أزمة تشكيل الحكومة في العراق لازالت مستمرة إثر العقبات الجمة التي يواجهها المكلف ليستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، ويتمكن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات القادمة في أجواء مطمئنة ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها، تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية وبالتالي اما مجرد تشكيل حكومة عبر الاليات السابقة التي حكمت تشكيل الوزارات المتعاقبة لا احد يعرف توصيفها، او مهامها المفترضة، ، لن يكون امراً سحريا لحل المشاكل والازمات ولكل الفشل السابق. والأخطر من ذلك كله استغلال الازمة القائمة بشكل مباشر وصريح، لفرض احتكار أطراف سياسية لقرار اختيار الوزراء وفق الاطور الماضية بعيداً عن القدرة والكفاءة والتخصص يمثل انهيارا للسلطة الكاملة للدولة .
اما في ظل المارثونات اليومية الكارتونية التي نشاهدها في تسابق الكتل والضغوطات في تعيين الوزراء وفق هذه التقليعة ( الوزرات السيادية والخدمية ) الممسوخة في اعراف المواطنة لاتبشر بخير فإذا كانت “الشخصية المكلفة بوزارة ” مرفوضة لعدم اهليتها ، يجب أن تكون مرفوضة من الجميع، وإذا كانت مقبولة لكفائتها ، يجب أن تكون مقبولة ، ولكن المفاوضات كثيراً ما تصطدم بأمور لا تمت إلى قضية الوطن ومصلحتها بصلة ، انما تعتمد على تقديم المصالح الخاصة على مصلحة البلد، وبعض الجهات تتفاوض فقط من أجل الحصول على مصالحها الضيقة و الضغط من اجل الحصول على الوزارة الفلانية لانها تدر عليها مبالغ داعمة لاقتصادها دون إحساس بالقضية الوطنية .
ومن هنا لا اعتقد بأن الازمة سوف تنتهي بسهولة هذه المرة ايضاً ، فقد يستغرق الاتفاق اشهر اضافية طويلة ، وبشعور فارغ من المسؤولية الوطنية التي تتحتمها المرحلة ،فيما ينشغل العالم بالمخاوف المتزايدة من انتشار وباء كوفيد 19 وحصده المزيد من الأرواح في العالم ، والتدهور غير المسبوق في اقتصاديات اكثر البلدان بسبب انهيارأسعار النفط، الذي يمثل المصدر الأكبر لموارد البلاد المالية. مما يدعو إلى أن تبادر هذه الكتل الى الاسراع في عملية التكليف وتشكيل الحكومة العراقية كي تتخذ إجراءات فاعلة لمواجهة الركود السياسي والاقتصادي والخدمي و تناقص الموارد المالية لإدامة الخدمات الأساسية وتأمين رواتب الأعداد المتعاظمة من الموظفين والفئات الاجتماعية المنتفعة من المساعدات الحكومية البالية ليُبقي عيون العراقيين مفتوحة على الأوضاع السياسية في بلدهم لاسيما أن التنافس والاختلاف بين القوى والأحزاب على أعلى مستوياتها الطموحة وأشدها لان بعض الكتل لا ترغب في التنازل عن حصتها في الوزارات المعينة ، وقد تعكس انقساماً لا سابق له في البرلمان العراقي ويعد الاكبر في هذه المرحلة ، يتجلى في عجزه مرات عديدة عن الانعقاد لحسم ملفات التكليف مما جعل الوضع في حالة من الفوضى الاجتماعية والسياسية والقانونية، حيث لا يوجد نص في الدستور العراقي يشير إلى كيفية التعاطي مع مثل هذه الأزمة،
ليس هناك من يشك بأن رفض اي كابينة لا يعني ان الوزراء غير اكفاء او لم يكن نابعاً من اعتبارات عدم احتوائها على وزراء مستقلين، أو اختيار وزراء غير مؤهلين أو تحوم حولهم شبهات فساد، أو تجاهلها لمطالب الشعبية وطرح برنامج حكومي طموح يتطلب وجود حكومة دائمة وكاملة الصلاحيات وإنما بسبب اعتياد هذه القوى على نمط معين لتقاسم السلطة في العراق لا تستطيع التخلي عنه وهو الاستئثار بالمال العام ، اليوم على جميع الكتل البرلمانية العراقية ان تتسلح بالجرأة والصراحة والمسؤولية وان تتخذ القرار الوطني الذي يفرضه الواقع العراقي الصعب لتفويت الفرصة على المتربصين بالعراق والعراقيين الدوائر، والحد من تراكم الأزمات و رفض ترحليها الى المستقبل، عبر الاتفاق على حلول وسط بعيدة عن الانتقام والتهميش، والاتفاق على القواسم المشتركة حتى في حدود الاقل من اجل بناء البلد .