نشر مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية في واشنطن في شهر تموز الماضي تقريرا عن” المرض اوبك ” وتقييم الانخفاض السريع او ” الصدمة” في إيرادات تصدير النفط خلال السنوات الماضية وتبعاتها على الوضع الاقتصادي والسياسي للبلدان المصدرة للنفط الذي أصبح عاملاً مؤثراعلى الاستقرار والاقتصاد لمعظم الدول المصدرة للنفط وبتأثير كبير على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما في منطقة الخليج العربي وبتاثير أكبر على الدول المصدرة للنفط في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبسببها غرقت فنزويلا في أزمة وطنية واسعة النطاق. وسبق ان قدم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دراسة موسعة عن تقييم تاثير الانخفاضات السريعة ” الصدمات” لاسعار النفط وانعكاسها على استقرار اقتصاديات الدول المنتجة والمصدرة للنفط واعتبار منظمة اوبك كحالة دراسية لتقييم اخطار “الصدمة على اعضاء المنظمة, واستندت هذه الدراسة اساسا على مناهج عمل وبيانات سابقة اعتمدها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي وادارة معلومات الطاقة الامريكية ووكالة االاستخبارات الامريكية في تقييم اداء اقتصاديات الدول المصدرة للنفط و نسبة تطور نموها السنوي وبرامجها الاستثمارية والائتمانية. ولكن هذه الدراسة لم تتطرق الى تقديم حلول او مقترحات لاستقراءات حدوث مثل هذه الصدمات قبل وقوعها لمجابهة تبعاتها على السياسات الاقتصادية للبلدان المنتجة والمصدرة للنفط.
سواء كانت هذه الصدمات حقيقة اقتصادية او افتراضية سياسية هدفها تقويض اقتصاديات بعض الدول المنتجة للنفط (المزعجة) للسياسة الدولية الجديدة. ان اغلبية اعضاء اوبك تعاني الان من ” مرض اوبك” والاكثر معاناة وتضررا هم الاعضاء من الدول النامية والدول التي عانت جراء حروبها وتبعاته من حصار واحتلال ونزاعات طائفية وفساد. ولم تتعض منظمة اوبك من تجربة الانهيار الاقتصادي لمعظم اعضاءها بعد “صدمة ” عام ( 2009 ) وما بعدها من مرحلة الاستشفاء والنقاهة لتتعرض ثانية ” لصدمة اعنف ” في خريف عام ( 2014 ). لم تقدم منظمة اوبك آلية واضحة الى اعضاء منظمتها لاستقراء الوضع السعري لسوق الطاقة العالمي في مراحله المستقرة والمتأرجحة بناء على تغذية او تسريب تخمين حجم المعروض الخزني والذي على ضوء بيانات الاستقراء يتم تصحيح حصة اوبك في سوق الطاقة العالمي والزام البعض من الاعضاء المنتجين الكبار بالالتزام بسقوفها الانتاجية لتقليل تخمة المعروض سواء كان حقيقيا او خياليا لغرض رفع اسعار النفط في سوق الطاقة العالمي وتقليل الضرر عن الدول الاعضاء المعتمدة كليا على ميزانيات النفط في تغطية نفقاتها مثل العراق وفينزويلا. بل ان البعض من الاعضاء المنتجين الكبار يصر على المحافظة على حصتها السوقية اوالمناورة بنوع التسويق الانتاجي للالتفاف على قرارات المنظمة ليكون ضحيتها الاعضاء الاخرين وتكون اوبك اكثر وهنا واقل نفعا.
