18 ديسمبر، 2024 9:00 م

مرض انفصام الشخصية عند اطباء السوق

مرض انفصام الشخصية عند اطباء السوق

مرض انفصام الشخصية او السكيزوفرينيا حالة مرضية تتميز بانفصام المريض عن واقعه وفقده القدرة على فهمه. فيعيش في عالم منغلق خاص به وكأنه في حلم مستمر. يصيب مرض انفصام الشخصية حوالي واحد في المائة من المواطنين الا ان النسبة ترتفع الى درجة مخيفة بين الاطباء. واكثر المصابين من الاطباء تبدأ اعراضهم عندما يبدأون بممارسة الدرجة الاولى من الاحتيال بابرام اتفاقيات مع اصحاب الصيدليات ومختبرات السونار والتحليلات المرضية، ومع ذلك فمن الممكن ان يبدأ المرض في اي وقت بعد التخرج وبعد فتح عيادة خاصة. يؤدي المرض عند الاطباء عند غياب اي علاج الى الاثراء السريع على حساب جيب المريض والى تدهور الاخلاق المهنية من علاقات سيئة ومتردية مع المرضى، وله تأثيرات كبيرة على حياة الفرد والمجتمع اهمها:

1- انه يزيد من عزلة الاطباء عن المجتمع ومعاناة افراده، ويزيد من جشعهم ومن سوء تعاملهم مع مراجعيهم.

2- انه يجعل مراجعي هؤلاء الاطباء اقل رغبة في زيارتهم واكثر رغبة في زيارة المعالجين الروحانيين والمشعوذين.

3- انه يزيد من سخط الناس وكراهيتهم لمهنة الطب وللطبيب.

و على الرغم من انتشار الحديث عن هذه الظاهرة (المرض)، وكثرة الكتابة حولها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والنقاشات في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، فلا يزال الكثير من هؤلاء الاطباء يمارسون اساليب بعيدة عن اخلاق المهنة تلك التي لابد ان تشربوا منها خلال دراستهم الجامعية ومنها على سبيل المثال:

1- الثقة بين المريض والطبيب أمر ضروري لممارسة الطب حيث لا يمكن أن يكون هناك أي دواء فعال في ظل غياب الثقة. ثقة المريض بالطبيب تفرض على الطبيب واجب احترام المريض وأن تكون نصائحه وعلاجاته جديرة بالثقة وخاضعة للمساءلة، وان يتمتع الطبيب بأعلى المعايير الاخلاقية والسلوك والاحترام والسرية والصدق والمسؤولية. لذلك يفترض ان يحترم الطبيب الخصوصية ولا يكون غير المريض والطبيب (و ربما ممرضة) بداخل غرفة الفحص الطبي.

2- بالإضافة الى الكفاءة والمقدرة الطبية، يجب على الطبيب ان يكون نزيها ورحيما وحريصا على احترام شعور الآخرين، والتواصل مع المريض وتقديم المشورة السليمة، وان يبحث عن افضل الادلة للتشخيص، وان يكون ملزما بالتحسين المستمر والتميز في تقديم الخدمات الطبية للمرضى. لذا فان اجبار المرضى لتلقي العلاج في العيادات الخاصة دون المستشفيات وفرض وصفة طبية لعدة ادوية غير ضرورية تعتبر ممارسة غير اخلاقية وغير مهنية.

3- معاملة كافة المرضى بنفس درجة الاحترام والاهتمام، وبسرية تامة كونها مبدأ اساسي في مهنة الطب فالكشف عن معلومات خاصة بمريض للآخرين انتهاك لحقوق المريض وإهانة كبيرة لكرامته.

بناءً على ما تقدم، وعلى ضوء ما ينشر ويتداول بين الناس حول سلوك الكثير من الاطباء، يتبين مدى انتشار مرض انفصام الشخصية بينهم، ومدى انفصال سلوكهم عن السلوك الاخلاقي الذي تفرضه ممارسة مهنة الطب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، من هو المسؤول عن هذه التصرفات؟ وهل يمكن تبرئة النظام التعليمي الجامعي الذي اهمل بناء الطبيب مهنيا وأخلاقيا ونفسياً؟ وهل يستبعد تأثير قيم البيئة الاجتماعية على سلوك وممارسة الطبيب؟

الاداء غير المهني للطبيب يعني فشله في تلبية متطلبات معايير الكفاءة (سواء المعرفة او المهارة او كلاهما) والتي يتوقعها ممارسة مهنة الطب.

