23 ديسمبر، 2024 12:22 ص

مرحبا بنا في السويد

مرحبا بنا في السويد

الجزء الثاني
لم يمضي اسبوع حتى بدأت القرية تبدو وكأنها فرغت من ساكينها وعرفت بأن العطلة الصيفية قد بدأت وان الناس لاتمكث في بيوتها بل تحب السفر والتجوال وان الحياة تبدو شبه معطلة في الصيف فكأنه سبات صيفي. من الصعب ان تجد الفة مع هذا المكان خصوصا في الايام الاولى فالملل قاتل والرتابة في الحياة شئ لايطاق ومع قلة الصبر وتزايد الملل تصبح الحياة شبه مستحيلة! لاشئ يحدث , سكون تام وفكرت في ان هذا السبب الذي يجعل السويديين ينتحرون.! اسؤا الاوقات هي الليل حيث يصبح الارق رفيق دائم وبدأ الرفاق الخائفين يتناولون الاقراص المنومة ولكن القلق المسكون في داخلهم كان ينوم المنوم! وفي هذه الايام تذكرت رواية كنت قد قرأتها في ايام المراهقة لم استطع ان اتم قرائتها الا بعد عناء طويل, ليس بسبب كبر حجم الكتاب وطول الرواية فحسب بل برتابة احداثها ولكني رغم ذلك قرأتها حتى النهاية وكانت هذه الرواية هي ذكريات من منزل الاموات للكاتب الروسي الكبير دستويفسكي وقد كتبها في سيبيريا على الاغلب وهوينتظر تنفيذ حكم الاعدام فيه. كل يوم يمكن ان يحمل الي والى رفاقي خبرا سارا او مفجعا, انتظار قرار من دائرة الهجرة بمنح الاقامة من عدمها واحيانا كنت اريد اي قرار فحسب من اجل ان اخرج من هذا المنفى.
سولبري هي جبل الشمس هكذا هو اسمها وهي لاتغيب عنها الشمس في فصل الصيف لحظة واحدة , ليس هناك ليل وفي الشتاء ليس هناك نهار. وكان من الصعب التأقلم مع هذا في البداية ومع الوقت وجد البعض في ذلك متعة واية متعة! لم يكن هناك احد ينام في الليل , والبعض كان يتسكع في القرية النائمة في الساعة الثانية صباحا وكأنه في الساعة العاشرة مساء. أمكننا التعرف على وجهاء القرية ا وتعرفنا على كل اهلها تقريبا. هنا تلقي السلام على كل ماتصادفه. هذه هي عادات القرية ولكن العادة لازمتنا حتى اننا كنا حين نزور المدينة القريبة في يوم الجمعة كنا نلقي التحية على كل من نصادفه فكانوا ينظرون الينا باستغراب.!
واحد من هؤلاء الشخصيات كان معلم اللغة السويدية وكانت هواية صيد السمك شغله الشاغل فكان يستيقظ عند الرابعة فجرا ويذهب الى البحيرات القريبة ليصطاد وكان هناك رجلا اطلق عليه المقيمن هناك من العرب الفلاح لان لديه مزرعة يربي فيها الخرفان وكانت العرب تشتري منه الخرفان وورطته في المحظور والممنوع فهذا دأبهم فقد كانت تطلب منه ذبح الخرفان بدلا من صعقها بالكهرباء وكان يفعل ذلك لاجل خاطرهم فقد كان الرجل ودودا والعرب تستغل الودود والطيب ابشع استغلال.
كان المجمع السكني يضم وجوه شرق اوسطية من العراق ولبنان وفلسطين ومصر وكان هناك ايراني واحد. لم يكن في القرية سوى سوبرماركت واحد ودائرة بريد ومقهى صغير. وفي هذا المقهى الذي كانت تديرة بنت جامدة الملامح (انتحرت لاحقا ببندقية صيد وجهتها نحو حنكها) كان هناك جهاز لتشغيل الاغاني ويعمل بعد وضع عملة معدنية عند اختيار الاغنية من قائمة. وفي الطريق الى المقهى الذي كن يقع عند بداية القرية كنا نمر بفيلا من طابقين وفي الايام الاول وقع نظرنا على ماخفف عنا وحشة هذه القرية الكئيبة.
كانت البنت الشقراء الممتلئة حيوية وانوثة وهي تحدث شقيقتها التي كانت تقف اسفل الفيلا ترش الزرع والتي القت علينا تحية جعلت جبل الجليد الكاتم على نفوسنا ينصهر في لحظة. لقد سمعت جيدا هي من القت علينا التحية وبدون ان نتحرى او نتقصى كانت الاخبار تصل الينا تباعا. تلك البنتين الجميليتين كانتا بنات سائق التاكسي الوحيد في القرية وكن ثلاث بنات , تشرفنا برؤية الكبيرة في الشرفة والصغيرة التي ترش الازهار في الحديقة والمتوسطة لم اراها ولكني رأيتها لاحقا فكانت لاتقل عن شقيقاتها جمالا! وعرفت ان كل شباب المجمع السكني واقع في حب البنت الكبيرة وان هناك شاب احب ان يطبق عليها نظريات الحب العربي فعرض عليها الزواج فصدته مستنكرة وهي تقول له اغرب عن وجهي! ولطالما ضحكت من هذه الحكاية وانا أسمعها وكان هناك من يقول له ليك يااهبل هذول مايحبوا الزواج والأرتباط.