ان بعض اعضاء المنظمة من دول الخليج قد تحسبت لمستقبل اوبك بعدم قدرتها بالدفاع عن قراراتها سياسيا واقتصاديا مما جعلها مخترقة في قرارتها ورموزها من التكتلات الاقتصادية مستهلكي الطاقة الكبار, وعمل هؤلاء الاعضاء على اعادة هيكلة اقتصاديات دولها من خلال تنوع مصادر مواردها, حيث ان التحسن في اسعار النفط وحدها لاتكفي لعلاج مرض اوبك المتآصر مع مافيات مستهلكي الطاقة الكبار لاستقرار. بل ان عضو المنظمة والمنتج الرئيسي المملكة العربية السعودية عملت على توظيف احتياطياتها المالية الضخمة في بناء اقتصاد مرن قادر على امتصاص اثار انهيار اسعار النفط وفرضت بعدها سيطرتها على منظمة اوبك وأفرغته من قرارته ، و ساعدت احتياطياتها النفطية الضخمة بأن تلعب دوراً أكبر من حجمها ، من خلال إغراق أو استنزاف النظام العالمي للنفط، عندما صرح الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل لمسؤولي حلف الشمال الأطلسي في عام ( 1201 )، أن الرياض مستعدة لإغراق السوق بالنفط لتقويض اقتصاديات بعض دول من اعضاء منظمة اوبك، وعملت بإغراق سوق النفط، في خريف عام ( 2014 ) مستفيدين من اتخام السوق بالنفط،, اضافة الى ذلك أن انخفاض أسعار النفط من شأنها أن تقوض ايضا صناعة النفط الصخري الذي كان ينافس هيمنة المملكة العربية السعودية على سوق النفط، ولكن الهدف الرئيسي للمملكة هو خلق حياة صعبة لغريمتها ايران. اما البلدان المنتجة للنفط من خارج منظمة اوبك كروسيا على وجه الخصوص التي لا تملك اقتصاد متنوع، تستند ميزانيتها الاقتصادية على أسعار محددة للنفط. حيث صدقت توقعات السعوديون في التراجع الحاد لأسعار النفط “الصدمة” ليست فقط لتقويض صناعة النفط الصخري بل لتقويض الاقتصاد الإيراني والروسي أيضاً والذي من شأنه إضعاف قدرتهم على دعم حلفائهم وأتباعهم لا سيما في العراق وسوريا.
ان هذه “الصدمة ” قد عصفت ايضا باقتصاديات بعض منتجي النفط في الشرق الأوسط ، حيث قيّدت عائدات النفط المنخفضة قدرة العراق على تحرير المناطق من قبضة تنظيم داعش الإرهابي،و قننت موازناته المالية التشغيلية وجمدت موازناته
الاستثمارية . وانعكس تاثير”الصدمة” ايضا الى إضعاف اقتصاد منتجي النفط في في آسيا الوسطى، إذ أعربت كل من أذربيجان وكازاخستان عن رغبتهما في الحصول على مساعدات الطوارئ المقدمة من صندوق النقد الدولي وغيرها من مؤسسات تمويلية. و كذلك على منتجي النفط في امركا الجنوبية مثل فنزويلا بفقدان عائداتياتها من النفط التي تشكل 95 ٪ من مواردها، وارتفاع معدلات التضخم فيها، وأصبحت فنزويلا دولة ذات غيبوبة مالية.
ان المواجهة التي تشهدها اسواق النفط منذ خريف عام( 2014)، التي ادت الى انهيارات كبيرة في اسعار النفط ، والتي خسر فيها النفط الخام أكثر من 70 %من قيمته. حيث ادى انخفاض الاسعارالى نشوب خلافات بين اعضاء أوبك والتي اشتدت على خلفية رفض المملكة العربية السعودية تخفيض انتاجها النفطي والتي اتبعت فيه تكتيكا فعالاً وبشكل وحشي لاغراق السوق النفطية والابقاء على مستويات انتاج مرتفعة على الرغم من التخمة التي يشهدها السوق النفطي وبالرغم من غياب دورمنظمة اوبك كمنظمة عريقة وفاعلة في المساهمة في استقرار سوق الطاقة العالمي, ظهرت اصوات من داخل المنظمة تطالب بتعديل السياسة النفطية للمنظمة وان تحصن المؤسسات التسويقية لاعضاء اوبك من مرضها تحسبا لتعرضهم “لصدمات” قادمة قد تكون مميتة .ومنها العراق, حيث لازالت المؤسسة التسويقية النفطية كمؤسسة عريقة في التسويق والتسعير النفطي تعمل بآليات تقليدية تفتقر فيها اعتماد التكنلوجيا الحديثة لمعالجة البيانات السعرية للنفوط العالمية ونفوط منظمة اوبك وغير متفاعلة مع قواعد معلومات وبيانات المعروض الخزني من مصادره في سوق الطاقة العالمي ومع نشرات وتقارير مراكز الدراسات الدولية المتخصصة في الاقتصاد والطاقة. حيث لم يبادرالقطاع النفطي بانشاء مركز دراسات استراتيجية نفطية واقتصادية متخصصة في تحليل و تخمين حجم الانتاج النفطي العالمي ورسم السياسات السعرية وسياسات تسويقه لتكون رافدا مهما في تهيئة بيانات اركان الموازنة المالية ونبراسا في نفق الاقتصاد العراقي المظلم ليتهيأ لصدمة مستقبلية قادمة طالما المرض لايزال مستفحلا.