اما فيما يخص علاقة انفصام الشخصية عند الاطباء بالممارسات “التجارية والربحية”، احب ان اشير الى معطيات مهمة وهي كثيرا ما أُهملت ولم يتطرق لها أحد ويعود هذا ربما الى الجهل بأخلاق مهنة الطب، وبدور المعرفة العلمية عند الطبيب في معالجة المرض. برأيي ان عدم الالتزام باخلاق المهنة وقلة المعارف العلمية الطبية هما اهم سببين لتردي اخلاق وصحة المجتمع وأكثر اهمية من اجرة فحص المريض وجشع الاطباء المادي.

1- الاتفاق مع اصحاب الصيدليات ومختبرات التحليلات المرضية وهي اتفاقات ليست بالعادة في صالح المريض. احد الاطباء استخدم خدعة غريبة في كتابة وصفاته وهي كتابة اسم الدواء بالمقلوب لكي لا يفهمها الا صاحب الصيدلية المتفق معه فقط ولا غير.

2- عدم منح الطبيب الاهتمام اللازم للمريض في العيادات الحكومية بينما يوفر هذا الاهتمام للمريض الذي يزوره في عيادته.

3- تقديم موعد زيارة الطبيب للمريض الذي يدفع رشوة لسكرتير الطبيب.

4- استقبال اعداد كبيرة من المراجعين في وقت قصير نسبيا. احب ان اذكر ان طبيبي في دبلن يقضي ما لا يقل عن 30 دقيقة مع كل مريض يستقبله في عيادته حتى وان كانت المعالجة لا تقتضي قضاء هذا الوقت الطويل حيث يقضي الفترة بالعادة في اعطاء النصائح الطبية والمعلومات العلمية.

5- وصف اعداد كبيرة من الادوية حتى وان لم تكن الحاجة لها. والسبب في هذا يعود اما الى جهل الطبيب بالمرض والاعتماد على الحدس وإما الى ادراكه لتفضيل المرضى للأطباء الذين يصفون ادوية عديدة. لقد دهشت عند زيارتي الاخيرة للعراق ان قريبة لي عند زيارتها للطبيب تشتكي من مغص معوي بسيط ان وصف لها 7 ادوية مختلفة منها اثنين من مضادات الحيوية.

6- يرتكب الطبيب اخطاء كبيرة بعضها قاتلة ولكنه وفي معظم الاحيان ينجو من المحاسبة ولم اسمع لليوم ان طبيبا منع من ممارسة مهنته اوتعرض للمحاسبة القانونية.

7- كثير من الاطباء في العراق لا يجيدون اللغة الانكليزية لذا يكون اطلاعهم على المعرفة العلمية والمعلومات الطبية الحديثة محدودا وهم لا يجهدون انفسهم في تعلمها ولا في البحث في مصادر المعلومات، فمن اين تأتي لهم المعرفة لتجديد معلوماتهم؟

8- كثير من الاطباء التدريسيين في الجامعات لا يزاولون عملهم الاكاديمي بصورة مرضية، ويتهربون منه لكي يصلوا الى عياداتهم ليقضوا ساعات اخرى في عمل يومي مرهق قد يتسبب في ارتكاب اخطاء

وضعف في دقة التشخيص والعلاج. لذا يتطلب مراجعة لقانون الخدمة الجامعية حيث لا يتم تعيين اي تدريسي بدوام كامل (full time) اذا كان يمارس التطبيب في عيادة خاصة.

9- يعج مجتمعنا بعدد هائل من الأطباء همهم الأول تضخيم الوصفة وعدد الفحوصات المختبرية وعدد زيارات المريض. طبيبي في دبلن لا يأخذ اجرته عندما يطلب مني زيارته مرة أخرى، وأحيانا يقترح علي مخابرته لاعلامي بنتيجة الفحص المختبري لتجنيبي عناء الحضور، واذا رغب في كتابة وصفه فانه يتركها لي عند السكرتيرة.

10- هناك اطباء كثيرون يدعون بأنهم اصحاب اختصاصات عديدة واحيانا بعيدة عن بعضها الاخر مما يعطي الانطباع على ان الطبيب “بتاع كلو”.

انطلاقا من هذه المعطيات من الضروري وضع ضوابط وقوانين لإعادة الاعتبار لمهنة الطب بصفتها مهنة شريفة ونبيلة وبكونها مهنة إنسانية في المقام الأول أساسها الرحمة والأخلاق الفاضلة. والاستماع الى المريض بهدوء ومحاولة رفع المعاناة والخوف من المرض عن كاهله اهم من التقنيات المتقدمة والأدوية الطبية المتطورة حيث معظم المرضى لا يحتاجون الى هذه التقنيات او الادوية وإنما الى اهتمام من قبل الطبيب.

