكل خطرا محدقا بالحريات والحقوق الاساسية وحقوق الانسان في العراق .