لم تكن العلاقات العراقية الأميركية في يوم من الأيام واضحة المعالم، لا في العهد الملكي، ولا في العهد الجمهوري، ولا في عهد الديمقراطية الناشئة، وهذه الضبابية حكمتها مصالح أميركا في المنطقة وموقفها من إسرائيل.
ولكي نقرأ صفحة العلاقات بين بغداد وواشنطن، لابد من وضع الخطوط تحت بعض السطور:
أولا: الإتفاقية الأمنية العراقية الأميركية التي وقعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بعد أن تخلى عنه المحالف والمخالف داخل الحكومة، أنهت مع عام 2011م الوجود العسكري الأميركي، وهذا ما لم يرق لبعض عواصم الجوار وعدد من الزعامات العراقية، فكانت داعش واحتلالها للموصل في حزيران 2014م محاولة لإسقاط التجربة العراقية الحديثة.
وعندما ارتفعت الأصوات في بغداد عن مستقبل الإتفاقية الأمنية وتفعيلها، كان الرئيس الأميركي السابق أوباما قد أشاح بوجهه على العراق وكأن الأمر لا يعنيه، وسكتت عواصم الجوار عما يجري في الموصل، ونأى رئيس إقليم كردستان بنفسه عما حصل في الموصل، وأعلن بصراحة أن الإقليم لن يكون طرفا في حرب طائفية، معتبرا أن دخول داعش للموصل وتهديد النظام السياسي في بغداد حرب طائفية بين العرب السنة والشيعة، وبعد فترة قصيرة عندما تم إيقاف زحف داعش عند أسوار بغداد بفضل جهود قوات الحشد الشعبي، تحولت بوصلة داعش نحو أربيل لاحتلالها، عندها طلب رئيس الإقليم النجدة وجاءت أميركا وعواصم الغرب والعرب لمنع داعش من السيطرة على أربيل وسقوط الإقليم، وكان هذا مدعاة لمجي قوات أميركا من جديد الى العراق، وحتى يومنا هذا فإن الموقف الأميركي السياسي والعسكري من العراق غير واضح ومتقلب، يحكيه تعرج تحرير الموصل كليا رغم أن رئيس الوزراء العبادي بشّر العراقيين بالإنتهاء من فصل تحرير الموصل مع نهاية العام 2016م –أعلن الدكتور العبادي صباح الأحد 19/2/2017م بدء المرحلة الثالثة من عمليات تحرير الموصل من جانبها الغربي-.
ثانيا: لم يشكل العراق الحديث خطرا على دول الجوار، والموقف السعودي من العراق على الدوام كان موقفا سلبيا حتى في زمن نظام صدام، من الشعب والنظام معًا، وخيمة صفوان دليلًا، وهذا الموقف هو الذي أدخل العراق فيما بعد في ثلاث عشرة سنة عجاف من الحصار الإقتصادي في الفترة 1990- 2013م، وعندما تغير النظام السياسي في العراق ظل الموقف السعودي كما هو يعمل بشتى الطرق على الإطاحة بالتجربة العراقية الجديدة، لا لأن الحاكم شيعي، وتريد الرياض الإنتصار للسنة والأكراد كما يوهم الإعلام المعادي للتجربة الجديدة، وإلا فإن صدام كان سنيا ومع هذا كانت سياسة السعودية مع بغداد في العهدين، بصورة أقل ما يُقال عنها أنها غير ودية، ولكن الهدف هو أن لا يكون على حدود السعودية بلد قوي ومتعافٍ اقتصاديا وسياسيا، بحاكم سني أو شيعي، عربي أو كردي، أي يُراد أن يكون العراق ضعيفا مهما كانت هوية الحاكم وجنسيته ومذهبه وقوميته.
ثالثا: من يريد التعرف على السياسة الأمريكية في العراق وفي غير العراق منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، عليه أن يعيد قراءة كتاب (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون) للراحل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المتوفى عام 1954م، وفيه يكشف خارطة السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشعوب العربية والمسلمة، ليجد أن أميركا القرن الواحد والعشرين هي أمريكا القرن العشرين نفسها، لا تريد من العرب والمسلمين إلا أن يكونوا بقرة تدر حليبا أنى شاء الحاكم في واشنطن، ولن يختلف الرئيس ترامب عن نظرائه السابقين.
والسياسة الأميركية اذا كانت قد نجحت في عدد من الدول العربية والإسلامية، فإنها لم تنجح في العراق ليس أقل في ظل حكومتي المالكي الأولى والثانية، وهنا يأتي دور الدبلوماسية العراقية وصناع القرار والإعلام واللوبي العراقي في واشنطن، إن وُجد، لإفهام الساسة في واشنطن أن نفسية العراقي ليست مثل نظيرها في عدد من البلدان، فالعراقي يطمح إلى علاقات طيبة متوازنة، ولكن ليس مطلوب منه على الدوام أن يقول “نعم سيدي”!.
من نصوص مداخلة في الملتقى الإعلامي لرابطة الشباب المسلم الذي انعقد في لندن مساء 17/2/2017م بحضور خبراء وإعلاميين وأصحاب رأي من بلدان مختلفة استضاف فيه سفير الجمهورية العراقية السابق في واشنطن الأستاذ لقمان عبد الرحمن الفيلي.