ما هو دور التعليم والتدريب الطبي في الجامعات في الوقاية من الاصابة بمرض انفصام الشخصية عند الاطباء؟ لربما يمكن احداث نقلة نوعية في مكافحة ظاهرة الجشع اذا ما تم اتخاذ الاجراءات التالية:

1- تدريب الطالب على العمل الطوعي في مساعدة المرضى والعجزة والاطفال وذلك بتوفير فرص العمل المجاني خلال العطل الصيفية وللسنوات ما قبل الدراسة السريرية كمساعدة الاطباء والممرضين والعاملين في المستشفيات ودور العجزة والخدمات المجتمعية ورياض الاطفال ومخيمات النازحين. واعتبار مثل هذا العمل الطوعي (volunteer work) احد الشروط التفضيلية للقبول في الكليات الطبية كما تفعل الجامعات البريطانية.

2- تدريس مادة الاخلاق الطبية وتطرح فيها حالات محلية ترمي لتعميق التفكير في السلوكيات الاخلاقية (case study) .

3- تدريب الطالب بمهارات الاتصال مع المريض كالمحادثة والاستماع والمقابلة والتعاطف والمشاركة الوجدانية.

4- تحسيس ضمير الطالب بأهمية اخذ القرار الاخلاقي السليم.

لكن لن يبلغ التدريب الطبي هدفه الا اذا سعى الطلبة والاطباء على الاستجابة الاخلاقية لكل التحديات التي تواجههم يوميا واتخاذ قاعدة سلوكية تضع مصلحة المريض فوق كل اعتبار.

واخيرا ومع كل ما ذكر يبقى السؤال الذي راودني منذ البداية وهو هل يمكن معالجة المريض من قبل طبيب مريض بانفصام الشخصية؟ اليس لنا اولا معالجة الاطباء المصابين بهذا المرض خصوصا وان تشخيص حالة التزامن بين الجشع وانفصام الشخصية سهل؟

نشرت في جريدة المدى، عدد 3400، تاريخ 1 تموز 2015

مرض انفصام الشخصية عند اطباء السوق
مرض انفصام الشخصية او السكيزوفرينيا حالة مرضية تتميز بانفصام المريض عن واقعه وفقده القدرة على فهمه. فيعيش في عالم منغلق خاص به وكأنه في حلم مستمر. يصيب مرض انفصام الشخصية حوالي واحد في المائة من المواطنين الا ان النسبة ترتفع الى درجة مخيفة بين الاطباء. واكثر المصابين من الاطباء تبدأ اعراضهم عندما يبدأون بممارسة الدرجة الاولى من الاحتيال بابرام اتفاقيات مع اصحاب الصيدليات ومختبرات السونار والتحليلات المرضية، ومع ذلك فمن الممكن ان يبدأ المرض في اي وقت بعد التخرج وبعد فتح عيادة خاصة. يؤدي المرض عند الاطباء عند غياب اي علاج الى الاثراء السريع على حساب جيب المريض والى تدهور الاخلاق المهنية من علاقات سيئة ومتردية مع المرضى، وله تأثيرات كبيرة على حياة الفرد والمجتمع اهمها:

1- انه يزيد من عزلة الاطباء عن المجتمع ومعاناة افراده، ويزيد من جشعهم ومن سوء تعاملهم مع مراجعيهم.

2- انه يجعل مراجعي هؤلاء الاطباء اقل رغبة في زيارتهم واكثر رغبة في زيارة المعالجين الروحانيين والمشعوذين.

3- انه يزيد من سخط الناس وكراهيتهم لمهنة الطب وللطبيب.

و على الرغم من انتشار الحديث عن هذه الظاهرة (المرض)، وكثرة الكتابة حولها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والنقاشات في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، فلا يزال الكثير من هؤلاء الاطباء يمارسون اساليب بعيدة عن اخلاق المهنة تلك التي لابد ان تشربوا منها خلال دراستهم الجامعية ومنها على سبيل المثال:

1- الثقة بين المريض والطبيب أمر ضروري لممارسة الطب حيث لا يمكن أن يكون هناك أي دواء فعال في ظل غياب الثقة. ثقة المريض بالطبيب تفرض على الطبيب واجب احترام المريض وأن تكون نصائحه وعلاجاته جديرة بالثقة وخاضعة للمساءلة، وان يتمتع الطبيب بأعلى المعايير الاخلاقية والسلوك والاحترام والسرية والصدق والمسؤولية. لذلك يفترض ان يحترم الطبيب الخصوصية ولا يكون غير المريض والطبيب (و ربما ممرضة) بداخل غرفة الفحص الطبي.

2- بالإضافة الى الكفاءة والمقدرة الطبية، يجب على الطبيب ان يكون نزيها ورحيما وحريصا على احترام شعور الآخرين، والتواصل مع المريض وتقديم المشورة السليمة، وان يبحث عن افضل الادلة للتشخيص، وان يكون ملزما بالتحسين المستمر والتميز في تقديم الخدمات الطبية للمرضى. لذا فان اجبار المرضى لتلقي العلاج في العيادات الخاصة دون المستشفيات وفرض وصفة طبية لعدة ادوية غير ضرورية تعتبر ممارسة غير اخلاقية وغير مهنية.

3- معاملة كافة المرضى بنفس درجة الاحترام والاهتمام، وبسرية تامة كونها مبدأ اساسي في مهنة الطب فالكشف عن معلومات خاصة بمريض للآخرين انتهاك لحقوق المريض وإهانة كبيرة لكرامته.

بناءً على ما تقدم، وعلى ضوء ما ينشر ويتداول بين الناس حول سلوك الكثير من الاطباء، يتبين مدى انتشار مرض انفصام الشخصية بينهم، ومدى انفصال سلوكهم عن السلوك الاخلاقي الذي تفرضه ممارسة مهنة الطب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، من هو المسؤول عن هذه التصرفات؟ وهل يمكن تبرئة النظام التعليمي الجامعي الذي اهمل بناء الطبيب مهنيا وأخلاقيا ونفسياً؟ وهل يستبعد تأثير قيم البيئة الاجتماعية على سلوك وممارسة الطبيب؟

الاداء غير المهني للطبيب يعني فشله في تلبية متطلبات معايير الكفاءة (سواء المعرفة او المهارة او كلاهما) والتي يتوقعها ممارسة مهنة الطب.

اما فيما يخص علاقة انفصام الشخصية عند الاطباء بالممارسات “التجارية والربحية”، احب ان اشير الى معطيات مهمة وهي كثيرا ما أُهملت ولم يتطرق لها أحد ويعود هذا ربما الى الجهل بأخلاق مهنة الطب، وبدور المعرفة العلمية عند الطبيب في معالجة المرض. برأيي ان عدم الالتزام باخلاق المهنة وقلة المعارف العلمية الطبية هما اهم سببين لتردي اخلاق وصحة المجتمع وأكثر اهمية من اجرة فحص المريض وجشع الاطباء المادي.

1- الاتفاق مع اصحاب الصيدليات ومختبرات التحليلات المرضية وهي اتفاقات ليست بالعادة في صالح المريض. احد الاطباء استخدم خدعة غريبة في كتابة وصفاته وهي كتابة اسم الدواء بالمقلوب لكي لا يفهمها الا صاحب الصيدلية المتفق معه فقط ولا غير.

2- عدم منح الطبيب الاهتمام اللازم للمريض في العيادات الحكومية بينما يوفر هذا الاهتمام للمريض الذي يزوره في عيادته.

3- تقديم موعد زيارة الطبيب للمريض الذي يدفع رشوة لسكرتير الطبيب.

4- استقبال اعداد كبيرة من المراجعين في وقت قصير نسبيا. احب ان اذكر ان طبيبي في دبلن يقضي ما لا يقل عن 30 دقيقة مع كل مريض يستقبله في عيادته حتى وان كانت المعالجة لا تقتضي قضاء هذا الوقت الطويل حيث يقضي الفترة بالعادة في اعطاء النصائح الطبية والمعلومات العلمية.

5- وصف اعداد كبيرة من الادوية حتى وان لم تكن الحاجة لها. والسبب في هذا يعود اما الى جهل الطبيب بالمرض والاعتماد على الحدس وإما الى ادراكه لتفضيل المرضى للأطباء الذين يصفون ادوية عديدة. لقد دهشت عند زيارتي الاخيرة للعراق ان قريبة لي عند زيارتها للطبيب تشتكي من مغص معوي بسيط ان وصف لها 7 ادوية مختلفة منها اثنين من مضادات الحيوية.

6- يرتكب الطبيب اخطاء كبيرة بعضها قاتلة ولكنه وفي معظم الاحيان ينجو من المحاسبة ولم اسمع لليوم ان طبيبا منع من ممارسة مهنته اوتعرض للمحاسبة القانونية.

7- كثير من الاطباء في العراق لا يجيدون اللغة الانكليزية لذا يكون اطلاعهم على المعرفة العلمية والمعلومات الطبية الحديثة محدودا وهم لا يجهدون انفسهم في تعلمها ولا في البحث في مصادر المعلومات، فمن اين تأتي لهم المعرفة لتجديد معلوماتهم؟

8- كثير من الاطباء التدريسيين في الجامعات لا يزاولون عملهم الاكاديمي بصورة مرضية، ويتهربون منه لكي يصلوا الى عياداتهم ليقضوا ساعات اخرى في عمل يومي مرهق قد يتسبب في ارتكاب اخطاء

وضعف في دقة التشخيص والعلاج. لذا يتطلب مراجعة لقانون الخدمة الجامعية حيث لا يتم تعيين اي تدريسي بدوام كامل (full time) اذا كان يمارس التطبيب في عيادة خاصة.

9- يعج مجتمعنا بعدد هائل من الأطباء همهم الأول تضخيم الوصفة وعدد الفحوصات المختبرية وعدد زيارات المريض. طبيبي في دبلن لا يأخذ اجرته عندما يطلب مني زيارته مرة أخرى، وأحيانا يقترح علي مخابرته لاعلامي بنتيجة الفحص المختبري لتجنيبي عناء الحضور، واذا رغب في كتابة وصفه فانه يتركها لي عند السكرتيرة.

10- هناك اطباء كثيرون يدعون بأنهم اصحاب اختصاصات عديدة واحيانا بعيدة عن بعضها الاخر مما يعطي الانطباع على ان الطبيب “بتاع كلو”.

انطلاقا من هذه المعطيات من الضروري وضع ضوابط وقوانين لإعادة الاعتبار لمهنة الطب بصفتها مهنة شريفة ونبيلة وبكونها مهنة إنسانية في المقام الأول أساسها الرحمة والأخلاق الفاضلة. والاستماع الى المريض بهدوء ومحاولة رفع المعاناة والخوف من المرض عن كاهله اهم من التقنيات المتقدمة والأدوية الطبية المتطورة حيث معظم المرضى لا يحتاجون الى هذه التقنيات او الادوية وإنما الى اهتمام من قبل الطبيب.

ما هو دور التعليم والتدريب الطبي في الجامعات في الوقاية من الاصابة بمرض انفصام الشخصية عند الاطباء؟ لربما يمكن احداث نقلة نوعية في مكافحة ظاهرة الجشع اذا ما تم اتخاذ الاجراءات التالية:

1- تدريب الطالب على العمل الطوعي في مساعدة المرضى والعجزة والاطفال وذلك بتوفير فرص العمل المجاني خلال العطل الصيفية وللسنوات ما قبل الدراسة السريرية كمساعدة الاطباء والممرضين والعاملين في المستشفيات ودور العجزة والخدمات المجتمعية ورياض الاطفال ومخيمات النازحين. واعتبار مثل هذا العمل الطوعي (volunteer work) احد الشروط التفضيلية للقبول في الكليات الطبية كما تفعل الجامعات البريطانية.

2- تدريس مادة الاخلاق الطبية وتطرح فيها حالات محلية ترمي لتعميق التفكير في السلوكيات الاخلاقية (case study) .

3- تدريب الطالب بمهارات الاتصال مع المريض كالمحادثة والاستماع والمقابلة والتعاطف والمشاركة الوجدانية.

4- تحسيس ضمير الطالب بأهمية اخذ القرار الاخلاقي السليم.

لكن لن يبلغ التدريب الطبي هدفه الا اذا سعى الطلبة والاطباء على الاستجابة الاخلاقية لكل التحديات التي تواجههم يوميا واتخاذ قاعدة سلوكية تضع مصلحة المريض فوق كل اعتبار.

واخيرا ومع كل ما ذكر يبقى السؤال الذي راودني منذ البداية وهو هل يمكن معالجة المريض من قبل طبيب مريض بانفصام الشخصية؟ اليس لنا اولا معالجة الاطباء المصابين بهذا المرض خصوصا وان تشخيص حالة التزامن بين الجشع وانفصام الشخصية سهل؟

نشرت في جريدة المدى، عدد 3400، تاريخ 1 تموز 2015